التحفظ على بنود الاتفاقيات بين الهرمية القانونية وخرق السيادة الوطنية/كلير فخر الدين
الدكتورة كلير فخر الدين:
التحفّظ على المعاهدات الدولية يعني الإعلان الذي يصدره طرف عند التوقيع أو التصديق أو الانضمام إلى معاهدة، والذي يتضمّن الرغبة في تعديل أو إلغاء أو استبدال أيّ من أحكامها من قبل آخر أكثر ملاءمة أو دلالة على ما هو مطلوب، وهذا ما قصدته المادة (1/2) من إتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة ١٩٦٩، كما عرّفته لجنة القانون الدولي بأنّه عمل إنفرادي، أيّاً كان نصّه أو تسميته، تصدره دولة أو منظّمة دولية عند توقيع معاهدة أو التصديق عليها أو إقرارها رسمياً أو قبولها أو الموافقة عليها أو الانضمام إليها، أو عند تقديم دولة ما إشعاراً للخلافة في معاهدة ما، والمقصود بالخلافة هنا هي خلافة الدول للمعاهدات المبرمة سابقاً مع دول لم يعد لها وجود في الوقت الحاضر، ومثال ذلك خلافة روسيا لبعض المعاهدات التي ارتبط بها الاتحاد السوفيتي سابقاً، وتهدف تلك الدولة أو تلك المنظّمة من ذلك الإعلان إلى استبعاد أو تعديل الأثر القانوني لأحكام معيّنة من المعاهدة من حيث انطباق تلك الأحكام على هذه الدولة أو المنظمة الدولية.
وفي ضوء هذه التعاريف يمكن إبداء الملاحظات التالية بخصوص التحفّظ:
1. إنّ التحفّظ هو تصرّف منفرد من قبل الدولة المعنية لتحديد الالتزامات التي تقرّر الالتزام والوفاء بها والتي وردت ضمن تلك الاتفاقية الدولية، ويجب أن يكون التحفّظ جائزاً وغير مخالف لموضوع وغرض المعاهدة.
2. يجب أن يكون التحفّظ الصادر عن أيّ دولة عضو في الاتفاقية المعنية مكتوباً وصريحاً ومُحدّداً للفقرات ولا يُعتد التحفّظ الشفوي كونه لا يرتّب أيّ أثر قانوني.
3. يجب أن يكون هدف التحفّظ تعديل أو استبعاد الأثر القانوني لبعض أحكام المعاهدة والذي تراه الدولة صاحبة التحفّظ أنّه لا يتلاءم ومصالحها الوطنية، وبخلاف ذلك فإنّ أيّ إعلان بخصوص المعاهدة لا يهدف إلى تعديل أو استبعاد بعض نصوص المعاهدة فإنّه لا يُعدّ تحفّظاً ولا يرتّب أثراً قانونياً في هذا الاتجاه.
4. إنّ التحفّظ على مادة أو فقرة ما موجودة في الاتفاقية لا يبطل الآثار القانونية للأحكام الأخرى، وإنّما يتمّ تجريد المادة أو الفقرة المتحفّظ عليها من جميع الآثار القانونية ولا تترتّب عليها أيّة التزامات أو حقوق في مواجهة الطرف المتحفّظ، وإنّ وقت إبداء التحفّظ ليس مطلقاً وإِنّما هناك سقف زمني محدّد فيه المسموح به تقديم طلب التحفّظ، ودائماً ما يكون عند التوقيع على الاتفاقية أو عند التصديق أو القبول والإنضمام إلى المعاهدة.
ومن الأمثلة على التحفّظات التي شهدها العمل الدولي، تحفّظات بعض الدول على ميثاق جنيف لسنة ۱۹۲۸ والخاص بحظر استخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجية في النزاعات المسلّحة الدولية، فقد كان مضمون تحفّظ فرنسا هو احتفاظها بحقّها في شنّ الحرب دفاعاً عن نفسها. وكذلك تحفّظ كلّ من الولايات المتحدة الأمريكية وبنما على المعاهدة المتعلّقة بقناة بنما والمبرمة في واشنطن في 1978/6/15، حيث انصبّ تحفّظ الولايات المتحدة الأمريكية على التزاماتها المالية وعلى أن لا يبدأ أثر تبادل التصديقات إلّا بداية من ۳۱ آذار/مارس ۱۹۷۹، في حين كان تحفّظ بنما هو عدم التدخّل في شؤونها الداخلية.
وكذلك تحفّظ سوريا على النصّ المتعلّق بالتسوية الإلزامية عند انضمامها إلى معاهدة فينا لقانون المعاهدات حيث أعلنت أنّ قبول سوريا الانضمام إلى هذه الاتفاقية والتصديق عليها من جانب حكومتها لا يعني بأيّ حال الإعتراف بإسرائيل ولا يمكن أن يكون نتيجة لذلك إقامة أيّ اتصال يحكم أحكام هذه الاتفاقية والمقصود هنا الاتصال بين سوريا وإسرائيل.
وإنّ الأسباب التي تدفع الدول للتحفّظ على بعض نصوص المعاهدات يعود إلى رغبة الدولة صاحبة التحفّظ إلى استبعاد أو تعديل نصّ أو أكثر من نصوص المعاهدة أو تعديل آثارها.
فما هي مشروعية التحفّظ على المعاهدات والإعلانات الثنائية والمتعدّدة الأطراف وخصائصه؟
يحقّق التحفّظ للدول فائدتين:
۱. هي إحدى وسائل التعاون الدولي بين الدول، حيث تتيح تذليل كافة الصعوبات وإزالة كافة العوائق التي تحول دون هذا التعاون في التقيّد بالمعاهدات الدولية.
٢. هذه وسيلة مهمّة للتعبير عن سيادة الدولة وحريتها في تنظيم مصالحها المختلفة.
ومن المتفق عليه أنّ التحفّظ لا بدّ أنْ يكون صريحاً ومكتوباً وأنْ يوجّه إلى الدول المعنية بطريقة رسمية، وأنّ للدولة الحقّ في إبداء ما لديها من تحفّظات عند التوقيع أو التصديق أو القبول أو الانضمام، ومن المعروف أنّ التحفّظات قد ترد على كلّ من المعاهدات الثنائية كما قد ترد أيضاً على المعاهدات متعدّدة الأطراف، وإنْ تباينت آثارها وأحكامها القانونية في كلّ من هاتين الحالتين:
أ- التحفّظ في المعاهدات الثنائية: إذا كانت المعاهدة ثنائية فإنّ المشكلات الناجمة عن التحفظات ستكون قليلة، إذ إنّ الطرف الآخر إما أنْ يُبرم المعاهدة مع التحفظات المضافة إليها، وإما يرفض إبرامها وبالتالي يقضي عليها، فالراجح فقهاً أنّ التحفّظ على المعاهدات الثنائية من الأمور الجائزة سواء سمحت به المعاهدة، أم لم تسمح به، وإنّه يُعدّ في جميع الأحوال بمثابة عرض جديد أو اقتراح بالتعديل ومن ثم يتوقف مصيره بل ومصير المعاهدة برمتها على موقف الطرف الآخر إنْ شاء قبلها وإن شاء رفضها مع التحفّظ عليها، ففي حالة رفض التحفظ في المعاهدات الثنائية فإنّ المعاهدة لا يتم عقدها بل يجب التفاوض بشأنها من جديد بين طرفيها للوصول إلى اتفاق على ضوء التحفّظات المثارة ضدّها.
ومن المتفق عليه في هذا المجال أنّ قبول التحفّظ كما يتمّ صراحة فقد يتمّ أيضاً بطريقة ضمنية وأنّ السكوت عن رفض التحفظ صراحة يُعدّ بعد مضي اثني عشر شهراً من تاريخ إخطار الدولة بالتحفظ، أو من التاريخ الذي أعلن لبدء نفاذ الالتزام بمثابة القبول الضمني له.
ب– التحفظ في المعاهدات متعددة الأطراف (الشارعة): يُثير التحفظ في مثل هذا النوع من المعاهدات مشاكل كثيرة حيث تتجاذب هذه المعاهدات المواقف التالية:
في ما يلي موقف الفقه التقليدي، لقد كان من المتفق عليه خلال النصف الأوّل من القرن العشرين أنّ الفقه التقليدي يرى في التحفظ على المعاهدات المتعددة الأطراف ما يلي:
1. تقع التحفظات صحيحة ومنتجة لآثارها إذا جاءت مطابقة لنصوص المعاهدة.
2. إنّ التحفظ غير جائز على المعاهدات المتضمنة نصوصاً صريحة تحظّره.
3. في حالة سكوت المعاهدة عن موضوع التحفّظات ينبغي موافقة جميع الأطراف المعاهدة على هذه التحفظات.
كما أثار موقف محكمة العدل الدولية من التحفظ التعجّب، فقد ذهبت المحكمة برأيها بخصوص التحفظات بشأن اتفاقية مكافحة جريمة الإبادة الجماعية ومعاقبة مرتكبيها، وذلك في الفتوى الصادرة في ٢٨/ أيار/ ١٩٥١ إلى القول؛ إنّ الدولة التي تضع تحفظات اعترفت بها بعض الدول المنضمّة إلى المعاهدة دون البعض الآخر، يجب اعتبارها عضواً في المعاهدة إذا كانت التحفّظات تتماشى مع موضوع وغرض المعاهدة ولا تخالفه وإنْ كان لا يمكن الاحتجاج بهذه التحفظات على الدولة التي لم تقبلها لأنّ الدول لا تلتزم بغير إرادتها. وقد جاءت هذه الفتوى بمناسبة إحالة الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى المحكمة اتفاقية مكافحة جريمة الإبادة الجماعية ومعاقبة مرتكبيها وذلك بموجب قرار الجمعية العامة المؤرّخ في 1950/11/16.
ونرى أنّ تحفّظ دولة ما على بعض بنود المعاهدة لا يمنع من اعتبارها عضواً في المعاهدة، لأنّ التحفّظ تعبير عن وجهة نظر الدولة المتحفّظة تجاه بعض بنود المعاهدة والتي لا تنسجم مع تطلعاتها ومصالحها.
على الرغم من أنّ التحفظات مشتركة في الأصل، فإنها تختلف باختلاف الوقت الذي قُدمت فيه، ويميّز أحدها على النحو التالي:
1. التحفظ على التوقيع؛ يتم ذلك في وقت التوقيع وهو معروف للأطراف المتعاقدة في وقت إبرام المعاهدة، ويتميّز بأنه يبعد عنصر المفاجأة، ولكن هذا الأسلوب يصبح أكثر تعقيداً عندما يندمج مع التوقيع المؤجل ومثال ذلك (توقيع البند الاختياري للسلطة القضائية الإلزامية من نظام المحكمة الدائمة للعدل الدولي أو محكمة العدل الدولية)، ولقد كانت التحفظات التي ترافق التوقيع كثيرة، وذلك منذ مؤتمر لاهاي الثاني (۱۹۰۷) حيث أنّ (۱۱) اتفاقية من أصل (۱۳) التحفظ. ومن الأمثلة على التحفظ وقت التوقيع التحفظ الذي أعلنته المملكة المتحدة على نص المادة الثانية أثناء توقيعها على البروتوكول الأوّل لعام (1952)، والخاصة بمحاولة إضافة بعض الحقوق والحريات الواردة في الباب الأوّل من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان وحرّياته الأساسية عام (1950)، وذلك بإعلانها القبول بما جاءت به الفقرة الثانية من المادة الثانية من البروتوكول المذكور، وبالقدر الذي تتفق فيه مع أهمية منح التدريب والتعليم الوقت الكافي وبصورة لا تقود إلى تبذير الأموال العامة دون وجه حق.
2. التحفظ عند التصديق؛ وهو التحفّظ الذي يجري لدى إيداع وثائق التصديق ويكثر استعماله من قبل الدول التي تتبع النظام الرئاسي مثل الولايات المتحدة الأمريكية، ويفسر بالرغبة في مراعاة الاختصاصات الدستورية المتعلقة بالجهاز التشريعي (مجلس الشيوخ أو البرلمان) ومحاذير هذا الأسلوب خطيرة، لأن التحفظ يتم بعد انتهاء المفاوضات وتصبح الدول الأخرى أمام الأمر الواقع، فإما أنْ تقبل بالمعاهدة، أو ترفضها، برمتها، ومن الأمثلة على هذا النوع من التحفّظ هو ما أعلنه الاتحاد السوفيتي سابقاً عند تصديق برلمانه على معاهدة جنيف للبحر الإقليمي والمنطقة الملاصقة عام ١٩٥٨.
3. التحفظ لدى الانضمام؛ وهو أشدّ التحفظات خطورة لأنه يتم في وقت تكون فيه المعاهدة نهائية وقد دخلت حيّز التنفيذ بين المتعاقدين الأصليين ولاسيما إذا كانت المعاهدات مفتوحة، ومن الأمثلة على ذلك التحفظ الذي أبدته الولايات المتحدة الأمريكية أثناء انضمامها إلى منظمة الصحة العالمية، والمتضمن حقها في الانسحاب من عضوية المنظمة بمجرد إخطارها المسبق للدول الأعضاء في المعاهدة بمدة لا تقل عن عام مع التزامها بدفع ما عليها من أموال عن مدة عضويتها.
من أجل تحديد التصرف القانوني لدولة طرف في معاهدة ما في ما يتعلق بالتحفظات على بعض أحكام المعاهدة، يجب التمييز بين المعاهدات المتعددة الأطراف والمعاهدات الثنائية.
ومن شروط أعمال التحفظ من أجل أعمال التحفظ يتوجب توفر شرطين أساسيين:
1. شرط الكتابة: جاءت المادة(1/23) من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة ١٩٦٩ بشرط الكتابة حيث نصت: (يجب أن يُبدي التحفظ، والقبول الصريح به، والاعتراض عليه كتابةً، وأنْ يوجه إلى الدول المتعاقدة والدول الأخرى المخولة بأن تصبح طرفاً في المعاهدة، فالملاحظ أن الكتابة لا تشمل التحفظ فقط، ولكنها تشمل قبول الاعتراض عليه من الدول الأخرى كتابةً، بل وحتى إرساله إلى الدول التي قد تكون أطرافاً في المعاهدة لاحقاً، فقد يرد في وثيقة التوقيع على المعاهدة أو بروتوكول ملحق بها أو في وثيقة التصديق أو الانضمام أو بواسطة مذكرات بين الأطراف ويتميز بالوضوح والصراحة).
2. قبول الأطراف الأخرى للتحفظ عندما تعرض الاتفاقية أمام الدول للتوقيع أو التصديق أو الانضمام أو أي شكل آخر من أشكال الارتباط بالاتفاقية، فمن الطبيعي أن تنضم الدول مباشرة وتوافق على الارتباط صراحة، ولكن يمكنها الارتباط كذلك ضمنياً، وذلك عندما لا توافق صراحة ولا تعارض على التحفّظ الذي يُبدى من طرف إحدى الدول، ولكن غير الطبيعي هو عندما تبدي الدولة تحفظاً عند الارتباط بالمعاهدة وبمناسبة التوقيع أو التصديق أو الانضمام، وبالمقابل تعترض دولة أخرى على هذا التحفظ. وأمام هذا الواقع نجد أنّ الفقه قد اختلف حول الموضوع وذلك من خلال الممارسة الدولية وقدّم حلين:
الحل الأول – وكان يتم العمل به في وقت عصبة الأمم، وأطلق عليه تسمية قاعدة العصبة، والمتمثل في ضرورة إبلاغ كل أطراف المعاهدة بأي تحفظ يصدر من أي دولة، وإذا اعترضت عليه دولة واحدة انعدم التحفظ وتعذر على الدولة المُتحفّظة أن تكون طرفاً في المعاهدة، وحجة هذا الطرف هي فكرة تكامل المعاهدة، وذلك بقبول الدولة لكل الالتزامات الواردة في المعاهدة، وتحقيق الهدف المرجو منها وهو انضمام أكبر عدد من الدول وعدم تقطيع وتجزئة المعاهدة.
أمّا الحلّ الثاني فيتمثّل في ما أخذت به منظمة الدول الأمريكية إذا أبدت أي دولة تحفّظاً على الاتفاقية واعترضت عليه دولة أخرى، فهذا لا يمنع الدولة من أن تصبح طرفاً في المعاهدة ولكنها تكون في مواجهة الدول التي قبلت التحفظ فقط، وحجّة هذا الطرف هو مبدأ سيادة الدولة وحقها السيادي في إبداء التحفظات على أيّ معاهدة هي طرف فيها رغم إحداث المعاهدة لآثارها مع الدول التي قبلت هذا التحفظ، وكذلك مع الدول التي قبلت التحفظ في باقي المواد التي لم تتحفظ عليها.
يمكن للدولة المتحفظة – ما لم تنص المعاهدة على خلاف ذلك – سحب تحفظها في أيّ وقت تشاء ولا يشترط من أجل ذلك رضا الدولة التي كانت قد قبلت التحفظ، ويترتب على ذلك سريان الأحكام الأصلية للمعاهدة في العلاقة ما بين الدولة السابق لها التحفظ وكافة أطرافها الآخرين وذلك من تاريخ إخطارهم رسمياً بسحب التحفظ.
كما يجوز للدولة التي اعترضت على التحفظ – ما لم تنص المعاهدة على خلاف ذلك – سحب اعتراضها على التحفظ في أي وقت تشاء وبما يرتبه ذلك من آثار قوامها سريان المعاهدة معدّلة طبقاً لما تضمنه التحفّظ من أحكام، وذلك في العلاقة ما بين الدولة المتحفظة وبين الدولة التي سحبت اعتراضها على التحفظ اعتباراً من تاريخ إخطار الدولة المتحفظة بهذا السحب. وتجدر الإشارة إلى أن سحب التحفظ يسري من تاريخ تسلّم الدولة المعنية الإخطار الذي يُفيد عملية السحب، وبالمثل فإنّ عملية سحب الاعتراض على التحفظ تسري فقط من التاريخ الذي تتسلّم فيه الدولة المتحفظة هذا الإخطار.
ومن الأمثلة على سحب التحفظات بعد إبدائها، ما فعلته الدانمارك عند تصديقها على ميثاق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي أقرّته الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 1966/12/16، وبتاريخ 1968/3/20 صادقت الدانمارك على هذا الميثاق مع التحفظ التالي؛ (إنّ حكومة الدانمارك لا يمكنها الآن تطبيق بعض أحكام المادة السابعة من هذا الميثاق لا سيما الفقرات التي تتعلق بمبدأ الأجر المتساوي عن العمل نفسه، والفقرات الخاصة بالأجر المتساوي عن أيام العطلات أو الإجازات)، وبتاريخ 1976/1/14 أخطرت الدانمارك السكرتير العام للأمم المتحدة بأنها قد سحبت هذا التحفظ.
من خلال ما سبق تناوله حول موضوع التحفّظ فإنّنا يمكن أن نوجز في أدناه الخصائص التي يتصف بها التحفّظ:
1. إنّ التحفظ هو تصرّف قانوني إرادي صادر من جانب واحد.
2. إنّ توقيت إبدائه محدّد بوقت التوقيع أو التصديق أو الانضمام أو الموافقة، وفي غير هذه الحالات يخضع لأحكام المعاهدة ذاتها ولإرادة الأطراف المتعاقدة فيها.
3. إنّ غاية التحفّظ هي الحدّ من آثار المعاهدة عن طريق الاستبعاد لنص أو أكثر من نصوص المعاهدة أو تعديلها، أو إعطائها تفسيراً معيناً يخالف الوارد في النص العادي للمعاهدة.
4. إنّها نظام مستقلّ عن المعاهدة الوارد بشأنها التحفّظ، وبالتالي يستقي أحكامه خارج نصوصها. إنّ الباعث عليه حماية مصالح سياسية أو اقتصادية أو حتى ثقافية أو دينية.
إنّ التحفظ على المعاهدة الدولية يلعب دوراً كبيراً في التأثير على مسار المعاهدة، ويؤدي إلى إحداث أثر قانوني، لأنّ الغرض من التحفظ في غالب الأحيان يستهدف تعديل أو استبعاد نص قانوني في المعاهدة، ممّا يؤدّي إلى التأثير على وحدة النظام القانوني للمعاهدة وقد يؤدي التحفظ إلى تعديل أساسي وجوهري في أحكام المعاهدة، لا بل يؤدّي في المعاهدات الثنائية إلى إلغاء المعاهدة أحياناً، وذلك في حالة موافقة الطرف الآخر من المعاهدة على هذا التحفظ، وهنا يكون التحفظ بمثابة عرض جديد للطرف الآخر لعقد معاهدة جديدة. ولا يفوتنا؛ أنّ التحفظ قد يكون سببه رغبة الدولة في تفسير نص معين من المعاهدة بما يتفق مع مصالحها ورؤيتها لنطاق تطبيق نصوص المعاهدة المتحفظة عليها وخاصة إذا رافق التحفظ إعلان تفسيري من الدولة المتحفظة في ما يتعلّق بتفسير أو تعديل بعض نصوص المعاهدة ويقول الدكتور محمد طلعت الغنيمي (بأنّ أوّل ميزة تميّز التحفّظ أنّه إعفائي، لأنّه يحدّ من أثر المعاهدة بالنسبة للدول المتحفّظة، فهو يعفيها من تطبيق بعض أحكام تلك المعاهدة، وقد يشمل هذا التحفظ إحلال نصوص محل أخرى).
ونرى أن هناك علاقة واضحة ووثيقة ما بين حق التحفظ الذي تبديه دولة ما تجاه أية معاهدة وقواعد تفسير المعاهدات الدولية حيث إنّ هذه العلاقة الترابطية تستهدف رفع الحرج عن الدولة المتحفظة والسماح لها بالتحفظ على بعض النصوص التي لا تتوافق وتشريعاتها الداخلية ومصالحها الوطنية بشرط أن تجيز تلك المعاهدة التحفظ وأن يكون التحفظ مشروعاً.
أخيراً، فإنّ ممارسة التحفّظ في المعاهدات الثنائية يُعدّ قليلاً جداً، لأنه يغيّر في نصوص المعاهدة بين الطرفين، فإذا ما قبلها الطرف الآخر غيّرت في تلك النصوص، أو أدخلت نصوصاً جديدة عليها، وإذا رفضها الطرف الآخر فإنّ المعاهدة سوف تنهار من أساسها ولا يصبح لها أي وجود. وبما أن التحفظ على المعاهدة الثنائية يُعدّ عرضاً جديداً فإذا قبله الطرف الآخر ترتب على ذلك أن تعدل المعاهدة في صورة جديدة طبقاً لمضمون التحفظ الصادر من الدولة المتحفظة، في حين أنه يترتب على رفض الطرف الآخر للتحفظ أن تنتهي المعاهدة بين الطرفين تماماً.
كما أنّ التحفظ على المعاهدات والإعلانات الدولية الثنائية لا تطرح الكثير من المشاكل القانونية مقارنة بالتحفظ على المعاهدات والإعلانات الدولية المتعددة الأطراف ومنها تلك الإشكالات القانونية بين أشخاص القانون الدولي (دول ومنظمات دولية)، لأنه من المتصوّر قبول بعض أطراف المعاهدة أو الإعلان الدولي بالتحفظ ورفض أطراف أخرى له.
المراجع والمصادر:
1. محمدي محمد، التصريحات التفسيرية وأثرها على الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة الحاج لخضر، باتنة، الجزائر، ۲۰۱۱، ص ٤٥، 46، 51.
2. ليث الدين صلاح حبيب، التحفظات الدولية على اتفاقيات حقوق الإنسان، بحث منشور في مجلة كلية القانون للعلوم القانونية والسياسية، جامعة كركوك، العراق، العدد 4، 2013، ص303.
3. محمد سامي عبد الحميد ومحمد السعيد الدقاق وإبراهيم أحمد خليفة، القانون الدولي العام، ص 127.
4. رجب عبد المنعم متولي، القانون الدولي العام، دار النهضة العربية، القاهرة، 2016، ص۷۲، 75،
5. عبد الكريم علوان، الوسيط في القانون الدولي العام، ص ۲۷۹.
6. شارل روسو، القانون الدولي العام، ص58، 59.
7. عُلا شكيب باشي، التحفظ على المعاهدات الدولية متعددة الأطراف، ط1، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2015، ص52.
8. آيات محمد سعود، التحفظ على المعاهدات الدولية، بحث منشور على الموقع الإلكتروني التالي: www. ahewar. org/debat، تاريخ الزيارة 2022/12/16 .
9. خالد محمد برع، المعاهدات الدولية وآليات توطينها في القانون الوطني، ص112.
10. المادة (۲۳) من اتفاقية فيينا.
11. أمجد عليوي علي، الوجيز في القانون الدولي العام، ص ٤٢٠.
12. محمود محمد متولي احمد التحفظ التفسيري في المعاهدات الدولية، دار النهضة العربية، القاهرة، 2014، ص521.
13. إسماعيل خلف سعيد الزهراني، التحفظ على المعاهدات والإعلانات الدولية (دراسة تأصيلية مقارنة)، رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية الدراسات العليا، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، ۲۰۱۲، ص ٥٢، 53.
“محكمة” – الإثنين في 2023/3/13