الأصول الجزائيّة بين النظريّة والتطبيق/زياد مكنا
بقلم الدكتور زياد مكنا*:
حضرة نقيب المحامين في بيروت الأستاذ ناضر كسبار المحترم،
الحضور الكريم،
إنّ اختيارَ هذا البيت لعقد ندوة حول كتابٍ قانونيٍ ليس وليدَ صدفةٍ، فقد فَرَضته منهجيّةُ القيّمينَ عليه، المتّجهة دائماً إلى نشر العِلم وتشجيع مبادرات تطويره، حتّى بات المكان الطبيعي لمثل هذه المناسبة؛ هذا على الصعيد الموضوعي.
أمّا على الصعيد الشخصي، فأساس الاختيار يكمن في أنّني بدأت حياتي المهنيّة محامياً متدرّجاً في هذه النقابة العريقة، ولم أنقطع عن نشاطاتها العلميّة أبداً، فلقد حاضرت في هذه القاعة أكثر من مرّةٍ، كما حاضرت في معهد المحاماة، وفي أكثريّة الدورات التدريبيّة في معهد حقوق الإنسان منذ العام 2007، إضافة الى الكتابة الحقوقيّة المستمرّة، منذ العام 2019، في مجلّة “العدل”.
كلّ الشكر لحضرة النقيب المحترم الذي فتح أبواب هذا البيت واسعاً أمامنا، ومن خلاله، الشكر لأعضاء مجلس النقابة وللمحامين المنتسبين إلى هذه النقابة المحترمين كلّهم. ويشرّفني مشاركة حضرة النقيب(ناضر كسبار) وحضرة رئيس محاضرات التدرّج( اسكندر نجار) وأستاذتي العميدة الدكتورة فيلومين نصر في هذه الندوة، فهم، بالإضافة إلى مهامهم المهنيّة، من أعلام الكتابة في أكثرَ من ميدان.
حضرة النقيب،
الحضور الكريم،
“الأصول الجزائيّة بين النظريّة والتطبيق”، عنوان مداخلتي المستوحى من عنوان الكتاب موضوع الندوة، يعرض إشكاليّة المواءمة بين نظريّة الأصول الجزائيّة وتطبيقاتها العمليّة. هذه الإشكاليّة تكتسب أهميّة بالغة في القوانين الإجرائيّة، لا سيّما الجزائيّة منها، لأنّ التطبيق العملي هو ميدان الاختبار الحقيقي لجدوى هذه القوانين وفعاليّتها.
الوجه الأوّل لهذه الإشكاليّة يتمثّل في الحالة التي يكرّس فيها التطبيق العملي أمراً واقعاً، يصبح مألوفاً ومقبولاً بالنظر إلى الضرورات التي حتّمته، في حين لا تتمّ مواكبتُه نظريّاً، بحيث يصبح التمسّك بالنظريّة، كما كانت، بعيداً كلّ البعد عمّا هو معمول به، ما يؤثّر سلباً على الحقوق الإجرائيّة التي تكرّسها.
خير مثال على ذلك، واقع التحقيق الأوّلي في الجرائم المشهودة وتلك غير المشهودة، حيث إنّ إجراءاتِه تتمّ بصورة كاملة على يد مساعدي النيابة العامة في الضابطة العدليّة، بما في ذلك الاستجواب في الجرائم غير المشهودة، في حين أنّ النصّ يمنع الاستجواب في هذه الحالة تحت طائلة البطلان.
فرضت الواقعيّة تقبُّل هذا الأمر، إذ إنّه من المستحيل أن يتولّى قضاة النيابة العامة بأنفسهم التحقيقات الأوليّة كافةً، ولكنّ، المنطق القانوني يوجِب في هذه الحالة مواكبة النصوص لهذا الواقع بحيث يتمتّع المشتبه فيه أو المشكو منه بالضمانات الإجرائيّة كافةً في هذه التحقيقات، لأنّ الأساس النظري لغياب بعض هذه الضمانات في حال تولّى مساعدو النيابة العامة في الضابطة العدليّة بعض الإجراءات في التحقيق الأوّلي هو أنّ هذه الإجراءات تقتصر على الاستقصاء والإستماع ولا تتعدّاها إلى الإستجواب ومناقشة الأدلة.
أدّى التمسُّك بنظريّة عدم جواز الاستجواب من قِبَل مساعدي النيابة العامة في الضابطة العدليّة إلى إجهاض أهمّ ضمانة لحقّ الدفاع، وهي حضور المحامي مع المشتبه فيه أو المشكو منه في التحقيق الأوّلي أمام هؤلاء المساعدين، عند إقرار تعديل قانون أصول المحاكمات الجزائيّة في العام 2001، مع أنّ هذه الفكرة قد طُرِحَت في حينه ونوقِشَت. حصل ذلك على الرغم من أنّ المادة 41 نصّت صراحة على جواز الاستجواب من مساعدي النيابة العامة في الضابطة العدليّة في الجرائم المشهودة، وعلى الرغم من عدم منطقيّة توقُّع التقيّد بمنع الاستجواب من قِبَلهم في حالة الجرم غير المشهود تحت طائلة البطلان. فهل من أحد يمكنه أن يتصوّر إعلان بطلان كلّ الاستجوابات التي يجريها مساعدو النيابة العامة في التحقيقات الأوليّة في الجرائم غير المشهودة، أو هل من أحد يمكنه أن يتصوّر أنّ هؤلاء المساعدين سيقدمون على عدم تنفيذ تكليف النيابة العامة “بالتحقيق والمخابرة” لأنّه ليس من ضمن صلاحيّاتهم القانونيّة الاستجواب، أو أنّهم سيقدمون في كلّ حالة على التمييز بين الاستماع الجائز والاستجواب غير الجائز ويتوقّفون عن طرح الأسئلة في كلّ مرّة يشعرون أنّها تتخطّى “الإستماع” لتلامس “الإستجواب”، بينما في الحقيقة قد يصعب على المتخصّص في الإجراءات الجزائيّة التمييز في بعض الحالات بين ما هو “استماع” وما هو “استجواب”، وقد كُتِبَت عدّة أطروحات حول هذا الموضوع.
كيف يمكن وصف الإجراءات الجزائيّة في ظلّ هذا الواقع؟ ببساطة، نظريّاً حقّ دفاع يتمتّع بقيمة دستوريّة يصفه البعض بأنّه “مُقدَّس”، تحقيق أوّلي في الجرائم المشهودة يجب أن يتولاه قضاة النيابة العامة أو تنتقل الإجراءات إلى قضاة التحقيق في حال حضورهم إلى محلّ وقوع الجريمة، وفي الحالتين يمكن ممارسة حقّ الدفاع بواسطة محامٍ، تحقيق أوّلي في جرائم غير مشهودة يجب أن يقوم به قضاة النيابة العامة بأنفسهم ويمكنهم تكليف مساعديهم في الضابطة العدليّة ببعض الأعمال ما عدا الاستجواب.
أمّا في الواقع، فتحقيقات أوّليّة، في الجرائم المشهودة وغير المشهودة، يجريها مساعدو النيابة العامة في الضابطة العدليّة مع كامل الصلاحيّات، بما فيها الاستجواب، بدون حضور محامٍ، وهذه التحقيقات هي الركيزة الأساسيّة في ملفّ الملاحقة، ويصعب تجاوز نتائجها في المراحل اللاحقة؛ ما طَرح على بساط البحث، الجدوى الفعليّة من حقّ الدفاع الذي يمارَس بواسطة المحامي، بعد أن تكون الأدلّة قد تكوّنت بالكامل. كما جرى التساؤل عن الحِكمة من تمكين المشتبه فيه أو المشكو منه من الاستعانة بمحامٍ في التحقيق الأوّلي متى تولّاه قاضي النيابة العامة بنفسه، وحَجب هذا الحقّ عنهما في حال تولّى مساعدو هذا القاضي في الضابطة العدليّة التحقيق عينه بتكليف منه وتحت إشرافه.
إستدرك المشترع هذا الأمر في التعديل الذي أدخله على قانون أصول المحاكمات الجزائيّة بموجب القانون رقم 2020/191، وكرّس مبدأ حضور المحامي في التحقيقات الأوليّة المجراة من مساعدي النيابة العامة في الضابطة العدليّة ضماناً لحقّ الدفاع، وهذا الأمر من بديهيّات الإجراءات الجزائيّة، إذ لا استجواب، بغضّ النظر عن الجهة التي تتولاه، يمكن أن تنتج عنه أدلّة، وتُناقَش في معرضه وقائع ومعطيات، بدون إمكانيّة ممارسة حقّ الدفاع، ولا مجال للحديث عن حقّ دفاع مؤجَّل، وكذلك عن حقّ دفاع فعلي بغياب المحامي متى أراد الشخص الخاضع للإجراءات الاستعانة به.
إنّ حقّ الاستعانة بمحامٍ مُكرَّسٌ للمشتبه فيه فور بدء الإجراءات الجنائيّة الدوليّة، وهي الإجراءات التي ترمي إلى الملاحقة في “الجرائم الأشدّ خطورة التي تُثير قلق المجتمع الدولي بأسره”؛ وبحسب المادة 5 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائيّة الدوليّة، هي الإبادة الجماعيّة، الجرائم ضدّ الإنسانيّة، جرائم الحرب وجريمة العدوان. ومبرّرات هذا الحقّ، كما أوردها القاضي والأكاديمي البروفسور أنطونيو كاسيزي هي التالية:
“يكون للمشتبه بهم أيّ أولئك الذين يكون للمحقّق أساسٌ مقبولٌ للإعتقـاد بـأنّهم ارتكبوا جريمة، حقّ فوري في المحكمة الجنائيّة الدوليّة والمحكمتـين الجنـائيّتين الدوليّتين ليوغسلافيا السابقة ورواندا بالإستعانة القانونيّة التي يختارها عندما يكون من المزمع استجواب ذلك الشخص، من أجل صون حقّه في التـزام الـصمت. وتنبع الحاجة للمساعدة القانونيّة الماسة من خوف الشخص المعتقل للتحقيق، وجهله وضعفه، باعتبار أنّ هذا الخوف وهذا الجهل قد يؤدّيان إلى إدلاء الشخص البريء باعترافات خاطئة، كما أنّ الضعف قد يؤدّي بـالبريء والمـذنب إلـى التعـرّض للإساءة، خاصة في حال كان الشخص المعني معزولاً عن العالم الخارجي”.(أنطونيو كاسيزي، القانون الجنائي الدولي، الطبعة الأولى بالعربيّة، ترجمة مكتبة صادر ناشرون، المنشورات الحقوقيّة صادر، بيروت، 2015، ص 618، رقم 19،1).
أشرت إلى هذا المثال لأنّه خيرُ دليلٍ على التشبُّث بوجوب التوفيق بين نظرية الإجراءات الجزائيّة وتطبيقها حتّى في الملاحقات التي موضوعها أشدّ الجرائم فظاعة بحقّ الإنسانيّة، لما في ذلك من مصلحة للعدالة، ولأنّه يُسقِط أيّ حجج لتقليص نطاق حقّ أساسي، كحقّ الدفاع، بحجّة العمل على تحقيق هذه المصلحة.
في السياق عينه، كثيراً ما يسبق التطبيق في الإجراءات الجزائيّة النصّ، ويمكن ملاحظة ذلك خصوصاً في مجال جمع الأدلّة، حيث إنّ التطوّر التكنولوجي يتيح جمع أدلّة بطرق غير تقليديّة لم تلحظها النصوص، كالتعقّب الجغرافي بأكثر من وسيلة؛ منها بواسطة استخدام نظام التواصل الهاتفي الخلوي.
لا شكّ أنّ الوسائل التكنولوجيّة الحديثة تتيح الوصول إلى أدلّة مهمّة، لا سيّما في الجرائم الأكثر خطورة، ولكن، في المقابل إنّ استعمالها بدون أيّ ضوابط قانونيّة قد يؤدّي إلى خشية التعرّض للحياة الشخصيّة وللخصوصيّة، وقد يطال ذلك أحياناً أشخاصاً لا علاقة لهم بالإجراءات بأيّ شكل من الأشكال.
إنّ الحقّ في عدم التعرّض للحياة الشخصيّة يتمتّع بالحماية الدستوريّة؛ وبذلك، تكون نظريّة الأصول الجزائيّة قد تعرّضت لخلل كونها تقوم أساساً على إيجاد أفضل توازن بين المصلحة العامة التي تتمثّل في جمع الأدلّة على المساهمين في الجرائم تمهيداً لمحاكمتهم وإنزال العقاب بهم في حال ثبوت ضلوعهم فيها، وبين احترام حقوق الإنسان الأساسيّة وحريّاته.
في هذه الحالة، على المشترع التدخّل السريع لقوننة ما يفرضه التطبيق العملي من وسائل خاصة في جمع الأدلّة، وذلك تحت مظلّة النظريّة المُشار إليها.
ليس هذا فحسب، فأحياناً يفرض التطبيق العملي المبني على أسس قانونيّة متينة تكوين واقع قانوني، يفرض نفسه على التشريع الذي يكرّسه لاحقاً في نصّ قانوني. من الأمثلة على ذلك؛ الإشكاليّة التي كانت تُطرَح، في ظلّ القانون القديم، عندما تفسخ الهيئة الاتهاميّة قرار قاضي التحقيق بترك المدعى عليه، لجهة تحديد المرجع الذي يجب أن يصدر مذكّرة التوقيف في هذه الحالة؛ أهو الهيئة الاتهاميّة أم قاضي التحقيق؟
درجت الهيئات الاتهاميّة على إعادة الملفّ، بعد الفسخ، إلى قضاة التحقيق لإصدار مذكّرة التوقيف من قِبَلهم، بينما أصرّ قضاة التحقيق، وكانوا على حقّ في ذلك، على أنّه لا يجوز إلزامهم باتّخاذ أيّ إجراء عبّروا مسبقاً عن عدم اقتناعهم به، ما يُشكّل مساساً باستقلاليّتهم، وأنّه طالما الهيئة الاتهاميّة هي مرجعهم الاستئنافي فإنّه يتوجّب عليها في حالة فسخ قرار الترك أن تصدر هي قرار التوقيف وتنفّذه بمذكّرة توقيف.
في ضوء موقف قضاة التحقيق المعلّل قانوناً، فرض المشترع صراحة في قانون 2001، بموجب المادة 139، على الهيئة الاتهاميّة إصدار مذكّرة توقيف في الحالة التي تفسخ فيها قرار قاضي التحقيق بترك المدعى عليه.
الوجه الثاني للإشكاليّة هو عندما يؤدّي التطبيق إلى انحراف النظريّة عن غايتها الحقيقيّة، فعلى سبيل المثال، إنّ أساس وجود مركز قاضي التحقيق في الإجراءات الجزائيّة، هو كما يدلّ عليه اسمه، التحقيق في سبيل تكوين ملفّ الملاحقة الجزائيّة في الجنايات بالنظر إلى خطورتها وتعقيداتها، واستثنائيّاً في بعض الجنح التي تستلزم توسّعاً في التحقيق، كما تنصّ المادة 50 من قانون أصول المحاكمات الجزائيّة. يعني ذلك أنّ المبدأ القانوني هو الادعاء في الجنح مباشرة أمام القاضي المنفرد الجزائي، واستثناءً على هذا المبدأ، وفي الحالة التي تستلزم توسّعاً في التحقيق، أي لا تكون المعطيات والأدلّة مكتملة، يتمّ الادعاء أمام قاضي التحقيق لاستكمالها.
ليس هذا ما حصل ويحصل في الواقع، إذ إنّ الادعاء في الجنح أمام قاضي التحقيق لا يتمّ بالاستناد إلى معيار “وجوب التوسّع في التحقيق”، والدليل أنّه يتمّ الادعاء أمامه بجنح الشك بدون مؤونة وهي جنح بطبيعتها لا تستلزم في أغلبيّة الحالات توسّعاً في التحقيق، بل يقوم الدليل عليها من ورقة الشك وإفادة المصرف، وكذلك دعاوى المطبوعات، حيث إنّ عناصر الجرم تُستخرَج من المقال الصحفي أو المقابلة التلفزيونيّة، وأيضاً حوادث السير التي ينتج عنها إيذاء أو وفاة وهي غالباً ما يتمّ الركون فيها إلى تقرير خبير السير الذي عاين موقع الحادث، إلى ما هنالك من أمثلة.
إنّ سبب الرغبة في الادعاء أمام قاضي التحقيق، بدلاً من الادعاء أمام المحكمة وكسب الوقت واستصدار حكم نهائي، هو وضع المدعى عليه تحت خطر صدور مذكّرة توقيف في حقّه، كون صلاحيّة التوقيف تعود، في المبدأ، إلى قاضي التحقيق دون قضاء الحُكم، مع الإشارة هنا إلى أنّ المادة 193 أ.م.ج. أجازت للقاضي المنفرد الجزائي أن يُصدِر مذكّرة توقيف بحقّ المدعى عليه إذا قضى بإدانته وجاهيّاً بعقوبة الحبس أكثر من سنة على الأقلّ، شرط أن تكون مذكّرة التوقيف معلّلة، ولكن هذه الحالة تبقى استتثنائيّة جدّاً وتستلزم صدور حكم نهائي، بعكس قاضي التحقيق الذي يمكنه أن يصدر مذكّرة توقيف وجاهيّة بعد الاستجواب أو غيابيّة فور ثبوت التواري.
إذاً، الواقع العملي درَج على اللجوء إلى قاضي التحقيق في الجنح بالإستناد إلى إحدى صلاحيّات هذا المرجع الإجرائيّة، وليس إلى النصّ القانوني المبدئي الواضح الذي يحدّد شرط هذا اللجوء، لا بل في تجاوز واضح لهذا النصّ. وقد أدّى ذلك، بطبيعة الحال، إلى إشغال قضاة التحقيق بدعاوى لم يشأ القانون أساساً إحالتها إليهم، ورسّخ في الأذهان صورة هذا القاضي كقاضٍ للتوقيف أكثر منها كقاضٍ للتحقيق.
يمكن في هذا الصدد الإشارة أيضاً إلى واقع الادعاء المباشر من المتضرّر أمام قاضي التحقيق الأوّل أو أمام القاضي المنفرد الجزائي، والذي يحرّك الدعوى العامة.
لقد أقرّت النظريّة حقّ الادعاء هذا، استثناء على المبدأ الذي ينيط بالنيابة العامة، ممثّلة المجتمع، تحريك الدعوى العامة، وهو الوجه الطبيعي لتحريكها، والحكمة من ذلك تلافي تقاعس النيابة العامة عن ممارسة هذه الصلاحيّة، ما يؤدّي إلى إمكانيّة إفلات بعض الجناة من العقاب.
يُظهر الواقع العملي أنّ هذا الحقّ خرج في كثير من الحالات عن الغاية التي أقرّ من أجلها، وأصبح نوعاً من “الادعاء المقابل” يتوسّله المدعون ردّاً على الادعاءات المساقة بحقّهم: مثلاً ادعاء عام بجرم شك بدون مؤونة يقابله ادعاء مباشر من المدعى عليه بحقّ المدعي بجرم المراباة والاحتيال واستلام شك، مع العلم أنّه بدون مؤونة، أو بجرم سرقة الشك وتزوير التوقيع. كما أصبح الحقّ المشار إليه وسيلة لتهرّب المدينين من تنفيذ التزاماتهم المدنيّة وذلك بادّعائهم تزوير السندات التنفيذيّة ما يؤدّي فوراً إلى وقف المعاملة التنفيذيّة ويتركون ادعاءاتهم بعد ذلك بدون ملاحقة، فيصبح الدائن المدعى عليه هو من يلاحق الادعاء المباشر بحقّه، ويسعى لتبليغ المدعي، الذي يتهرّب من ذلك، حتّى يصحّ فيه قول “مدعٍ متوارٍ عن الأنظار”.
أدّى الإنحراف في تطبيق حقّ تحريك الدعوى العامة بالادعاء المباشر أمام القضاء الجزائي إلى تكوين نوع من الرأي المسبق في عدم جديّة هذه الادعاءات. الأمر الذي يوجب إعادة التصويب ووضع ضوابط قانونيّة لممارسة هذا الحقّ على نحوٍ يؤدّي إلى تحقيق الغاية التي أقرَّ من أجلها، مع تلافي إمكانيّة أن يصبح وسيلة مؤثّرة سلباً على مسار الإجراءات.
مثال آخر ساطعٌ على هذا الوجه من الإشكاليّة هو مؤسّسة الدفوع الشكليّة. هذه المؤسّسة مُعدّة في الأصل لتسريع سير العمل القضائي عبر عدم الإطالة بالإجراءات متى كان ذلك غير لازم، ولتوفير عناء الحضور على المدعى عليه متى كانت الدعوى مردودة شكلاً دون الحاجة إلى استجوابه.
ولكن، الواقع يُظهِر أنّه في دعاوى كثيرة يضفي المدعى عليهم صفة الدفوع الشكليّة غير المنطبقة على إدلاءاتهم، بهدف تأخير المباشرة بالاستجواب. ولا يتوقّف الأمر عند هذا الحدّ، بل يعمدون إلى الطعن استئنافاً بقرار الفصل بالدفوع، ومن ثمّ تمييزاً؛ لا بل أكثر، يقوم البعض منهم بتقديم طعون بهذه القرارات خارج المهلة أو لأكثر من مرّة بهدف رفع الملفّ إلى هيئة أعلى درجة، ما يؤدّي في الواقع إلى عدم انعقاد جلسة الاستجواب لعدم وجود الملفّ لدى المرجع القضائي الذي يجب أن يقوم به. يساعد هؤلاء في ذلك أنّه لا يجوز في ظلّ التشريع الحالي مباشرة الاستجواب إلّا بعد انبرام قرار البتّ بالدفوع الشكليّة، وأنّه يتوجّب إيداع الملفّ المرجع الذي يطلبه بمجرّد ورود الطلب إلى قلم المرجع العالق لديه، بدون أن تكون لهذا الأخير أيّ سُلطة في التقدير، حتّى في الحالة التي يتمّ تقديم الطعن للمرّة الثانية أو الثالثة بالقرار عينه.
ما العمل في هذه الحالة؟ النظريّة جيّدة وسوء التطبيق أفسدها. حتماً لا يجوز التخلّي عن مؤسّسة الدفوع الشكليّة، وفي المقابل، لا يمكن الإكتفاء بفرض قيود قانونيّة لمعالجة سوء استعمالها؛ كالنصّ على أنّ استئناف قرار ردّ الدفوع الشكليّة لا يوقف سير إجراءات التحقيق الابتدائي مثلاً، لأنّه يمكن استخدام الاستئناف لوقف سير الإجراءات واقعاً، كتقديمه قبل جلسة الاستجواب بأيّام بحيث يكون الملفّ أمام المرجع الاستئنافي يوم جلسة الاستجواب. هنا أهميّة محاكاة التعديلات التشريعيّة للمشاكل التطبيقيّة، فلتلافي هذه الحالة يمكن أن يكون الحلّ النصّ على أنّ الاستئناف لا يوقف التنفيذ بحدّ ذاته، وأنّ المرجع الابتدائي يُرسل صورة طبق الأصل عن الملفّ المستأنف إلى المرجع الاستئنافي، وبذلك يبقى محتفظاً بأصله ويمكنه السير بالإجراءات، ما لم يصدر قرار بوقفها عن المرجع الناظر في الاستئناف.
الوجه الثالث للإشكاليّة، هو الحالة التي لا تتوافر فيها الوسائل اللازمة لتطبيق بعض النصوص على أفضل وجه، فيعجز التطبيق بالوسائل المتاحة عن تحقيق الغاية المتوخاة منها.
الأمثلة على ذلك كثيرة، لعلّ أبرزها تلك المتعلّقة بالنصوص التي شُرّعت لحماية الحريّة الشخصيّة. فأهمّ ما وصِف به قانون أصول المحاكمات الجزائيّة للعام 2001 أنّه عزّز هذه الحريّة عبر تحديد مهل قصوى للتوقيف الاحتياطي (المادة 108، والمادة 113)، وهذا لا شكّ أمرٌ جيّد نظريّاً. ولكن؛ إنّ تطبيق أحكام هاتين المادتين يستلزم أوّلاً الاستحصال على بيان سجّل عدلي للشخص الموقوف للاطّلاع على أسبقيّاته الجرميّة، فهل أنّ هذا الأمر يسيرٌ مع رحلةِ البريد وعودته في حال لم يكن للموقوف محامٍ يتابع قضيّته؟ وكم يستغرق من الوقت؟
وفي هذه الحالة، بعد تحرير إشعار تخلية السبيل من قاضي التحقيق، لا يصل إلى مكان التوقيف إلّا بعد إرساله من قلم قاضي التحقيق إلى قلم النيابة العامة، وعرضه على قاضي النيابة العامة، ليحوّله إلى مكان التوقيف، دائماً بالبريد، وإذا لم يكن قد تمّ نقل الشخص الموقوف الذي تقرّر تخلية سبيله إلى مكان آخر، ولم تكن هناك أخطاء ماديّة في الإشعار، يتمّ تنفيذه بعد أيّام من صدور القرار.
يتبيّن من ذلك أنّ فقدان الوسائل اللازمة لحُسن تطبيق النصوص، كالتواصل التقني الحديث بين القضاء والشرطة القضائيّة وأماكن الاحتجاز والتوقيف، أدّى إلى التأثير سلباً على مفعول النصوص الرامية إلى حماية الحريّة الشخصيّة.
هذا النقص الفادح في وسائل تطبيق النصوص لا تنعكس آثاره على حقوق الأشخاص المُلاحقين فقط، بل على مصلحة الملاحقة أيضاً، فكم يستغرق من الوقت تنفيذ قرار التوقيف الغيابي بعد صدوره، من تنظيم مذكّرة التوقيف يدويّاً وتسجيلها في سجّل قاضي التحقيق ومن ثمّ في سجّل النيابة العامة ويحوّلها قاضي النيابة العامة بالبريد إلى المكان المقصود للبحث عن المطلوب توقيفه؟ بالتأكيد يستغرق ذلك المدّة الكافية لإمكانيّة هرب الشخص المطلوب في حال علِمَ بصدورها.
وممّا أقرّه قانون أصول المحاكمات الجزائيّة في هذا الصدد نظام المراقبة القضائيّة (المادة 111) مفسحاً بواسطته المجال بالاستعاضة عن التوقيف مقابل التقيّد بموجبات قد تؤدّي الغاية المتوخاة منه أساساً.
إنّ بعض هذه الموجبات يستلزم وسائل تقنيّة لمراقبة مدى التقيّد به، مثل إلتزام الإقامة في بلدة أو مدينة معيّنة وعدم مغادرتها، وعدم التردّد على محلات أو أماكن معيّنة. وبغياب هذه الوسائل تضعف، إلى حدّ الانعدام، فرصة التحقّق من تنفيذ موجبات المراقبة، وفي ضوء ذلك، قد يخشى قاضي التحقيق من أن يؤدّي عدم تنفيذ الموجبات، الذي لا يمكنه أن يراقبه بفعاليّة، إلى تفاقم الحالة الجرميّة، أو إلى فرار المدعى عليه وعدم مثوله مجدّداً أمامه، فيلجأ إلى توقيفه احتياطيّاً، في حين لو كان بإمكانه مراقبة التنفيذ لكان استغنى بهذه المراقبة عن التوقيف.
الوجه الرابع للإشكاليّة يتمثّل في الحالة التي يُغَيّب فيها عدم التطبيق النظريّة بشكل كامل، بمعنى آخر، يكون المشترع قد أقرّ نصوصاً تطبيقاً لنظريّة معيّنة، وتمرّ فترة طويلة دون أيّ تطبيق لهذه النصوص، على الرغم من وجود ضرورة لتطبيقها، فتصبح كأنّها غير موجودة.
أفضل مثال على ذلك، مؤسّسة “حماية الشهود” التي أُدخِلَت إلى قانون أصول المحاكمات الجزائيّة بموجب “قانون معاقبة جريمة الاتجار بالأشخاص” رقم 2011/164، وقد فرضتها اعتبارات نظريّة أساسيّة، وهي تشجيع الشهود على الإدلاء بما لديهم من معلومات ما ينعكس إيجاباً على فعاليّة الملاحقات في الجرم المذكور.
على الرغم من الشوائب الكثيرة التي تعتري هذه المؤسّسة، لا مجال لذكرها هنا، وسبق وفصّلتها في مقال منشور في مجلّة “العدل”، العدد 3، سنة 2020، إلّا أنّ إقرارها أمرٌ مهمٌ في المبدأ، وكان يُنتظَر تطبيق أحكامها لا سيّما في ضوء عدد الملاحقات الكبير نسبيّاً في جرائم الاتجار بالأشخاص، إلّا أنّه لم يحصل أيّ تطبيق يُذكَر من هذا القبيل بعد مرور هذه السنين كلّها، ما أدّى إلى التعامل مع هذه المؤسّسة، كأنّها غير موجودة، ليس فقط من الممارسين عمليّاً، إنّما من الفقه أيضاً، حيث يغيب البحث في أحكامها عن عدّة مؤَلفات في الأصول الجزائيّة صدرت بعد إقرارها.
في حالة أخرى عن تغييب النصّ بحُكم عدم التطبيق، نذكر ما فرضته المادة 147 من قانون أصول المحاكمات الجزائيّة للعام 2001 من وجوب تبليغ أوراق الدعوة والمذكّرات والأحكام والقرارات الصادرة عن القضاء وتنفيذ التدابير القضائيّة بواسطة “مفارز أمنيّة خاصة” تكون تابعة مباشرة للنائب العام ولقاضي التحقيق الأوّل ولرؤساء الهيئات والمحاكم المختصة، وتكون مسؤولة أمام رئيس الهيئة القضائيّة التي يوكِل إليها أو يكلّفها القيام بأيّ تبليغ أو إنفاذ أيّ تدبير في حال تلكؤها عن ذلك في الموعد المحدّد”.
الغاية الواضحة من هذا النصّ هي تسريع الإجراءات وتفعيل المسؤوليّات في حال أيّ تقصير، ولكن، بعد مرور أكثر من عقدين من الزمن على إقراره لم يتمّ إنشاء المفارز الخاصة المذكورة فيه، وأصبحت التبليغات، يوماً بعد يوم، عقبة أساسيّة أمام سير الإجراءات، وموضوعاً دائماً للنقاش ولمحاولة البحث عن حلول عمليّة لمعالجتها، بدون التطرّق إلى الحلّ القانوني الذي يفرضه هذا النصّ، الذي هو، إضافة إلى صفة الإلزام التي يتمتّع بها، الحلّ الأسهل والأفضل.
ولمن يُريد التأكّد من فعاليّة هذه المفارز، يمكنه الاطّلاع على التجربة التي ذكرها القاضي جوزف غمرون حول ما حصل في صيفَي 1973 و1974 عندما تمّ تشكيل محكمة جنايات استثنائيّة لمحاكمة مئات الفارين من وجه العدالة في بعلبك والهرمل حيث كان شرط القضاة لقبول مهامهم فيها “فصل مفرزة خاصة ومُجهَّزة من الشرطة قوامها ثلاثة عناصر فقط، تكون بإمرة رئيس المحكمة ولا أحد غيره، ومهامها الوحيدة إجراء عمليّات التبليغ من أسبوع إلى أسبوع ومن يوم إلى يوم إذا لزم الأمر”. يُضيف القاضي غمرون: “إستُجيبَ إلى طلبنا، وكانت تجربة رائدة فعلاً استطعنا من خلالها فصل عدد كبير من الدعاوى في مهلة لا تتعدّى الخمسة أشهر… ولم يكن يُدرَج أيّ ملفّ على الجدول، إلّا ويكون جاهزاً للحكم في الأسبوع الذي يُعيَّن فيه أو في الأسبوع الذي يليه”.
(ذَكَر الرئيس غمرون ذلك في محاضرة تدرّج في نقابة المحامين في بيروت، في العام 1998، وكان لي الحظّ في حضورها، ونُشِرَت لاحقاً في مجلّة “العدل”، العدد 2، 1998).
هذا المثال الواقعي يدفعنا إلى التفكير كيف أنّ المبادرة العمليّة، ضمن حدود عدم خرق المبادئ العامة والنصوص المُلزِمة، تؤدّي أحياناً إلى حلّ مشكلة إجرائيّة، بينما عدم السعي إلى تطبيق نصّ قانوني مُلزِم من شأنه أن يكرّسها ويفاقم نتائجها.
إنّ ما تقدَّم من أمثلة، يمكن إضافة أخرى عديدة إليها، يُظهِر بوضوح أهميّة عدم الافتراق بين نظريّة الأصول الجزائيّة وتطبيقاتها. فالأصول الجزائيّة، ليست فقط أموراً شكليّة يتمّ سلوكها لتطبيق النصوص العقابيّة، بل هي مجموعة من القواعد العمليّة وظيفتها تجسيد بعض المبادئ الحقوقيّة العامة التي ترسّخت بفعل النضالات الفلسفيّة والحقوقيّة والإنسانيّة.
من المهمّ جدّاً أن يأتي التشريع الإجرائي متوافقاً مع المبادئ العامة، ولطالما اعتُبِر ذلك من أهمّ مقاييس الحُكم على مدى احترام الدول للعدالة. يبقى الأهمّ التقييم المستمرّ للتطبيق، فهو الذي يحدّد جدوى النصوص ونواقصَها، كما يحدّد مدى الالتزام بالغايات المبدئيّة التي شُرّعت من أجلها. ومتى كانت النصوص مشوبة بعيوب أو بنواقص وَجُب التدخُّل التشريعي السريع لمعالجتها، وعندما تكون المشكلة في التطبيق يجب معالجتها في توفير ما يلزم لحُسن التطبيق وليس في التشريع.
حضرة النقيب،
الحضور الكريم،
إسمحوا لي ختاماً أن أعود إلى الكتاب موضوع هذه الندوة، وأسأل: لماذا نكتب في الأصول الجزائيّة اليوم؟ هل لنقص في المؤلَّفات؟ والجواب السريع هو كلا، فالمكتبة الحقوقيّة غنيّة بها، خصوصاً مؤلَّفات الكتّاب اللبنانيين، التي هي كافةً موضع تقدير من الجميع، كما أنّها بدون استثناء مراجع ننطلق منها، ونرجع إليها في كلّ مسألة شائكة، وأسمح لنفسي بذكر اثنين منها فقط بالنظر إلى ظروف المناسبة، مع تأكيدي على تقديرها كافةً واحترامي الكامل للمؤلّفين جميعهم: مؤلَّف القاضي الدكتور سمير عالية الذي غادرنا منذ أيّام، رحمة الله عليه، ومؤلّف العميدة الدكتورة فيلومين نصر، أطال الله بعمرها، وقد نشأت أجيال من الحقوقيين عليهما على مدى ثلاثة عقود.
ولكن، من أبرز خصائص العلم الاستمراريّة ومواكبة المستجدّات، وما أكثرها على صعيد الأصول الجزائيّة، كما أنّه بعد سنوات من الممارسة العمليّة والتخصّص الأكاديمي تتثبّت بعض المفاهيم وبعضها الآخر يظهر أنّه عُرضة للنقد، ما يُشكّل في الحالتين دافعاً للكتابة، وفتح أبواب للنقاش.
والسؤال الثاني: لمن نكتب؟ هذا السؤال أصعب من الأوّل، ويفرضه على المؤلِّف تساؤل العديد من الأشخاص الذين يعلمون أنّه في صدد تأليف كتاب: “ومن يقرأ هذه الأيّام!”. وكنت كلّما وجدت نفسي أمام هذا السؤال أعود إلى خاتمة مؤلَّف المرحوم القاضي محمّد مكّي “المرشد في الدفوع الشكليّة”، الصادر في العام 2009، حيث روى أنّ ولَده حدّثه أنّ أحد القضاة الذي أمسى قريباً من التقاعد سأل عنه وعندما علِم أنّه يؤلّف كتاباً في القانون ردّ “ومن يقرأ هذه الأيّام”، وكان تعليق صاحب المؤَلف المرجع: “إنّ ما قاله الزميل، فيه بعض الصواب وليس كلّه، وقال لنفسه: “إنّني أكتب حاليّاً إلى من جعل الكتاب أنيسه ولا يقبل العيش من دون قراءة. وأكتب أيضاً للتاريخ وللأجيال القادمة”.
إنّ ما ورد في هذه الخاتمة عزّز قناعتي في أنّ هناك دائماً من يقرأ، وعلى الكاتب أن يُقدّم ما يستحّق القراءة ويثير اهتمام القارئ، الذي سيقابله بالتقدير يوم يتصفّحَ كتابه، مهما تأخّر هذا اليوم؛ وقد عبَّر عن ذلك، مؤخراً، بأسلوب رائع، الكاتب الحقوقي الدكتور جوزف رزق الله، رفيقي منذ أيّام الدراسة الجامعيّة، إذ قال: “يغادرون وتبقى كتبهم غافية بين الرفوف إلى أن يأتي على غفلة من يوقظها من سباتها العميق يدغدغ صفحاتها ويقلّب بين ثناياها مسترجعاً ذكرى كاتب ترك بصماته حبراً ودموعاً ورحل”.
شكراً حضرة النقيب، حضرة رئيس محاضرات التدرّج، حضرة العميدة، والحضور الكريم.
* محاضرة ألقاها القاضي السابق الدكتور زياد مكنّا بتاريخ 2022/9/7 في “بيت المحامي” في نقابة المحامين في بيروت بمناسبة إطلاق كتابه “الوسيط النظري والعملي في شرح قانون أصول المحاكمات الجزائيّة”، الجزء الأوّل، وشارك فيها النقيب ناضر كسبار، والدكتورة فيلومين نصر، والمحامي اسكندر نجّار.
“محكمة” – الأحد في 2022/9/25