الإستجواب الإلكتروني في بعلبك وحصار “كورونا”/ناريمان عيسى
ناريمان عيسى*:
مقابل كلّ موقوف في السجن عشرات المراجعين يتحرّكون يومياً بين العدليات والمخافر والسجون دون إجراءات سلامة ولا حسيب أو رقيب.
في مكتب القاضي. القاضي والكاتب بكامل العدّة والعتاد للعمل في زمن الكورونا. وعلى المقلب الآخر الموقوف ورتيب التحقيق وانترنت راقص وعدّة اتصالات لتأمين التواصل والاتصال..
إجراءات السلامة حتّى الآن جيّدة إلى أن يفتح الباب وترى في الخارج عشرات الوافدين المنتظرين يتراوحون بين اثنين وستّة للموقوف الواحد منهم الباكي والشاكي .. المتذمّر والمترقّب.. اللجوج والقلق.. الغاضب والمتفرعن.. ومنهم من يحتاج للإعادة وتكرار المكرّر مرّات ومرّات لعدم قدرته على إدراك بعض المصطلحات مهما بسطت.
عشرات الأسئلة تنتظر الإجابات من موظّف يتصبّب عرقاً وقاضية راضية.. لا توافد الملفّات ينال من ثباتها أو تركيزها المتواصل ولا من يتوافدون.. تصرّ على إنجاز القدر الذي يسمح به وقتها وطاقتها، بل وأحياناً أكثر. وفي ضميرنا لا “كورونا” يجب أن يعيق عملنا ولا مرور وقت الدوام الرسمي، فنحن هنا لتسهيل أمور الناس وتسيير حاجاتهم. والناس منهم من يضع كمّامته ويعالجها بيديه بين الحين والآخر رغم كلّ التنبيهات بعدم لمسها ومنهم من لا يضعها لأنّه غير قادر على شرائها!
أوراق تتحرّك ذهاباً وإياباً..لا تعرف أيّاً منها تحتضن فيروساً لعيناً ينتظر حاضناً حيّاً بين المكاتب. وهاتف لا يصمت بعد أن حرّكت أسلاكه قرارات تتيح قبول الطلبات عبر الهاتف بالتزامن مع قرارات العمل بنظام المناوبة وتقليص عدد الموظّفين إلى موظّف واحد عليه أن يقوم بكلّ تلك الأعباء.. كاتب ينتقل من مكتب إلى آخر بين الجموع مثقلاً بالسجّلات والطلبات…
قاضية تحاول جاهدةً، التوفيق بين إجراءات السلامة وإبقاء بابها مفتوحاً لقضايا الناس، وإبقاء التواصل الشبكي مع الموقوف سليماً صحيحاً …هناك عند ذلك الباب تصبح هموم القاضي وهموم الموظّفين وسلامته وسلامتهم وسلامة عائلاتهم دون قصد من الجميع في أدنى سلّم الأولويات ليترأس الموقوفون أعلاه. ولعلّ الموقوف يعرف في يقينه ذلك لكثرة ما ردّد أكثرهم عند سؤال القاضية عمّا إذا كانوا يرغبون الاستعانة بمحام:”انت محامينا والكلّ بيحكوا انو ما بتحبّي الظلم”.
هذا حالنا نحن الموظّفين في دائرة تحقيق بعلبك…
نتمنّى أن ينظر ويقرأ القيّمون بين سطور الجداول التي نملأها بأسماء المستجوبين والموقوفين … فبين كلّ اسم وآخر ساعات من المشقّة والجهد المضاعف ووقت مثقل بالقلق على الموقوفين والخوف من عدوّ غادر يفتك ولا يرى.. هي ليست مجرّد أرقام هي عدّادات قد تحمل خطراً محدقاً بأيّ واحد من هذا الجسم.
ملاحظة: مش سهل أبداً الاستجواب” فيديو كول”… الحكي مش متل الشوفة ..اليوم بالأرقام ٣٠، بس بالفعل مضروبين بعشرات.
*مساعدة قضائية في عدلية بعلبك.
“محكمة” – السبت في 2020/4/4