إعترف الخبير بتقاضي رشوة من محام ففسخت المحكمة قرار نقابة المحامين بحجب الإذن/ناضر كسبار
المحامي ناضر كسبار:
فسخت محكمة الاستئناف المدنية في بيروت – الغرفة الحادية عشرة الناظرة في الدعاوى النقابية والمؤلّفة من القضاة الرئيس أيمن عويدات والمستشارين حسام عطالله وكارلا معماري والعضوين المنضمين إلى المحكمة اللذين خالفا القرار الأستاذين ندى تلحوق وايلي بازرلي، قرار مجلس نقابة المحامين الذي سبق له واعتبر أن عمل المحامي بمعرض المهنة وعدم اعطاء الاذن بملاحقته.
وفي قرارها المبدئي، اعتبرت المحكمة انه من مراجعة الاوراق والمستندات، ان الخبير اعترف امام الضابطة العدلية بجرم الرشوة الأمر الذي يوجب التحقيق في ظروفها واسبابها وذلك بغض النظر عن توفر عناصر الجرائم المنسوبة الى المستأنف عليه والتي تعود للمرجع الجزائي المختص وحده امر بحثها. وقضت بفسخ قرار مجلس النقابة واعطاء الاذن بملاحقة المحامي المستأنف عليه.
وقد خالف عضوا مجلس النقابة الاستاذان تلحوق وبازرلي وعللا مخالفتهما بالنظر لما تضمنه قرار مجلس النقابة ولكون المال المدفوع للخبير في حال ثبوت ذلك، صادراً عن موكله، فيعتبر هذا الاخير هو المسؤول عن ذلك.
ومما جاء في القرار الذي تضمن المخالفة والصادر بتاريخ 2019/1/31
في الاساس:
حيث ان المستأنفة، النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان، تطلب فسخ القرار المستأنف ونشر طلب الاذن ورؤيته انتقالاً واتخاذ القرار مجدداً بإعطاء الاذن بملاحقة المحامي المستأنف عليه بالجرائم المنسوبة اليه.
وحيث انه يتبين من اوراق النزاع الراهن ان المحامي س.ع. قد تقدم باخبار الى النيابة العامة بحق المستأنف عليه، ناسباً اليه جرم رشوة خبير، تم تعيينه من قبل المحكمة من اجل التحقق من صحة توقيع السيد م.ق. الذي كان يربطه بالمحامي س.ع. عقد مشاركة، بعد ان نكر ورثة السيد م.ق. العقد عنه، مبرزاً تأييداً لشكواه تسجيلاً يتضمن اعتراف الخبير بحصول الرشوة وبتقاضيه اموالاً من المحامي المستأنف عليه.
وحيث ان المستأنف عليه يطلب رد الاستئناف وتصديق قرار مجلس نقابة المحامين لان الطعن المقدم من النيابة العامة في جبل لبنان تناول البند الثاني من قرار مجلس النقابة دون البند الاول الذي اعتبر ان الافعال المنسوبة اليه تمت في معرض المهنة، مسلمة بذلك بصحة هذا البند فيكون قد اصبح مبرماً، ما يؤدي حكماً لحجب الاذن لانه امر متعلق بتقدير مجلس النقابة، ويكون الطعن بالبند الثاني الذي حجب الاذن فاقداً الاساس القانوني لانه عند اعتبار الافعال في معرض المهنة لا يمكن بعد ذلك إعطاء الاذن بالملاحقة.
وحيث من المتعارف عليه ان نص المادة /79/ من قانون تنظيم مهنة المحاماة يعطي مجلس النقابة صلاحية اتخاذ القرارات الادارية الخاصة الهادفة الى حماية المحامي من اي تعسف بالادعاء ضده لفعل متعلق بممارسة المهنة او بمعرضها، وذلك كي يتمكن المحامي من القيام بدوره على اكمل وجه دون التعرض او الخوف من الافتراء عليه بإقامة شكاوى جزائية ضده هدفها التأثير عليه او الانتقام منه بسبب مهنته، اما اذا كانت هذه الافعال غير ناشئة عن ممارسة المهنة او بمعرضها وكانت مخالفة للقانون وتشكل في الظاهر جرماً جزائياً فتنتفي عندها هذه الحماية.
وحيث للقول بإعطاء الاذن بالملاحقة او رفضه، لا بد من العودة الى معطيات الملف الراهن من اجل تقدير الواقعات الثابتة فيه والتمعن في مدى جديتها، لمعرفة فيما اذا كانت الافعال المدعى بها من النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان قد تشكل ظاهرياً جرماً جزائياً يقتضي ملاحقته بسببها.
وحيث يعتبر الفعل ناشئاً عن ممارسة مهنة المحاماة او بمعرضها عندما يتعلق الامر بأي عمل يقوم به المحامي اثناء دفاعه او تحضيراً له او ناتجاً عنه، وان يكون هذا الفعل مشروعاً ومن مستلزمات الدفاع عن موكلي المحامي، اذ يجب ان يكون الفعل قد وقع عرضاً اثناء قيام المحامي بالدفاع عن حقوق موكله ضمن الاطر القانونية المرسومة، وبالشكل لا يؤدي الى تجاوز حقوق الدفاع او خرق القوانين سيما الجزائية منها، ولا يمكن التذرع بالدفاع عن حقوق الموكل لتبرير تجاوز القانون.
وحيث ان الفعل المنسوب الى المستأنف عليه، قد تم وفق ادلاءات الشاكي اثناء قيام المستأنف بالدفاع عن موكليه في قضية عالقة بين ورثة م.ق. والاستاذ س.ع.، الا انه تجاوز حدود الدفاع الشرعي، والوسائل المشروعة التي يحق للمحامي توسلها في معرض دفاعه ليشكل خرقاً للاطر القانونية المرسومة في هذا الصدد، اذ ان الدفاع عن مصالح اي موكل لا يستلزم بالضرورة القيام برشوة خبير (في حال ثبوت ذلك) من اجل اكتساب هذا الموكل حقوقاً لا تعود اليه او من اجل مساعدته على التنصل من موجبات معينة سبق له او لمورثه الالتزام بها، وهو بذلك لا يعتبر حاصلاً في معرض المهنة.
وحيث انه في مطلق الاحوال، فإن الاعمال التي يأتيها المحامي ولئن كانت ناشئة عن ممارسة مهنة المحاماة او حاصلة بمعرضها، لا تحول دون اعطاء الاذن فيما لو تبين بصورة جدية بأنها قد تتضمن افعالاً معاقب عليها قانوناً وانها تستأهل بالتالي التحقيق بشأنها لتوضيح ملابسات القضية وجلاء الحقيقة، ولا يرد على ذلك بالقول ان النيابة العامة لم تستأنف البند اولا من القرار المطعون فيه الذي اعتبر ان الفعل حصل بمعرض ممارسة المهنة.
وحيث انه يتبين في هذا الاطار انه بتاريخ 2016/1/18 وقع المحامي س.ع. اتفاقية مشاركة مع المدعو م.ق. من اجل تشييد بناءين على العقار 930 من منطقة حارة حريك العقارية المملوك من قبل الاخير، وانه نتيجة لعدم تنفيذ بنود العقد الموقع بين الطرفين المذكورين تقدم المحامي س.ع. بدعوى امام الغرفة الابتدائية في جبل لبنان لالزام م.ق. بالتنفيذ، وان الاخير توفي اثناء المحاكمة فصححت الخصومة وتوبعت الدعوى بوجه ورثته الذي انكروا نسبة التوقيع المذكور على الاتفاقية لمورثهم، فكلفت المحكمة الخبير م. ج. بمهمة بيان صحة التوقيع المذكور ونسبته الى المرحوم م.ق. فقدم الخبير تقريره الى المحكمة بتاريخ 2017/7/31 فوجدته مبهماً وطلبت منه توضيحه، ثم قام المحامي س.ع. بتقديم قرص مدمج يتضمن اعترافاً من الخبير بقبض قيمة عشرة آلاف دولار مقابل ما توصل اليه من نتيجة في تقريره، كما يثبت ان التوقيع يعود ل م.ق. بنسبة 100% وان الخبير وبملحق تقريره المقدم الى المحكمة اعتبر انه يمكننا القول بأن جميع التواقيع صادرة عن يد كتابية واحدة هي يد المرحوم م.ق.، وان المحكمة اوردت في حكمها الذي صدر بنتيجة النزاع المذكور حيثية مفادها “انه من الثابت بمجمل ما نهض من الملف من معطيات ان الخبير ج.، وبتحريض وتدخل من خبير آخر بينت المعطيات ان اسمه هو ي. خ. ا.، عمد الى تلقي الرشوة مقابل الاخلال بواجباته ومحاولة تحوير الحقيقة وتشويه الواقع الناطق بثبوت صحة تلك التواقيع “واحالت نسخة عن الحكم مع القرصين المدمجين المتضمنين التسجيلات المبرزة من المدعى المحامي س.ع. الى جانب مجلس القضاء الاعلى والنيابة العامة لدى محكمة التمييز لللاطلاع واجراء المقتضى.
وقد تبين ايضاً ان النيابة العامة التمييزية احالت بتاريخ 2018/1/24 الحكم الصادر عن الغرفة الابتدائية والاوراق المرفقة به الى النيابة العامة الاستئنافية بموجب احالة تحمل الرقم /529/، للتفضل بالاطلاع واجراء المقتضى.
وحيث انه يتبين ايضا من مراجعة سائر الاوراق والمستندات والمحاضر، ان الخبير م.ج. اعترف امام الضابطة العدلية بجرم الرشوة المنسوب اليه في الصفحة الثانية عشر من المحضر رقم 302/296 تاريخ 2018/2/8 المنظم من قبل مفرزة بعبدا القضائية، كما انه اعترف انه قبض مبلغاً من العقيد المتقاعد مبلغ ثمانية آلاف دولار على دفعات اضافة الى قبضه من المستأنف عليه المحامي ع.ا. ق. مبلغ الفي دولار اميركي، مقابل النتيجة التي سيضعها في التقرير الاول، واردف في الصفحة الثالثة عشر ان المبلغ الذي قبضه من المستأنف عليه ي.خ.ا. كان بمثابة اكرامية.
وحيث انه في ضوء اعترافات الخبير م.ج.، الموثقة في محاضر التحقيق الاولي لدى قوى الامن الداخلي، اضافة الى ما استثبتته الغرفة الابتدائية في حكمها الصادر بنتيجة الدعوى التي وقع الفعل اثناء الدفاع فيها، من ان الخبير المذكور قبض مبالغ مالية لوضع تقرير مغاير للواقع، وحركة الاتصالات الكثيفة بين الخبير والمستأنف عليه من جهة والتي بلغت 15 اتصالاً في الفترة الممتدة بين تاريخ تسلم الخبير لمهمته وتاريخ تقديمه لتقريره، وحركة الاتصالات بين ي. خ.ا. والخبير م.ج. وم. ون.ق. الموصوفين بنفس الجرائم التي اشتكى بها المحامي س.ع. على المستأنف عليه من جهة اخرى، في الفترة ذاتها، وفي ضوء كل هذه المعطيات تكون الافعال المنسوبة الى المستأنف عليه مكتنفة بالغموض وعدم الوضوح، الامر الذي يوجب التحقيق في ظروفها واسبابها وذلك بغض النظر عن توفر عناصر الجرائم المنسوبة اليه والتي يعود للمرجع الجزائي المختص وحده امر بحثها.
وحيث ان اعطاء الاذن بالملاحقة الجزائية لا يشكل ادانة للمحامي، بل سبيلا كي يتمكن المرجع الجزائي المختص من سماع المحامي واجراء التحقيقات اللازمة في الشكوى توصلا ً لمعرفة الحقيقة ولازالة الغموض الذي يكتنف الوقائع موضوع النزاع.
وحيث وبعد الاطلاع على القرار المستانف، وما ورد فيه من ادلاءات، وعلى معطيات النزاع كافة، ترى المحكمة ان القرار بعدم اعطاء الاذن بالملاحقة جاء في غير موضعه السليم، الامر الذي يتوجب معه قبول استئناف النيابة العامة وفسخ القرار المستأنف والتقرير مجدداً بإعطاء الاذن بملاحقته المستأنف عليه المحامي ع.ا.ق. جزائياً.
وحيث بنتيجة الحل المساق، تغدو سائر الاسباب او المطالب الزائدة او المخالفة مستوجبة الرد اما لكونها لاقت رداً ضمنياً او لعدم تأثيرها على النزاع.
ثانياً: في الاستئناف الاضافي
حيث ان المحامي س. ع. يطلب قبول استئنافه شكلاً سنداً للمادتين 649 أ.م.م. التي تسمح لمن كان خصماً في المحاكمة الابتدائية ولم يوجه الاستئناف بوجهه ان يستأنف الحكم بشكل طارئ اذا كان يضار منه، والمادة 650 أ.م.م. التي تسمح بتقديم الاستنئاف الطارئ من غير المستأنف عليه حتى ختام المحاكمة.
وحيث ان المستأنف عليه يطلب رد الاستئناف الاضافي شكلاً لانتفاء صفة مقدمه، اذ انه ليس فريقاً في الطعن الذي قدمته النيابة العامة، وان الطعن الوارد ذكره في المادة 79 من قانون تنظيم مهنة المحاماة لا يندرج ضمن مفهوم الاستئناف بمعناه القانوني لجهة الاصول والشكليات التي ترعى الاخير، وان القرارات الصادرة عن مجلس نقابة المحامين في الامور النقابية خاضعة لقانون خاص واصول خاصة، فلا يصح الطعن بقرارات مجلس النقابة من غير ذي صفة.
وحيث ان الاستئناف المقدم الى محكمة الاستئناف المدنية، وان كان موجها ضد قرار اداري صادر عن مجلس نقابة المحامين، الا انه يقدم امام محكمة عدلية وهو يخضع للاصول التي ترعى تقديم ونظر الدعاوى امام تلك المحكمة والمنصوص عنها في قانون اصول المحاكمات المدنية.
وحيث ان المادة 649 أ.م.م. التي يسند المحامي س.ع. استئنافه عليها، تتعلق بالاستئناف الطارئ وليس الاضافي اذ ان الاستئناف الاضافي هو حق معطى للمستأنف الاصلي دون غيره وفق نص المادة 649 أ.م.م. وعلى فرض تكييف استئناف المحامي س.ع. كاستئناف طارئ فإن المادة 649 أ.م.م. المتذرع بها تشترط من اجل قبول الاستئناف الطارئ شرطين، الاول ان يكون مقدمه خصماً في المحاكمة الابتدائية، وهو الامر غير الحاصل وفق ما ينهض من قرار مجلس نقابة المحامين الذي يظهر انه صدر بناء لطلب النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان لوحدها دون تقديم اي طلب من المحامي س.ع. بهذا الخصوص، ما يجعله غير خصم في المرحلة الابتدائية وان جرى سماعه على سبيل المعلومات، والثاني ان يكون مقدم الاستئناف الطارئ يضار من الاستئناق الاصلي او الطارئ المقدم من غيره، هو ايضا الامر غير الحاصل راهناً طالما ان الاستئناف الاصلي مقدم من النيابة العامة من اجل فسخ قرار حجب الاذن وهو امر يستفيد منه ولا يضار منه باعتبار انه قدم استئنافه الاضافي من اجل فسخ قرار مجلس نقابة المحامين.
وحيث انه باعتبار ان المحامي س.ع. لم يكن فريقاً او خصماً في المرحلة الابتدائية لدى مجلس نقابة المحامين، وبثبوت عدم الحاق اي ضرر به جراء استئناف النيابة العامة الاصلي تضحي شروط نص المادة 649 أ.م.م. التي يستند اليها المحامي ع.لتبرير صفته بتقديم غير متوافرة، ويكون المحامي ع. غير ذي صفة لتقديم الاستنئاف، ويضحى من النافل البحث في مدى انطباق نص المادة 650 على النزاع الراهن، ما يقتضي معه رد استئنافه شكلاً.لذلك
تقرر بالاكثرية:
1- قبول الاستئناف شكلاً.
2- قبول الاستئناف الاصلي اساساً، وفسخ القرار المستأنف والتقرير مجدداً بإعطاء الاذن بملاحقة المستأنف عليه المحامي ع.ا.ق. بموضوع الشكوى المبينة في هذا القرار.
3- رد الاستئناف الاضافي شكلاً.
4- رد سائر الاسباب او المطالب الزائدة او المخالفة.
5- تضمين المستأنف عليه الرسوم والنفقات كافة.
قراراً صدر وافهم علناً في بيروت بتاريخ 2019/1/31
اسباب المخالفة
إننا نخالف ما قررته الاكثرية بالنظر لما تضمنه قرار مجلس النقابة ولكون المال المدفوع للخبير في حال ثبوت ذلك صادر عن موكله، فيعتبر هذا الاخير هو المسؤول عن ذلك.
لذلك اقتضى تدوين هذه المخالفة في 2019/1/31.
“محكمة” – الأحد في 2019/3/10