إستدعاء الأمنيين الكبار بعد توقيف الأمنيين الصغار بانفجار مرفأ بيروت/علي الموسوي
كتب علي الموسوي:
عندما وصل الضبّاط الأربعة في مخابرات الجيش اللبناني والأمن العام وأمن الدولة إلى الطبقة الرابعة من قصر عدل بيروت للمثول أمام المحقّق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت فادي صوّان، لم يكن يخطر في بالهم أنّ توقيفهم احتياطياً أمر حتمي ولو على شبهة تقصير، وذلك لاعتقاد ثلاثة منهم على الأقلّ أنّهم قاموا بواجبهم تجاه موضوع “نترات الأمونيوم” الموضوعة في المخزن الجمركي رقم 12 على أكمل وجه، ولم يخالجهم أيّ شكّ بوجود تقصير أو إهمال أو قلّة تدبير واحتراز من قبلهم يحتّم توقيفهم.
لم ينتظر الضبّاط الأربعة وهم رئيس مكتب استخبارات الجيش في المرفأ العميد أنطوان سلوم سلوم، والضابطان في المديرية العامة للأمن العام الرائد داوود منير فياض والرائد شربل كمال فواز ورئيس مكتب أمن الدولة في المرفأ الرائد جوزيف ميلاد الندّاف دورهم كثيراً، واستغلّ بعضهم فترة وجوده في الحرّية بالتجوال ذهاباً وإياباً في الرواق الطويل في الطابق المخصّص لمحاكم التمييز والنيابة العامة التمييزية حيث حلّ المحقّق العدلي صوان ضيفاً في مكتب خصّص له لإنجاز مهمّته في كشف اللثام عن خبايا الإنفجار المزلزل الذي ضرب المرفأ في 4 آب 2020.
كما أنّ هؤلاء الضبّاط لم يمكثوا طويلاً لمعرفة قرار صوّان بعد “الاستئناس” برأي النائب العام التمييزي القاضي غسّان عويدات بتوقيفهم واقتياد كلّ واحد منهم إلى مكان توقيف خاص بالجهاز الأمني التابع له إلى حين بروز معطيات جديدة تتيح للمحقّق العدلي إخلاء سبيلهم فرادى أو دفعة واحدة.
الضبّاط الأعلى
وأثار توقيف الضبّاط الأربعة المذكورين آنفاً سلسلة تساؤلات، فما دام كلّ واحد منهم يدعي بأنّه قام بمسؤولياته كاملة وأتمّ عمله بإبلاغ رؤسائه والجهات التابعة لها عسكرياً وسياسياً بما يحتويه العنبر رقم 12 من “نترات الأمونيوم” القابلة للإشتعال وبالتالي للإنفجار في أيّة لحظة، فلماذا لم يتابع الضبّاط الأعلى منهم عملهم؟ وهل حصل تقصير ما منهم في السعي حثيثاً لرفع “القنبلة النووية” من مكانها ونقلها إلى مكان آمن أو مستودعات تابعة لهذه القوى الأمنية بحسب المهمّات والإختصاص؟ وهل فعلوا ما يلزمهم به ضميرهم وحسّهم الوطني وقسمهم العسكري أم أنّهم اكتفوا بالإبلاغ الشفهي والورقي من دون أن يتابعوا؟
ولا شكّ أنّ هذه الأسئلة لم تغب عن بال القاضيين عويدات وصوّان المحنّكين جزائياً، وبالتالي فإنّه لا بدّ من استدعاء ضبّاط كبار في الجيش اللبناني وأمن الدولة والأمن العام للإستفسار منهم عن الدور الذي قام به كلّ واحد منهم وذلك في سبيل الحصول على أجوبة مقنعة وشافية تحقّق المرتجى، ولا يجوز التغاضي عن استدعاء ضبّاط كبار والإكتفاء بتوقيف ضبّاط صغار في الرتبة، وتوقيف مدنيين بعضهم لم تكن له أيّة علاقة مباشرة بالعنبر الرقم 12.
وإذا كان المراد معرفة الحقيقة كاملة ومن دون أيّ نقصان في سبيل ترتيب المسؤوليات، إلاّ أنّه في الوقت نفسه لا يمكن استسهال توقيف بعض الأشخاص لمجرّد التوقيف بهدف إرضاء الرأي العام، باعتبار أنّ القضاء يعمل تحت ضغط كبير وفي وضع لا يحسد عليه خصوصاً بعد مرور أكثر من شهر على وقوع هذه الكارثة ومن دون تبيان معطيات فاعلة عن الحقيقة المطلوبة.
الجيش يتحرّك
وما يلفت أنظار متابعين لملفّ التحقيق أنّ مديرية التوجيه في قيادة الجيش أصدرت في 3 أيلول 2020 بياناً عن قيام فوج الهندسة التابع لها بالكشف على أربعة مستوعبات في “بورة الحجز” التابعة للجمارك خارج مرفأ بيروت تحتوي على 4 أطنان و350 كيلوغراماً من مادة “نترات الأمونيوم”، وهذا تحرّك سريع ومهمّ وضروري ومطلوب، ثمّ أعلن الجيش في اليوم التالي عن تفجير هذه الكمّية في حقول التفجير التابعة للجيش، بينما لم يحصل الأمر نفسه عند الإبلاغ عن وجود 2755.5 طناً من “نترات الأمونيوم” في العنبر رقم 12، لا بل اعتبرت قيادة الجيش في كتاب صادر في اليرزة في 7 نيسان 2016 وموقّع من رئيس الأركان اللواء الركن وليد سلمان بالنيابة عن قائد الجيش العماد جان قهوجي أنّها” ليست بحاجة لهذه الكمّية”، ودعت الجهة المرسل كتابها إليها وهي مديرية الجمارك العامة، إلى “التواصل مع الشركة اللبنانية للمتفجّرات – مجيد الشمّاس لتبيان إمكانية الإستفادة من المادة المذكورة وفي حال عدم رغبتها بذلك، إعادة تصديرها إلى بلد المنشأ على نفقة مستورديها”.
عيد وفاضل
ويسأل المتابعون لماذا لم يتمّ نقل هذه المادة إلى مستودعات تابعة للجيش حيث الحراسة مؤمّنة أكثر، تمهيداً لتلفها مثلاً بعد فشل بيعها في مزاد علني أو عدم تصديرها من جديد إلى من أرسلها؟ وهل جرى الإكتفاء بهذا الكتاب العائد للعام 2016 من دون الإستفسار عمّا حصل بهذه الكمّية الضخمة وهي معرّضة للتفجير والإشتعال في لحظة ما كما حصل لاحقاً في 4 آب 2020؟
ويأتي الجواب سريعاً على السؤال الأخير، إذ تكشف المعلومات أنّ مسؤول مخابرات الجيش في المرفأ العميد مروان عيد الذي خلفه العميد سلوم أرسل ثلاثة كتب إلى رئيسه مدير المخابرات العميد إدمون فاضل، ولم تعرف نتيجة هذه المتابعة.
إخبار وزير الدفاع
وترى أوساط مراقبة أنّه كان يتوجّب على قيادة الجيش عندما أعلنت عدم حاجتها لكميّة “نترات الأمونيوم” المذكورة، أن تراسل وزير الدفاع لكي يقوم بدوره بإثارة الموضوع في مجلس الوزراء ويضع الجميع أمام مسؤولياتهم الوطنية، غير أنّ هذا التوجّه لم يحصل، فوقعت كارثة التفجير، فهل حصل تقصير ما من المعنيين؟!
وأكثر ممّا تقدّم، فإنّ القوى الأمنية تظهر براعة غير مسبوقة عند عثورها على 2750 غراماً من حشيشة الكيف مثلاً، وتعلم الرأي العام بأنّها ضبطت وصادرت وفعلت كذا وكذا، بينما لم يجر التعامل بالجدّية المطلوبة مع “نترات الأمونيوم” التي كُدّست في العنبر رقم 12 مع مواد أخرى قابلة للإشتعال، وهي في الأصل وبحسب بعض المراسلات والمحاضر الأمنية”تستعمل لتصنيع المتفجّرات كونها شديدة الإنفجار وسريعة الإشتعال”.
لماذا لم يتمّ التعاطي بجدّية كبيرة مع سلسلة من المراسلات تؤكّد وجود كمّيات كبيرة من “نترات الأمونيوم”؟ ولماذا لم يتحرّك أحد بالشكل الفعّال لتدارك خطورتها فانفجرت وقتلت وجرحت ودمّرت؟
إستدعاء الأمنيين الكبار والادعاء عليهم
وليس بالضرورة أن يقتصر التحقيق على من قام القاضي غسّان عويدات بالادعاء عليهم بموجب “ورقة طلب”، إذ يمكن للمحقّق العدلي صوّان أن يستدعي من يشاء إلى التحقيق لإنارة التحقيق، وإذا لزم الأمر فإنّه يمكنه أن يطلب الإدعاء عليهم لاحقاً ولا يوجد أيّ مانع قانوني تجاه هذه الخطوة التي يبدو أنّه لا مناص من اللجوء إليها في ظلّ اتساع رقعة التحقيق والتقصير الأمني الفادح من مسؤولين أمنيين وعسكريين كبار منهم من تقاعد ومنهم من لا يزال في موقعه في سدّة المسؤولية.
كما أنّ القاضي صوّان ملزم باستدعاء كلّ شخص عرف بوجود شحنة “نترات الأمونيوم” ومن كان يتوجّب عليه أن يعرف بها ولم يفعل شيئاً تجاهها كونها تقع ضمن صلاحيته واختصاصه الوظيفي سواء أكان عسكرياً أو أمنياً أو مدنياً، ومن تلقّى مراسلات وكتباً بشأن هذه المواد ولم يحرّك ساكناً ولم يفعل شيئاً ولا يعقل أن يكون انفجار بهذا الحجم الكارثي من مسؤولية مدنيين محدّدين بهيئة حدّادين مثلاً، بينما الأمنيون والعسكريون الكبار خارج الملاحقة والاستدعاء والادعاء وتدخل “نترات الأمونيوم” في صلب مهامهم العسكرية والأمنية.
وبطبيعة الحال، فإنّه لا يمكن تجهيل الفاعل في جريمة انفجار المرفأ، والسعي إلى إرضاء الناس بتوقيفات لا تتوافق مع واقع الحال، بمعنى أنّ العسكريين والأمنيين يعرفون أكثر من سواهم بخطورة “نترات الأمونيوم”، فيما جرى توقيف مدنيين وصغار الأمنيين ولم يجر استدعاء الكبار منهم وهم معروفون بالأسماء والرتب، والجريمة الكبيرة لا تتيح حصول أيّ تغاض عنهم فالوطن أكبر من الجميع، وسلامة المجتمع والناس أهمّ من مصالح الأفراد حتّى ولو كانت لهم أيادي بيضاء في مكان ما بحكم مراكزهم ووظائفهم.
“محكمة” – الإثنين في 2020/9/7