اتهام أستاذ جامعي لبناني بالإعداد لتفجير”البيت الأبيض” بتخطيط من حزب الله!
عمر نشابة*:
كشفت السلطات القضائية الاميركية أخيراً عن القرار الاتهامي وخلاصات محاضر التحقيق التي أجريت مع الأستاذ الجامعي، المواطن اللبناني الاميركي علي حسن صعب، الموقوف حالياً، والذي ينتظر أن تبدأ محاكمته قريباً بتهمة العمل لمصلحة «حزب الله» والإعداد للقيام بأعمال إرهابية في الولايات المتحدة، أبرزها تفجير البيت الأبيض ومبنى الكونغرس في واشنطن. اطلعت «الأخبار» على محاضر التحقيق، وتبيّن لنا أنها مبنية على تكهنات ومزاعم وروايات لا تتناسب مع منهجية التحقيق الجنائي المحترف، وأن تحليلات المحقق الفيدرالي الاميركي تبدو متسرّعة وتفتقد الدقة وتشوبها الأحكام المسبقة
في الثامن من تموز 2019، قدم المحقق الخاص في مكتب التحقيقات الفيدرالي الاميركي، انطوني سيبريانو، خلاصة تحقيقات قام بها مع اللبناني الاميركي علي حسن صعب، الأستاذ المحاضر في جامعة باروش في نيويورك، (حائز شهادتي ماجيستير في إدارة الاعمال وفي تكنولوجيا المعلومات). وفي 19 تموز، صدر قرار الاتهام بحق صعب، وهو اليوم ينتظر موعد محاكمته بتهم عدة أهمها: «التآمر لتقديم دعم مادي لحزب الله» بين عامي 1996 و2019، و«تلقي تدريبات عسكرية»، و«الحصول بطريقة غير قانونية على الجنسية الاميركية بهدف تسهيل عمل إرهابي دولي». وأشارت محاضر التحقيق الى أن بين «الأهداف» المزعومة: البيت الأبيض ومبنى الكونغرس ومبنى «امباير ستايت» وجسري «بروكلن» و«فيرازانو» ومعالم أخرى. لكن كيف علم مكتب التحقيقات الفيدرالي بهذه «الأهداف»؟ الجواب: صوّر صعب هذه المعالم، بينما وُجد في حوزته تسجيل للسيد حسن نصر الله كان قد التقطه من على شاشة تلفزيون «المنار».
تجدر الاشارة الى أن سلطات التحقيق في الولايات المتحدة تستخدم «أساليب تحقيق خاصة» أثناء التحقيق مع «إرهابيين» محتملين، يرجّح أنها تشمل وسائل ضغط نفسي وجسدي يمكن تصنيفها بالتعذيب بحسب الاتفاقية الدولية للقضاء على التعذيب.
«الأخبار» اطلعت على خلاصات التحقيقات التي أجراها سيبريانو (محقق تابع لمكتب التحقيقات الفيدرالي في نيويورك، متخصص في «اعتراض النشاطات الإرهابية لحزب الله وبشكل خاص لمنظمة الجهاد الاسلامي»)، والتي تضمنت معلومات تجافي الحقيقة، وتحليلات تفتقد المنهجية المهنية، وخلاصات بدت متسرعة وتتضمن أحكاماً مسبقة. وفي ما يأتي بعض أبرز التجاوزات والإخفاقات المهنية التي استند اليها لإصدار قرار الاتهام.
استمر استجواب صعب (42 سنة) الذي سافر الى الولايات المتحدة عام 2000 وحاز الجنسية الاميركية عام 2008، من 14 آذار حتى 8 تموز 2019 بشكل متواصل، وخلص المحقق الى أن المتهم جُنّد لدى حزب الله عام 1996 عندما كان طالباً في الجامعة اللبنانية، وأنه كُلّف مراقبة تحركات الجيش الإسرائيلي و«جيش لبنان الجنوبي» في بلدة يارون ومحيطها وكتابة تقارير بنتائج المراقبة.
وبصرف النظر عن صحة التجنيد، فقد تناسى المحقق أن الجيش الإسرائيلي كان يومها يحتلّ جنوب لبنان، باعتراف الأمم المتحدة، وأن العدو الإسرائيلي هو الذي كان يخالف القانون الدولي بعدم انصياعه لقرار مجلس الأمن 425، وبالتالي من حق اللبنانيين، بحسب ميثاق الامم المتحدة، مقاومة الاحتلال بكل الوسائل المتاحة.
ويزعم المحقق أن المتهم خضع لأول تدريب عسكري عام 1999 على استخدام الاسلحة النارية. وقبل سفره الى الولايات المتحدة تدرّب، بحسب مزاعم المحقق، على أساليب للتواصل الإلكتروني «بمشغليه» في «منظمة الجهاد الإسلامي». وذكر المحقق أن صعب قال له إن حزب الله أعلمه بأنه في حال وصلته رسالة إلكترونية بدت كأنها دعاية تجارية (ما يعرف بـ«سبام») تحتوي على إشارات معينة (لا يذكرها محضر التحقيق) فهي تعني أن الحزب يأمره بالعودة الى لبنان. كما زعم أن حزب الله زوّد صعب برقم تلفون و«كود» لاستخدامه «فور وصوله الى لبنان ليعرف الحزب موعد وصوله فيتصل به لاحقاً». لكن هل يحتاج حزب الله، وهو بحسب الاميركيين «الأكثر قدرة تقنياً» بين المنظمات «لإرهابية» كافة، الى انتظار اتصال هاتفي ليعرف بوصول أحد عناصره الى لبنان؟
يدّعي المحقق أن صعب أخبره بأنه كان يُنقل مع زملاء مجهولين الى مواقع تدريب بواسطة فان أبيض اللون زجاجه أسود داكن. وكان على الجميع في الفان ارتداء أقنعة، ولدى وصولهم الى «الصف» يُعزلون عن بعضهم بعضاً بواسطة ستارة ولا يسمح لهم بالتفاعل. كما أن عليهم استخدام أسماء وهمية، واختير لصعب اسم «رشيد». وللتثبت من صحة ذلك، اعتمد المحقق على أقوال «شاهد متعاون» بقي اسمه سرياً، وهو بحسب زعمه عضو سابق في منظمة «الجهاد الإسلامي» قبض عليه في الولايات المتحدة في حزيران 2017، واعترف بضلوعه في عدد من الهجمات الإرهابية، وعرض تقديم معلومات للمحققين مقابل اتفاق تسوية. وزعم المحقق أن «الشاهد» انضم الى «الجهاد» عام 2007، وخضع للتدريب على صناعة المتفجرات، وشارك لاحقاً في مهام لصالح المنظمة في باناما وتايلاند. إلا ان المحقق لم يقدم أيّ دليل أو معلومات إضافية تثبت صحة ذلك.
التدريب الذي خضع له صعب، بحسب المحقق، كان على المراقبة والتصوير السري لصالح «الجهاد الإسلامي». ويعطي المحقق مثالاً بالقول: إن التدريب كان يرتكز على وجوب تصوير شيء لا علاقة له بما يراد فعلاً تصويره قبل المباشرة بالتصوير الفعلي. وشمل التدريب التصوير من ارتفاع شاهق من «أجل الإشارة الى الوجهة التي تهمّ حزب الله». لكن هذا الأسلوب في التصوير لا يحتاج الى تدريب، ولم يقدم المحقق أي أدلة تثبت وجود تدريب كهذا. ويمكن من خلال مشاهدة الصور التي ذكر أن صعب التقطها أنها صور سياحية له، ولمباني وجسور ومعالم معروفة قد تكون في حوزة أي زائر لنيويورك أو لواشنطن.
بين 2004 و2005 خضع صعب، بحسب المحقق الفدرالي، لتدريبات على المتفجرات في لبنان. وكان التدريب المزعوم الذي دام ثلاثة أسابيع يحصل في مكان تحت الأرض (لم يحدّد المكان في محضر التحقيق). وتمكّن من صناعة «قنبلة لاصقة» قام بتفجيرها على سبيل التجربة «في الجبل خارج بيروت». وعرض المحقق ثلاثة رسوم ادّعى أن صعب رسمها أثناء التحقيق معه لشرح كيفية صناعة المتفجرات. غير أن الرسوم بدت خربشات، وبدا فيها رسم لسلك مربوط بعلبة مربوطة بدورها بعلبة ثانية وبخيوط إضافية لا تبدو وظيفتها واضحة. وأضاف المحقق أنه بعد هجوم 14 شباط 2005 الذي استهدف الرئيس رفيق الحريري، طلب مدرّبو صعب (في حزب الله) منه ومن زملائه تحليل صور مسرح الانفجار وتحديد مكان العبوة المتفجرة وحجمها وتكوينها وطريقة التفجير المستخدمة.
وقد غادر صعب لبنان الى الولايات المتحدة (في نيسان 2005) عبر تركيا، لكنه أوقف في مطار إسطنبول لأن آثاراً لمتفجرات وجدت على ملابسه وفي حقيبة يده. إلا أن السلطات التركية سمحت له بالسفر الى نيويورك حيث حقق معه أمن مطار «جي اف كي»، لكنه نفى معرفته بمصدر آثار المتفجرات. والغريب أن المحقق يدّعي أن الامر انتهى عند هذا الحد، ولا يذكر خلاصة التحقيق الذي قام به أمن المطار المتشدّد بعد مرور سنوات قليلة على وقوع هجوم 11 أيلول 2001.
ادّعى المحقق أن حزب الله أمر صعب بمراقبة «مواقع ساخنة» في مدينة نيويورك، وأن أوامره كانت بأن يراقب باستمرار من دون أي توقف وبطريقة أوتوماتيكية (autopilot). وزعم أن التصوير الذي قام به صعب كان لصالح «منظمة الجهاد الإسلامي» وليس تصويراً سياحياً، وأن المصور كان يبحث عن «نقاط ضعف بعض الأبنية والجسور للمساعدة على تحديد حجم المتفجرات والمكان المناسب لوضعها». كما صودر «تقرير» كان في حوزة المتهم، هو كناية عن دفتر رسمت عليه بخط اليد خريطة لمدينة نيويورك، وحددت عليها عناوين لمعالم شهيرة مختلفة منها: تمثال الحرية، مقر الامم المتحدة، مركز «روكفلر» التجاري، «وول ستريت» (البورصة الاميركية)، برج «امباير ستايت»، ومختلف الجسور والأنفاق الرئيسية في المدينة. كما أضيفت الى الدفتر الطرقات المؤدية الى المطار.
ولدى تفتيش منزله في منطقة موريستاون في نيو جيرسي (قرب نيويورك)، تمت مصادرة «أجهزة إلكترونية» (لا يحدد محضر التحقيق نوعها أو طرازها) تحتوي على «صور المراقبة» لجسر بروكلين وجسر فيرازانو والمبنى الفدرالي في نيويورك وجسر جورج واشنطن. وهي جميعها مواقع سياحية معروفة يزورها الآلاف يومياً ويلتقطون صورها. المحقق الفيدرالي أضاف في تقريره أن صعب التقط «صور مراقبة» إضافية في مدينة بوسطن وفي واشنطن «لصالح حزب الله»، بما فيها صور للبيت الأبيض ولمبنى الكونغرس، في إطار الاستعدادات لشنّ هجوم إرهابي.
كما زعم المحقق أن حزب الله طلب من صعب التقاط «صور مراقبة» في اسطنبول عام 2005، منها صور للأسواق التجارية فيها وللجامع الأزرق، وأنه عاد الى بيروت عن طريق دمشق حيث استقبله أحد المسؤولين في حزب الله في فندق، واجتازا الحدود اللبنانية السورية عبر الخط العسكري في سيارة «بي ام» سوداء.
قد تكون الرواية الأغرب في تقرير المحقق هي محاولة صعب قتل عميل إسرائيلي في بيروت بين عامي 2003 و2005. فقد زعم المحقق أن أحد المسؤولين في حزب الله أمر صعب بسرقة سيارة نوع «مرسيدس» بواسطة مفتاح خاص، ثم طلب منه تسلم مسدس فضي مجهّز بكاتم صوت كان موضوعاً في كيس بلاستيك تحت مقعد السيارة. وبعد ذلك ذهب المشغل مع صعب في السيارة الى مكان خارج بيروت، حيث كانت سيارة «فان» بيضاء صغيرة في انتظارهما، فركنا سيارة «المرسيدس» خلفها، وأمر «المشغل» صعب بأن يترجل ويطلق النار على الرجل الموجود في الفان «مرّتين في البطن ومرّة في الرأس». ولدى وصول صعب أمام الرجل صرخ الأخير «لست أنا»، فحاول صعب إطلاق النار باتجاهه لكن المسدس تعطّل فجأة. بعد ذلك طلب المشغل من صعب العودة الى السيارة ليفرّا من المكان. وأضاف المحقق في روايته الغريبة أن «صعب علم لاحقاً بأن الرجل في الفان كان مشتبهاً فيه بالعمالة لصالح إسرائيل».
يشير محضر التحقيق الى صور وفيديوات للأمين العام لحزب الله وجدها المحققون الاميركيون في «التجهيزات الإلكترونية» الخاصة بصعب. وتبين أن هذه الصور مأخوذة من شاشة تلفزيون «المنار» حيث تظهر علامة المحطة التلفزيونية بوضوح في أعلى الصور الموجودة في تقرير المحقق.
أخيراً، خصّص جزء وفير من محضر التحقيق للإشارة الى زواج صعب «صورياً» من سيدة أميركية للحصول على الجنسية مقابل مبلغ من المال، بطلب من حزب الله بهدف تسهيل تحركاته التحضيرية للعمل الإرهابي المزعوم. هي ليست الرواية الاولى وقد لا تكون الأخيرة لمحقق فيدرالي يستعجل التحقيق، ويربط صوراً وخبريات بعضها بالبعض الآخر، لـ«يكتشف» مؤامرة إرهابية، وكأن نظرية المؤامرة تتمدّد لتصبح كل صورة سياحية يلتقطها عربي مصدر شبهة، وكل سفر أو هجرة يقوم بها لبناني بداية مسلسل إجرامي، وتصبح كل مخالفة للقانون فرصة لإدانة حزب الله وشيطنته وتشويه سمعته ومكانته في العالم.
*جريدة الأخبار اليوم
“محكمة” – الثلاثاء في 2019/10/1