إغتيال صالح العاروري إنتهاك للسيادة اللبنانية والقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان/ أحمد بركات
المحامي أحمد سلمان بركات:
كما هو معلوم تحدث الأزمات العسكرية بين الدول إما بنزاع مسلّح داخلي، أو نزاع مسلح دولي، أو نزاع مسلح مدوّل، ويجب أن تحكمها بنود القانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة لحلّ هذه النزاعات.
وتعتبر عمليات الإغتيال استخداماً للقتل خارج إطار القانون، كتصفية للخلافات على أنواعها، وقد برزت خطورة هذه العمليات من خلال التطورات التكنولوجية المستمرة التي تؤدي إلى تعقيد طبيعة ونمط عملية الإغتيال.
وتعتبر قضية اغتيال القيادي صالح العاروري والمرافقين له كغيرها من الإغتيالات المشابهة حالة خاصة كونها قضية اغتيال بشكل مباشر من قبل كيان الإحتلال على أرض ثالثة هي الأراضي اللبنانية، الأمر الذي يدفعنا إلى مقاربة هذه القضية وتوصيفها وفقاً لأحكام القانون الدولي الإنساني.
أولاً ـ ما هو توصيف الإغتيال وفق القانون الدولي الإنساني والشرعة الدولية لحقوق الإنسان؟
تستخدم المحكمة الجنائية الدولية تعريفاً للعدوان الذي يحظر الضرر أو الهجوم بالقوات المسلحة لدولة ما ضد أراضي دولة أخرى من خلال قصف دولة أو حصار موانئها أو سواحلها أو إرسال وكلاء أو قوات شبه عسكرية.
ويمكن القول أيضاً إنّ هذا الإغتيال الذي مارسته سلطة الإحتلال على الأراضي اللبنانية تجاه شخصية فلسطينية، انتهاك فاضح لإتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12/آب/1949 . أضف إلى ذلك، لقد أوجبت الإتفاقية الآنفة الذكر في المادة الأولى منها تعهّد الدول الأطراف السامية المتعاقدة، بأن تحترم هذه الاتفاقية وتكفل احترامها في جميع الأحوال”. واعتبرت المادة الثانية من الاتفاقية أن سياسة القتل بجميع أشكاله في جميع الأوقات والأماكن هي من الأفعال المحظورة، ويعتبر القتل العمد من المخالفات الجسيمة، حيث نصت المادة (147) من نفس الاتفاقية على تعريفها للمخالفات الجسيمة أنها ” هي التي تتضمن أحد الأفعال التالية إذا اقترفت ضد أشخاص محميين أو ممتلكات محمية بالاتفاقية، واعتبرت أن القتل إحدى المخالفات الجسيمة”.
ومن ناحية أخرى، تحظّر مبادئ الأمم المتحدة الخاصة بالوقاية الفعالة من عمليات الإعدام خارج نطاق القانون تحت أي ذريعة حتى وإن كانت في زمن الحرب، وحسب المبدأ الأول الذي جاء فيه “يجب على الحكومات أن تحظر قانوناً جميع عمليات الإعدام خارج نطاق القانون، وأن تضمن اعتبار أية عمليات مثل هذه، جرائم حرب بموجب قوانينها الجنائية، وان يعاقب عليها بالعقوبات المناسبة التي تأخذ بعين الاعتبار مدى خطورة هذه الجرائم، ولا يجوز التذرع بالظروف السياسية الداخلية أو أية حالة طوارئ أخرى كمبرر لتنفيذ عمليات الإعدام هذه”.
كما تعتبر عمليات الإعدام خارج نطاق القانون، مخالفة صريحة وواضحة للمعاهدة الرابعة الموقعة في الثامن عشر من تشرين الأول/ أكتوبر لعام 1907 في لاهاي والمتعلقة بقوانين وأعراف الحرب على الأرض. فالمادة (33) من نفس المعاهدة تؤكد أنه يحظر بشكل خاص قتل أو جرح أفراد يتبعون لدولة معادية أو جيش معاد بشكل غادر، أو قتل أو جرح عدو يلقى سلاحه أو لا تعد بحوزته وسائل دفاع ويستسلم طواعية، مع عدم استخدام أسلحة أو قذائف أو مواد تسبب في معاناة غير ضرورية.
وأكثر من ذلك، فمن القواعد الأساسية في القانون الدولي عدم جواز تحويل المدنيين والأهداف المدنية مطلقاً إلى هدف للهجوم، وتنطبق هذه القاعدة في جميع الظروف، ومنها في خضم النزاع المسلح، وبسبب طبيعتها العرفية، فإنها ملزمة لجميع الأطراف، فكما نصت المادة السادسة فقرة (ج) من ميثاق المحكمة العسكرية الدولية “نورمبرغ” اتفاقية لندن المؤرخة 6 آب 1945 في تحديدها للجرائم ضد الإنسانية، فإن عملية القتل هي ضمن الجرائم ضد الإنسانية، وبطبيعة الحال كادت العملية موضوع البحث أن تعرّض المدنيين للخطر، لا بل كادت أن تجر المنطقة إلى حرب، واعتبرت نفس المادة أن القادة والمنظمين والمحرضين، والمساهمين والمشاركين في إعداد وتنفيذ خطة عامة أو في اتفاق جنائي لارتكاب جرائم سابقة، يكونون مسؤولين عن جميع الأفعال التي ارتكبت بواسطة أي من الأشخاص في سبيل تنفيذ تلك الخطة.
ويمكن القول إنّ عملية الإغتيال موضوع المقال لا تشكل مخالفة للقانون الدولي الإنساني فقط، بل تذهب إلى مخالفة قانون حقوق الإنسان ومعاييره، حيث إنّ عملية الإغتيال تُعد انتهاكاً فاضحاً وصارخاً للحق في الحياة وفق ما جاء في المادة الثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
ثانيًا – خرق السيادة وحق الدفاع عن النفس:
في البداية، سواء كانت عملية الإغتيال من خلال طائرة من دون طيار مسلحة ، أو بغيرها من الطرق، لا بد من القول إنّ عمليات القتل والإستهداف من خلال هذا النوع من الطائرات أضحت اعدامات ميدانية خارج نطاق القانون الدولي حيث إنّها بحاجة إلى تنظيم وتعزيز المساءلة.
أضف إلى ذلك ، يشترط القانون الدولي موافقة الدولة على استخدام القوة في إقليمها من قبل دولة أخرى. بمعنى آخر، لا يمكن للدولة التي تريد القيام بعملية عسكرية على أرض دولة ثالثة القيام بها من دون موافقة الدولة الأخيرة، فإذا تم العمل العسكري على أرض الدولة الثالثة أصبحنا أمام عدوان على أرض الدولة الاخيرة واختراق لسيادة الدولة، ويحتم ذلك الرد عليه وفق حق الدفاع عن النفس.
يقر ميثاق الأمم المتحدة بحق الدفاع عن النفس، ضدّ أيّ عمل عدواني، وقد أكّدت البنود الواردة في المادة الأولى من الميثاق على حق الشعوب في المقاومة ومواجهة أي عمل عدواني ضدّ الاقليم. كما أن الميثاق يضمن لكل دولة تعرضت لاحتلال أو لاختراق سيادتها الوطنية واستقلالها السياسي أن تفعل ما بوسعها لأجل استعادة تلك السيادة، وهذا ما أقرته صراحةً المادة 52 من ميثاق الامم المتحدة التي تشير إلى أنه “ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول فرادى أو جماعات في الدفاع عن نفسها إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة”.
وتنص المادة 2 من ميثاق الأمم المتحدة على أنّه: “يجب على جميع الأعضاء، الامتناع في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استعمالها ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة، أو بأي طريقة أخرى تتعارض مع أغراض الأمم المتحدة”، إلا أن لذلك استثناءات منها حق الدولة في الدفاع عن النفس.
في النهاية، ومن خلال مراقبة الأحداث الحاصلة منذ 7 تشرين الأوّل 2023 إلى الآن، نشاهد تمييزاً كبيراً في تطبيق القوانين الدولية، سواء لناحية القانون الدولي الإنساني أو قانون حقوق الإنسان، أو لناحية ممارسة الأمم المتحدة وجهازها مجلس الامن لواجباتها وفق القوانين، فأوكرانيا لاقت الإهتمام الكبير وفق ما ذكرنا من قوانين وصلت إلى إصدار مذكرة توقيف من قبل المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس بوتين، بينما فلسطين لم تشهد أي تحرك عربي أو اجنبي سوى التنديد والرفض.
“محكمة” – الخميس في 2024/1/4