إعطاء النيابة العامة الإذن بملاحقة محاميين بقضيّة كاتب عدل وقاض مصروف/علي الموسوي
علي الموسوي:
أصدرت محكمة الاستئناف المدنية في بيروت، الغرفة الحادية عشرة، الناظرة في استئناف القضايا النقابية والمؤلّفة من القاضي أيمن عويدات رئيسًا، وحسام عطالله وكارلا معماري مستشارين، قرارًا في استئناف النيابة العامة الاستئنافية في بيروت قرار مجلس نقابة المحامين في بيروت بعدم إعطاء الإذن بملاحقة محاميين إثنين في قضيّة قاضي تحقيق سابق في بيروت وكاتب العدل أسامة غطيمي بعد اعتبار فعلهما في معرض ممارسة المهنة.
وخلصت المحكمة إلى قبول الاستئناف المقدّم من النيابة العامة شكلًا وأساسًا وفسخ القرار المستأنف ورؤية الموضوع انتقالًا والتقرير مجدّدًا بإعطاء الإذن بملاحقة المحاميين بالأفعال المنسوبة إليهما، وردّ الإستئناف المقدّم من الكاتب العدل غطيمي وردّ تدخّله لانتفاء الصفة.
ودوّن عضوا مجلس النقابة المحاميان بيار حنا وندى تلحوق في متن القرار الذي تتفرّد “محكمة” بنشر مقتطفات منه، مخالفةً تمّ حصرها بالإستئناف المقدّم من النيابة العامة، فاعتبرا أنّ الأفعال المنسوبة للمستأنف عليهما المحاميين ناشئة عن ممارسة المهنة وتتمثّل “بتحديد أتعاب المحاماة التي طالبا بها الكاتب العدل لكي يدافعا عنه أمام قاضي التحقيق في دعوى مقامة ضدّه، وهذا حقّ للمحامي لا يمكن أن يحرم منه عند ممارسته لمهنته”. وأشارا إلى أنّ الوقائع والإدلاءات التي قدّمها غطيمي بقيت مجرّد إدلاءات غير ثابتة وغير صحيحة، مع الإشارة إلى أنّ المستأنف عليهما المحاميين تقدّما بدعوى تزوير وتلاعب بالتسجيلات المذكورة التي تحكي واقعة التفاوض الحاصلة في مكتبه.
وكانت النيابة العامة قد عرضت في استئنافها أنّ المحاميين المذكورين استغلّا قرابتهما للقاضي من أجل التماس رشوة وأجر غير واجب وهو ما يؤلّف جرمًا سندًا للمادتين 357 و358 من قانون العقوبات، بحجّة أنّه أتعاب ومصاريف لحلّ قانوني لم يشأ أحد المحاميين وهو الزوج، قوله أمام الكاميرا، إضافة إلى الضغط والتهويل اللذين مارسهما المحاميان على المتفاوض معه.
وأكّدت المحكمة أنّ إعطاء الإذن بالملاحقة الجزائية لا يشكّل إدانة للمحامي، بل سبيلًا كي يتمكّن المرجع الجزائي المختص من سماع المحامي وإجراء التحقيقات اللازمة توصّلًا لمعرفة الحقيقة وإزالة الغموض الذي يكتنف الوقائع موضوع النزاع.
وأضافت أنّ الأعمال التي يأتيها المحامي ولئن كانت ناشئة عن ممارسة مهنة المحاماة أو حاصلة في معرضها لا تحول دون إعطاء الإذن في ما لو تبيّن ظاهرًا بأنّها قد تتضمّن أفعالًا معاقبًا عليها في القانون، وأنّها تستأهل بالتالي، التحقيق بشأنها لتوضيح ملابسات القضيّة وجلاء الحقيقة.
وقالت محكمة الاستئناف إنّه لدى التدقيق في أوراق الدعوى ومستنداتها ومضمون قرص التحميل(USB) المتضمّن تسجيلات بالصوت والصورة في دائرة الكاتب العدل، وهي ركنت إليها في هذه المرحلة كمجرّد إشارة أو دلالة على ملاءمة إعطاء الإذن أو حجبه خاصة وأنّ المستأنف عليهما وإن أدليا باجتزاء التسجيلات والتلاعب بها إلّا أنّهما لم ينفيا صدور الكلام الوارد بمعرضها عنهما.
وأوردت المحكمة الحيثيات التالية:
وحيث إنّه في ضوء توقيت حضور المستأنف عليهما إلى دائرة الكاتب العدل المصادف قبل صدور القرار الظنّي بحقّ هذا الأخير، ومضمون الحديث الدائر في ما بين الفرقاء والذي تخطّى مسألة المعاملة التي كانا قد قصداه من أجلها، ليشمل الكلام عن تفاصيل ومعطيات خاصة بقضيّته الجزائية التي من غير المفترض أن يعلم بها الغير لا سيّما في ضوء مبدأ سرّية التحقيق، كلّ ذلك بعد تعريفهما عن نفسيهما بصورة تبيّن العلاقة القائمة بينهما وبين القاضي الناظر بالدعوى، (هذا فضلًا عن توافقهما وبصورة مسبقة على إثارة مسألة ملفّ يخصّهما لا وجود له)،
وبالنظر لمقدار الأتعاب المطالب بها من قبل المستأنف عليهما، لا سيّما ما إذا كانت مترتّبة عن درجة واحدة من درجات التقاضي أيّ محصورة بالدعوى العالقة أمام القاضي التحقيق، خاصة قي ضوء تولّيهما مهامهما عند إشراف الملفّ على نهايته واختتام التحقيق تمهيدًا لصدور القرار بشأنه،
وفي ضوء عدم وضوح الأعمال التي ينوي المحاميان القيام بها لقاء تلك الأتعاب، وعدم إفصاحهما عن الخطوات العملية التي يعمدان(إلى) السير بها أو الطرق القانونية التي يفكّران بسلوكها، وذلك خلافًا لما تجري العادة بين الوكيل والموكل والتي تفترض وضع خطّة مفصّلة واضحة وبيان نقاط الضعف والقوّة في المدافعة وتحديد جميع الخيارات الممكنة، والإعلان عن النتائج المرتقبة إيجابيةً كانت أم سلبية، بحيث بقي الحديث في هذا الإطار ضبابيًا وغامضًا، علمًا أنّه لم يتمّ التطرّق إلى إمكانية مراجعة قضاء العجلة وتعيين خبير إلّا في وقت لاحق،
وتبعًا للتباين والتضارب بين الحلول الممكنة، فإمّا أن تكون النتيجة منع محاكمة في حال تسديد البدل المطالب به، وإمّا إدانته وتوقيفه عن العمل في حال عدم دفع البدل وتولّيهما متابعة الملفّ، الأمر الذي يلقي على الوقائع المذكورة ستارًا من الغموض وعدم الوضوح، إذ يكون الحلّ في طريقة الدفاع المعتمدة وليس في مقدار البدلات، والتأكيد على أنّ الحلّ الإيجابي لا يمكن أن يطرأ إلّا في مرحلة معيّنة من مراحل الدعوى (القرار الظنّي) وكأنّ الآلية القانونية المنوى اعتمادها تكون منتجة لدى محكمة معيّنة وغير نافعة لدى محكمة أخرى،
ونظراً لاستعداد المستأنف عليهما، وبصورة فورية، لمتابعة ملفّ المدعى عليه رغم صلة القرابة التي تربطهما بالقاضي الناظر في الدعوى، وهو الأمر المخالف للقانون وللأدبيات التي يفترض أن يتمتّع بها المحامي،
ففي مجمل تلك المعطيات والظروف ما يحمل هذه المحكمة على اعتبار الأفعال المنسوبة إلى المستأنف عليهما مكتنفة بالغموض وعدم الوضوح، الأمر الذي يوجب التحقيق في ظروفها وأسبابها، لجلاء الحقيقة وإزالة الغموض،
وحيث وبعد الإطلاع على القرار المستأنف، وما ورد فيه من إدلاءات، وعلى معطيات النزاع كافةً، ترى المحكمة أنّ القرار باعتبار الأفعال المنسوبة إلى المستأنف عليهما ناشئة عن مزاولة مهنة المحاماة وعدم إعطاء الإذن بملاحقتهما، جاء في غير موضعه السليم، الأمر الذي يتوجّب معه قبول استئناف النيابة العامة الإستئنافية في بيروت أساسًا وفسخ القرار المستأنف ورؤية الدعوى انتقالًا، وإعطاء الإذن بملاحقة المستأنف عليهما المحاميين، بالأفعال المنسوبة إليهما في استئناف النيابة العامة المذكورة.
يذكر أنّ المجلس التأديبي للقضاة والمؤلّف من القضاة ميشال طرزي رئيسًا، والقاضيين أيمن عويدات وغادة أبو كروم عضوين، كان قد أصدر في 24 نيسان 2019، قرارًا بصرف القاضي المذكور في هذه القضيّة من الخدمة في القضاء العدلي، فاستأنفه أمام الهيئة القضائية العليا للتأديب التي لم تصدر قرارها النهائي بشأنه، ولا يزال هذا القاضي يمارس مهامه كقاضي تحقيق في النبطية ونائب عام لدى المحكمة الشرعية الجعفرية العليا.
“محكمة” – الجمعة في 2021/5/7
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً على أيّ شخص، طبيعيًا كان أم معنويًا وخصوصًا الإعلامية منها، نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، كما يمنع نشر وتبادل أيّ خبر بطريقة الـ”screenshot” ما لم يرفق باسم “محكمة” والإشارة إليها كمصدر، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.