إلزام مصرف بتمكين المدعي من سحب مبلغ بالدولار نقداً وعداً/ناضر كسبار
المحامي ناضر كسبار:
في قرار مدروس وعميق جدّاً، ويدلّ على سعة علم قضاة لبنان، إعتبر قاضي الأمور المستعجلة في بيروت الرئيسة كارلا شواح، أنّه يحقّ للمودع في المصرف أن يطالب بتسليمه مبالغ نقدية بالدولار من حسابه، وأنّه لا يعود للمصرف إجباره على قبول أيّ عرض آخر، كالشيك المصرفي، خصوصاً أنّ هذا الشكّ لا يشكّل وسيلة إبراء غير محدودة كالنقود، إذ يبقى أيضاً للمواطن الحقّ في ألاّ يكون زبوناً لأيّ مصرف آخر ولا يريد التعاقد مع مصرف آخر أو فتح حساب لديه.
وكان المدعي في الدعوى ضدّ المصرف تقدّم بواسطة وكيله المحامي الأستاذ عمر طرباه بالدعوى طالباً رفع التعدّي عن حسابه المصرفي، وإلزام المصرف بتسليمه مبلغاً نقدياً بالدولار الأميركي تحت طائلة غرامة إكراهية.
وقضت الرئيسة شواح بإلزام البنك بتمكين المدعي من سحب المبلغ نقداً وعدّاً تحت طائلة غرامة إكراهية، وردّت طلب النفاذ على الأصل.
وممّا جاء في القرار الصادر بتاريخ 2020/11/18:
بناء عليه،
حيث يطلب المدعي إلزام المدعى عليه، بقرار نافذ على أصله، بدفع مبلغ من المال قدره /200,000/د.ا. نقداً من حسابه الجاري لديه رقم 3452550079001 بهدف تسديد التزامات مترتّبة عليه، تحت طائلة غرامة إكراهية عن كلّ يوم تأخير في التنفيذ، وذلك سنداً لأحكام الفقرة الثانية من المادة 579 من قانون أصول المحاكمات المدنية، وإلاّ فسنداً للفقرة الثالثة من المادة المذكورة ومن ثمّ اعتبار المبلغ المذكور كسلفة وقتية على حساب حقّه الثابت والأكيد في ذمّة المدعى عليه.
وحيث يطلب المدعى عليه ردّ الدعوى الراهنة لعدم الإختصاص وانتفاء التعدّي. فعلاقته بالمدعي هي علاقة دائن بمدينه ولا يعود لقاضي العجلة إلزام المدين بدفع مبلغ من المال خارج إطار السلفة الوقتية المنصوص عنها في الفقرة الثالثة من المادة 579أ.م.م.، في حين أنّ إسناد الدعوى إلى أحكام الفقرة الثانية من المادة المذكورة غير واقع في محلّه القانوني، ولانتفاء وضوح التعدّي العاقد لاختصاص قاضي العجلة ووجود منازعة جدّية حوله تخرج عن اختصاص هذه المحكمة، وبأنّه يحتفظ على سبيل الإستطراد بحقّه في إيفاء المبلغ المطلوب بما يعادله بالليرة اللبنانية وبحسب سعر الصرف المحدّد رسمياً من قبل مصرف لبنان بموجب شيك مصرفي يودعه في قلم المحكمة أو لدى الكاتب العدل.
وحيث إنّ الفقرة الثانية من المادة 579 أ.م.م. التي يسند إليها المدعى دعواه الراهنة تعطي لقاضي الأمور المستعجلة سلطة اتخاذ التدابير الآيلة إلى إزالة التعدّي الواضح على الحقوق والأوضاع المشروعة.
وحيث إنّ التعدّي المقصود بحسب مفهوم الفقرة الثانية من المادة 579أ.م.م. هو كلّ فعل أو امتناع عن فعل يصدر عن شخص خارج نطاق حقوقه المشروعة ويلحق ضرراً بالغير سواء في حقوقه أو أمواله أو سلامته وما سواها، وهو الفعل الغاصب أو غير المشروع أو المخالف لقواعد ذات صلة بالسلوك المهني أو الوظيفي، الذي يفترض عدم وجود نزاع جدّي بشأن تحقّقه وبشأن صفة الوضوح العائدة له، وأنّه بذلك يتعيّن أن يكون التعدّي خارج نطاق أيّة تفسيرات أو تأويلات واقعية أو قانونية ولا يقوم حوله أيّ شكّ.
وحيث إنّ الفعل الضار الذي يطلب من قاضي الأمور المستعجلة إزالته قد ينجم عن فعل لم يجزه القانون كما وقد ينشأ من جرّاء أحد المتعاقدين عن الإلتزامات التعاقدية ومخالفته التعهّدات الواضحة والصريحة أو الأعراف الثابتة التي جرت عليها العادة أو طبيعة التعامل، لكونه يعود لهذا القاضي اتخاذ التدابير التي تمنع التعسّف والإعتداء وتصون حقوق الأطراف والفرقاء، فيقتضي معرفة ما إذا كان للمدعي حقّاً مشروعاً بسحب مبلغ من المال نقدياً من حسابه لدى المصرف المدعى عليه أو لا، ثمّ الوقوف على ما إذا كان امتناع المدعى عليه من إجراء هذا السحب مسنداً إلى ما يبرّره أو أنّه من قبيل التعدّي الواضح على حقوق المدعي.
وحيث لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الفقرة الثانية من المادة 579 أ.م.م. لم تشترط لإعمالها توافر شرطي العجلة وعدم المساس بأصل الحقّ وذلك لأنّه في الدعوى المسندة إليها، فإنّ التعدّي يستوجب حكماً اتخاذ التدبير المستعجل الآيل إلى رفعه، ولا يمنع على قاضي الأمور المستعجلة التصدّي للموضوع المتنازع عليه، لا بل يعود له بهدف التثبّت من التعدّي المدلى به، البحث والتمحيص في أساس الوقائع المطروحة أمامه والمستندات المبرزة كافة بغية استخلاص مدى وضوحه.
وحيث ثابت من المعطيات المتوافرة كافة أنّ للمدعى حساباً جارياً لدى المصرف المدعى عليه برقم /3452550097001/ بلغ رصيده بتاريخ 2020/2/6 ما مقداره /581,728,13/د.ا. وفق ما هو ثابت في كشف الحساب الصادر عن المصرف المدعى عليه والمبرزة صورة عنه بلائحة المدعى الأولى، وأنّه يدلي بأنّ هذا الأخير لا يسمح له بسحب أكثر من أربعمائة دولار أميركي نقداً من هذا الحساب شهرياً، في حين أنّه بحاجة لسحب المبلغ المطلوب بكامله.
وحيث إنّ المدعي يؤكّد أنّ طبيعة الحساب الجاري تجعل من الوديعة غير مقيّدة، وأنّ حقّ سحب المال يشكّل الحقّ الظاهر الذي يلازم الحساب تحت الطلب، وأنّ امتناع المصرف عن تمكين المودع من السحب النقدي من هذا الحساب يشكّل تصرّفاً تعسفياً وتعدّياً على حقوقه، وأنّ المصارف مؤتمنة على حقوق المودع وتخضع لأوامره بشأن وديعته بما يتوافق مع طبيعتها، وأنّ القيود المصرفية التي وضعتها على العمليات المصرفية تتعارض مع طبيعة النظام الإقتصادي اللبناني الحرّ وهي بحاجة إلى تشريع ولا تلزم الزبون، فإنّ تلك القيود التي يمارسها المدعى عليه على السحوبات تشكّل تعدّياً واضحاً لا لبس فيه، كما يؤكّد أنّ مجرّد ثبوت حقّه في وديعته تتحقّق شروط إعمال الفقرة الثانية من المادة 579 أ.م.م. سواء طالب برفع التعدّي عن كامل هذه الوديعة أم عن جزء منها.
في حين يدلي المدعى عليه بأنّ المطالبة بدين المدعي لا يمكن أن تتمّ أمام هذه المحكمة إلاّ ضمن إطار الفقرة الثالثة من المادة 579 المذكورة وبأنّ المصارف غير ملزمة إلاّ بردّ الوديعة لأصحابها وهي لا تقبل مفهوم التعدّي، وبأنّ التعدّي المدلى به غير واضح ومنازع فيه جدّياً إذ يقتضي في الحالة الراهنة التأكّد من التقيّد بالعقود الموقّعة بين المدعي وبينه وتفسير بنودها وشروطها وتحديد الموجبات الناشئة عنها والوقوف على نيّة الفريقين فيها، الأمر الذي ينطوي على تصدّ واضح لأصل الحقّ ومنازعة جدّية في التعدّي المدلى به تجعل الدعوى مردودة لهذه العلّة، وبأنّه لا مبرّر لتسديد التزامات المدعي نقداً أو بالدولار.
وحيث إنّ الخدمات المصرفية لها أسماء يحدّد العرف المهني، إضافة إلى النصوص أيّ ما هو متعارف عليه بين المصارف وبين المصارف والزبائن، ما هو مضمونها.
وحيث إنّ الحساب الجاري هو القائمة التي تقيّد بها المعاملات المتبادلة بين العميل والمصرف، ويقوم صاحب المال بفتح هذا الحساب في المصرف لوضع ماله فيه بغرض حفظه وصونه وطلبه عند الحاجة إليه، أو لتسهيل التعامل التجاري والمعاملات المصرفية الأخرى التي تقدّمها المصارف لعملائها، وقد عرفت وديعة الحساب الجاري بأنّها المبالغ التي يودعها أصحابها في البنوك بقصد أن تكون حاضرة للتداول والسحب عليها لحظة الحاجة بحيث تردّ بمجرّد الطلب ودون توقّف على أيّ خطأ عالق من أي نوع كان.
وحيث يترتّب على فتح الحساب الجاري منافع لصالح كلاًّ من الطرفين، ومن تلك المنافع العائدة لصاحب هذا الحساب الحصول على الخدمات التي يقدّمها المصرف كدفتر الشيكات وبطاقة السحب الآلي وغيرها، وتمكين صاحب هذا الحساب أن يسحب ما يحتاجه من الأموال منه نقداً في أيّ مكان وأيّ زمان، فمن مزايا هذا الحساب أنّ السحب منه غير مقيّد بزمن محدّد أو بقيمة محدّدة ما دامت في حدود الرصيد الدائن للعميل أو في حدود مبلغ الائتمان الذي يقدّمه المصرف، وما برحت المصارف تشمل هذا الموجب مع سواء ما تنفّذه للعميل صاحب الحساب غير المجمّد، وهذه معلومات يعلمها الكافة، وهي عرف مهني ثابت، فالسحب النقدي يعتبر من العمليات المصرفية الإعتيادية واليومية والبديهية الملازمة لفتح الحساب والتي تؤدّيها المصارف اللبنانية والأجنبية، لا بل هو لصيق بهذا الحساب وملازم له ونتيجة حتمية لطبيعة وديعته وهي غبّ الطلب، فالمودع عندما يقصد مطلق أيّ مصرف لفتح حساب جار يكون مدركاً حتماً لإمكانية سحب أيّ مبلغ من المال منه في أيّ وقت يشاء دون أيّ قيد أو شرط ما دام أنّ حسابه يحتوي على المبلغ المذكور، دون حاجة لذكر هذا الحقّ في تعاقده مع المصرف المتعاقد معه، وهو إن كان يقوم بفتح مثل هذا الحساب الذي هو من أكثر الحسابات رواجاً، فذلك لحفظ أمواله فيه واستفادته من الخدمات التي يقدّمها له المصرف في المقابل.
وحيث إنّ مخالفة العرف المهني وإخراج خدمة متعارف على شمولها بمفهوم الحساب غير المجمّد ممكن، ولكن يجب أن يثبت من يدعيه أنه حصل عند التعاقد.
وحيث إنّ المصرف لم يدع أنّه استثنى هذه الخدمة عند التعاقد مع المدعي، ولم يثبت في مطلق الأحوال حصول هذا الأمر في العقد الذي يرعى علاقته مع الأخير، علماً أنّه لا يتصوّر استثناء السحب من هذا النوع من الحسابات نظراً لكونه ملازماً لها على النحو المتقدّم بيانه أعلاه، فلا يكون للمصرف من ثمّ أن يقرّر فجأة أنّه لا يريد تنفيذ هذه الخدمة وتمكين المدعي من الإنتفاع بها لأنّ ذلك يعتبر لكونه غير مبرّر عن تنفيذ موجباته لا سيّما وأنّه لم يفسخ تعاقده مع هذا الأخير ولم يثبت أنّ شروط التعاقد قد تعدّلت برضى الطرفين، أمّا تعديل الشروط من قبل طرف واحد، هو المدين بالموجب، إنّما يصبح بنداً إرادياً محضاً، وهو باطل، إنْ وجد، بطلاناً مطلقاً على ما هو مكرّس منطقاً (بحسب منطق ومفهوم التعاقد) كما وقانوناً (المادة 84 موجبات وعقود).
وحيث إنّ العرف التجاري المعمول به لدى المصارف لا يعطي المصرف سلطة استنسابية في تقرير إجراء السحب النقدي المطلوب من عميله أو رفضه،علماً أنّ حساب هذا الأخير، أيّ المدعي، مليء ورصيده يبلغ أكثر من المبلغ المطلوب تمكينه من سحبه نقداً.
وحيث إزاء ما تقدّم يضحى ثابتاً وعلى نحو غير منازع فيه أنّ للمدعي حقّاً مشروعاً بسحب مبلغ من المال من حسابه الجاري نقداً وبعملة هذا الحساب وبالقيمة التي يشاء طالما أنّها موجودة فيه، وبإلزام المدعى عليه بتمكينه من إجراء هذه العملية، وحقّه هذا مستمدّ من الخدمات التي يقدّمها له المصرف في إطار عقد فتح الحساب الموقّع معه على النحو المبيّن آنفاً.
وحيث إنّ امتناع المدعى عليه في حالة المنازعة الراهنة عن تمكين المدعي من سحب المبلغ المذكور غير مسند إلى ما يبرّره لأنّه لم يستثن هذه الخدمة من إطار تعاقده مع هذا الأخير على النحو المبيّن آنفاً ولم ينازع بملاءة حسابه أو بكونه لا يملك قيمة المبالغ موضوع الطلب.
وحيث إنّ المصرف برّر من جهة أخرى رفضه للسحب المطالب به بالقيود المصرفية التي لجأت إليها المصارف في ظلّ الأزمة المالية والإقتصادية الراهنة وذلك لمنع تهريب الأموال إلى الخارج والمحافظة على احتياطاتها من العملة الأجنبية لأجل الحفاظ على ودائع زبائنها وتلبية طلبات مودعيها على قدر الإمكان والمساواة.
وحيث إنّ مقدّمة الدستور اللبناني نصّت على أنّ النظام الإقتصادي حرّ يكفل المبادرة الفردية والملكية الخاصة، وهذا القانون هو الأسمى في الدولة لا يعلونّ أيّ قانون آخر، بحيث تلتزم به كلّ القوانين الأدنى مرتبة في الهرم التشريعي، كما أنّ القوانين اللبنانية تضمن حركة رؤوس الأموال من وإلى لبنان الذي يقوم على التبادل الحرّ، ولا توجد قيود رسمية على ذلك في أي من القوانين المرعية الإجراء، وهذا يشكّل إحدى ركائز الإقتصاد اللبناني.
وحيث يبنى على ما تقدّم أنّ أيّ قيد لحق الفرد بملكيته الخاصة، من شأنه أن يمسّ مخالفة لقاعدة دستورية وردت في الوثيقة الدستورية، كما أيّ تقييد في حركة راس المال يشكّل مخالفة للقوانين المرعية الإجراء، من هنا، فإنّ أيّ تقييد لحق المدعي بتحريك حسابه بحرّية مطلقة وبإجراءات السحوبات المالية منه يشكّل خرقاً للمبادئ الدستورية والقانونية أعلاه، لا يجوز تبريره بأيّ ظرف أو تعميم مصرفي مخالف، علماً أنّ أيّ قانون يشرّع هذه القيود والإجراءات لم يصدر لغاية تاريخه، وإنّ جمعية المصارف كتجمّع مهني ذات أهداف نقابية لا تملك وتحت طائلة أيّ ظرف كان الصلاحية في أن تعدّل أو تلغي أو تقيّد او تحصر العمليات المصرفية أيّاً كان شكلها أو طبيعتها وهي الخاضعة أصولاً لمجموعة من القوانين أبرزها النقد والتسليف والقانون التجاري وقانون الموجبات والعقود، وأيّ تدبير متخذ في هذا الإطار صراحةً أو ضمناً يعتبر غير ملزم للمتعاقدين مع المصارف.
وحيث فضلاً عمّا تقدّم فإنّ الأزمة المالية والمصرفية التي يتذرّع بها المصرف المدعى عليه لا يمكن أن تجعله بحلّ من التزاماته تجاه عميله المدعي ذلك أنّ المبرّر الوحيد لعدم الإيفاء بالموجب إنّما يكمن باستحالة التنفيذ المنصوص عليها في المواد 341 وما يليها من قانون الموجبات والعقود، والتي لا تعفي من التنفيذ إلاّ بتحقّق القوّة القاهرة، وهي غير متوافرة في الأوضاع والأزمة المحكى عنها كونها ليست بخارجة عن المصرف المدعى عليه ولا يمكن وصفها بغير المتوقّعة وغير القابلة للدفع لاسيّما في ضوء التقارير المحلّية والعالمية العديدة التي انبأت بحصولها وحذّرت منها.
وحيث إنّ المدعي يطلب سحب مبلغ من المال من حسابه في حين أنّ المدعى عليه يطلب حفظ حقّه بدفع هذا المبلغ بما يعادله بالليرة اللبنانية وبحسب سعر الصرف الرسمي، وذلك بموجب شيك مصرفي مسحوب على مصر لبنان، الأمر الذي يرفضه المدعي.
وحيث إنّ الحقوق إنْ وجدت تحفظ بقوّة القانون، فيكون طلب المدعى عليه لناحية ما تقدّم مردوداً لهذه العلّة، علماً أنّه مردود في مطلق الأحوال لأنّ إيفاء الموجب عيناً هو الأصل، وعرض المصرف الإيفاء عوضاً لا يستقيم، فالمدعي اختار العملية المصرفية التي يرغب بإجرائها وأعطى المصرف تعليماته بشأنها، وهي السحب النقدي علماً أنّه يعود له وحده اختيار العملية المصرفية التي يريد ولا يعود للمصرف المدعى عليه إجباره على قبول أيّ عرض آخر، ولأنّ ما يطلبه الأخير لناحية حفظ حقّه بالإيفاء بواسطة شيك مصرفي بدلاً من تمكين المدعي من سحب قيمته نقداً لا يبرئ ذمّته تجاهه ولا يشكّل تنفيذاً عينياً للموجب الملقى على عاتقه تجاهه.
وحيث فضلاً عن ذلك، فإنّ ما يطلبه المدعى عليه لهذه الناحية هو المستغرب والخارج عن المألوف وليس مطالب المدعي كما يدعي المصرف، فالأخير بعرضه سحب شيك على مصرف لبنان إيفاء للمبلغ الذي يطلب المدعي سحبه يكون قد حوّل نفسه من مسحوب عليه إلى ساحب، الأمر غير المألوف في التعامل المصرفي، فالشيكات تسحب عادة من زبائن والمصارف على هذه الأخيرة لتسليمها إلى الغير وليس العكس، فضلاً عن أنّه وغير المألوف أن يسحب المصرف شيكاً لعميله على مصرف لبنان على أساس أنّه تجاهه، إذ ليس ثمّة نصّ في قانون النقد والتسليف يسمح لحامل هذا الشيك إلى هذا المصرف المسحوب عليه في هذه الحالة، أيّ المركزي، لوضع الشيك المذكور في التحصيل وقبض قيمته، لا بل إنّه يتوجّب عليه في هذه الحالة إعادة وضع هذا الشيك في حساب مصرفي لقيد قيمته فيه وسحبها، من هنا فإنّه وإنْ كان الشيك وسيلة إيفاء لدى الإطلاع ويقوم في كثير من الأحيان مقام النقود، إلاّ أنّ الشيك المصرفي المشطوب الذي يعرض المصرف المدعى عليه الإيفاء به لا يعتبر كذلك، لأنّ شروط استيفائه الحالية، والمعلومة من الكافة، عبر إعادة حجزه من قبل مصرف آخر، لا تجعله وسيلة إبراء غير محدودة كالنقود، إذ يبقى أيضاً للمواطن الحقّ في ألاّ يكون زبوناً لأيّ مصرف، وإلزامه بقبول الشيك المصرفي هو اعتداء على هذا الحقّ وتقييد للحرّية وإكراه على التعاقد مع مؤسّسة مصرفية، وإلغاء للحقّ في الإستغناء عنها وعن غيرها، وإنهاء لمبدأ حرّية التعاقد الذي لا يمكن أن يقوم إلاّ بحرّية المرء أوّلاً في التعاقد، فضلاً عن أنّ إعادة فتح حساب مصرفي جديد بموجب الشيك المذكور من شأنه أن يدخل المدعي في دوّامة لا تنتهي من القيود على حقّه بحرّية تحريك أمواله والتصرّف بها لاسيّما بعد أن لجأت المصارف إلى وضع قيود على السحوبات حتّى بالعملة اللبنانية، والمصرف المدعى عليه على أتمّ العلم بالوضع المذكور الذي لم يعد خافياً على أحد، بحيث لن يكون بمقدور المدعي سحب قيمة هذا الشيك بكاملها والتي هي في مطلق الأحوال لا تعادل قيمة المبلغ الذي يطلب سحبه سواء وفقاً لسعر الصرف الذي حدّده مصرف لبنان بالنسبة للسحوبات بعملة الدولار، أيّ 3900، أم وفقاً للسعر المتداول به في ما يعرف بـ “السوق السوداء”.
وحيث يكون المصرف المدعى عليه، وللأسباب المبيّنة أعلاه، قد خرج عن نطاق حقوقه المشروعة في رفض تمكين المدعي من سحب المبلغ المطلوب من حسابه الجاري لديه نقداً وعدّاً وبعملة هذا الحساب، لأنّ هذا الرفض ليس بحقّ مشروع له على النحو المبيّن آنفاً، وتعدّى بالنتيجة بكلّ وضوح على حقوق المدعي التعاقدية المكرّسة الواضحة غير المحتاجة إلى تأويل ولا تفسير ولا استنباط علماً أنّه لا يعود للمصرف التقصّي عن الحاجة لهذا السحب ومناقشة عميله بهذه المسألة وما إذا كان بمقدوره إيفاء التزاماته بالعملة اللبنانية بدلاً من الدولار الأميركي، ممّا يوجب إلزامه، وتفعيلاً لأحكام الفقرة الثانية من المادة 579أ.م.م. التي باتت مكتملة العناصر، بتمكين المدعي من سحب مبلغ قدره /200,000/د.ا. عداً ونقداً من حسابه الجاري لديه وبعملة هذا الحساب، وذلك فور تبلّغه هذا القرار وتحت طائلة غرامة إكراهية قدرها ثلاثة ملايين ليرة لبنانية عن كلّ يوم تأخير في التنفيذ.
وبعد النتيجة التي آلت إليها المحاكمة تنتفي الحاجة للبحث في مدى توافر شروط الفقرة الثالثة من المادة 579 أ.م.م. علماً أنّه متوافرة في مطلق الأحوال لثبوت المدعي في ذمّة المدعى عليه، الأمر غير المنازع به أساساً من قبل هذا الأخير، كما يبقى ردّ طلب المدعي إعطاء القرار صيغة النفاذ لانتفاء المبرّر، وردّ سائر الأسباب الزائدة أو المخالفة إمّا لعدم الجدوى، أو لكونها لقيت في ما سبق تبيانه الردّ الضمني.
لذلك
يقرّر:
1- إلزام المدعى عليه بنك(…) فرع المصيطبة كركول الدروز بتمكين المدعي السيّد ع.ا. بسحب مبلغ قدره /200,000/د.ا. عدّاً ونقداً من حسابه لديه رقم /001-3452550097/ وذلك فور تبلّغه هذا القرار وتحت طائلة غرامة إكراهية قدرها ثلاثة ملايين ليرة لبنانية عن كلّ يوم تأخير في التنفيذ.
2- ردّ طلب إصدار القرار بصيغة النافذ على الأصل.
3- ردّ سائر الأسباب والمطالب الزائدة أو المخالفة.
4- تضمين المدعى عليه الرسوم والنفقات القانونية.
قراراً معجّل التنفيذ صدر وأفهم علناً في بيروت بتاريخ 2020/11/18.
“محكمة” – السبت في 2020/11/21