أبحاث ودراسات

الإطار القانوني لإدارة الشركات التجارية في لبنان: اتفاقية المساهمين والنظام الأساسي للشركة/رفقا نوفل

المحامية رفقا نوفل:
يعدُّ الإطار القانوني لإدارة الشركات عنصرًا أساسيًا في تنظيم العلاقات بين الشركاء وضمان استمرارية الشركات وفق قواعد واضحة ومتفق عليها. في لبنان، يعتمد تأسيس الشركات وإدارتها على مجموعة من المستندات القانونية، من أبرزها النظام الأساسي (By-Laws)، واتفاقية المساهمين (Shareholders’ Agreement).
تهدف هذه الأدوات القانونية إلى تعزيز الحوكمة الرشيدة، وحماية الحقوق، وتنظيم الالتزامات بين الأطراف المعنية. في هذا المقال، سنناقش دور وأهمية كل من هذه المستندات في البيئة القانونية.
أولًا: اتفاقية المساهمين ودورها في تنظيم العلاقة بين الشركاء
1. تعريف اتفاقية المساهمين:
قد تُستكمل النظم الأساسية أحيانًا باتفاق خارج النظام الأساسي يربط جميع المساهمين أو الشركاء، أو بعضهم فقط يعرف باتفاقية المساهمين. يهدف هذا الاتفاق إلى تنظيم بعض المسائل المتعلقة بعلاقاتهم، مثل ممارسة السلطة داخل الشركة (حيث يمكن أن ينص الاتفاق على التشاور قبل اتخاذ أي قرار، بهدف محاولة تبني موقف مشترك)، بالإضافة إلى حقوق والتزامات الموقعين عندما يعتزم أحدهم التنازل عن حصص.
وعليه، تعرّف اتفاقية المساهمين على انها عقد يتم توقيعه بين المساهمين في شركة ما لتنظيم حقوقهم والتزاماتهم بشكل يتجاوز ما هو منصوص عليه في النظام الأساسي. وهي تُستخدم لضمان استقرار الشركة وتقليل النزاعات بين الشركاء.
وفي فرنسا تعرف على انها:

“Convention réunissant les principaux actionnaires d’une société et visant à créer à leur profit un certain nombre de prérogatives ne résultant pas de l’application de la législation des sociétés”. [1]

2. أهم البنود الواردة في اتفاقية المساهمين:
تتضمن اتفاقية المساهمين عدة بنود تهدف الى تنظيم علاقة المساهمين في الشركة. ومن اهم البنود التي يجب ان تتضمنها اتفاقية المساهمين نذكر، (أ) بند تعيين شخص المساهمين، (ب) بند توزيع الحقوق والالتزامات بين المساهمين، (ج) بند تحديد آلية نقل الأسهم وحقوق البيع والشراء وحق الافضلية، (د) بند آلية اتخاذ القرارات داخل الشركة، (ه) بند سياسة إدارة الشركة، (و) بند توزيع الأرباح والخسائر.
3. الإلزامية القانونية لاتفاقية المساهمين:
وفقًا للقانون اللبناني، تخضع إتفاقية المساهمين للمبادئ العامة للعقود كما هو منصوص عليه في قانون الموجبات والعقود اللبناني. وعلى الرغم من أنها ليست إلزامية بموجب قانون الشركات، إلا أنها تُعتبر ملزمة للأطراف الموقعة عليها وفقًا لمبدأ قوة العقد الملزم (Pacta Sunt Servanda) او مبدأ العقد شريعة المتعاقدين المنصوص عنه في المادة ٢٢١ من قانون الموجبات والعقود [2]. وفي فرنسا، يُعترف بصحة اتفاقية المساهمين من حيث المبدأ استنادًا إلى مبدأ حرية التعاقد المنصوص عنه في المادة ١١٠٣ من القانون المدني الفرنسي [3]. ومع ذلك، لا بد ألا تتعارض هذه الاتفاقية مع النظام العام.
ثانياً: النظام الأساسي للشركات ودوره في حوكمتها
1. تعريف النظام الأساسي:
يُعتبر النظام الأساسي (By-Laws) الوثيقة التأسيسية او العقد التأسيسي للشركة، ويتم تحريره خطيًا وفقًا للأحكام القانونية النافذة، متضمناً البيانات الإلزامية المحددة قانونًا، والتي تُحدد أهداف الشركة وهيكلها القانوني. ويشترط ان يتم تسجيل النظام الأساسي للشركة رسميًا في السجل التجاري اللبناني عند تأسيس الشركة وفقاً للأصول القانونية.
وفي فرنسا يعرف النظام الأساسي على أنه:
« Les statuts consistent en l’acte constitutif d’une société ou d’une association, rédigé par écrit comportant un certain nombre de mentions obligatoires qui posent les objectifs ainsi que les règles de fonctionnement du groupement ». [4]
2. أهم البنود التي يتضمنها النظام الأساسي
يتعين أن يتضمن النظام الأساسي للشركة البيانات الإلزامية التالية لضمان التأسيس القانوني والتنظيم السليم للشركة:[5]
o هوية الشركاء والمساهمين: يتوجب إدراج الاسم الكامل، الشهرة، الجنسية، تاريخ ومكان الولادة لكل من الشركاء أو المساهمين.
o تسمية الشركة: تحديد الاسم التجاري أو التسمية القانونية التي ستعرف بها الشركة في معاملاتها.
o موضوع الشركة: بيان طبيعة النشاط الذي ستزاوله الشركة بشكل دقيق ومحدد.
o المقر الرئيسي للشركة: تحديد العنوان القانوني لمركز إدارة الشركة، إضافةً إلى عناوين أي فروع أو وكالات سواء داخل لبنان أو خارجه.
o الإدارة والتوقيع: بيان أسماء الشركاء أو الأشخاص المفوضين قانونًا بإدارة الشركة والتوقيع عنها، وفقًا لنظامها القانوني.
o رأس المال الاجتماعي والمساهمات: تحديد قيمة رأس المال المدفوع من قبل الشركاء أو المساهمين، مع بيان طبيعة الحصص المقدمة سواء نقدية أو عينية، وتقدير قيمتها المالية.
o مدة الشركة: تحديد تاريخ بدء نشاط الشركة وتاريخ انتهائه، ما لم تكن الشركة مؤسسة لمدة غير محددة.
o شكل الشركة القانوني: تحديد نوع الشركة، سواء كانت شركة أشخاص، شركة مساهمة، شركة توصية، أو أي شكل قانوني آخر معترف به.
o الحد الأدنى لرأس المال: في حال كانت الشركة ذات رأس مال قابل للتغيير، يجب تحديد الحد الأدنى لهذا الرأس المال وفقًا للقوانين النافذة.
o المقر القانوني للشركة: يجب إرفاق عقد إيجار لمقر الشركة أو مستند ملكية، أو أي مستند قانوني يثبت قانونية إشغالها للمقر.
o صاحب أو أصحاب الحق الاقتصادي: تحديد هوية الأشخاص الذين يتمتعون بالحق الاقتصادي في الشركة، وفقًا لمتطلبات الشفافية المالية.
o الغرض الاجتماعي والقيم المؤسسية (اختياري وفقًا للقانون الفرنسي): في فرنسا، اجازت المادة 1835 من القانون المدني أن يتضمن النظام الأساسي بيانًا حول “raison d’être”، أي الغرض الاجتماعي أو المبادئ التي تتبناها الشركة وتسعى إلى تحقيقها في نشاطها.
إن تضمين هذه البيانات في النظام الأساسي لا يقتصر فقط على تحقيق الامتثال القانوني، بل يساهم أيضًا في تحديد الإطار التنظيمي والإداري للشركة، مما يسهل عملياتها ويحد من النزاعات القانونية المحتملة.
3. الإطار القانوني للنظام الأساسي
في لبنان، يخضع النظام الأساسي لقانون التجارة اللبناني (المرسوم الاشتراعي رقم 1942/304) والذي يحدد الأحكام المتعلقة بتأسيس الشركات، خصوصًا الشركات المساهمة (ش.م.ل) والشركات ذات المسؤولية المحدودة (ش.م.م.). أما في فرنسا، فيخضع النظام الأساسي لأحكام القانون المدني والقانون التجاري الفرنسي، لا سيما المواد المتعلقة بتأسيس الشركات وإدارتها في قانون الشركات.
ثالثًا: التعارض بين النظام الأساسي للشركة واتفاقية المساهمين على ضوء الاجتهادات الفرنسية
يُعدّ التوفيق بين النظام الأساسي للشركة واتفاقية المساهمين من القضايا الجوهرية في قانون الشركات، نظرًا لما قد ينشأ بينهما من تعارض يؤثر على استقرار العلاقة بين المساهمين وعلى تسيير الشركة. فعلى الرغم من أن النظام الأساسي يمثل الوثيقة الرسمية التي تُحدد القواعد التنظيمية للشركة، فإن اتفاقية المساهمين غالبًا ما تتضمن التزامات تعاقدية تهدف إلى تنظيم العلاقات الداخلية بين الشركاء بما يتجاوز ما ينص عليه النظام الأساسي.
وقد أثار هذا التعارض تساؤلات قانونية متعددة، خاصة في ما يتعلق بأولوية الوثيقتين في حال وجود اختلاف بين أحكامهما. فهل تسود أحكام النظام الأساسي باعتباره وثيقة رسمية مسجلة لدى السلطات المختصة، أم يمكن لاتفاقية المساهمين، باعتبارها التزامًا تعاقديًا بين الأطراف، أن تحدّ من تطبيق بعض الأحكام الواردة في النظام الأساسي؟
في هذا السياق، تناول الاجتهاد القضائي الفرنسي هذه الإشكالية في العديد من القرارات، حيث سعت المحاكم إلى وضع إطار قانوني يحدد العلاقة بين الوثيقتين. ومن خلال تحليل بعض الأحكام الصادرة عن محكمة التمييز الفرنسية، يمكن تسليط الضوء على كيفية تعامل القضاء مع التعارض بين النظام الأساسي واتفاقية المساهمين، وما إذا كان يمكن للأخيرة أن تتجاوز ما تنص عليه الوثيقة الرسمية للشركة.
في 5 حزيران 2019، أصدرت محكمة التمييز الفرنسية، الغرفة التجارية، قرارًا [6] أثار جدلًا قانونيًا واسعًا حول العلاقة بين الأنظمة الأساسية للشركة واتفاق المساهمين، خاصة في ما يتعلق بتحديد الأغلبية المطلوبة لعزل المؤسسين-المديرين في مجلس الرقابة لشركة مساهمة. وفقًا للمحكمة، فإن الأنظمة الأساسية التي صيغت بعد اتفاق المساهمين تعدل ضمنيًا هذا الأخير، وفقًا للفقرة الثانية من المادة 1189 من القانون المدني.
جاء هذا الحكم ليعيد تشكيل مفهوم العلاقة بين الوثيقتين، مما دفع العديد من الفقهاء إلى التساؤل حول مدى أولوية الأنظمة الأساسية على اتفاق المساهمين. من خلال تأكيد أن “أحكام الأنظمة الأساسية يجب أن تسود على أحكام اتفاق المساهمين”، أحدثت المحكمة تحولًا في الاجتهادات السابقة، حيث كان يتم التعامل مع الوثيقتين على أنهما متكاملتان بدلاً من أن تكون إحداهما متفوقة على الأخرى.
وفي اجتهاد اخر صادر بتاريخ 12 تشرين الأوّل 2022 [7]، أصدرت محكمة التمييز التجارية في فرنسا حكمًا آخر، أكد بوضوح أن الاتفاقات خارج النظام الأساسي يمكنها استكمال الأنظمة الأساسية، لكنها لا يمكن أن تخالفها. في هذه القضية، أُقيل المدير العام لشركة مساهمة مبسطة (SAS) بناءً على نصوص النظام الأساسي، الذي ينص على إمكانية الإقالة في أي وقت ودون تعويض، في حين أن اتفاقًا منفصلًا كان يمنحه تعويضًا في حال الإقالة دون سبب مشروع. رفضت محكمة التمييز مطالبة المدير العام، مشيرة إلى أن الأنظمة الأساسية هي التي تحدد شروط إدارة الشركة، بما في ذلك إجراءات الإقالة. واعتبرت أن الاتفاق خارج النظام الأساسي، حتى لو كان له طبيعة تعاقدية، لا يمكن أن يعدل أو يتعارض مع الأنظمة الأساسية.
هذا الحكم يشكل تحولًا جوهريًا في الاجتهادات في فرنسا، حيث أعاد ترتيب الأولوية بين الوثيقتين، مؤكدًا أن أي تعديل في الأحكام الأساسية يجب أن يتم عبر تعديل رسمي للأنظمة الأساسية المسجلة. كما أن هذا النهج يعزز مبدأ الأمن القانوني، إذ يحمي الشركات من النزاعات المحتملة التي قد تنشأ عن تعارض الاتفاقات غير المسجلة مع النصوص الرسمية.
بذلك، وضعت محكمة التمييز ترتيبًا واضحًا بين الوثيقتين: يمكن لاتفاق المساهمين أن يضيف إلى الأنظمة الأساسية لكنه لا يمكن أن يخالفها، مما يعزز استقرار الأحكام القانونية داخل الشركات ويقلل من مخاطر النزاعات بين المساهمين.
وتجدر الإشارة، الى انه قبل اجتهاد 5 حزيران 2019، كانت المحاكم تميل إلى اعتبار اتفاق المساهمين مكملًا للنظام الأساسي، دون أن تكون له أولوية أو تفوق على الأخير. إلا أن هذا الاجتهاد، الذي عززه لاحقًا حكم 12 تشرين الاول 2022، أكد أن أي تعارض بين الوثيقتين يجب أن يُحسم لصالح النظام الأساسي، باعتباره المرجعية القانونية للشركة. وعليه، من خلال مقارنة اجتهادي 2019 و2022، نجد أن كلاهما يعكس توجهًا واضحًا نحو إعطاء الأولوية للنظام الأساسي. في القضية الأولى، كان التعديل الضمني للنظام الأساسي سببًا في تعديل اتفاق المساهمين بخصوص شروط إقالة المديرين. أما في القضية الثانية، فقد أكدت المحكمة أن اتفاق المساهمين لا يمكن أن يتعارض مع النظام الأساسي، حتى لو كان يمنح حقوقًا إضافية.
في الختام،
يلعب كل من اتفاقية المساهمين والنظام الأساسي أدوارًا تكاملية في تنظيم إدارة الشركات في لبنان. فبينما يحدد النظام الأساسي الهيكل القانوني والإداري، توفر اتفاقية المساهمين إطارًا مرنًا لتنظيم العلاقة بين الشركاء. لذا، يُنصح الشركات الناشئة والمستثمرين في لبنان بإعطاء أهمية قصوى لهذه المستندات لضمان استقرار الأعمال وحماية الحقوق، مع ضرورة الاستناد إلى التشريعات المحلية والدولية في هذا المجال. وتعكس الاجتهادات الفرنسية تحولًا مهمًا في تفسير العلاقة بين الوثيقتين، مما يعيد تشكيل مفهوم الحوكمة داخل الشركات. من الناحية العملية، أصبحت الشركات والمساهمون ملزمين بالتأكد من أن أي اتفاقات جانبية تتماشى مع الأنظمة الأساسية، وإلا فإنها ستكون عرضة للطعن وعدم التنفيذ.
المراجع:

[1] Fiches d’orientation, « Pacte d’actionnaires », Dalloz, Juillet 2023, disponible sur  https://www.dalloz.fr/documentation/Document?id=DZ%2FOASIS%2F000697
[2] تنص المادة ٢٢١ من قانون الموجبات والعقود على ما يلي :” ان العقود المنشأة على الوجه القانوني تلزم المتعاقدين..”.
[3] Code Civil Français, Art. 1103, (Ord. no 2016-131 du 10 févr. 2016, art. 2, en vigueur le 1er oct. 2016) Les contrats légalement formés tiennent lieu de loi à ceux qui les ont faits ».
[4] Fiches d’orientation, «Statuts de société et actes annexes », Dalloz, Août 2023, disponible sur  https://www.dalloz.fr/documentation/Document?id=DZ%2FOASIS%2F000954.
[5] مادة 26 من قانون التجارة اللبناني ; مادة 1835 من القانون المدني الفرنسي.
[6] C. Cass. Com., 5 Juin 2019, no 17-18.967, inédit.
[7] C. Cass. Com., 12 Octobre 2022, n° 21-15.382, publié au Bulletin, arrêt n° 596 F-B.
“محكمة” – الخميس في 2025/2/13

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!