التدقيق الجنائي والسرّية المصرفية مسـألة واقـع وليس القانـون/جوزف القزي
القاضي جوزف القزي:
في بحثنا عن حلول للإنهيار المالي والأزمة السياسية في لبنان، وقعنا في دوّامة التدقيق الجنائي والسرّية المصرفية. فرأينا الإتهامات تتواجه، والطروحات والتحليلات والتفسيرات تتقابل من هنا وهناك، حتّى اعتقد الجميع أنّ مشاكل البلد تقف عند حلّ المسألة القانونية المتعلّقة بالتدقيق الجنائي وبالسرّية المصرفية.
أمّا الحقيقة، فهي أنّ السرّية المصرفية لم تمنع لبنان من السقوط في الإنهيار المصرفي والمالي، وكذلك فإنّ التدقيق الجنائي لن يكون الترياق المنقذ، ولا الدواء الكافي والشافي.
أسارع إلى القول بأنّي مؤمن بأنّ الحلول للإنهيار المالي وللمأزق السياسي في لبنان تمرّ بالتدقيق الجنائي الذي يستلزم تجاوز السرّية المصرفية. إلاّ أنّي أعتبر أنّ المسألة ليست قانونية يجري حلّها عبر رأي قانوني أو تفسير واجتهاد قضائي، وإنّما هي مشكلة واقع سياسي تتطلّب معالجة الصعوبات والبحث عن مخارج وحلول للنزاعات السياسية والمالية.
إنّنا بمعزل عن حقيقة أسباب الفساد والإنهيار المالي وهويّة المرتكبين، نبدي الملاحظات التاليـة:
1- إنّ أسلوب فريق سياسي يكرّر مطالبه بالتدقيق الجنائي يوحي باتهام الفريق الآخر بالفساد وبهدر المال العام.
2- إنّ الفريق الآخر يتهرّب من التدقيق الجنائي باعتباره اتهاماً سياسياً موجّهاً إليه وحده، فيحاول وضع العراقيل وتأخير انطلاق هذا التدقيق.
3- يسود الفرقاء السياسيين جميعهم جـوّ من التوجّس وعدم الثقة المتبادلة، ممّا أدّى إلى عرقلة الاتفاق على خطّة انقاذ موحّدة توفّر الحلول للأزمات التي يغرق فيها البلد، وأبرز مظاهر هذه الحالة استمرار عدم الإتفاق على تأليف حكومة إنقاذ.
4- إنّ توصّل رئيس الحكومة المكلّف إلى تأليف حكومة مستقلّة يكون ممكناً في حال حدّدت مهام هذه الحكومة بإنقاذ الوضع المالي والاقتصادي فقط ضمن مهلة ستّة أشهر، يعطي لها مجلس النوّاب الصلاحيات الإستثنائية في هذه الأمور حصراً.
5- يُترك حلّ مسألة التدقيق الجنائي والسرّية المصرفية إلى الحكومة العتيدة ضمن مهمّتها وصلاحياتها المحدّدة، فلا تعود هذه المسألة مشكلة تعرقل انطلاق عملية الإنقاذ.
6- عند الإتفاق على حكومة مستقلّة محدّدة المهمّة، لا تعود مطروحة مسألة مشاركة حزب الله ولا تبقى عقدة في طريق تأليف الحكومة العتيدة.
*رئيس محكمة التمييز العسكرية سابقاً.
“محكمة”- السبت في 2020/11/28