التعذيب في أماكن الاحتجاز والتوقيف والسجون اللبنانية: ماذا يقول القانون؟ /عطاف قمر الدين
الدكتورة عطاف قمر الدين:
ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي اليوم بالصور التي نشرتها وسائل الإعلام اللبنانية لجثّة موقوف من التابعية السورية يزعم توقيفه على خلفية انتمائه إلى خلية من خلايا تنظيم داعش الإرهابي، والتي أظهرت تعرّضه لتعذيب وحشي على يد جهاز أمن الدولة.
وبعيداً عن ملابسات هذه الحادثة تحديداً، فقد أشارت منظمة العفو الدولية في عدّة تقارير لها، إلى أن قوى الأمن اللبنانية أمعنت في ارتكاب انتهاكات بحق لاجئين سوريين اعتقلتهم خلال السنوات الماضية بتهم الإرهاب، من بينها اللجوء إلى التعذيب بالعصي والكابلات الكهربائية وحرمانهم من اجراءات المحاكمة العادلة… فماذا يقول القانون بشأن تعذيب المحتجزين والموقوفين والمساجين في لبنان؟
١- الإطار التشريعي لمناهضة التعذيب:
لقد صادق لبنان في العام ٢٠٠٠ على إتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، كما صادق على البروتوكول الاختياري الملحق بها في العام ٢٠٠٨.
والتزاماً بمتطلبات الاتفاقية والبروتوكول المشار إليهما، أقرّ مجلس النواب اللبناني، ولو متأخراً، القانون رقم 2017/65 المتعلّق بمعاقبة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، الذي حدّد مفهوم التعذيب والعقوبة المقرّرة عنه فضلاً عن أصول ملاحقة مرتكبيه وإحالتهم إلى القضاء المختصّ.
وفي تشرين الأوّل من العام ٢٠١٦، أُقرّ القانون رقم ٦٢ المتعلّق بإنشاء الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان والمتضمّنة لجنة الوقاية من التعذيب، المكلّفة بمراقبة الوضع الحقوقي عامةً من خلال مراجعة القوانين والمراسيم وبالتحقيق في شكاوى انتهاكات حقوق الإنسان وإصدار تقارير دورية بنتائجها.
وقد تمّ في تموز من العام ٢٠١٩ تعيين الأعضاء الخمسة في اللجنة الوطنية للوقاية من التعذيب من جانب الحكومة اللبنانية.
وأخيراً، في سياق متصّل، عدّل مجلس النواب اللبناني قانون أصول المحاكمات الجزائية، تحديداً المواد ٣٢، ٤١، ٤٧ و ٤٩ منه، بموجب القانون رقم 2020/191 الرامي إلى تعزيز الضمانات الأساسية وتفعيل حقوق الدفاع، حيث سمح صراحةً بوجود المحامين إلى جانب المحتجزين أثناء خضوعهم للتحقيق الأوّلي، كخطوة وقائية من تعرّضهم لأي إكراه أو عنف أو تعذيب أثناء الإدلاء بإفاداتهم أمام الأجهزة الأمنية المختصّة.
٢- تعريف جريمة التعذيب:
سنداً للفقرة (أ) من المادة ٤٠١ من قانون العقوبات اللبناني المعدّلة بموجب المادة الأولى من ق. 2017/65، يقصد بالتعذيب أيّ عمل يقوم به أو يحرّض عليه أو يوافق عليه صراحة أو ضمناً موظف رسمي أو أي شخص يتصرّف بصفته الرسمية أثناء الاستقصاء والتحقيق الأوّلي والتحقيق القضائي والمحاكمات وتنفيذ العقوبات،
ينتج عنه ألم شديد أو عذاب شديد، جسدياً كان أم عقلياً، يلحق قصداً بشخص ما، لا سيما:
– للحصول منه أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف.
– معاقبة أي شخص على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنّه ارتكبه، هو أو شخص ثالث.
– لتخويف أيّ شخص أو إرغامه- هو أو أيّ شخص ثالث – على القيام أو الامتناع عن القيام بعمل ما.
– لتعريض أيّ شخص لمثل هذا الألم الشديد أو العذاب الشديد لأيّ سبب يقوم على التمييز أياً كان نوعه.
٣- عقوبة جريمة التعذيب:
حدّدت الفقرة (ب) من المادة ٤٠١ من قانون العقوبات اللبناني السالفة الذكر، عقوبة التعذيب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات إذا لم يفض إلى الموت أو إلى خلل أو عطل جسدي أو عقلي دائم أو مؤقت.
أما في حال أفضى التعذيب إلى خلل أو إيذاء أو عطل جسدي أو عقلي مؤقت، فتكون العقوبة الاعتقال من ثلاث سنوات إلى سبع سنوات، وفي حال أفضى إلى خلل أو عطل جسدي أو عقلي دائم، فتصبح العقوبة الاعتقال من خمس سنوات إلى عشر سنوات.
أمّا إذا أفضى التعذيب إلى الموت فيعاقب عليه بالاعتقال من عشر سنوات إلى عشرين سنة.
٤- أحكام جريمة التعذيب الخاصة بالنسبة للأوامر غير الشرعية:
جاء في المادة ١٨٥ من قانون العقوبات اللبناني أنّه: “لا يعد جريمة الفعل المرتكب إنفاذًا لنص قانوني أو لأمر شرعي صادر عن السلطة. وإذا كان الأمر الصادر غير شرعي برر الفاعل إذا لم يجز القانون له أن يتحقق شرعيته(…)”.
ومن قبيل إقفال الباب أمام التذرّع بإنفاذ أمر شرعي للتنصّل من المسؤولية الجزائية عن التعذيب، نصّت المادة ٢ من ق. 2017/65 على تعديل المادة ١٨٥ أعلاه بحيث أصبحت تنصّ على عدم جواز الإدلاء بأيّة ذريعة لتبرير التعذيب كحالة الضرورة أو مقتضيات الأمن الوطني أو أوامر السلطة الأعلى أو أيّة ذريعة أخرى، كما أكّدت على عدم اعتبار الأوامر بالتعذيب الصادرة عن موظف من أية رتبة أو سلك أو سلطة كان، أوامر شرعية في أية حالة من الأحوال.
٥- أثر إدانة مرتكب التعذيب على الأدلة المتحصّلة بواسطته:
وفق ما جاء في أحكام المادة ٤ من القانون 2017/65، أضيفت إلى المادة ١٠ من قانون أصول المحاكمات الجزائية الفقرة الآتية:
“تبطل جميع الأقوال التي تم الإدلاء بها نتيجة أي فعل من الأفعال المنصوص عليها في المادة 401 في أية إجراءات، إلا إذا كان ذلك ضد شخص متهم بارتكاب التعذيب كدليل على الإدلاء بهذه الأقوال”.
وفي حين عزّز المشرّع اللبناني آليات الحماية القانونية ضدّ التعذيب نظرياً، كما رأينا في ما تقدّم، فقد بقي التعذيب ممارسة شائعة في الواقع العملي حيث يُترك كل جهاز أمني على هواه في ما خصّ معاملة الموقوفين لديه، بلا أية مساءلة قانونية عن التجاوزات التي ترتكب من هذه الناحية.
وفي بلاد يموت في سجونها الموقوفون بلا محاكمة، وفي ظلّ عدم إقرار قوانين تكفل استقلالية السلطة القضائية، ومع عدم الاعتراف باختصاص لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة في تلقّي الشكاوى الفردية المقدّمة من الضحايا والنظر فيها على النحو المنصوص عليه في المادة ٢٢ من إتفاقية مناهضة التعذيب، يبدو الحديث عن حقوق الإنسان، ومنها حقّه في السلامة الجسدية وحقّه في الاعتبار والكرامة وحقّه في الحياة، والتي ينضوي تحت إطارها حقّه في حمايته من التعذيب، ضرباً من الهلوسة التي تصل إلى حدّ الهذيان…
ناهيك عن أنّ العبرةَ لطالما كانت تكمنُ في تفعيل القوانين ووضعها موضع التطبيق، لا في إقرارها “مع وقف التنفيذ ” بحيث تصبح نصوصًا معطّلة تضاف إلى نصوص أخرى معطّلة – للأسف- في الحقيبة التشريعية اللبنانية!
“محكمة” – الجمعة في 2022/9/2