التعديات الصهيونية على أوقاف الكنيسة في القدس.. إنتهاك للقوانين والمواثيق الدولية/ضياء الدين زيباره
بقلم المحامي ضياء الدين محمّد زيباره(المستشار القانوني للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى- باحث في شؤون الطوائف وقضايا الأوقاف):
تعتبر الرعية العربية الأرثوذكسية في بلاد الشام بعامة وفي الأردن وفلسطين خصوصاً هي الأكثر عدداً بين العرب المسيحين ، بل إنّها كانت في وقت ما، تشكّل أكثر من 99% من العرب المسيحيين .
فالكنيسة الأرثوذكسية هي أمّ الكنائس المسيحية وقد نشأت وترعرعت في هذه الديار منذ ظهور المسيحية وانتشارها، وهي تختلف في واقع الأمر عن باقي الكنائس المسيحية وذلك بأنّها لا تخضع لسيطرة رجل واحد مثل البابا بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية، أو أسقف كانتربوري بالنسبة للكنيسة الأنجليكانية، فالكنيسة الأرثوذكسية هي مجموعة كنائس مستقلّة يجلس في رأس كلّ واحد منها بطريرك هو صاحب السلطة العليا ولا أحد فوقه .
وفي ما يتعلّق بفلسطين، فقد نصّت المادة 3 من القانون رقم ( 27 ) لسنة (1958) قانون بطريركية الروم الأرثوذكس المقدسية الصادر في الاْردن على أنّ :
(ملاحظة: إنّ الأوقاف الإسلامية والمسيحية في القدس خاضعة لإشراف الحكومة الأردنية قانوناً وعرفاً، كما تنصّ معاهدة السلام المبرمة مع إسرائيل على أنّ الأردن يتمتّع بوضع خاص يتعلّق بمسؤوليته حيال الأوقاف الإسلامية والمسيحية والحفاظ عليها).
المادة 3: “البطريرك هو الرئيس الأعلى للكنيسة الأرثوذكسية في الكرسي البطريركي المقدسي وممثّلها ورئيس مجمعها المقدس ومجلسها المختلط ورابطة اتحادها مع الكنائس الأرثوذكسية المستقلّة، ويتمتّع بالحقوق والإمتيازات المذهبية وله الولاية العامة على ما في الكرسي البطريركي المقدسي من أديرة وكنائس ومدارس وهيئات ولجان طائفية وأوقاف خيرية سواء كانت داخل البلاد أو خارجها “.
تعتبر البطركية ثالث أكبر مالك للعقارات في دولة (إسرائيل) ووفقاً لسجّلاتها الرسمية، فإنّها تمتلك نحو 18% من مساحة القدس الغربية – قديماً كانت تمتلك 75% من القدس الغربية إلاّ أنّ تلك الأملاك تسلّلت إلى اليهود بيعاً أو تأجيراً خلال القرن الماضي، كما تملك 17% من القدس الشرقية (ربع القدس القديمة) ونحو 3% من مساحة اللدّ والرملة ويافا وحيفا، وهي مساحات من الأراضي والأديرة ومعظمها فارغة وفي مناطق حسّاسة وذات قيمة مادية واستراتيجية كبيرة، وخاصة في مدن فلسطين المحتلة عام 1948 كمدينة يافا، بل إنّها تملك أرض الكنيست الإسرائيلي وبيت رئيس الدولة ومنزل رئيس الحكومة .
إنّ استهداف الأملاك العربية التابعة للكنيسة من قبل سلطات الإحتلال الإسرائيلي لم يتوقّف في يوم من الأيّام، إلاّ أنّ تلك السياسة شهدت تسارعاً منذ انطلاق عملية السلام في مدريد وتحديداً بعد اتفاقية كامب ديفيد الثانية .
وحالياً خيّمت أجواء الغضب والإحتجاج في فلسطين على إعلان سلطات الإحتلال الإسرائيلي عزمها فرض ضرائب على الكنائس، وإقرار قانون يتيح مصادرة أملاك تتبعها، في خطوة تعتبر عدواناً جديداً على القدس ومقدّساتها، ويسعى مشروع القانون الجديد إلى طمأنة الصهاينة الذين يقيمون على أراض كانت تملكها الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية، وتمّ بيعها لشركات خاصة .
ووفق بيان رئيس بلدية القدس الإسرائيلية نير بركات، فإنّه يتوجّب على الكنائس دفع متأخّرات مستحقّة عن الأصول العائدة إليها بقيمة نحو سبعمئة مليون شيكل (أكثر من 190 مليون دولار مستنداً على أنّ ” الفنادق والقاعات والمتاجر لا يمكن إعفاؤها من الضرائب لمجرّد أنّها مملوكة من الكنائس”.
إنّ هذا التطوّر الخطير يشكّل انتهاكاً للقوانين المحلّية، وبالتالي للقوانين والمواثيق والأعراف الدولية خاصة لجهة إخضاع الأوقاف العائدة لطائفة إلى نظام صادر عن كيان غاصب .
فنصّ قانون إعفاء الأوقاف الخيرية من الضرائب والرسوم رقم (46) لسنة 1962 على ما يلي :
” المادة 2: تعفى كافة معاملات ودعاوي وأملاك الأوقاف الإسلامية الخيرية ، والأوقاف الخيرية للطوائف المسيحية المعترف بها رسمياً والمربوطة بحجّة وقفيه، من الضرائب والرسوم والطوابع على اختلاف أنواعها.
المادة 3: رئيس الوزراء والوزراء مكلّفون بتنفيذ أحكام هذا القانون”.
إذاً نصّ القانون المتقدّم الذي يطبّق على الأوقاف الإسلامية والأوقاف المسيحية في القدس، على إعفاء الأوقاف الخيرية من جميع الضرائب والرسوم لكونه جاء على إطلاقه دون تحديد نوع محدّد من الضرائب موضوع الإعفاء، ودون تحديد النشاطات موضوع الإعفاء، ودونما تمييز بين نشاطات خيرية أو تجارية .
ويستتبع خرق القوانين المحلّية إنتهاكاً لمبدأ إقليمية القانون ومبدأ شخصية القانون أيّ تطبيق القانون ضمن حدود الدولة وعلى رعاياها واحترام خصوصية كلّ دولة وكلّ طائفة ضمن الدولة، ففي الدول التي تنتمي إليها طوائف متعدّدة ينبغي احترام قانون كلّ طائفة ليطبّق على رعاياها في ما يتعلّق بشؤونها الدينية وأحوالها الشخصية وأوقافها .
فالسيادة، التي هي سلطان الدولة على الأشخاص والأموال والإقليم وحرّيتها في تصريف شؤونها، تعتبر من الأفكار الأساسية التي يقوم عليها بنيان القانون الدولي المعاصر، لذا نجد أنّ معظم المواثيق الدولية تحرص على التأكيد على ضرورة احترام مبدأ السيادة.
وهذا ما يقرّره ميثاق الأمم المتحدة حيث نصّ في فقرته الأولى من المادة الثانية على أن:” تقوم الهيئة على المساواة في السيادة بين جميع أعضائها”، كذلك بنصّه في الفقرة السابعة من نفس المادة على أن ” ليس في هذا الميثاق ما يسوّغ للأمم المتحدة أن تتدخّل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما”، ما يستتبع حكماً إنعدام أيّ مسوّغ لتدخّل دولة غاصبة في الشؤون الدينية والوقفية لطائفة من مكوّنات دولة فلسطين، وبالتالي، فإنّ قيام العدوّ الإسرائيلي بفرض ضرائب وسنّ تشريعات تتعلّق بأوقاف الطائفة الأرثوذكسية هو انتهاك للسيادة وللمواثيق والقوانين الدولية .
إنّ ما حصل، يجعلنا نصرّ على أنّ هذه القضيّة هي قضيّة قومية بامتياز، لذا علينا جميعاً أن نعمل معاً ونساند الأحرار المدافعين عن القضية الأرثوذكسية، لأنّها قضيّة قوميّة عربيّة تهمّ المسيحيين والمسلمين معاً الذين كانوا وما زالوا، إخوة في النضال الوطني القومي العربي. وبكلام أوضح فإنّها ليست قضيّة خاصة بالأبناء العرب الأرثوذكس فحسب، بل إنّها تمسّ سيادة العرب وكرامتهم وضمان بقاء الوجود المسيحي في المنطقة .
“محكمة” – الأربعاء في 2018/02/28