“الإستجواب الإلكتروني” للموقوفين:أسئلة حول سرّية التحقيق و”تهريب” إخلاءات سبيل!/راجانا حمية
راجانا حمية:
من الشمال، إنطلق العمل القضائي الإلكتروني مع استحداث دائرة التحقيق الإلكتروني. بعدها، ستعمّم التجربة على المحافظات كافة ليصبح استجواب الموقوفين عبر “الأثير”.
ولئن كانت تلك التجربة قد جاءت استجابة لظرف استثنائي وسعياً إلى التخفيف من الاكتظاظ في السجون والنظارات والمخافر، إلاّ أنّ الآلية دونها اعتراضات لكونها غير واضحة، سواء لجهة سرّية التحقيق أم لجهة الخشية من استغلال الـ”كورونا” لـ”تمرير” إخلاءات سبيل موقوفين بتهمٍ كبيرة.
في الزمن “الكوروني”، إتخذت وزارة العدل قرارها بالتحوّل إلى الزمن “الإلكتروني”. منذ أسبوعين، تتوالى التعاميم الناظمة لهذا التحوّل، من تعميم تقديم طلبات إخلاء السبيل للموقوفين وبتّها إلكترونياً إلى تعميم الاستجواب الإلكتروني وتحويل دوائر التحقيق القضائي إلى دوائر إلكترونية للإستجواب عبر “الأثير”. لقي هذا التحوّل حفاوة لافتة، لكونه يشكّل “نقلة نوعية” في عمل القضاء، كما في الاستجابة لحال التعبئة العامة المفروضة في البلاد، إذ من شأن هذه التعاميم أن تسهم في “التخفيف من الاكتظاظ في السجون وأماكن التوقيف، وتأمين المصلحة العامة كما حسن سير العدالة”، على ما ورد في التعميم الصادر عن النائب العام التمييزي القاضي غسّان عويدات.
قرارات “بالجملة” لوزارة العدل وتعميمان عن النيابة العامة التمييزية فرضها الخوف من انتشار فيروس “كورونا” في السجون. قرارات “إستثنائية لظرفٍ إستثنائي”، بحسب أحد القضاة المتابعين، قضى آخرها بـ”استجواب المدعى عليهم، محتجزين وموقوفين، عن بُعْد، بواسطة الوسائل الإلكترونية قبل بتّ إخلاءات السبيل، في مكاتب مجهّزة لهذا الغرض عبر قسم المعلوماتية التابع لوزارة العدل، وبناءً على مناوبة بين قضاة التحقيق يحددها قاضي التحقيق الأوّل في كلّ محافظة.”
على أهمية هذه الخطوة، إلاّ أنّ الآراء بشأنها كانت متباينة. البعض اعتبرها ضرورية واستثنائية وإن “لم تكن مثالية”، فيما وصفها البعض الآخر بـ”الناقصة”. هذا، على الأقلّ، ما يقوله بعض قضاة التحقيق، ممن يسندون أقوالهم بحججٍ قانونية. ينطلق أنصار الرأي الأوّل من أنّ هذا الإجراء “يجب التعامل معه كاستثناء وليس كقاعدة، وفي ظرفٍ كالحالي، يصبح اللجوء إلى مثل تلك الإجراءات أبغض الحلال.”
لكن، بصرف النظر عن مدى قانونية الخطوة التي ترافق ظرفاً طارئاً، ثمّة أسئلة يتداولها بعض المعترضين على عدم وضوح آلية تنفيذ التعميم القاضي بالاستجواب عبر المنصّة الإلكترونية. ولعلّ أبرزها تلك المتعلّقة بسلامة الموظّفين والقضاة. فعندما يكون الخيار الأوّل في البند الأوّل من التعميم هو إجراء جلسة الاستجواب في المكتب المخصّص والمجهّز بالوسائل الإلكترونية “بحضور المدعي الشخصي ووكيله ووكيل المدعى عليه عند الاقتضاء وبحضور مندوب الأحداث في حال استجواب قاصر”، يصبح السؤال هنا “عمّن يضمن سلامة القضاة والموظفين؟”. وهو سؤال يجرّ أسئلة عمّن تستهدف هذه الآلية؟ سلامة من؟ وهل تراعي حال التعبئة العامة؟ أسئلة تؤرق هؤلاء الخائفين من مناوباتهم، “خصوصاً في ظلّ عدم توفّر شروط السلامة العامة في قصور العدل، كما في النظارات”. وهنا، يستفيض أحدهم في شرح حال تلك القصور “التي تفتقد التهوئة والتعقيم ومعدّات الوقاية، أضف إلى ذلك حال الملفّات وأوراق الدعاوى التي تمرّ على عددٍ كبير من الأشخاص”. خوف هؤلاء ينطلق من التجارب التي يعيشونها اليوم مع “أصحاب العلاقة” من أهالي الموقوفين والمدّعين، إذ يشير أحد الموظّفين ممن يناوبون في أحد قصور العدل إلى أنّ “بعض هؤلاء يستعيرون الكمّامات من بعض قبل الدخول إلى مكتب القاضي”! هذه النقطة بالذات هي ما يشغل بال بعض القضاة والموظّفين، وإن كانت تطمينات جاءت من المعنيين في وزارة العدل بأنّ العمل جارٍ على “جعل الاستجواب إلكترونياً بكلّيته، أيّ أن يكون حضور محامي المدعي والمدعى عليه ومندوبة الأحداث أيضاً عبر تقنية الصوت والفيديو.”
وفي الحديث عن قانونية إجراء الاستجواب مع الموقوف من مكان توقيفه، ينطلق الاعتراض من أنّ “الموقوف يستجوبه قاضي التحقيق وهو تحت إمرة سلطة قوى الأمن الداخلي”. وهنا يُطرح السؤال الأهمّ:”من يضمن أنّ الموقوف يدلي بإفادته بكامل إرادته ومن دون التعرّض للضغوط؟”. ينطلق هؤلاء في شكوكهم من النصّ القانوني الذي ينصّ على “أسباب” حضور الموقوف أمام القاضي، والتي تتعلّق بالتأكّد من أنّه “يدلي بإفادته ومن دون ضغوط؟”. لذلك، يسجّل بعض القضاة اعتراضاً على هذا الاستجواب الذي “يترك مكاناً للشكّ في أنّ الموقوف غير محميّ في إفادته، ما دمت لا أراه أمامي”.
وإلى هذه الثغرة، تضاف ثغرة أخرى لعلّها الأكثر أهمّية، تتعلّق بسرّية التحقيقات. وهو سؤال طرحه أكثر من قاضٍ ومرجع معني. يستند هذا التحليل إلى فرضية “هويّة من يدير العملية الإلكترونية؟”. فهل ستدار من “أهل البيت” أم أنّ “هناك شركة خاصة قد يستعان بها للإدارة” كما تناهى إلى بعض القضاة. وإذا كانت الإدارة بخبرات خارجية، عندها “من يضمن سرّية التحقيق، وهي النقطة التي لم توضّحها الآلية بعد؟.”
إلى ذلك، يأخذ البعض على تعميم الاستجواب الإلكتروني “ضياع البوصلة” في تحديد عدد من يمكن أن يشملهم تعميم إخلاء السبيل؛ فبحسب المعنيين، “لن يحلّ هذا الأمر مشكلة الاكتظاظ في السجون والنظارات لأنّه ليس كلّ الموقوفين خاضعين لسلطة القضاء الجزائي. فهناك الموقوفون لدى المحاكم العسكرية وغيرها، والتي لا يشملها التعميم، أضف إلى ذلك أنّ الأعداد التي يمكن أن يخلى سبيلها لدى القضاء الجزائي لا تتعدّى 400 موقوف”، وفق تقديرات بعض القضاة، “إلا إذا كان المطلوب أن تكون الكورونا الشمّاعة التي نعمل تحت غطائها لترك موقوفين بتهمٍ خطيرة مثل الإرهاب أو المخدّرات أو القتل أو محاولة القتل”. والخشية هي من أن يستغلّ البعض هذا الظرف الاستثنائي للضغط على القضاة من أجل “ترك أشخاصٍ لا مجال قانونياً لتركهم”.
أمّا الخوف الأكبر فهو من رمي الكرة في ملعب القضاء وجعله “في مواجهة مع الناس”. لذلك، لا يرى هؤلاء في هذه الخطوة سوى كونها “خطوة استباقية وهروباً إلى الأمام لتفادي الهجوم على وزارة العدل من باب الكورونا”. من هنا، كان “الأجدى”، بحسب المعترضين، التوجّه نحو النيابات العامة، فـ”الحلّ الحقيقي هو العمل مع تلك النيابات للحدّ من التوقيفات إلى الحدود القصوى”.
وقد بدأ بعض قضاة التحقيق، بالفعل، سلوك هذا الخيار عبر الضغط على النيابات “للعمل على ضبط التوقيفات، إلاّ في حال كان هناك أدلّة كافية.”
(مصدر النصّ والصورة: جريدة الأخبار – عدد اليوم)
“محكمة” – السبت في 2020/4/4