إستيفاء الحقّ بالذات: حادثة بنك “BBAC” نموذجًا/عطاف قمر الدين
الباحثة القانونية عطاف قمر الدين:
“القانون يجب أن يكون مثل الموت، لا يستثني أحدًا”.
على اثر إقدام السيّد عبد الله الساعي منذ يومين على اقتحام أحد فروع بنك “بيروت والبلاد العربية” في بلدة جب جنين في البقاع الغربي، واستيفاء قيمة وديعته التي تبلغ ٥٠ ألف دولار أميركي، بعد تهديد الموظّفين بالقوّة… قام المذكور بتسليم نفسه إلى السلطات المعنية لعلمه أنّ ما اقترفه يعدّ جرمًا جزائيًا معاقبًا عليه في القانون اللبناني بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين سندًا للمادة ٤٣٠ من قانون العقوبات.
والجرم الذي نقصد هو ما يسمّى في الاصطلاح القانوني بـ”استيفاء الحقّ بالذات” الذي يحظّر بموجبه الإستحصال على الحقوق من جانب أصحابها عوضًا عن اللجوء إلى السلطات القضائية المختصّة… فسلطة القانون تحلّ محلّ الانتقام الذي يولّد ما لا يُحمد عقباه على المستوى الإجتماعي، سيّما لجهة خلق الفوضى وتعزيز ثقافة الثأر.
ولكنّ المشرع عندما جرّم استيفاء الحقّ بالذات اعترف ضمنًا بأنّ ما تمّ الاستحصال عليه بمبادرة فردية عبارة عن سلوك جرمي، إنّما هو “حقّ” للفاعل يترتّب له في ذمّة “الضحية” ، ومن هذا المنطلق وجب البحث في مدى إمكانية الركون إلى الوسائل القانونية لاستيفاء الحقّ وفقًا للأصول عوضًا عن سلوك طريق الجريمة، لمعرفة مدى انطباق فعل السيّد الساعي على نصّ المادة ٤٢٩ عقوبات.
وبالعودة إلى العناصر الجرمية التي نصّت عليها المادة ٤٢٩، نجد أنّها اشترطت صراحةً أن يكون الفاعل (من أقدم على استيفاء حقّه بالذات) “قادرًا على مراجعة السلطة ذات الصلاحية” لاكتمال الجرم.
ومراجعة السلطة القضائية تحيل إلى الفعالية لا إلى الإمكانية، بمعنى أنّ السيّد الساعي وأيّ مواطن لبناني آخر، يستطيع بالفعل اللجوء إلى القضاء شكليًا للمطالبة بحقّه، ولكنّ التساؤل يطرح حول تمكّنه من تحصيله في ظلّ محاولة الجهات المسؤولة (على رأسها مصرف لبنان) قوننة امتناع المصارف عن إعادة الودائع إلى أصحابها، وتقييد سحب الودائع بالدولار الأميركي، وإصدار التعاميم التي تشرّع إهدار قيمة أموال الناس مع تدهور قيمة العملة الوطنية مقابل الدولار الأميركي، وتدهور القدرة الشرائية لدى المواطن، مقابل تخليص المصارف من مطلوباتها(موجباتها) تجاه الزبائن.
إنطلاقًا من هذا المقاربة، يمكن القول إنّ غضّ النظر من قبل الرأي العام عامةً وأوساط الحقوقيين وأهل القانون خاصةً، عن أخطر جريمة إساءة إئتمان حصلت بحقّ شعب بأكمله تقريبًا، ووضع السيف على رقبة السيّد الساعي وإهمال الفعل الذي يوجب أسبقية المساءلة، والإكتفاء بتسليط الضوء على ردّة الفعل تحت ذريعة التمسك بالقانون، هو بمثابة التفاف على العدالة وتغاض عن قاعدة بمنتهى الأهمّية مفادها أنّ “القانون الذي لا يطبّق على الجميع لا يُحترم”. أضف إلى ذلك أنّ تسليم السيّد الساعي لنفسه بعد أن فعل ما فعله، لا يستفاد منه التعنّت والاستكبار على القانون، بل تسجيل موقف فحواه مشروع ومحقّ بصورة تامة.
وخلاصة القول، إنّنا لا نشجّع على التمرّد على القانون، بل ندعو، تجنّبًا لحوادث مماثلة، إعادة ترتيب الأولويّات بمطالبة القضاء بإلزام المصارف بإعادة أموال الناس، ثمّ بالنظر بعين الرأفة إلى السيّد الساعي، والأخذ بعين الاعتبار أنّ شريعة الغاب هي ما يولّد مثل هذه الأفعال وليس العكس.
“محكمة” – الخميس في 2022/1/20