البـدوقـراطيـة .. وقانون الإنتخاب الجديد
بقلم المحامي هادي خليفة:أولى الفضـائـل هـي الإخـلاص للـوطـن (نابوليون).أقـرّ مجلس النوّاب بمادة وحيدة القانون رقم 44 وهو قانون يتناول إنتخاب أعضاء مجلس النوّاب والذي تمّ نشره في الجريدة الرسمية في العدد 27 تاريخ 17/6/2017 وهو نتج بعد خطاب شعبوي إنصبّ وتحت ذريعة المحافظة على الوجود على إسترداد حقوق لم تؤخذ في الأصل كي تستردّ، ومن صراع سياسي لم يخـلُ من منطق الزبائنية بين الأشخاص الذين تنافسوا لحفظ القدر المستطاع من حصصهم في عدد المقاعد النيابية وبدون أن يغيب عنهم إستعمال شعارات لا تقلّ رجعية عن شعارات استعملت في القرن الماضي والتي أدّت إلى سقوط مفهوم دولة القانـون في لبنان.أطلق أنّ هذا القانون يعتمد النظام النسبي لإنتخاب أعضاء مجلس النوّاب للدورة الإنتخابية المقبلة بعد أن تمّ ضمن القانون المذكور تمديد ولاية أعضاء مجلس النوّاب الحاليين إلى 20/5/2018 وتحت ذريعة منع الفراغ ومنع الإنفجار.إقترب هذا القانون من مفهوم النسبية في التسمية، وابتعد عنها في المضمون على ما سنبيّنه تباعاً، إلاّ أنّ الجدير ذكره أنّه بعد الصراع حول وجوب إنتاج قانون إنتخاب جديد (والذي التزمت به الحكومة الحالية ببيانها الوزاري) يؤمـّن صحّة التمثيل في مجلس النوّاب مع المحافظة على قاعدة العيش المشترك، نجد أنّ هذا القانون، وفي جوهر نصوصه المتعلّقة بالعملية الإنتخابية ككـلّ، لا تختلف عن القانون رقم 25/2008 – الصادر بتاريخ 9/10/2008 الذي ألغى القانون رقم 171/2000 والذي على أساسه أجريت إنتخابات أعضاء مجلس النوّاب الحاليين في العام 2009، كما تمّت بالإستناد إليه إنتخابات أعضاء المجالس البلدية والاختيارية في شهر حزيران من العام الماضي بعد أن أطلق على هذا القانون تسميـة قانـون “الستيـن”. في حين أنّ هذا القانون لا علاقة له بالقانون المنفّذ بالمرسوم رقم 3474- تاريخ 5/3/1960- المعدّل الذي تمّ إلغـاؤه بموجب القانون رقم 171/2000.حدّد القانون الجديد رقم 44/2017 وعلى غرار القانون رقم 25/2008 عدد النوّاب، كما أورد الشروط القانونية لمن له الحقّ أن يكون ناخباً أو مرشحاً، وتبنّى القانون الجديد موضوع الهيئة التي تشرف على الحملة الإنتخابية الواردة في القانون السابق، وإنّما جرت بعض التعديلات الشكلية عليها لجهة تسمية الأعضاء الذين يؤلّفون هذه الهيئة، كما تمّ تكرار النصوص القانونية الواردة في القانون 25/2008 بشكلٍ إجمالي لجهة مهام لجان القيد والأعمال التحضيرية والقوائم الإنتخابية، وفي التمويل والإنفاق الإنتخابي، وتحديد السقف المالي له، وفتح حساب مصرفي للمرشّح لا يخضع للسرّية المصرفية، كما أورد القانون وعلى غرار القانون 25/2008 تنظيم العملية الإنتخابية والإعلان الإنتخابي ومدى حدوده، وأدرج الآلية في عملية الإقتراع للمقيمين وغير المقيمين، وأعمال الفرز داخل الأقلام وأصول إعلان النتائج، كما أبقى القانون الجديد عدداً من الدوائر الإنتخابية كما كانت عليها في القانون السابق(على سبيل المثال: دائرة زحلة، ودائرة بعلبك الهرمل)،إلاّ أنّه دمج وفصّـل بعض الدوائر ليقلـّص عددها لتصبح 15 دائرة بدلاً من 26 دائرة والتي كانت ملحوظة في القانون 25/2008، وبدون أن يتقيّد بالنصّ الدستوري الذي يوجب إجراء الإنتخابات النيابية على أساس المحافظة (المادة 24 من الدستور)، إلاّ أنّ القانون الجديد وضمن إطار تدرّج العملية الإنتخابية، أورد في المادة 84 منه إعتماد البطاقة الإلكترونية الممغنطة كوسيلة للتصويت من قبل الناخبين والتي ما إن صدر القانون حتّى بدأ الجدل حول مدى إمكانية إصدارها أو الجدوى منها.الشيء الجديد الذي ورد في أساس القانون رقم 44/2017 أنّ النظام القانوني لانتخاب أعضاء مجلس النوّاب يقوم على النسبية، وأورد في الفصل الثامن منه مادتين 98 و99 لتحديد الأصول القانونية لهذا النظام، والذي يتبيّن منه أنّه لا يراعي مطلقاً الأسس القانونية لنظام الإنتخاب النسبي، وهو أشبه بنظام الإنتخاب المحصور suffrage restreint بين أشخاص أرادوا توزيع المقاعد النيابية بينهم وبدون وجود أيّة برامج سياسية تجمعهم.أ- ما هو المفهوم القانوني للنظام النسبي؟Repartition proportionnelleتشكـّل عملية إنتخاب أعضاء مجلس النوّاب عملية سياسية وقانونية متلازمة، إذ إنّ الهيئة الناخبة تسعى من خلال الإقتراع العام إلى التعبير عن إرادتها في اختيار أعضاء مجلس النوّاب الذين يحقّقون لها طموحاتها نتيجة البرامج السياسية والاجتماعية التي تطلقها عادة الأحزاب بحيث يكون المواطن الناخب قد شارك في السلطة عبر هذا الإنتخاب تجسيداً للمبدأ الدستوري القاضي بأنّ الشعب هو مصدر السلطات والذي من خلاله تصان فكرة سيادة الأمة التي أطلقتها الثورة الفرنسية في الإعلان المعروف باسم حقوق الإنسان والمواطن – Declaration des droits de l’ home et du citoyen- وقد شهد النظام القانوني للإقتراع العام suffrage- عبر التاريخ في الدول التي تؤمن بالديمقراطية كنظام سياسي لها تطوّراً دائماً بهدف تحقيق أعلى درجات التمثيل الصحيح للناخبين، ولتقليص القدر الممكن من عدم ذهاب أصوات المقترعين بدون أيّ تأثير في عملية الإقتراع العام وإنّ جدوى هذا الأمر يدفع باتجاه أن يكون داخل المجلس النيابي معارضة كي يستمرّ النظام الديمقراطي قائماً ولمنع تحويل الدولة الديمقراطية دولة مستبـدة.لم تتبـع الدول التي تؤمّن بالديمقراطية نظاماً موحّداً لعملية انتخاب أعضاء مجلس النوّاب أو حتّى انتخاب رؤساء الدول، فهناك دول اعتمدت نظام الأكثرية المطلقة majorité absolue على دورة واحدة أو دورتين، ومنها من اعتمد نظام صوت واحد للرجل الواحد one man one vote ، ومنها من اعتمد نظام النسبية (مثل بلجيكا منصوص عنه في المادة 62 من الدستور، والدانمارك وهولندا) ومنها من اعتمد نظام الإنتخاب المختلط (إيطاليا وألمانيا) في حين أنّ الدولة الفرنسية كانت تعتمد نظام النسبية وعدّلت عنه في العام 2004 واعتمدت نظام الأكثرية المطلقة على دورتين رغم وجود أحزاب كبرى فيها.إلاّ أنّ نظام الإنتخاب على أساس النسبية يقوم على قواعد وشروط قانونية كي ترتقي عملية الإنتخاب إلى مفهوم النسبية، وأن تكون في البلاد أحزاب سياسية – طبعاً غير طائفية أو مذهبية – تناضل وتتنافس في سبيل استلام السلطة لتحقيق برامج سياسية وإجتماعية وإقتصادية يكون الشعب متعطّشاً لها بحيث تكون أصوات الناخبين مجيّرة بطريقة ضمنية لتلك الأحزاب وليست مقتصرة فقط على المرشحين : vote pour un parti, c’est vote pour des idées(Ardant&Mathieu)كما أنّ النظام النسبي يسهم في منع احتكار المقاعد النيابية بفئة سياسية معيّنة، وله الدور الأساسي في توزيع المقاعد نسبياً بين الأحزاب المتنافسة ومهما كان حجمها، وإنّ الإنتخاب وفقاً للنظام النسبي يقوم على مرتكز أساسي هو نظام اللوائح حيث يقوم كلّ حزب بإعدادها ضمن الدوائر الإنتخابية والتي يفترض فيها أن تكون مقسّمة داخل البلاد إلى دوائر واسعة النطاق (Repartition proportionnelle approchée) وذلك في حال لم يعتمد نظام الدائرة الإنتخابية الواحدة (Repartition proportionnelle intégrale) ويجب قبل البدء بفرز الأصوات تحديد الحاصل الإنتخابي – quotient electoral – الذي يحتسب على قاعدة عدد المقترعين وقسمته على عدد المقاعد النيابية المحدّدة في الدائرة الإنتخابية الواحدة، مثال: 90000 عدد المقترعين / 6 عدد المقاعد للدائرة = 15000 الحاصل الإنتخابي.وتلي تلك المعادلة، عملية الفرز بحيث يجمع عدد الأصوات التي حصلت عليها كلّ لائحة منفردة للتحقّـق من حصولها على الحاصل الانتخابي الذي يخولها الإستمرار في السباق، ومن ثمّ يبدأ فرز الأصوات بحيث يحتسب لكلّ مرشّح ضمن اللائحة الواحدة عدد أصوات الناخبين الذي يكون حصل عليها المرشّح، ويصار بعد ذلك، إلى توزيع المقاعد النيابية نسبياً بين اللوائح وفقاً لعدد المقاعد المحدّدة لكلّ دائرة، بمعنى أنّه إذا حصلت لائحة على ضعف الحاصل الإنتخابي، وأخرى على ثلاثة أضعاف هذا الحاصل، وثالثة نالت الحاصل الإنتخابي فقط، توزّع عندها المقاعد بينها، وفي حال اكتملت نتيجة ذلك المقاعد الملحوظة للدائرة، تنتهي العملية عند هذا الحدّ.أمّا إذا لم يصر نتيجة التوزيع النسبي إلى ملء كافة المقاعد للدائرة، فعندها تعتمد إحدى الأسس التالية والتي يجب أن يتبنـّى القانون واحدة منها:- قاعدة توزيع أكبر البقايا بين اللوائح le plus grand reste- أو قاعدة النسبة الأعلى بين اللوائح la plus forte moyenne – أو القاعدة المعروفة باسم Hondt التي تقوم على تقسيم (division) أصوات المقترعين التي حصلت عليها كلّ لائحة على عدد المقاعد الملحوظة لكلّ دائرة إنتخابية، ويؤخذ الحاصل للتوزيع بطريقة متناقصة (ordre decroissant)أمّا بالنسبة للصوت التفضيلي le vote préférentiel فإنّ وظيفته تنبع من حقّ اختيار الناخبين (وهو غير ملزم لهم) أحد المرشّحين من ضمن اللائحة التي يقترعون لها بحيث ينال المرشّح أفضلية عن غيره في النجاح(بدون البحث عن لونه، أو جنسه، أو طائفته، أو مذهبه) وإنّما من بين زملائه في اللائحة الواحدة بعد أن تكون اكتملت عملية فرز الأصوات وبعد أن تكون تأهّلت اللائحة نتيجة نيلها الحاصل الإنتخابي، وبالتالي فإنّ الصوت التفضيلي له القوّة الإضافية للمرشّح ويكون له الأولوية عن غيره في اللائحة ذاتها لتحديد الفائز أو الفائزين حسب المقاعد التي تكون نالتها تلك اللائحة.تشكـّل هذه المرتكزات العناصر الجوهرية التي يقوم عليها النظام النسبي لإنتخاب أعضاء مجلس النوّاب الذين يمثّلون الشعب، وفي الوقت عينه يسعون إلى تنفيذ البرامج السياسية للأحزاب التي ينتسبون إليها ولتحسين الأوضاع الإجتماعية والاقتصادية إنفاذاً لتلك البرامج.ب – في القانون رقم 44/2017 والنسبية المهدورة…وفقاً لما أوضحناه أعلاه، فإنّ نظام الإقتراع العام على أساس النسبية يرتكز على وجود أحزاب وبرامج سياسية تتنافس في سبيل الصالح العام. أمّا في لبنان وفي ظل انعدام وجود أحـزاب غيـر طائفية وغير مذهبية، وفي ظلّ وجود نظام تطغى فيه المحاصصة والمذهبية، وهو نظام يخرج عن نطاق مفهوم دولة القانون والمؤسّسات، فإنّ هذا الأمر يجسّد الخلل الأوّل في اعتماد قانون الإقتراع العام على أساس النظام النسبي. خلا القانون من أيّ قاعدة من القواعد الثلاث التي ذكرناها أعلاه حول كيفية إحتساب باقي الأصوات في حال لم تتوفّر بعد التوزيع النسبي للمقاعد بين اللوائح المتنافسة الملحوظة لكلّ دائرة، وهو ما يشكّل الخلل الثاني في هذا القانون، إذ لا يمكن السير في نظام الإقتراع النسبي بدون وجود إحدى هذه القواعد فيه، وإنّ خلو القانون لأيّ منها يتعارض بشكلٍ جذري حول مرتكزات النسبية ومفهومها.تشكـّل المادة 52 من القانون الخلل الثالث لمفهوم النسبية، إذ أوجبت هذه المادة على المرشّحين أن ينتظموا ضمن لوائح، وعلى أن تضمّ كلّ لائحة حدّاً أدنى 40% من عدد المقاعد في الدائرة الإنتخابية بما لا يقلّ عن 3 مقاعد وعلى أن تتضمّن مقعداً واحداً على الأقلّ من كلّ دائرة صغرى في الدوائر المؤلّفة من أكثر من دائرة صغرى. لا يوجد أيّ إلزام قانوني في أيّ دولة تعتمد نظام الإقتراع على أساس النسبية يتناول كيفية تشكيل اللوائح والنسب المفروضة عليها كي تتقدّم بطلب الترشّح، وهذا ما يؤكّد أنّ القانون ينسب النسبية له في الشكل ويضع في المقابل، عراقيل أمام الأشخاص الذين يريدون الترشّح بوجه الأشخاص الذين عمدوا إلى صياغة القانون، هذا فضلاً عن عدم تحديد ما هو المعيار الذي اعتمد لتحديد الدائرة الصغرى الملحوظة في ملحق القانون لاسيّما في دائرتي العاصمة بيروت، فقد تمّ تسمية الدائرة الكبرى بيروت الأولى، والدائرة الصغرى في آنٍ معاً وهي :الأشرفية – الرميل -المدور- الصيفي، وتتضمن 8 مقاعد، والدائرة الكبرى الثانية لها 11 مقعداً وتتألّف الدائرة الصغرى من: رأس بيروت – دار المريسة- ميناء الحصن- زقاق البلاط- المزرعة- المصيطبة- المرفأ- الباشورة. وهاتان الدائرتان تتألّفان من مزيج مذهبي لا مثيل له ليس فقط في أيّ دائرة كبرى أو صغرى من الدوائر الباقية الواردة في الجدول الملحق بالقانون، وإنّما أيضاً لا مثيل له في أيّة دائرة إنتخابية في العالم المتمدّن وغير المتمدّن.أوردت المادة 98 من القانون الجديد أنّ الناخب يقترع ضمن نظام اللائحة الواحدة، وله أن يختار واحدة من بين اللوائح المتنافسة، وله الحقّ بالإقتراع بصوت تفضيلي واحد لمرشّح من الدائرة الإنتخابية الصغرى من ضمن اللائحة التي يكون قد اختارها، ومن ثمّ تدور المادة 99 في فلك الصوت التفضيلي، علماً أنّ هذا الصوت هو اختياري للناخب يمكن له أن لا يختار أيّ تفضيل لأيّ مرشّح ضمن اللائحة، وتستكمل تلك المادة في البحث حول كيفية احتساب الصوت التفضيلي في الدائرة الصغرى وعلى أساس المذهب، وأوردت أنّه في حال تعادل النسبة المئوية من الأصوات للصوت التفضيلي بين المرشّحين، يتقـدّم في الترتيـب المرشّـح الأكبر سنّـاً، وإذا تسـاووا في الأصوات يلجأ إلى القرعة من قبل لجنة القيد العليا، وهذه هرطقة قانونية ما بعدها هرطقة، ففي “جمهورية الموز” لا يعقل لمرشّح أن يصبح نائباً عن الأمّة نتيجة القرعة، وهو أمر يطيح بطبيعة الحال، مفهوم النسبية وأنسبائها في مراعاة قانونية التمثيل.ومن ثمّ يعود القانون، وعبر نصّ المادة 43 منه، إلى الاستدارة نحو نظام الأكثري لملء أيّ شغور قد يحدث خلال ولاية أيّ عضو من أعضاء مجلس النوّاب.تدفع هذه النقاط والمرتكزات القانونية المذكورة أعلاه، إلى طرح السؤال البديهي التالي: كيف يمكن الحديث عن النسبية في ظلّ معايير طائفية ومذهبية غير وطنية وفي ظل انعدام وجود الأحزاب الوطنية التي يفترض بها أن تقوم بخوض الإنتخابات على أساس برامج سياسية وإجتماعية وإقتصادية في سبيل الدفاع عن حقوق المواطنين وتأمين العيش لهم بكرامة ورفع القهر عنهم؟ وكيف يصحّ القول بالنسبية؟ في حين أنّ القانون الجديد يكرّس أكثر، النظام المذهبي والمناطقي من خلال التقسيمات المعتمدة للدوائر الانتخابية (الشبيهة لحدٍّ بعيد للقانون رقم 25/2008) لاسيّما العاصمة بيروت تحت شعارات لا تقلّ فيها عن منطق البداوى، ومن شأنها أن تخلق إيديولوجيات مذهبية متطرّفة والتي ستؤدّي لا محال، إلى الفوضى، أو تسهم في خلق إيديولوجيات على غرار اليمين المتطرّف الذي تعاني منه الدول الغربية والذي ظهر بقوّة في العقد الأخير، والذي هو الشذوذ بعينه عن قواعد السلوك الإنساني الرشيد، وعن القيم والمعايير الاجتماعية والثقافية للمجتمعات الإنسانية.إنّ القانون رقم 44/2017 هو قانون قديـم وجـديد وهجيـن رغم السعادة التي غمرت البعض في هذا الإنجاز العظيم باعتماد النسبية كنظام إنتخابي في لبنان (والمفارقة هنا أنّه فور صدور القانون بدأت الأصوات ترتفع للمطالبة بتعديله)، وكان من الأفضل عوضاً عن خرق المادة 42 من الدستور، إجراء الإنتخابات النيابية وفقاً للنظام الأكثري، وعلى أساس المحافظات الثماني القائمة حالياً في التقسيم الإداري المعتمد في لبنان، على أن يعتمد نظام الإنتخاب على أساس النسبية في حال تحقّق حـلم إلغاء الطائفية السياسية عملاً بالمادة 95 من الدستور كي يصبح لبنان بلداً كبلاد الله، ولعلّه بذلك تظهـر الأحزاب الوطنية غير الطائفية وغير المذهبية، وعندها نكون دخلنا مرحلة الحداثة وخرجنا من منطق البدوقراطية، والذي مع الأسف، ما زال يحفر في أعماق بعض النفوس المريضة في كفاحها غير المرئي، وقد سبق للمرحوم النائب إميل ثابت وأثناء مناقشة مجلس النوّاب للمادة 95 من الدستور في جلسة 22 أيّار 1926 أن أدلى: أنّه لا وحـدة وطنيـة طالما يوجـد طائفية.في الخلاصة،لا يسعنا إلاّ أن نستعيد ما قاله في الماضي البعيد أفلاطون: الجمهورية العادلة هي الدولة الفاضلة التي تتحقّق فيها المثل العليا، والسياسة الحقّـة هي التي تتميّز بالمساواة والانسجام الفردي والجماعي والوحدة والتضامن فتنعدم عندها جميع مظاهر العنف والصراع.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 20- آب 2017).