التدقيق الجنائي لا يستوجب تعديلاً قانونياً/أنطوني عيسى الخوري
القاضي الدكتور أنطوني عيسى الخوري*:
لقد دعا فخامة رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون النوّاب، في رسالة وجّهها يوم الثلاثاء الواقع فيه 2020/11/24، إلى مجلس النوّاب بواسطة رئيسه دولة الرئيس نبيه برّي، إلى التعاون مع السلطة الإجرائيّة من أجل تمكين الدولة من إجراء التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان لكي ينسحب هذا التدقيق على باقي المرافق العامة من أجل تحقيق الإصلاح المطلوب، ولا سيّما وأنّ شركة “الفاريز ومارسال” التي تعاقد معها مجلس الوزراء لإجراء التدقيق الجنائي المذكور قد طلبت إنهاء العقد في 2020/11/20 لتمنّع مصرف لبنان من تسليم المستندات والمعلومات المطلوبة، ومن أبرز ما استند إليه هذا المصرف لتبرير تمنّعه هي “السرّية المصرفيّة”. وقد دعا دولة الرئيس نبيه برّي إلى جلسة عامة يوم الجمعة الواقع فيه 2020/11/27 لمناقشة مضمون الرسالة الرئاسيّة.
يقتضي بادئ ذي بدء تحديد مفهوم عبارة “السريّة المصرفيّة” لمعرفة إن هي تطبّق أم لا على الحسابات المتعلّقة بالمال العام في مصرف لبنان وفي باقي المرافق العامة.
“فالسريّة المصرفيّة” هي نظام قانوني مصرفي يسمح للمصارف بالحفاظ على سريّة المعلومات حول زبائنهم، إذ إنّه يقع على عاتق المصرف موجب عدم إفشاء الأسرار المصرفيّة المتعلّقة بزبائنه وذلك بمقتضى نصوص قانونية صريحة تفرض التكتّم وتعاقب على الإفشاء. وقد اعتمد لبنان السريّة المصرفيّة بمقتضى القانون الصادر بتاريخ 3/أيلول/1956، وفي هذا السياق نصّت المادة 579 من قانون العقوبات على معاقبة إفشاء الأسرار من قبل الأفراد الذين يعلمون بها بحكم وظيفتهم أو مهنتهم من دون أن يكون هناك سبب شرعي.
لا شكّ في أنّ السريّة المصرفيّة تساهم في جذب رؤوس الأموال المحليّة والأجنبيّة وتدعم الثقة بالجهاز المصرفي وتشجّع الإستثمار وتدعم الثقة بالإقتصاد القومي.
لكنّ السريّة المصرفيّة لا يمكن أن تتعلّق بالمال العام العائد للدولة اللبنانيّة، إذ يجب دائماً إعتماد الشفافيّة فيه، ولا سريّة مصرفيّة على هذا المال.
وعلى كلّ حال، فإنّ الدولة اللبنانيّة المؤتمنة عليه ممثّلة بالحكومة وهي التي قرّرت التدقيق الجنائي المالي في حسابات مصرف لبنان، أيّ في حسابات المال العام، “وهذا الأمر لا يستوجب أيّ تعديل قانوني”، وبالتالي على المصرف المذكور، كمصرف للقطاع العام، تسليم المستندات والمعلومات المطلوبة للتدقيق الجنائي في الحسابات المتعلّقة بالمال العام لكي ينسحب هذا التدقيق على باقي المرافق العامة لمساءلة الفاسدين والمرتكبين من أجل تحقيق الإصلاح المطلوب لكي يأمل الشعب اللبناني بغد أفضل.
*رئيس رابطة قدامى القضاة في لبنان ورئيس محكمة التمييز شرفاً ورئيس المجلس العدلي وهيئة التفتيش القضائي بالوكالة سابقاً.
“محكمة” – الجمعة في 2020/11/27