إنذار مبلّغ من المستأجر خلال فترة الفراغ التشريعي.. إسقاط من حقّ التمديد/ناضر كسبار
بقلم المحامي ناضر كسبار:
إعتبرت محكمة استئناف بيروت المؤلّفة من القضاة الرئيس أيمن عويدات والمستشارين حسام عطالله وكارلا معماري أنّ القانون رقم 2017/2 الصادر بتاريخ 2017/2/28 قد مدّد العمل بالقانون رقم 92/160 حتّى 2014/12/28، إلاّ أنّه لم يستثن الإنذار عند تمديده العمل بالقانون رقم 92/160 على عكس القوانين الاستثنائية السابقة التي كانت تعطي مهلة جديدة للمستأجر لدفع البدلات بموجب الإنذار المبلّغ منه خلال فترة الفراغ، وبالتالي، إعتبرت أنّ الإنذار المرسل خلال تلك الفترة منتج لمفاعيله القانونية، ولم يدفع المستأجر البدلات خلال مهلة الشهرين ممّا يؤدّي إلى إسقاط حقّه بالتمديد القانوني.
وقضت بتصديق الحكم المستأنف،
وممّا جاء في القرار الصادر بتاريخ 2018/2/8
ثانياً: في الأساس:
1- في السبب المتعلّق بالقانون الواجب التطبيق: حيث إنّ الجهة المستأنفة تدلي بوجوب فسخ القرار المستأنف لأنّ الإنذار بالدفع حصل بتاريخ 2013/3/4 بحسب ادلاء الجهة المستأنف عليها، أيّ في فترة الفراغ التشريعي حيث لم يكن هناك من قانون يرعى العلاقة التأجيرية بين المالك والمستأجر، وقد قدّمت الدعوى بتاريخ 2013/5/18 ، أيّ في فترة الفراغ التشريعي أيضاً، فكان على الجهة المستأنف عليها أن تتريّث بإرسال الإنذار وتقديم الدعوى لحين صدور القانون الجديد، وبأنّ قانون 160/92 الذي استند إليه القرار والجهة المستأنف عليها قد انتهى العمل به قبل تاريخ ارسال الانذار وتقديم الدعوى، وبأنّ القانون الجديد للايجارات لم يلحظ في مواده أيّ غطاء للفترة الممتدة بين تاريخ نفاذ القانون الجديد وتاريخ انتهاء مفعول القانون القديم،
وحيث إنّ الجهة المستأنف عليها تدلي بوجوب ردّ إدلاء الجهة المستأنفة لهذه الجهة وتصديق الحكم الابتدائي الذي طبق القانون 92/160 لأنّ الإجتهاد مستقرّ على تطبيق القانون 92/160 على الفترات التي تنصرم ما بين تاريخ انتهائه وتاريخ تمديده من جديد بسبب عدم وجود وعدم قانونية ما يسمّى بفترة الفراغ التشريعي، ولأنّ المستأجر المستأنف في الحالة الحاضرة يستمدّ حقّه بالإشغال من أحكام القانون الاستثنائي، أيّ القانون 92/160، ليبرّر إشغاله لملك المستأنف عليهما، ولأنّ الأخذ بما يسمّى بفترة الفراغ التشريعي يوجب إخلاء المأجور إستناداً إلى القانون العام أيّ قانون الموجبات والعقود لعدم رغبة الجهة المستأنف عليها بتجديد الإيجارة، ولأنّ القانون النافذ حكماً الصادر بتاريخ 2017/2/28 قد نصّ في المادة /55/ فقرة /1/ و/3/ منه على تمديد العمل بالقانون رقم 92/160 حتّى تاريخ 2014/2/28، وعلى أنّ الدعاوى المقامة قبل تاريخ العمل به تبقى خاضعة لأحكام القوانين التي أقيمت في ظلّها،
وحيث إنّ القاعدة أتت ترعى تنازع قوانين الإيجارات الاستثنائية في الزمان تفرض تطبيق القانون السائد بتاريخ إقامة الدعوى،
وحيث إنّ قانون الإيجارات الإستثنائي 92/160 كان قد انتهى مفعوله بتاريخ 2012/3/31، وقد صدر قانون الإيجارات الجديد في العام 2014 خالياً من أيّ قاعدة تحدّد القانون الواجب التطبيق في الفترة الممتدة بين تاريخ انتهاء العمل بالقانون 92/160 وتاريخ نفاذ القانون الجديد في 2014/12/28 فتضارب الإجتهاد لهذه الجهة،
وحيث إنّ القانون الجديد الصادر بتاريخ 2017/2/28 أرسى قاعدة وضع فيها حدّاً لهذه الإشكالية وذلك في المادة 55 فقرة أولى فمدّد العمل بالقانون 92/160 حتّى تاريخ 2014/12/28،
وحيث إنّ الدعاوى التي أقيمت خلال الفترة التي سمّيت سابقاً بفترة الفراغ التشريعي (الاستثنائي لعدم صحّة هذا التعبير) تكون خاضعة، وفقاً للمبدأ المذكور آنفاً، للقانون السائد عند تقديمها أيّ للقانون 92/160 الذي مدّد العمل به حتّى تاريخ 2014/12/28،
وحيث إنّ القانون الصادر بتاريخ 2017/2/28 لم يستثن الإنذار عند تمديده العمل بالقانون 92/160، على عكس القوانين الاستثنائية السابقة له، فمدّد العمل بالقانون 92/160 بكلّ مفاعيله لاسيّما لجهة شروط الإنذار والآثار الناشئة عن عدم الالتزام بضمونه (على عكس ما كانت القوانين السابقة تشير إليه لجهة آثار الانذارات المرسلة أثناء فترة الفراغ التشريعي الاستثنائي، (يراجع بهذا الشأن عفيف شمس الدين، قانون الإيجارات بين الأصل والتعديل ص 254).
وحيث إنّه، بالعودة إلى الحالة الحاضرة، يتبيّن أنّ دعوى الإسقاط من حقّ التمديد قد قدّمت بداية بتاريخ 2013/5/18 أيّ في الفترة التي كان فيها القانون 92/160 نافذاً وفقاً لصراحة نصّ المادة 55 من القانون الجديد، وإنّ الجهة المستأنفة لم تدفع البدلات المطالب بها ضمن المهلة القانونية، فيكون ما قضى به الحكم المستأنف من نتيجة واقعاً في موقعه القانوني الصحيح بالاستناد إلى التعليل المعتمد من المحكمة والمبّين في ما سبق،
وحيث سنداً لما تقدّم، يقتضي تعديل الحكم المستأنف لجهة التعليل الذي على أساسه توصّلت المحكمة الابتدائية إلى تطبيق أحكام القانون 92/160 وإحلال تعليل المحكمة الآنف الذكر محلّه،
2- في السبب المتعلق بعدم ابلاغ المستأنف اشعار تبليغ الانذار بدفع البدلات: حيث إنّ المستأنف يدلي بوجوب فسخ الحكم الابتدائي لأنّه لم يتمّ إبلاغه إشعار تبليغ الإنذار الذي قيل إنّه أبلغ إليه بالذات، فمبدأ وجاهية المحاكمة يفرض اطلاع كافة فرقاء الدعوى على أيّ مستند يتمّ إبرازه في ملفّ الدعوى تحت طائلة فسخ الحكم في حال مخالفته، لاسيّما لحرمان المدعى عليه من حقّ الدفاع عن نفسه، وإنّ عدم إبلاغه إشعار تبليغ الإنذار يفيد بأنّه لم يكن موافقاً على مضمونه قبل اطلاعه على التوقيع المنسوب إليه وبأنّه لم يكن قادراً على اتخاذ الموقف القانوني المناسب منه بالقبول أو بتقديم الطعن وفقاً للأصول، فلا يجوز استنتاج حصول التبليغ من عدم الطعن فيه،
وحيث إنّ الجهة المستأنف عليها تدلي بوجوب ردّ السبب الاستئنافي في هذا لأنّه ثابت في الملفّ الابتدائي أن الجهة المستأنف عليها قد أبرزت صورة كاملة عن إشعار استلام الإنذار قي لائحة انفاذ القرار التمهيدي الصادر عن القاضي المنفرد بتاريخ 2015/11/4 وقامت بإبلاغ اللائحة إلى الجهة المستأنفة،
وحيث إنّ وجاهية المحاكمة هي قاعدة جوهرية تحمي من خلالها حقوق المتقاضين لاسيّما منها حقّ الدفاع، فتفرض إبلاغ كلّ أوراق المحاكمة إلى كلّ الفرقاء في الدعوى تمهيداً لممارسة حقّهم في مناقشة مضمونها دفاعاً عن مصالحهم، وإنّ التشدّد في التبليغ يزداد في ما إذا تضمّنت هذه الأوراق إدلاءات أو مستندات ارتكزت عليها المحكمة لإسناد حلّها،
وحيث إنّه، بالعودة إلى ملفّ المحاكمة الابتدائية، يتبيّن أنّه صدر بتاريخ 2015/11/4 قرار تمهيدي عن القاضي المنفرد كلّف فيه الجهة المدعية (المستأنف عليها) بإبراز ما يثبت تبلغ المدعى عليه الانذار بدفع البدلات المستحقة وهوية الشخص الذي تبلّغه وتاريخ التبلّغ، وقد تقدّمت الجهة المستأنف عليها بلائحة إنفاذ هذا القرار بتاريخ 205/11/10 أرفقت بها صورة كاملة عن إشعار استلام الإنذار تبيّن من ظاهرها أنّ المستأنف هو الذي وقع هذا الإشعار، إلاّ أنّه لم يتبيّن من محضر المحاكمة ومن الإشعارات المضمونة إلى الملفّ الإبتدائي أنّ الجهة المدعى عليها قد تبلّغت هذه اللائحة، وبالتالي لم يتبيّن أنّها تبلّغت إشعار استلام الإنذار بدفع البدلات تمهيداً لمناقشة مضمونه، ما يرتّب فسخ الحكم الصادر بداية في حال تبيّن أنّ هذه المخالفة قد ألحقت ضرراً بالمستأنف ومنعته من ممارسة حقّه بالدفاع، لاسيّما أنّ المحكمة قد استندت إلى حصول هذا التبليغ وصحّته لإسقاط المستأنف من حقّه في التمديد القانوني،
وحيث إنّه، بالعودة إلى الملفّ الاستئنافي، يتبيّن أنّ الجهة المستأنف عليها قد تقدّمت بتاريخ 2017/6/29 بلائحة جوابية أولى أرفقت بها صورة عن إشعار استلام التبليغ الموقّع من قبل المستأنف (وقد أشير في اللائحة نفسها إلى أنّه أرفق بها الصورة المذكورة)، فيكون العيب المذكور قد تمّ تداركه استئنافاً، وقد تبلّغ هذا الأخير اللائحة بواسطة وكيله بتاريخ 2017/7/5 إلاّ أنّه لم يتبيّن من الأوراق المبرزة في الملفّ أنّه ادعى تزوير المستند المذكور أو ناقش في مضمونه بعد إبلاغه إيّاه في المرحلة الاستئنافية (وأنّه على فرض وجوب الفسخ فإنّه تبعاً للمفعول الناشر للإستئناف يقتضي ترتيب النتيجة كونه لم يطعن بالتبليغ المشار إليه بعد إبلاغه من المستأنف)، ما يثبت انتفاء النيّة لديه بالطعن فيه ورضوخه لمضمونه، فيستنتج بالتالي أنّه لم يحرم، من جرّاء عدم إبلاغه صورة إشعار الإستلام بداية، من حقّه في الدفاع، فينتفي بالتالي وجود أيّ ضرر ما يرتّب ردّ إدلاء المستأنف لهذه الجهة،
3- في السبب المتعلّق بصفة مرسل الإنذار: حيث إنّ المستأنف يدلي بوجوب فسخ الحكم لأنّ إرسال الإنذار بالدفع يجب أن يتمّ من قبل صاحب العقار أو من وكيل قانوني تخوّله وكالته إرسال هذا الإنذار تحت طائلة إبطاله وعدم الإعتداد به، ولأنّ قانون الإيجارات هو قانون استثنائي لا يجوز التوسّع في تفسيره،
وحيث إنّ الجهة المستأنف عليها تدلي بوجوب ردّ السبب الاستئنافي المتعلّق بصفة مرسل الإنذار لأنّه غير صحيح وغير قانوني لاسيّما أنّ الأستاذ، مرسل الإنذار، هو وكيل الاعتماد، وأنّ هذا الأخير هو وكيل الجهة المستأنف عليها بموجب وكالات مبرزة في الملفّ تتضمّن جميعها صلاحية إرسال الإنذارات،
وحيث إنّه، بالعودة إلى الملفّ الابتدائي، يتبيّن من الوكالات المبرزة أنّ الأستاذ جهاد حائز على وكالة من قبل الاعتماد، ممثّلاً برئيس مجلس الادارة، بصفته الشخصية وبصفته وكيلاً عن كافة موكيله، وإنّ الاعتماد حائز على وكالة من السيّدتين منيرة ونوال تجيز له إرسال الإنذارات،
وحيث إنّ القانون 92/160 الذي أرسل الإنذار في ظلّه لم يفرض حيازة الوكيل على وكالة خاصة لإرسال الإنذار بدفع البدلات، فتكون صفة الأستاذ متوافرة، فيقتضي ردّ إدلاء المستأنف لهذه الجهة،
وحيث بنتيجة الحلّ المساق، تغدو سائر الأسباب أو المطالب الزائدة أو المخالفة مستوجبة الردّ إمّا لكونها لاقت ردّاً ضمنياً أو لعدم تأثيرها على النزاع، بما فيها طلب العطل والضرر لعدم تحقّق شروطه،
لذلك تقرّر بالإجماع:
1- قبول الاستئناف شكلاً.
2- ردّ الاستئناف أساساً، وتصديق الحكم المستأنف من حيث النتيجة التي توصّل إليها بالإستناد إلى التعليل المعتمد من المحكمة في متن هذا القرار.
3- ردّ طلب العطل والضرر.
4- ردّ سائر الأسباب أو المطالب الزائدة أو المخالفة.
5- مصادرة التأمين الاستئنافي، وتضمين المستأنف الرسوم والنفقات القانونية.
قراراً صدر وأفهم علناً في بيروت بتاريخ 2018/2/8.
“محكمة” – الأحد في 2018/03/04