إصلاحات ونجاحات هنادي بري في التعليم المهني والتقني/علي الموسوي
كتب علي الموسوي:
قلبت الدكتورة هنادي بري مديرية التعليم المهني والتقني رأساً على عقب فور استلامها مهامها كمدير عام لها بالتكليف وذلك قبل فترة وجيزة جدّاً من أوّل امتحان لها في هذا المركز وما تردّد بشأنه من أحاديث وأقاويل، حيث قادت الامتحانات الرسمية إلى برّ الأمان وبنجاح تام وبطريقة جديدة لم تكن مألوفة من قبل، كما تمكّنت بفعل حيويتها من إجراء نفضة كبيرة وسلسلة إصلاحات أعادت بموجبها الحياة إلى هذه المديرية سواء أكان من حيث المباني أو من حيث العمل، وهذا ما بات يجمع عليه العاملون معها ومن كان يقف على ضفّة الاعتراض عليها وهم قلّة قليلة لا تذكر في الحسبان.
هنادي بري شقيقة رئيس المجلس النيابي نبيه بري في سدّة المديرية العامة للتعليم المهني والتقني. الإسم كبير والدعم السياسي يوازيه أهمّية، لكنّ هذه المرأة تستحقّ مركزها عن جدارة، فهي آتية إليه من خبرة طويلة الأمد في التعليم والإدارة بينها مراس إثنين وعشرين عاماً في إدارة معهد بئر حسن المعروف باسم المعهد الوطني للعناية التمريضية، وهذا هو وحده كاف للدلالة على أنّها تمتلك المؤهّلات العلمية لكي تأخذ فرصتها أسوة بلبنانيين آخرين، كما أنّ متابعة نشاطها اليومي عن قرْب وعن كثب، تثبت أنّها تمتلك كفاءة كبيرة في التعليم والإدارة، ولذلك فإنّ مقولة المرأة المناسبة في المكان المناسب تنطبق عليها.
لا يتوقّف هاتف الدكتورة هنادي بري الخليوي عن الرنين، طوال جلوسك معها في حديث طويل عن هموم مديريتها وشؤونها وشجونها، كما أنّ جدول عملها اليومي مليء بالزيارات المثمرة، وبين هذا وذاك تردّ وتستطلع وتعطي المواقف الحازمة ولا تسمع منها كلمة تأفّف أو قلّة اهتمام أو عدم دراية بما يعرض عليها من أوراق ومراجعات، ولا تكتفي باحتساب الوقت بالثانية، بل تعطيك انطباعاً بأنّ إضاعة الوقت ليس وارداً على الإطلاق ضمن جدول أعمالها ويومياتها.
ففي السابق كان إصدار وثائق الترشيح للامتحانات الرسمية يأخذ مدّة شهرين، ومع هنادي بري إنتهى هذا العمل الجبّار في أسبوع واحد بالتمام والكمال. هذا كان الامتحان الأوّل لهذه المرأة الرشيقة في حديثها وفي القوام والتي لا تكلّ عن العطاء، فقدّمت صورة راقية عن المثابرة والتميّز بفعل النيّة والإرادة والإصرار على إثبات الذات وعلى إعطاء إشارة أوّلية على أنّ وزير التربية أكرم شهيب لم يكن مخطئاً عندما أولاها ثقته وكلّفها بموجب المذكّرة رقم 3165 الصادرة في 24 أيّار 2019، مسؤولية مديرية كانت تعيش الكثير من المعوّقات والأزمات والتخبّطات.
قبل انطلاق الامتحانات الرسمية، إنتشرت شائعات كثيرة وتطايرت أقاويل عديدة ومن كلّ حدب وصوب، عن وجود توجّه وزاري لإعطاء إفادات للناجحين، غير أنّ هنادي بري قلبت الأمور رأساً على عقب واستطاعت مع فريق عمل مجتهد إنهاء كلّ الاستعدادات والشروع في إجراء هذه الامتحانات في فترة زمنية قليلة، من دون أن ننسى أنّ تعليمات وإرشادات الوزير شهيب فعلت فعلها أيضاً فنجحت بري في تقديم صورة مشرقة عن مديرية التعليم المهني والتقني لم تكن واردة في الحسبان وفي هذه الفترة الزمنية الوجيزة حتّى أنه يمكن احتساب ما حصل إنجازاً كبيراً لم يكن متوقّعاً.
حرص على المالية العامة
تغييرات كثيرة ومثيرة ومنتجة قامت بها بري في مهمّتها الجديدة، فهي أبدت حرصاً شديداً على المالية العامة من خلال تخفيض قيمة المساعدات المالية التي تعطى للأعمال التطبيقية ضمن سلفة الامتحانات الرسمية، فلجنة الفندقية على سبيل المثال كانت تأخذ ثلاثين ألف ليرة فخفّضتها إلى إثني عشر ألفاً عن كلّ تلميذ، وفي حسبة صغيرة يظهر أنّ الرقم الذي جرى توفيره على مالية الدولة كبير وهذا إنجاز في زمن سعي مجلس الوزراء إلى عصر النفقات وتخفيف المدفوعات والعجز المالي.
كما أنّ كلّ السلف المالية خفّضت إلى أقلّ من النصف من دون أن تتأثّر الامتحانات الرسمية على الإطلاق.
لم تعجبها فكرة امتداد فترة امتحانات الأعمال التطبيقية إلى شهر ونصف الشهر تقريباً، فأعملت بري مقصّها الرقابي فيها حتّى ثبّتتها على عشرين يوماً كافياً للإنهاء منها ومن دون أن يؤثّر هذا الإجراء على الطلاّب والأساتذة، لا بل لاقت صدى طيّباً لديهم.
ووجدت الدكتورة بري أنّ الامتحانات الرسمية الخطيّة تمتدّ أربعة أسابيع وهي مدّة طويلة، فقلّصتها إلى ثلاثة أسابيع بعدما قامت وفق خطّة مدروسة، بزيادة المراكز، وهذا الأمر إنعكس إيجاباً لدى الطلاّب الذين من حقّهم أن يستريحوا من عناء الامتحانات وأن يتنفّسوا الصعداء، ويوم واحد كفيل بردّ الحياة إليهم بعد جدّ واجتهاد وسهر وتعب في الدرس فكيف بأسبوع كامل؟
ورأت هنادي برّي أنّ هناك الكثير من مراكز الامتحانات المجاورة لبعضها بعضاً في المدن دون فائدة تذكر منها، بينما القرى محرومة من وجود هذه المراكز دون سبب مقنع، فسارعت على الفور إلى إقفال عدد من المراكز في المدن واستبدلتها بمراكز في القرى، وهذا ما أثلج صدور الطلاّب وأهاليهم لأنّه سهّل عليهم التنقّل وخفّف عنهم مشقّة الطرقات.
وثمّة اجتهاد خاطئ في المديرية العامة للتعليم المهني والتقني كانت تسير عليه منذ سنوات طويلة، مسؤولية إدارة ومراقبة المراكز المحدّدة للامتحانات الرسمية، إذ كان يعهد في الماضي، برئاسة كلّ مركز إلى أستاذ، فيما يصنّف مدير المدرسة التي يعلّم فيها هذا الأستاذ مراقباً، وهذا المقياس الخاطيء والسيء غير منصف، ورفضت بري استمراره في أوّل عهدها فألغته بالكامل وأعطت كلّ شخص حقّه، فأناطت بالمدراء رئاسة المراكز، وسلّمت الأساتذة مهمّة المراقبة، وهكذا ينال كلّ إنسان حقّه ومن دون غبن أو شعور بالدونية، ولم تكتف بذلك، بل رفضت وبحزم أن يبقى المدراء في مراكزهم المعتادة، بل اتبعت نظاماً يقوم على التبديل لكي ترتفع درجات التأهّب والاستعداد وإثبات الذات لدى الجميع الذين كانوا راضين بهذا التغيير المجدي.
الهيمنة ممنوعة
لا تفشي هنادي بري سرّاً عندما تقول إنّ الهيمنة ممنوعة عندها، لا بل غير واردة على الإطلاق، سيطرة مصلحة في المديرية على مصلحة أخرى، فالكلّ سواسية في المعاملة، وكلّ واحدة تأخذ صلاحياتها دون المساس باختصاصات مصلحة أخرى، وهذا يؤثّر كثيراً في فريق عمل كلّ مصلحة بحيث لا يعود يعتبر نفسه تابعاً ومهيض الجناح لا يقوى على الحركة. إعمل ما تريد وقدّم كلّ ما لديك ما دامت الصلاحيات واضحة والارتخاء ممنوع كما أنّ الهيمنة مرفوضة بالكامل هكذا تعمل بري، وهكذا تريد لكلّ مصلحة في المديرية العامة للتعليم المهني والتقني أن تثبت حضورها ووجودها ومهاراتها العملانية.
تتلفّت إلى ساعة الرمل الموضوعة على طاولة جانبية فتجد أنّ الوقت المعطى لك قد انتهى من دون أن تشعر بذلك، ولا وساطة في تجديده حتّى ولو كانت الغاية تقديم معلومات وافرة ووافية عن المهام والانجازات التي قامت بها هنادي برّي في أوّل شهرين من إسناد مديرية عامة إليها كانت تترنّح وتكاد تسقط فأوقفتها على قدميها وأمدّتها بأوكسجين الحياة.
تخرج من الطابق الأوّل من مبنى المديرية في محلّة الدكوانة وأنت تردّد في قلبك وعلى لسانك أنّ النساء أيضاً ناجحات في عملهنّ، لا بل تتقن الواحدة منهنّ عملها وتلبسه رداء جميلاً متى أعطيت فرصتها، والدكتورة هنادي بري واحدة من هؤلاء السيّدات المتعلّمات اللواتي إذا ما وضعت في المنصب المناسب زادته رونقاً وألقاً ونجاحات.
(نشر في النسخة الورقية من مجلّة “محكمة” – العدد 43 –تموز 2019)
“محكمة” – الثلاثاء في 2019/7/23