التمييز وإعادة المحاكمة في قانون أصول المحاكمات الجزائية/جوزف سماحة
القاضي الدكتور القاضي جوزف نخله سماحة*:
إنّ مبادئ المحاكمة العادلة وفق ما أوضحتها المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (الذي اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200 ألف (د-21) المؤرّخ في 16 كانون الأوّل سنة 1966 – تاريخ بدء النفاذ: 23 آذار 1976-) تطبيقًا لبنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي كرّسته مقدّمة الدستور اللبناني (الفقرة ب ) بموجب التعديل الذي طاله سنة 1990، تنصّ على ما يلي:
1. الناس جميعًا سواء أمام القضاء. ومن حقّ كلّ فرد، لدى الفصل في أيّ تهمة جزائية توجّه إليه، أو في حقوقه والتزاماته في أيّ دعوى مدنية، أن تكون قضيته موضوع نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلّة حيادية، منشأة بحكم القانون…
2. من حقّ كلّ متهم بارتكاب جريمة أن يعتبر بريئًا إلى أن يثبت عليه الجرم قانونًا.
3. لكلّ متهم بجريمة أن يتمتّع أثناء النظر في قضيته، وعلى قدم المساواة التامة، بالضمانات الدنيا التالية:
أن يتمّ إعلامه سريعًا وبالتفصيل، وفى لغة يفهمها، بطبيعة التهمة الموجّهة إليه وأسبابها،
أن يعطى من الوقت ومن التسهيلات ما يكفيه لإعداد دفاعه وللاتصال بمحام يختاره بنفسه؛
أن يحاكم دون تأخير لا مبرّر له؛
أن يحاكم وجاهًا، وأن يدافع عن نفسه بشخصه أو بواسطة محام من اختياره، وأن يخطر بحقّه في وجود من يدافع عنه إذا لم يكن له من يدافع عنه، وأن تختار له المحكمة حكمًا كلّما كانت مصلحة العدالة تقتضي ذلك، محاميًا يدافع عنه مجانًا، إذا كان لا يملك الوسائل الكافية لدفع الكلفة؛
أن يناقش شهود الاتهام، بنفسه أو من قبل غيره، وأن يتمكّن من تسمية شهود النفي والدفاع بالشروط عينها المطبّقة في حالة شهود الاتهام؛
أن يزوّد مجّانًا بمترجم إذا كان لا يفهم، أو لا يتكلّم اللغة المستخدمة في المحكمة؛
ألّا يُكره على الشهادة ضدّ نفسه أو على الاعتراف بذنب.
4. لكل شخص أدين بجريمة حقّ اللجوء، وفقًا للقانون، إلى محكمة أعلى كيّما تعيد النظر في قرار إدانته وفى العقاب الذي حكم به عليه.
5. إذا أدين شخص ما بجريمة بموجب حكم نهائي، ثمّ أبطل هذا الحكم أو صدر عفو خاص عنه على أساس واقعة جديدة أو واقعة حديثة الاكتشاف تحمل الدليل القاطع على وقوع خطأ قضائي، يتوجّب التعويض على الشخص الذي أنزل به العقاب نتيجة تلك الإدانة، وفقًا للقانون، ما لم يثبت أنّه يتحمّل، كلّيًا أو جزئيًا، المسؤولية عن عدم إفشاء الواقعة المجهولة في الوقت المناسب.
6. لا يجوز تعريض أحد مجدّدًا للمحاكمة أو للعقاب بسبب جريمة سبق أن أدين بها، أو برّئ منها بحكم نهائي وفقًا للقانون وللإجراءات الجنائية في كلّ بلد.
سعى القانون اللبناني إلى اعتماد وتطبيق معظم المبادئ المنوّه عنها، ولا سيّما في ما يختص بطرق المراجعة طعنًا في القرارات والأحكام القضائية، فنصّ مبدئيًا على نوعين من طرق المراجعة: طريقا مراجعة عادية، هما الاعتراض والاستئناف، وطريقا مراجعة غير عادية، هما التمييز وإعادة المحاكمة.
الاعتراض، طريق مراجعة عادية يقدّم أمام المرجع القضائي نفسه الذي أصدر الحكم أو القرار موضوع الطعن، وهو متاح فقط للمدعى عليه الذي حوكم غيابًا (المادة 168 أ.م.ج.).
وقد حدّدت المواد 171 إلى 174 أ.م.ج, القواعد المنظّمة للاعتراض على الحكم الغيابي الصادر عن القاضي المنفرد الجزائي. وهذه القواعد تطبّق أيضًا في حال الاعتراض على قرار صادر غيابًا عن محكمة الاستئناف الجزائية، عملًا بالمادة 231 أ.م.ج.؛
وكذلك في حال الطعن في حكم غيابي أصدرته محكمة الجنايات وجنّحت فيه الوصف القانوني للجريمة التي كانت محالة أمامها على أنّها جناية (المادة 2/291 أ.م.ج.)؛
أو لدى الحكم غيابًا على متهم بجناية مع إعفائه من العقاب و إلزامه بدفع تعويض شخصي إلى المدعي (المادة 3/291 أ.م.ج.)؛ وأيضا لدى الحكم غيابًا على ظنين أحيل أمام محكمة الجنايات بعدما أسندت إليه جنحة متلازمة مع الجناية المسندة إلى متهم…
والأمر كذلك أمام محكمة التمييز متى قرّرت قبول طلب التمييز شكلًا وأساسًا ونقض الحكم أو القرار المطعون فيه، إذ تحلّ محلّ المحكمة التي كانت أصدرت القرار المذكور بما لها من صلاحيات، وبالتالي فإنّ الحكم أو القرار الذي قد تصدره محكمة التمييز بالصورة الغيابية بعد النقض في الحالات المذكورة آنفا، يكون خاضعًا للطعن اعتراضًا وفقًا للأصول المنوّه عنها أعلاه.
ويحاكم بالصورة الغيابية كلّ فريق في الدعوى الجزائية تغيّب من دون إبداء عذر مشروع، عن أوّل جلسة محاكمة أبلغ موعدها أصولًا وفق القواعد المنصوص عليها في المادة 147 وما يليها أ.م.ج. واستمرّ غيابه حتّى ختام المحاكمة؛
وإذا حدث طارئ ما وأفضى إلى انقطاع سير المحاكمة، كأن يصادف موعد الجلسة في يوم إضراب عام أو عطلة رسمية أو اضطراب أمني منع انعقاد الجلسة… فلا بدّ من إعادة تبليغ فرقاء الدعوى موعد جلسة جديد للمحاكمة تمهيدًا لإعادة تشكيل الخصومة. فإذا أبلغ أحدهم أصولًا وامتنع عن الحضور دون إبداء عذر مقبول، فيقتضي محاكمته غيابًا، ولو كان قد سبق له الحضور في جلسة سابقة للظرف الطارئ الذي قطع مسار جلسات المحاكمة، وأوجب إعادة معاملات التبليغ.
وقد حدّدت المادة 171 أ.م.ج. مهلة تقديم الاعتراض بعشرة أيّام.
وتبدأ هذه المهلة بالسريان من اليوم التالي لتاريخ تبليغ المحكوم عليه أصولًا خلاصة الحكم أو القرار الغيابي الصادر في حقّه.
أما إذا جرى تبليغ المحكوم عليه الحكم الغيابي دون مراعاة الأصول المنصوص عليها في المادة 147 وما يليها أ.م.ج. ، فيحقّ للمحكوم عليه المذكور الاعتراض على الحكم طيلة مدّة مرور الزمن على العقوبة المحكوم بها، وفقًا للمهل المحدّدة في المادة 164 وما يليها ق.ع. (أيّ ضعف مدّة العقوبة الجنحية المحكوم بها على أن لا تقلّ عن خمس سنوات وأن لا تزيد على عشر سنوات؛ وسنتين بالنسبة للعقوبة التكديرية).
أمّا إذا انصرمت مدّة مرور الزمن على العقوبة، لا يعود من الجائز قبول الاعتراض على الحكم أو القرار الغيابيين. ويبقى عندئذ للمحكوم عليه أن يتقدّم من النائب العام الاستئنافي المختص باستدعاء لطلب إسقاط العقوبة بمرور الزمن عملًا بأحكام المادة 147 ق.ع.
ويقدّم الاعتراض بموجب استدعاء خطّي يقدّمه إلى المحكمة التي أصدرت الحكم أو القرار المطعون فيه، المحكوم عليه بالذات، أو محام وكيل عنه. وليس في القانون ما ينصّ على جواز وقف تنفيذ الحكم الغيابي بمجرّد تقديم الاعتراض، كما هي الحال بالنسبة للإستئناف، وبالتالي لا يجوز قانونًا استرداد خلاصة الحكم الغيابي، في حال كانت أرسلت للتنفيذ، إلّا بعد قبول الاعتراض شكلًا وإعلان سقوط الحكم أو القرار الغيابي.
ويمكن للمعترض أن يطعن في الحكم الغيابي كاملًا أو أن يحصر اعتراضه في ما قضي به بالنسبة لدعوى الحقّ العام أو للدعوى المدنية فقط (المادة 1/173 أ.م.ج.).
ويتوجّب على المعترض أن يمثل شخصيًا أمام المحكمة في جلسة المحاكمة الأولى المحدّدة للنظر في اعتراضه. وله أن يستعين بمحام يحضر معه للدفاع عنه. كما له أن لا يحضر شخصيًا ويكتفي بأن يتمثّل بمحام إذا كانت العقوبة المحكوم عليه بها لا تتجاوز السنة الواحدة حبسًا، أو إذا كان اعتراضه مقتصرًا على الإلزامات المدنية (المادة 2/173 أ.م.ج.).
ومتى حضر المعترض الجلسة الأولى للمحاكمة الاعتراضية، أو تمثّل أصولًا، وكان الاعتراض مقدّمًا خلال المهلة القانونية ومستوفيًا الشروط الشكلية المطلوبة، فعلى المحكمة أن تقرّر قبول الاعتراض شكلًا وإعلان سقوط الحكم الغيابي واعتباره كأنّه لم يكن وإعادة المحاكمة مجدّدًا وفقًا للأصول العادية، إنطلاقًا من القرار الظنّي،أو من الادعاء المباشر، أو من القرار الذي أولى المحكمة حقّ النظر في الدعوى في حال كان الاعتراض قد استهدف حكمًا غيابيًا ابتدائيًا. وانطلاقًا من الاستئناف إذا كان الاعتراض ضدّ قرار استئنافي غيابي.
وتجدر الملاحظة أنّه لا يجوز أمام القضاء الجزائي قبول الاعتراض شكلًا وردّه أساسًا وتصديق الحكم الغيابي المعترض عليه، لأنّه لم يعد له وجود بنتيجة قبول الاعتراض شكلًا.
ومفاعيل الاعتراض هي شخصية ونسبية ولا يستفيد منها إلّا المعترض وحده دون سائر الفرقاء في الدعوى.
أمّا إذا تغيّب المعترض دون عذر مقبول عن حضور أوّل جلسة محاكمة اعتراضية، رغم إبلاغه موعدها أصولَا، تقرّر المحكمة ردّ الاعتراض شكلًا. وهذا القرار لا يقبل الاعتراض عليه مجدّدًا؛ وإنّما يكون قابلًا للإستئناف من تاريخ إبلاغه إلى المعترض، في حال كان الحكم الغيابي صادرًا في الدرجة الأولى عن القاضي المنفرد الجزائي (المادة 173/ فقرة 4 و 5 أ.م.ج.) ويطال الاستئناف في آن واحد الحكم الغيابي والحكم الذي ردّ الاعتراض شكلًا.
وعندما تقرّر المحكمة ردّ الاعتراض شكلًا، يعود لها أن تلزم المعترض بغرامة تتراوح قيمتها بين مائة ألف ل.ل. ومليون ل.ل. (المادة 174 أ.م.ج.).
طريق المراجعة العادية الثانية هي الاستئناف، طعنًا في القرارات والأحكام التي يصدرها القاضي المنفرد الجزائي، أمام هيئة محكمة من درجة أعلى مؤلّفة من رئيس ومستشارين، في حضور ممثّل للنيابة العامة الاستئنافية. وتدقّق في الدعوى بالدرجة الثانية وتراقب الحكم أو القرار المستأنف ضمن حدود أسباب الاستئناف ومطالبه، وفقًا لقواعد حدّدها المشترع بدقّة في المواد 157 و 192 و 201 و 208 إلى 232 أ.م.ج.، وتطبّق أمام محكمة الاستئناف الجزائية أصول المحاكمة المتبعة أمام القاضي المنفرد الجزائي.
إلى جانب إمكانية الطعن استئنافًا أمام محكمة الاستئناف الجزائية في الشقّ المدني من الحكم الصادر عن محاكم الأحداث (المادة 44 من القانون رقم 2002/422)، تكون القرارات والأحكام النهائية الصادرة عن القاضي المنفرد الجزائي في الجرائم من نوع الجنحة هي مبدئيًا قابلة للإستئناف.
يضاف إلى ذلك:
القرار الذي يفصل في طلب ردّ الأشياء المضبوطة خلال التحقيق، عملًا بالمادة 201 أ.م.ج.،
القرار الفاصل في دفع أو أكثر من الدفوع الشكلية المنصوص عليها في المادة 73 معطوفة على المادة 1/157 أ.م.ج. (مع الملاحظة أنّ القرار الذي يقضي بضمّ الدفوع الشكلية المدلى بها إلى الأساس لا يكون قد بتّ أيًّا منها، وبالتالي لا يجوز قانونًا استئنافه على حدة بمعزل عن الحكم النهائي، الأمر الذي يستتبع ردّ مثل هذا الاستئناف شكلًا في حال تقديمه).
القرار المتعلّق بإخلاء سبيل المدعى عليه الموقوف احتياطًا.
القرار الذي ينهي به القاضي المنفرد الدعوى دون التعرّض للأساس.
في الجرائم من نوع المخالفة، تقبل الاستئناف الأحكام التي تقضي بعقوبة التوقيف أو الحبس التكديري؛ وتلك التي تحكم بعقوبات فرعية أو إضافية؛ والأحكام التي تقضي بتعويضات شخصية تزيد على خمسمائة ألف ل.ل. ؛ والقرارات التي تردّ دفعًا من الدفوع الشكلية؛ والأحكام التي تقضي بعقوبة لمخالفة متلازمة مع جنحة (المادة 2/212 أ.م.ج.)
ويحقّ لفرقاء النزاع كافة، بمن فيهم النيابة العامة الاستئنافية، الطعن استئنافًا في الأحكام والقرارات القابلة للاستئناف، سواء بصورة أصلية أو بصورة تبعية، خلال مهلة محدّدة لكلّ منهم… غير قابلة للتمديد إلّا وفًقا لأحكام القانون، كأن يصادف في نهايتها يوم عطلة رسمية فتمدّد حتّى أوّل يوم عمل، أو أوّل ساعة عمل بعد التعطيل، في حال كانت المهلة تحتسب بالساعات.
وتبدأ مهلة الطعن بالسريان من اليوم التالي، أو من الساعة التالية، لصدور الحكم
أو القرار، أو لإبلاغه إلى صاحب العلاقة أصولًا؛ فلا يحتسب اليوم الأوّل أو الساعة الأولى حيث صدر الحكم أو القرار أو جرى التبليغ.
ويجب أن يكون الاستحضار الاستئنافي الذي يقدمه فرقاء الدعوى خطّيًا، مذيّلًا بتوقيع محام في الاستئناف وكيل يرفق به وكالته، أو صورة عنها ما لم تكن وكالته ثابتة في الملفّ الابتدائي، وأن يشتمل على ما يلي:
1. أسم المستأنف وعنوانه؛
2. اسم المستأنف ضدّه وعنوانه؛
3. تحديد الحكم أو القرار المطعون فيه بدقّة، لجهة تاريخه ورقمه والمحكمة التي أصدرته؛
4. بيان أسباب الطعن في الحكم أو القرار المستأنف؛
5. بيان المطالب الاستئنافية بوضوح؛
أمّا استئناف النيابة العامة، فهو يخضع لأصول شكلية مختلفة، إذ لا يفرض أن يحمل توقيع محام؛ و قد درجت العادة أن يدوّن النائب العام استئنافه خطّيًا في ذيل الحكم، أو على ورقة مستقلّة، فيحدّد فيه باختصار هوية المدعى عليه المستأنف ضدّه والمآخذ على الحكم والمطالب. ويبقى للنيابة العامة إيضاح موقفها بالمرافعة العلنية أثناء المحاكمة.
ويقدّم الاستئناف إلى قلم محكمة الاستئناف التابع لها القاضي الذي أصدر الحكم
أو القرار، فيتمّ تسجيله في السجّل الخاص وإعطاؤه رقم أساس وتاريخًا صحيحًا،
ومن ثمّ، يوجّه طلب بواسطة النيابة العامة، إلى المحكمة التي أصدرت الحكم أو القرار لإيداع محكمة الاستئناف الملفّ الابتدائي.
ويمكن تقديم الاستئناف بواسطة القاضي المنفرد الجزائي الذي أصدر الحكم أو القرار المطعون فيه، فيتم تسجيله أصولًا في سجّل خاص ويعطى تاريخًا صحيحًا، ثمّ يحال مع الملفّ إلى محكمة الاستئناف المختصة، بواسطة النيابة العامة الاستئنافية (أو المالية ضمن اختصاصها).
إنّ الاستئناف الذي تتوافر فيه الشروط المطلوبة قانونًا لقبوله في الشكل يكون له مفعول موقف ومفعول ناشر:
إنّ الاستئناف يوقف تنفيذ الحكم المستأنف( المادة 219 أ.م.ج.) ، وبالتالي لا يجوز قانونًا الشروع في تنفيذ الحكم الابتدائي قبل انقضاء مهلة الاستئناف.
وفي حال تقديم الاستئناف، لا يجوز التنفيذ قبل بتّ الاستئناف.
بيد أنّ هذه القاعدة لا تؤثّر على قرار القاضي الابتدائي في منح المدعى سلفة مؤقّتة معجّلة التنفيذ من أصل التعويض المحكوم له به، إلّا إذا قرّرت محكمة الاستئناف خلاف ذلك.
كما أنّ مذكّرة التوقيف التي أصدرها القاضي المنفرد الجزائي سندًا للمادة 193 أ.م.ج. تبقى نافذة. إلّا أنّه يعود لمحكمة الاستئناف أن تقرّر إخلاء سبيل الموقوف.
ويفضي الاستئناف إلى إعادة نشر الدعوى أمام محكمة الاستئناف وفقًا لقواعد نصّت عليها المواد 220 إلى 224 و المادة 227 أ.م.ج.
– إنّ استئناف النيابة العامة ليفضي إلى إعادة نشر دعوى الحقّ العام برمّتها أمام محكمة الاستئناف. ما لم يوّجه الاستئناف إلى جهة معيّنة منها فيقتصر مفعوله عليها (المادة 1/220 أ.م.ج.)… ومحكمة الاستئناف مقيّدة ضمن حدود الطلب…
– ويربط استئناف المدعى عليه محكمة الاستئناف في حدود ما وقع عليه الاستئناف من الحكم المستأنف (المادة 2/220 أ.م.ج.) وتكون المحكمة مقيّدة بأسباب الطعن وبالمطالب التي حدّدها المستأنف المدعى عليه…
وقد منعت المادة 221 أ.م.ج. على محكمة الاستئناف أن تزيد العقوبة المحكوم بها على المدعى عليه، أو أن ترفع قيمة التعويضات المحكوم بها للمدعي المتضرّر، في حال كان المدعى عليه هو وحده من استأنف الحكم. وهذه القاعدة تستند إلى المبدأ الذي يرفض أن يتضرّر المستأنف من المراجعة التي يتقدّم بها.
كما أنّه ليس لمحكمة الاستئناف أن تنظر في وقائع جرمية جديدة تشكّل جرائم لم تعرض على القاضي المنفرد الذي أصدر الحكم المستأنف (المادة 3/220 أ.م.ج.).
وليس للمحكمة أن تتناول في قرارها أشخاصًا لم يكونوا فرقاء في الدعوى الابتدائية،أو لم تتمّ مخاصمتهم أمامها.
– إنّ استئناف المدعي الشخصي وحده ينشر أمام محكمة الاستئناف الشقّ المدني من الدعوى. ولا يجوز للمحكمة في هذه الحالة أن تخفّض قيمة التعويضات المحكوم له بها (المادة 222 أ.م.ج.) في حال ردّ الاستئناف أساسًا.
بيد أنّه إذا كان الحكم الابتدائي قد قضى بالبراءة أو بإبطال التعقّبات، ولم تستأنف النيابة العامة فأضحى الحكم مبرمًا لهذه الناحية، فإنّ استئناف المدعي الشخصي وحده يوجب على المحكمة أن تعيد النظر في الدعوى العامة لجهة مدى توافر العناصر الجرمية وشروط مسؤولية المدعى عليه…لأنّ سبب الدعوى المدنية المقامة تبعًا للدعوى العامة أمام القضاء الجزائي هو الضرر الناجم عن جرم جزائي، الأمر الذي يستلزم التثبّت من توافر هذا السبب كأحد شروط بتّ الدعوى المدنية المذكورة. فإذا تبيّن للمحكمة أنّ الحكم الابتدائي قد أخطأ في هذا المجال وأنّ ثمّة جريمة ومسؤولية، فإنّها تعلن ذلك وتفسخ الحكم لهذه الناحية، من دون أن يكون لها أن تنزل أيّ عقوبة بالمستأنف ضدّه المدعى عليه، ومن ثمّ، تحكم بالإلزامات المدنية وفقًا للأصول.
– إنّ الاستئناف الذي يقدّمه المسؤول بالمال أو الضامن ينشر أمام المحكمة الشقّ من الحكم الابتدائي الذي يتعلّق بما حكم عليهما به بداية من إلزامات مدنية.
وفي حال لم يطعن المدعى عليه في الحكم بل رضخ لما قضى به، فإنّ القرار الاستئنافي الصادر بنتيجة طعن المسؤول بالمال أو الضامن والذي خفّض قيمة التعويضات الشخصية المحكوم بها بداية، يقتصر مفعوله على المستأنفين، فلا يستفيد منه المدعى عليه غير المستأنف…
أمّا في ما يختص بطرق المراجعة غير العادية، فلقد نصّ قانون أصول المحاكمات الجزائية على طريقين هما التمييز وإعادة المحاكمة.
يهدف التمييز إلى مراقبة قانونية الأحكام والقرارات القابلة للتمييز وتصحيح ما قد يكون شابها من أخطاء قانونية، فضلًا عن السعي لتوحيد الآراء والاجتهادات، وبالتالي التوصّل إلى تناغم في تفسير النصوص القانونية، دون التطرّق إلى الوقائع المادية
أو الأدلّة التي تثبتها، والتي يستقلّ في الفصل فيها قضاة الأساس. لذلك لا يصحّ اعتبار استدعاء التمييز درجة ثالثة من درجات المحاكمة.
ومحكمة التمييز الجزائية هي أعلى محكمة جزائية عادية، وتتألّف الهيئة الحاكمة فيها من رئيس ومستشارين (علمًا بأنّه هناك عدّة مستشارين يتولّى رئيس المحكمة تشكيل الهيئة منهم…) مع وجوب حضور ممثّل عن النيابة العامة التمييزية جلسات المحاكمة ولفظ القرارات… ويقع مركز غرف محكمة التمييز في بيروت. وثمّة 3 غرف تمييز جزائية حاليًا، توزّع عليها ملفّات الدعاوى بموجب قرار توزيع الأعمال الذي يصدره الرئيس الأوّل التمييزي.
ولمحكمة التمييز الجزائية عدّة اختصاصات، وهي تختص ببتّ (المادة 295 أ.م.ج.):
1) طلبات تمييز الأحكام الصادرة عن محاكم الجنايات والقرارات الصادرة عن محاكم الاستئناف الجزائية وعن الهيئات الاتهامية؛
2) طلبات النقض الأخرى الداخلة في اختصاصها بمقتضى قوانين خاصة (مثل القانون رقم 422/2002 الخاص بالأحداث لجهة أحكام محكمة جنايات الأحداث، والمادة 78 من قانون القضاء العسكري رقم 24/1968 المتعلّقة بطلب مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية نقض القرارات التي يصدرها قاضي التحقيق العسكري خلافًا للمطالعة)؛
3) طلبات إعادة المحاكمة في الدعاوى الجزائية (المادة 328 إلى 334 أ.م.ج.)
4) طلبات تعيين المرجع (المواد 335 إلى 339 أ.م.ج.)
5) طلبات نقل الدعوى (المواد 340 إلى 343 أ.م.ج.)
6) كما تنظر في الجرائم المنسوبة إلى قضاة محاكم البداية وقضاة التحقيق والمحامين العامين لدى النيابة العامة الاستئنافية والمالية والعسكرية، والمستشارين في القضاء العدلي والإداري والمالي.
وتخضع الإجراءات أمام محكمة التمييز لشروط شكلية وموضوعية محدّدة، سوف تستعرضها باختصار، ثمّ نعرض أسباب النقض ومفاعيله.
أوّلًا: شروط تقديم طلب التمييز
1- الشروط العامة لطلب التمييز
أ- في الأحكام والقرارات القابلة للنقض
وحدها الأحكام والقرارات النهائية الصادرة عن محاكم الجنايات ومحاكم الاستئناف الجزائية والهيئات الاتهامية تقبل الطعن تمييزًا. ولا يجوز طلب تمييز القرارات التمهيدية أو السابقة للقرار أو للحكم النهائي إلّا معهما وبعد صدورهما (المادة 1/311 أ.م.ج.).
تستثنى القرارات التي تفصل في دفع أو أكثر من الدفوع الشكلية المنصوص عليها في المادة 73 أ.م.ج. (المادة 2/311 أ.م.ج.) وهي تقبل التمييز على حدة بمعزل عن القرار النهائي، متى صدرت بشكل قرار تمهيدي قبل بتّ أساس الدعوى… وإذا كان القرار المنوّه عنه صادرًا عن الهيئة الاتهامية أو محكمة الاستئناف الجزائية يعفى طلب التمييز من وجوب توافر شرط الاختلاف في الوصف القانوني للفعل الجرمي بين قاضي الدرجة الأولى وبين قضاة الدرجة الثانية، وهو ما يعرف “بالشرط الخاص” المنصوص عليه في المادتين 306 و 302 أ.م.ج.
ب- لجهة طالب التمييز ( المادتان 312 و 313 أ.م.ج.)
يشترط أن يكون طالب التمييز فريقًا في الدعوى أساسًا… وهذا يشمل:
النيابات العامة التمييزية والاستئنافية والمالية، ولها تقديم طلب نقض لجهة دعوى الحقّ العام.
والنيابات العامة وحدها مختصّة لطلب تمييز القرارات الصادرة عن محكمة الاستئناف في المخالفات، للطعن في التكييف القانوني وطالب اعتبارها ذات وصف جنحي (المادة 303 أ.م.ج.).
المحكوم عليه الذي له حقّ طلب تمييز الأحكام و القرارات برمّتها.
ويقبل طلب التمييز من المحكوم عليه بعقوبة جنائية إذا كان موقوفًا؛ أو إذا كان قد نفّذ العقوبة المقضي بها (المادة 299 أ.م.ج.).
بيد أنّه لا يحقّ للمتهم الفارّ من وجه العدالة، ولا للمحكوم عليه غيابًا والفارّ من وجه العدالة تقديم طلب تمييز طعنًا في قرار الاتهام أو في الحكم الغيابي الصادرين في حقّهما، قبل أن يسلّما نفسيهما للعدالة (المادة 308 والمادة 3/316 أ.م.ج.).
المسؤول بالمال والضامن، ويحقّ لهما طلب تمييز الحكم أو القرار الذي ألزم أيًّا منهما بتعويضات شخصية.
المدعي الشخصي الذي له طلب تمييز الشقّ المدني من الحكم أو القرار (المادة 298/1 أ.م.ج.) والطعن في ما قضى له به الحكم من تعويضات شخصية تقلّ قيمتها عمّا طلبه (المادة 301 أ.م.ج.).
كما يشترط أن تتوافر في طالب التمييز الصفة والمصلحة (المادة 312 أ.م.ج.)
لا يقبل طلب التمييز ما لم تتوافر في طالب النقض الصفة والمصلحة لتقديمه.
وتطبيقًا لهذه القاعدة:
منعت المادة 297 أ.م.ج. على أيّ من فرقاء الدعوى أن يطعن في الحكم الجنائي لعلّة مخالفة قاعدة قانونية مقرّرة لمصلحة غيره. ويشكّل ذلك تطبيقًا للقاعدة العامة القائلة إنّه لا بطلان حيث لا مصلحة.
كما منعت المادة 300 أ.م.ج. على المحكوم عليه أن يطلب نقض الحكم بسبب وقوع خطأ في ذكر المادة القانونية المطبّقة، متى كانت العقوبة الواردة في الحكم مطابقة لتلك التي حدّدها القانون للجريمة.
وتجدر الملاحظة أنّه لكلّ من فرقاء الدعوى حصر طعنه تمييزًا في جهة من الحكم أو القرار، مستقلّة عن جهاته الأخرى (المادة 315 أ.م.ج.).
ج- مهلة تقديم طلب التمييز.
تختلف المدّة المحدّدة لتقديم طلب التمييز تبعًا لشخص الطاعن ولنوع الطلب؛ مع الملاحظة أنّها مهل إسقاط، كما هي حال مهل الاعتراض والاستئناف، فلا تقبل التمديد إلّا بحكم القانون كما سبق بيانه.
– بالنسبة لطلب التمييز العادي الذي يقدّمه فرقاء الدعوى:
المهلة المحدّدة للمدعي الشخصي وللمدعى عليه وللمسؤول بالمال والضامن: هي 15 يومًا تبدأ بالسريان من اليوم التالي لصدور الحكم أو القرار المطعون فيه متى صدر وجاهًا؛ ومن اليوم التالي لإبلاغ الحكم أو القرار غير الوجاهي إلى صاحب العلاقة (المادة 1/316 و 5 أ.م.ج.).
المهلة المحدّدة للنيابة العامة الاستئنافية وللنيابة العامة المالية: هي شهر واحد من تاريخ صدور الحكم أو القرار المطعون فيه؛ وتبدأ بالسريان من اليوم التالي لصدور القرار أو الحكم (المادة 2/316 و 5 أ.م.ج.).
المهلة المحددة للنيابة العامة التمييزية: هي شهران، وتحتسب المهلة وفق ما ورد أعلاه (المادة 2/316 و 5 أ.م.ج.).
– بالنسبة لطلب التمييز لمصلحة القانون:
المهلة هي سنة واحدة من تاريخ صدور الحكم أو القرار المطلوب نقضه، على أن تبدأ المهلة بالسريان وفق ما صار إيضاحه أعلاه.
د – الشروط المتعلقة بشكل الاستدعاء التمييزي.
البيانات الواجب توافرها في طلب التمييز: (المادة 318 أ.م.ج.)
يجب أن يكون الاستدعاء التمييزي خطّيًا وموجّهًا ضدّ كلّ الفرقاء في الدعوى، تحت طائلة الردّ.
بيد أنّه ثمّة اجتهاد في هذا المجال يعتبر أنّ عدم مخاصمة الحقّ العام صراحة في طلب النقض لا يحول دون قبوله شكلًا، على اعتبار أنّ الحقّ العام هو الخصم العام ضمنًا (محكمة التمييز، الغرفة السادسة)
ويجب أن يشتمل طلب التمييز على البيانات التالية:
1. أسماء وعناوين المتداعين (طالب التمييز والمميّز ضدّهم).
2. تحديد رقم الحكم أو القرار المطعون فيه وتاريخ صدوره، واسم المحكمة التي أصدرته.
3. بيان أسباب التمييز، وهي مبدئيًا محدّدة في القانون (المواد 296 و 302
و 306 أ.م.ج.).
4. بيان المطالب، علمًا أنّ إغفال ذلك لا يفضي إلى ردّ الاستدعاء شكلًا لانتفاء النصّ على ذلك.
5. أن يكون الاستدعاء مذيّلًا بتوقيع محام في الاستئناف بوكالته عن طالب التمييز.
المستندات التي يجب أن ترفق بطلب التمييز:
– وكالة محامي طالب النقض الأصلية، أو صورة مصدّقة طبق الأصل عنها من قبل المرجع الذي نظّمت لديه.
– صورة مصدّقة عن الحكم أو القرار المطعون فيه صالحة للتمييز، وهي معفاة من الرسم النسبي.
– إيصال مالي يثبت دفع قيمة التامين التمييزي البالغة مائتي ألف ل.ل.؛
مع الإشارة إلى أنّه يعفى من دفع رسم التأمين في القضايا الجنائية. كما أنّه يعفى منه في القضايا الجنحية إذا أبرز المستدعي شهادة فقر حال من مختار المحلّة (المادة 5/319 أ.م.ج.).
وتعفى النيابات العامة من إبراز هذه المستندات مع طلب التمييز الذي تقدّمه، ومن دفع رسم التأمين التمييزي، كما أنّها ليست بحاجة لمحام في الاستئناف (المادة 318 فقرة أخيرة أ.م.ج.) وهي معفاة أيضًا من دفع جميع رسوم ونفقات تقديم طلب التمييز (المادة 319 فقرة أخيرة أ.م.ج.).
هـ – أين يقدم طلب التمييز (المادة 317 أ.م.ج.).
يمكن تقديم طلب التمييز في قلم محكمة التمييز الجزائية، أو في قلم المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه:
في الحالة الأولى: يتمّ تسجيل طلب النقض في السجّل الخاص ويعطى رقم أساس وتاريخًا صحيحًا، ويسطّر طلب إلى المحكمة التي أصدرت الحكم أو القرار المطعون فيه، لإيداع قلم محكمة التمييز ملفّ الدعوى، بواسطة النيابة العامة التمييزية التي تحيله إلى النيابة العامة الاستئنافية المختصة لإجراء المقتضى القانوني. وتتولّى هذه الأخيرة طلب الملفّ من المحكمة المعنية، التي عليها إيداعها إيّاه بعد تنظيم قائمة مفردات تعدّد فيها محتويات الملفّ.
في الحالة الثانية: يتمّ تسجيل طلب التمييز في سجّل خاص، ويعطى تاريخًا صحيحًا، ومن ثمّ، تحيل المحكمة الطلب والملفّ إلى النيابة العامة الاستئنافية
(أو المالية) خلال خمسة أيّام لإيداعه النيابة العامة التمييزية من أجل إحالته إلى محكمة التمييز.
3 – الشرط الخاص المفروض بالنسبة لتمييز قرارات محكمة الاستئناف الجزائية والهيئة الاتهامية: (المادتان 302 و 306 أ.م.ج.).
ما خلا القرارات الصادرة عن هيئة محكمة غير مشكّلة بصورة قانونية، والقرارات المتعلّقة بالصلاحية وبسقوط الحقّ العام بمرور الزمن أو بالعفو أو بامتناع الادعاء لقوّة القضية المحكوم فيها، لا تقبل طلبات التمييز في قضايا الجنح ولا تلك التي تطعن في قرارات الهيئة الاتهامية النهائية، ما لم يتوافر شرط الاختلاف في الوصف القانوني بين قضاة الدرجة الأولى (القاضي المنفرد الجزائي) وبين قضاة الدرجة الثانية (محكمة الاستئناف الجزائية)، أو بين قاضي التحقيق وبين الهيئة الاتهامية. ويتوفّر هذا الشرط متى حصل اختلاف حول التكييف القانوني للأفعال الجرمية… أو متى وقع الخلاف حول ما إذا كانت الوقائع المنسوبة إلى المدعى عليه تشكّل جريمة جزائية أم لا… وفي المقابل لا يتوفّر الشرط الخاص متى اقتصر الاختلاف على تحديد دور المدعى عليه في الجريمة (فاعل – شريك – متدخّل…) أو متى اقتصر الاختلاف على تقييم الأدلّة المساقة ضدّ المدعى عليه…
ثانيًا: أسباب التمييز.
خصّص المشترع في القانون 2001/328 فصلًا مستقّلًا لأسباب التمييز بالنسبة لكلّ من الأحكام الجنائية والقرارات الاستئنافية الجزائية وقرارات الهيئة الاتهامية (المواد 296 وما يليها أ.م.ج.).
وتتسم هذه الأسباب بأنّها تتعلّق فقط بالنواحي القانونية في الحكم أو القرار المطعون فيه في ما يختص بدعوى الحقّ العام، ولا تمتّ بصلة إلى النواحي الأخرى ذات العلاقة بالوقائع أو بالأدلّة، التي يستقلّ في تقديرها قضاة الأساس، دونما رقابة عليهم من قبل محكمة التمييز في هذا المجال.
لكن يبقى لمحكمة التمييز أن تراقب التكييف القانوني لتلك الوقائع الذي اعتمده قضاة الأساس، وأن تسهر على عدم تشويه تلك الوقائع أو الأدلّة، بتحريفها أو باستخلاص نتائج منها لا تتوافق مع مضمونها الواضح، أو مع المجرى الطبيعي للأمور.
وقد اعتبر الاجتهاد اللبناني في هذا المجال:
– أنّه لا يمكن مساءلة محكمة الجنايات عن أخطاء ارتكبت قبل المحاكمة الجنائية (قرار محكمة التمييز- الغرفة السادسة تاريخ 1997/3/2 و 1997/11/18).
– أنّه لا يجوز الإدلاء أمام محكمة التمييز بأسباب جديدة مستمدّة من عناصر لم يسبق عرضها على قضاة الأساس أو غير ناتجة عن أحكامهم أو عن مجريات المحاكمة لديهم (قرار محكمة التمييز– الغرفة السادسة تاريخ 1997/7/25).
– بيد أنّه يمكن الإدلاء بأسباب جديدة إذا كانت تتعلّق بالتنظيم القضائي أو بالانتظام العام، مثل مبدأ فصل السلطات، أو الصلاحية، أو القضية المحكوم فيها، أو مرور الزمن، أو العفو العام… وهي أسباب يجب إثارتها عفوًا.
وسوف نعرض هذه الأسباب بصورة مختصرة، مع الملاحظة أنّ عدم الإدلاء بأسباب النقض في طلب التمييز يفضي إلى ردّ هذا الطلب شكلًا، ولا يحقّ لمحكمة التمييز الجزائية أن تثير عفوًا أيًّا من أسباب التمييز… ولو كان يتعلّق بالانتظام العام.
1- أسباب تمييز الأحكام الصادرة عن محاكم الجنايات (المادة 296 أ.م.ج.).
أ – صدور الحكم عن هيئة لم تشكّل وفقا لأحكام القانون:
تتوفّر هذه الحالة عندما تكون هيئة المحكمة غير مكتملة؛ أو متى كان لا يحقّ لأحد القضاة الأعضاء أن يشترك في تشكيل هيئة المحكمة الناظرة في الدعوى، لأنّه سبق له أن ادعى فيها كممثّل للنيابة العامة أو حقّق فيها كقاضي تحقيق… أو أن يتوافر فيه سبب من الأسباب التي توجب الردّ أو التنحّي المحدّدة في المادة 120 وما يليها أصول مدنية.
ب- مخالفة القانون أو الخطأ في تفسيره أو في تطبيقه:
إنّ مخالفة القانون تعني الذهول عن القانون بعدم تطبيقه حيث كان ذلك واجبًا، أو تشويه مضمون القاعدة القانونية والحكم بعكس ما تنصّ عليه… سواء لجهة شروط توافر عناصر الجريمة أم لجهة شروط المسؤولية أو شرعية العقوبة… فضلًا عن أيّ موجب يفرضه القانون في مراحل التحقيق والمحاكمة (كإجراء الاستجواب التمهيدي على حدة قبل المحاكمة الجنائية أو تبليغ المتهم قرار الاتهام وقائمة شهود الحقّ العام…).
أمّا الخطأ في تفسير القانون وفي تطبيقه، فيتوافر عندما ينتحي الحكم منحى مغايرًا لمضمون النصّ القانوني، سواء لجهة الألفاظ والمعاني والصياغة اللغوية، أم لجهة موقع النصّ التشريعي في التبويب الذي اعتمده المشترع في القانون موضوع البحث، بحيث يعطى النصّ التشريعي معنى مغايرًا للغاية المتوخّاة منه ولإرادة المشترع، في ضوء أصول تفسير النصوص التشريعية الجزائية والمبادئ القانونية العامة.
ج – مخالفة قواعد الاختصاص:
ويشمل ذلك الاختصاص النوعي، أو الشخصي، أو المكاني للمحاكم الجزائية…
د – إغفال الأصول المفروضة تحت طائلة الإبطال، أو الإخلال بالقواعد الجوهرية في المحاكمة:
وتندرج في هذا السياق الشروط المفروضة لصحّة المحاضر والقرارات القضائية، ولا سيّما لجهة التوقيع عليها… وإجراءات التحقيق والمحاكمة، من قبيل سماع شاهد دون تحليفه اليمين القانونية… أو عدم احترام حقوق الدفاع، وبخاصة لجهة حقّ الإستعانة بمحام … أو عدم احترام مبادئ الوجاهية والشفوية والعلنية في المحاكمة… أو إجراء المحاكمة بمعزل عن حضور مندوب عن الاتحاد لحماية الأحداث في الدعاوى التي فيها مدعى عليه قاصر…
هـ – الحكم بفعل جرمي لم يتناوله قرار الاتهام أو في حقّ شخص لم يتهم فيه:
إنّ محاكم الأساس مقيّدة بالوقائع الجرمية المدعى بها وبالأشخاص المدعى عليهم والمحالين إلى المحاكمة أمامها. وفي هذا المضمار، يشكّل قرار الاتهام الإطار القانوني الملزم لمحكمة الجنايات، بالنسبة للوقائع التي تثبت منها وللأشخاص المتهمين،
أو الذين جرى الظنّ فيهم لكون الجنح المنسوبة إليهم متلازمة مع جنايات.
ومحكمة الجنايات غير مقيّدة بالوصف القانوني المعطى للوقائع(المادة 233 أ.م.ج.)…، ولا هي ملزمة بقبول الأدلّة التي اعتمدتها الهيئة الاتهامية للاتهام، متى لم تحز هذه الأدلّة على قناعتها (عملًا بمبدأ حرّية الإثبات وقناعة القاضي الشخصية المكرّس في المادة 179 أ.م.ج.)
بيد أنّها لا تستطيع تجاوز إطار الوقائع الجرمية ولا أشخاص المدعى عليهم (المادة 233 أ.م.ج.). فإذا تبيّن لها أنّ ثمّة جرائم لم تلاحق، أو أشخاصًا لم يتهموا رغم كونهم مساهمين في الجرائم المدعى بها أمامها، فيجب عليها إحالة الملفّ إلى النيابة العامة الاستئنافية للنظر في أمر ملاحقة تلك الأفعال، أو أولئك الأشخاص أصولًا.
و – عدم البتّ في دفع أو سبب أو دفاع أو طلب تقدّم به أحد فرقاء الدعوى، أو الحكم بأكثر ممّا طلب:
إنّ احترام حقوق الدفاع المتعلّقة بالانتظام العام يوجب على محكمة الجنايات أن تعرض في الحكم كلّ إدلاءات فرقاء النزاع ومطالبهم، ولا سيّما المتهمين منهم، بما في ذلك مرافعات الدفاع، وملخّصًا عن المذكّرات التي يقدّمها فرقاء الدعوى… وأن تعالج المسائل القانونية التي تثيرها هذه الإدلاءات والمطالب، ومن ثمّ، أن تفصل فيها سلبًا أو إيجابًا، دون أن تكون ملزمة بالاستجابة لها وقبولها.
كما أنّه من الراهن أنّ محاكم الأساس تعتبر مقيّدة بنطاق مطالب الجهة المدعية التي تشكّل سقفًا لصلاحيتها في ما يختص بالإلزامات المدنية موضوع دعوى الحقّ الشخصي المقامة تبعًا لدعوى الحقّ العام. فلا يجوز الحكم للمدعي الشخصي بما لم يطلب، أو بأكثر ممّا طلب في دعواه. مع التذكير بأنّ القانون يجيز للقاضي الجزائي أن يحكم عفوًا بالردّ، أيّ بإعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل الجريمة، ولو لم يطالب المدعي بذلك (المادة 130 ق.ع.).
ز – عدم تعليل الحكم أو التناقض بين تعليله وبين الفقرة الحكمية، أو التناقض في الفقرة الحكمية ذاتها:
إنّ تعليل الحكم يفترض إيراد المبرّرات القانونية والواقعية والمنطقية التي توضح الحلّ الذي اعتمده الحكم، وتفسّر سبب اختيار النتيجة التي آل إليها، هو واجب فرضه المشترع، وغايته تمكين المحكمة العليا من ممارسة رقابتها على محاكم الأساس، من جهة، وتأمين الشفافية والوضوح لفرقاء النزاع بحيث يكونون على بيّنة من الأسباب الموجبة لما قضى به الحكم، من جهة ثانية.
ويعتبر الاجتهاد أنّ النقص في التعليل، أو التناقض بين بنود التعليل، أو بين التعليل وبين النتيجة المعتمدة، هو بمثابة انتفاء التعليل، ويشكّل بالتالي سببًا للنقض، إذ يتعذّر عندئذٍ التثبّت ممّا إذا كان قضاة الأساس قد قاموا بواجبهم لجهة دراسة معطيات الدعوى ومستنداتها، ومعالجة كلّ المسائل القانونية المطروحة فيها…
ح – تشويه الوقائع، أو المضمون الواضح للمستندات المبرزة في ملفّ الدعوى:
يعتبر تشويهًا للوقائع إغفال الحكم المطلوب نقضه ذكر وقائع أساسية ومؤثّرة في توافر العناصر الجرمية أو شروط المسؤولية الجزائية أو الأدلة والقرائن على هذه أو تلك. وكذلك متى جرى تحريف مضمون الوقائع الثابتة وغير المنازع فيها المستخلصة من أوراق الدعوى ومستنداتها ومحاضر تحقيقاتها، بحيث تعطى معان ومضامين مغايرة لما تحتويه أو تعبّر عنه من معطيات واضحة… وتندرج ضمن هذا السياق حالة اختلاق وقائع لا وجود لها في ملفّ الدعوى ومستنداتها أو في محاضر التحقيق فيها…
ط – فقدان الأساس القانوني:
إنّ الإدلاء بفقدان الحكم للأساس القانوني يعني أنّ الوصف القانوني الذي أضفاه الحكم المطلوب نقضه على الوقائع الجرمية لا يتناسب وماهية هذه الوقائع، باعتبارها تكوّن العنصر القانوني للجريمة المنسوبة إلى المتهم والتي تشكّل سبب دعوى الحقّ العام.
وقد يعني ذلك أيضًا أنّه يتعذّر بيان السند القانوني الذي بني الحكم عليه، ولا سيّما الفقرة الحكمية، لكون عرض الوقائع في الحكم المطعون فيه قد جاء مبهمًا وغامضًا أو مجتزأ، لا يبرّر الحلّ المعتمد، ولا يسمح بمراقبة صحّة تطبيق محكمة الأساس القواعد القانونية التي اعتمدتها، ومدى انطباقها على الوقائع التي تثبّت منها الحكم المطعون فيه.
ي – الأحكام القاضية بالإعدام:
إنّ مجرّد صدور حكم بالإعدام بات يشكّل بحدّ ذاته سببًا للنقض، بمعزل عن أيّ اعتبار آخر. والغاية الواضحة من ذلك هي تأمين إعادة النظر في القضيّة من قبل هيئة محكمة ثانية أعلى درجة تكون مهمّتها التدقيق في الوقائع والأدلّة مجدّدًا توخّيًا لأكبر قدر ممكن من الدقّة والشفافية، وتصويبًا لأيّ خطأ أو نقص حاصلين، وتجنّبًا لأيّ غلط قضائي محتمل، نظرًا لخطورة العقوبة المحكوم بها ولنهائيتها، إذ لا يعود بعد تنفيذها ثمّة مجال لاستدراك أيّ غلط أو شائبة في التحقيق أو في المحاكمة…
– الحالة التي نصّت عليها المادة 301 أ.م.ج.
وردت هذه المادة في الفصل الثاني المتعلّق بأسباب تمييز الأحكام الصادرة في قضايا الجنايات، ضمن الباب الرابع من قانون أصول المحاكمات الجزائية الخاص بالتمييز. وقد نصّت على ما يلي:
” للمدعي الشخصي أن يطعن بما قضى به الحكم من تعويضات شخصية تقلّ عمّا طلبه.”
وذلك بعدما خوّلت المادة 298 كلًّا من النيابة العامة والمحكوم عليه طلب نقض الحكم لسبب أو أكثر من أسباب التمييز الواردة في المادة 296 من هذا القانون، والملاحظ أنّها كلّها تتعلّق بدعوى الحقّ العام كما سبق بيانه.
ويلاحظ أيضًا أنّه لم يرد نصّ مماثل في الفصل المتعلّق بأسباب تمييز القرارات الصادرة عن محكمة الاستئناف الجزائية.
ومن الراهن أنّ قضايا الجنح تكون المحاكمة فيها على درجتين، بداية (قاض منفرد) واستئناف، بحيث يتسنّى للفرقاء، ولا سيّما المدعي، التظلّم من الحكم أمام مرجع قضائي أعلى… في حين أنّ محاكم الجنايات تصدر أحكامها مبدئيًا بالدرجة الأولى والأخيرة وليس ثمّة وسيلة طعن عادية فيها.
وبناء على مجمل المعطيات المنوّه عنها آنفًا، يقتضي تفسير نصّ المادة 301 أ.م.ج. وتطبيقها على أنّها سبب تمييز مستقلّ خاص بالمدعي، ويعمل به عندما تحكم له محكمة الجنايات بتعويضات وعطل وضرر أقلّ قيمة من المبلغ الذي كان قد طالب به خلال المحاكمة، فيتسنّى له بذلك إعادة عرض دعواه المدنية على مرجع قضائي آخر أعلى، بحيث يُحترم بهذه الوسيلة مبدأ التقاضي على درجتين، وبالتالي يجب أن يقبل أساسًا لهذا السبب وحده طلب النقض الذي يتقدّم به المدعي، في حال توفر الشروط الشكلية القانونية التي تجيز قبول الاستدعاء شكلًا.
إنّ هذه الوجهة اعتمدتها وطبّقتها الغرفة السادسة الجزائية في محكمة التمييز.
2 – أسباب تمييز قرارات محاكم الاستئناف الجزائية (المادة 302 إلى 304 أ.م.ج.):
إنّ الأسباب المعدّدة في المادة 296 أ.م.ج. والمذكورة أعلاه، هي ذاتها المعتمدة مبدئيًا لطلب تمييز القرارات الجزائية (ما خلا سبب الإعدام بطبيعة الحال…) على أن يتوافر شرط اختلاف الوصف القانوني بين قضاة الدرجة الأولى وبين قضاة الدرجة الثانية، كما سبق بيانه، ما عدا بالنسبة للأسباب التالية:
1. صدور القرار عن هيئة لم تشكّل بصورة موافقة للقانون.
2. القرارات المتعلّقة بالصلاحية.
3. القرارات المتعلّقة بسقوط دعوى الحقّ العام بمرور الزمن، أو بالعفو العام، أو بالامتناع عن الادعاء في القضيّة المحكوم فيها.
ولا يحقّ لمن يطعن في قرار استئنافي أن يدلي بأسباب تخرج عن مضمون القرار المذكور أو عن نطاق المحاكمة التي أفضت إلى صدوره (المادة 304 أ.م.ج.).
وقد حصر المشترع في النيابة العامة صلاحية طلب تمييز القرار الاستئنافي المتعلّق بجريمة من نوع المخالفة، وذلك لطلب اعتبارها ذات وصف جنحي وليست مخالفة (المادة 303 أ.م.ج.).
3 – أسباب تمييز قرارات الهيئة الاتهامية النهائية (المادة 306 أ.م.ج.):
– أسباب النقض العادية التي لا توجب أن يرافقها الشرط الخاص:
1. صدور القرار عن هيئة لم تشكّل وفقًا للأصول القانونية.
2. القرارات المتعلّقة بالصلاحية.
3. القرارات المتعلّقة بسقوط دعوى الحقّ العام بمرور الزمن، أو بالعفو العام، أو بامتناع الادعاء لقوّة القضية المحكوم فيها.
– أسباب التمييز الواجب أن يرافقها الشرط الخاص باختلاف الوصف بين قاضي التحقيق وبين الهيئة الاتهامية:
1. مخالفة القانون، أو الخطأ في تفسيره أو في تطبيقه.
2. إغفال الأصول المفروضة تحت طائلة الإبطال أو الإخلال بالقواعد الجوهرية في التحقيق.
3. تشويه الوقائع، أو المضمون الواضح للمستندات المبرزة في ملفّ الدعوى.
4. عدم البتّ في دفع أو في سبب من أسباب الدفاع أو في طلب تقدّم به أحد الفرقاء في الدعوى.
5. فقدان الأساس القانوني، أو النقص في التعليل.
(مع الإشارة إلى أنّ مضمون هذه الأسباب هو عينه ما سبق بيانه بالنسبة لتمييز الحكم الجنائي)
– أسباب التمييز المستقلّة المنصوص عليها في المادة 307 أ.م.ج.:
أجاز المشترع، بمعزل عن أسباب التمييز السابق عرضها أعلاه، الطعن تمييزًا في:
قرار الاتهام القاضي بعدم قبول دعوى الحقّ الشخصي لانتفاء صفة المدعي للإدعاء. (المادة 307/ بند (أ) أ.م.ج.).
القرارات القاضية بمنع المحاكمة عن المدعى عليه (المادة 307/بند (ب) أ.م.ج.)
بيد أنّ هذا لا يعني إعفاء طلبات التمييز في هذا المجال من أيّ شروط، إذ يبقى من الضروري توافر الشروط الشكلية، بما فيه الشرط الخاص المنوّه عنه سابقًا. كما لا بدّ لمستدعي التمييز من أن يذكر في طلبه الأسباب التي حدت به إلى تقديم الطعن، دون أن تكون بالضرورة من الأسباب التي نصّت عليها المادة 306 أ.م.ج.
غير أنّه لا بدّ من الإشارة إلى أنّ بعض الاجتهاد قال بعكس ذلك، معتبرًا أنّ مجرّد تقديم استدعاء التمييز في الحالتين المنوّه عنهما أعلاه، وتوافر الشروط القانونية المطلوبة لقبوله شكلًا، يوجب فوًرا إعادة نشر الدعوى العامة والتصدّي لأساسها مجدّدًا دونما حاجة للإدلاء بأيّ سبب تمييز…
ثالثًا: إجراءات النظر في طلب التمييز:
ثمّة إجراءات تمهيدية تطبّق في مرحلة أولى على أثر تقديم طلب التمييز. ومن ثمّ، تدرس المحكمة الطلب وتتخذ القرار المناسب. وسوف نستعرض هذه المراحل.
1 – الإجراءات السابقة للبتّ في طلب التمييز:
– بعد تسجيل طلب التمييز في السجّل الخاص، يحقّ لكلّ فريق في الدعوى الاستحصال على صورة طبق الأصل عنه (المادة 3/319 أ.م.ج.).
– ولطالب التمييز أن يقدّم، خلال خمسة أيّام من انقضاء مهلة التمييز، مذكّرة يفصّل فيها أسباب التمييز التي أدلى بها، من دون أن يكون له الإدلاء بأسباب جديدة (المادة 1/319 أ.م.ج.).
– ويعتبر طالب النقض متخذًا محلّ إقامة مختارًا في مكتب وكيله. وكلّ تبليغ يجري في هذا المكتب يكون منتجًا لمفاعيله إذا تمّ وفقًا للأصول (المادة 2/319 أ.م.ج.).
– ويبلّغ المميّز ضدّه صورة عن طلب التمييز مع مربوطاته، وصورة عن المذكّرة التوضيحية في حال وجودها، خلال 3 أيّام من تاريخ تقديم كلّ منهما؛ ويعطى مهلة عشرة أيّام من تاريخ التبليغ لكي يجيب على طلب التمييز ويبدي ملاحظاته وطلباته (المادة 320 أ.م.ج.)
2- مفاعيل التمييز ونتائجه (المادة 321 إلى325 أ.م.ج.)
تدقّق محكمة التمييز في ملفّ الدعوى وفي طلب التمييز، وتتثبّت أوّلًا ممّا إذا كانت كلّ الشروط الشكلية متوافرة فيه. فإذا انتفى أحدها، تصدر قرارًا في غرفة المذاكرة بردّ طلب التمييز شكلًا.
أمّا في حال ثبوت توافر كلّ الشروط الشكلية فتقرّر المحكمة قبول طلب التمييز شكلًا وفي الأساس، تبحث في أسباب الطعن الواردة فيه وتصدر القرار المناسب، مع مراعاة القواعد التالية:
– لجهة المفعول المعلّق:
من حيث المبدأ: لا يوقف طلب التمييز تنفيذ الحكم أو القرار المطعون فيه ما لم تقرّر محكمة التمييز وقف التنفيذ. علمًا بأنّ المادة 3/311 أ.م.ج. قد أوجبت على المحكمة أن تتحقّق ممّا إذا كان في القرار أو الحكم المطعون فيه سبب يبرّر وقف السير في التحقيق أو في المحاكمة، و أن تتخذ قرارًا بذلك.
ولا يجوز لمحكمة التمييز أن تقرّر وقف تنفيذ قرار قضى بعقوبة جنحية أو بمخالفة، إلّا إذا نقضت القرار المذكور (المادة 305 أ.م.ج.).
كما لا يجوز لمحكمة التمييز أن تخلي سبيل طالب التمييز الموقوف والمحكوم عليه بعقوبة جنائية، قبل أن تنقض الحكم المطعون فيه (المادة 299 أ.م.ج.).
– لجهة مدى المفعول الناشر لطلب النقض:
إنّ استدعاء التمييز الذي تتقدّم به النيابات العامة ينشر أمام محكمة التمييز دعوى الحقّ العام، كما سبق بيانه.
في حين أنّ طلب التمييز الذي يقدّمه المدعي الشخصي وحده، يفضي إلى نشر الدعوى المدنية فقط أمام المحكمة، فلا يجوز لها في هذه الحالة أن تخفّض قيمة التعويضات المقضي بها في الحكم أو القرار المطعون فيه (المادة 322 أ.م.ج.).
وإذا كان طالب التمييز هو أحد المحكوم عليهم دون باقي الفرقاء، فلا يجوز لمحكمة التمييز أن تشدّد العقوبة المنزلة به، ولا أن ترفع من قيمة التعويضات المحكوم عليه بدفعها (المادة 314 أ.م.ج.).
وإذا ورد طلب النقض من أحد المدعى عليهم في الجريمة الواحدة، وقبلت محكمة التمييز طعنه في الشكل وفي الأساس، ثمّ اعتبرت أنّ عناصر الجريمة في الفعل الذي قضى به الحكم المطعون فيه غير متوافرة، فيستفيد سائر المحكوم عليهم من نتيجة نقض الحكم المنوّه عنه.
وعلى النيابة العامة التمييزية في هذه الحال أن تستردّ خلاصة الحكم الصادر في حقّ كلّ من هؤلاء (المادة 232 أ.م.ج.).
3 – إجراءات المحاكمة أمام محكمة التمييز:
إنّ قرار نقض الحكم بناء على طعن من النيابة العامة أو من المحكوم عليه، يفضي إلى نشر دعوى الحقّ العام أمام محكمة التمييز، التي تتبع في المحاكمة الأصول المعمول بها لدى المحكمة التي كانت قد أصدرت الحكم الذي تقرّر نقضه (المادة 321 أ.م.ج.)
وإذا كان الحكم المنوّه عنه صادرًا عن محكمة الجنايات وقاضيًا ببراءة المتهم
أو بإبطال التعقّبات بحقّه أو بعدم مسؤوليته، فلا يحاكم المتهم موقوفًا أمام محكمة التمييز، التي تكون بعد النقض قد حلّت محلّ محكمة الجنايات. ولكن يبقى للمحكمة أن تقرّر توقيفه بقرار معلّل. وعندئذٍ يتوجّب عليها هنا مراعاة المدّة القصوى للتوقيف الاحتياطي في الجنايات المنصوص عليها في المادة 108 أ.م.ج. (المادة 298 أ.م.ج.).
أمّا في حال كان الحكم الجنائي المنقوض قد جرّم المتهم أو أدانه، والنيابة العامة هي من استدعى نقض الحكم، فيحاكم المتهم موقوفًا، مع مراعاة أحكام المادة 108 أ.م.ج. (المادة 298 أ.م.ج.).
وبعد نقض القرار أو الحكم المطعون فيه، تطبّق المحكمة نصّ المادتين 276 و277 أ.م.ج. في حال توافر شروطهما (المادة 324 أ.ج.)؛
– مع التذكير بأنّ المادة 276 توجب إطلاق سراح المتهم الموقوف في حال الحكم ببراءته أو بكفّ التعقبات عنه؛ كما أنّها تحدّد كيفية ملاحقته في حال تبيّن أنّه ارتكب جناية أو جنحة لم يرد ذكرهما في قرار الاتهام؛ وتنصّ على وجوب إحالة الملفّ إلى النيابة العامة لملاحقة من تبيّن أنّه ارتكب الجريمة التي استندت خطأ إلى المتهم الذي برئت ساحته.
في حين أنّ المادة 277 تتعلّق بالحكم بتعويض للمتهم الذي صدر حكم قضى ببراءته أو بكفّ التعقبات عنه، عندما يكون المدعي الشخصي قد تجاوز في استعمال حقّ الادعاء –
وإذا قرّرت محكمة التمييز ردّ الطعن، فتقضي بإبرام الحكم أو القرار المطعون فيه وتصادر قيمة التأمين التمييزي البالغة مائتي ألف ل.ل.، إيرادًا للخزينة العامة (المادة 321/2 أ.م.ج.). علمًا بأنّ قيمة التأمين التمييزي تردّ إلى طالب التمييز في حال قبول طلبه؛ أو في حال رجوعه عن هذا الطلب قبل البتّ فيه (المادة 319/4 أ.م.ج.).
ويحقّ لمحكمة التمييز أن تقرّر عندئذ تغريم طالب النقض في حال ثبت لها أنّه أساء استعمال حقّه في التقاضي. وتتراوح قيمة الغرامة بين مائة ألف ل.ل. وخمسمائة ألف ل.ل. بالنسبة لطلب تمييز قرارات الهيئة الاتهامية (المادة 309 أ.م.ج.)، وبين مائتي ألف ل.ل. ومليون ل.ل. بالنسبة لباقي طلبات التمييز (المادة 321 فقرة أخيرة أ.م.ج.).
4 – نهائية القرار التمييزي:
تفصل محكمة التمييز في طلب التمييز على النحو المذكور آنفًا، فإذا قبلت الطلب شكلًا وأساسًا، تحكم بالمقتضى القانوني.
وفي حال ردّت محكمة التمييز طلب النقض، سواء في الشكل أو في الأساس بعد قبوله شكلًا، ينظّم كاتب المحكمة خلاصة عن قرارها، فيوقّعها رئيس المحكمة ويحيلها، خلال 3 أيّام من صدور القرار، إلى النيابة العامة التمييزية التي تودعها النيابة العامة الاستئنافية لدى المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه من أجل تنفيذها (المادة 325 أ.م.ج.).
ومع مراعاة الأحكام المتعلّقة بإعادة المحاكمة، وتلك المتعلّقة بمداعاة الدولة بشأن المسؤولية الناجمة عن أعمال القضاة العدليين، وهي المنصوص عليها في المادة 741 وما يليها من قانون أصول المحاكمات المدنية، تكون قرارات محكمة التمييز مبرمة فلا تقبل أيّ طريق من طرق المراجعة (المادة 326 أ.م.ج.).
رابعًا: النقض لمصلحة القانون (المادة 327 أ.م.ج.)
عندما يصدر حكم عن محكمة الجنايات، أو قرار عن محكمة الاستئناف الجزائية، ويكتسب الصفة القطعية لعدم الطعن فيه تمييزًا خلال المهلة القانونية، ويكون مشوبًا بخطأ في القانون، من شأنه في حال تكريسه أن يشكّل سابقة قد تفضي إلى الإضرار بروح العدالة، يعود للنائب العام التمييزي، إمّا عفوًا، أو بناء على طلب من وزير العدل، وخلال مهلة سنة من صدور الحكم أو القرار المنوّه عنه، أن يطلب نقضه لمنفعة القانون.
وإذا قرّرت محكمة التمييز نقض القرار أو الحكم المطعون فيه وإبطاله، فيستفيد المحكوم عليه من هذا الإبطال دون أن يتضرّر منه.
وفي جميع الأحوال، يبقى الحكم قائمًا بالنسبة للمدعي الشخصي.
• إعادة المحاكمة:
إنّ طلب إعادة المحاكمة مراجعة غير عادية تهدف إلى إعادة النظر في حكم أو قرار مبرم في قضيّة جنائية أو جنحية، لأنّه ظهرت بعد صدوره أسباب جديدة، لم تكن متوافرة أو معروفة خلال المحاكمات السابقة، من شأنها أن تغيّر جذريًا الوجهة التي اعتمدها الحكم أو القرار المنوّه عنه، والذي من شأن الإبقاء عليه كما هو أن يلحق ظلمًا بالمحكوم عليه.
وكما سبق بيانه، إنّ محكمة التمييز الجزائية هي المرجع المختصّ للنظر في طلبات إعادة المحاكمة (المادة 1/328 أ.م.ج.). وفي ما يلي شروط تقديم الطلب وإجراءات إعادة المحاكمة ومفاعيلها.
أوًلّا – شروط تقديم طلب إعادة المحاكمة:
1) أسباب إعادة المحاكمة: (المادة 328 أ.م.ج.).
حدّدت المادة 328 أ.م.ج. المعدّلة بالقانون رقم 2005/711 أربع حالات يجوز في إذا توافر إحدها، طلب إعادة المحاكمة في القضايا الجنائية والجنحية:
السبب الأوّل:
إذا حكم على شخص بجريمة قتل وظهرت بعد ذلك أدلة كافية على أنّ المجني عليه المدعى قتله ما زال حيًّا.
إنّ هذه الحالة من الصعب أن تتوفر، وبخاصة أنّه من النادر أن يتهم شخص بجناية قتل فيما جسم الجريمة، أيّ جثّة المجني عليه المغدور، سواء أكانت كاملة أم وجد فقط بعض أعضائها، مجهولة المكان؛
السبب الثاني:
إذا حكم على شخص بجناية أو بجنحة، ثمّ حكم في ما بعد على شخص آخر بالجرم ذاته وبالصفة نفسها، شرط أن ينتج عن ذلك دليل على براءة أحد المحكوم عليهما. ويشترط في هذه الحالة أن يكون الحكمان مستقلّين وأن يتعلّقا بوقائع جرمية واحدة، وأن ينشأ بينهما تناقض لجهة مدى ثبوت مسؤولية المحكوم عليه في كلّ منهما.
السبب الثالث:
إذا حكم على شخص بالاستناد إلى إفادة شاهد، ثبت في ما بعد بحكم مبرم أنّها كاذبة.
والمقصود هنا هو أن يصدر حكم نهائي بإدانة أو تجريم شاهد الإثبات المذكور بجريمة شهادة الزور المنصوص عليها في المادة 408 ق.ع.
السبب الرابع:
إذا وقع، أو ظهر بعد الحكم فعل جديد، أو ظهرت مستندات كانت مجهولة أثناء المحاكمة، وكان من شأنها أن تشكّل دليلًا على براءة المحكوم عليه.
هذا السبب هو في الواقع الأكثر شيوعًا واستخدامًا، إذ يتذرّع به معظم من يتقدّمون بطلبات إعادة المحاكمة. بيد أنّ الاجتهاد يتشدّد في وجوب توفر الشرطين المنوّه عنهما أعلاه، أيّ أن لا يكون في أوراق ملفّ الدعوى وتحقيقاتها أيّ ذكر للواقعة، أو للمستند المتذرّع به، وأن لا يكون أعضاء المحكمة مصدرة الحكم المطلوب إبطاله، ولا أيّ من فرقاء الدعوى، ولا سيّما طالب الإعادة، على علم بوجود الواقعة أو المستند، ولا أن يكون مفترضًا به معرفة السبب المدلى به في ضوء مهنته أو اختصاصه.
2) من له حقّ طلب إعادة المحاكمة:
يستفاد من نصّ المادة 329 وما يليها أ.م.ج.، وتحديدًا أسباب إعادة المحاكمة، أنّ الذين يحقّ لهم طلب إعادة المحاكمة هم:
1. المدعى عليه المحكوم عليه.
2. ممثّل المدعى عليه الشرعي، في حال كان قاصرًا أو ناقص الأهلية أو غائبًا وغيبته ثابتة بحكم قضائي.
3. أحد ورثة المحكوم عليه، أو أحد الموصى لهم، في حال وفاة المذكور.
3) شكل الطلب:
يقدّم طلب إعادة المحاكمة باستدعاء خطّي يوجّه إلى محكمة التمييز- الغرفة الجزائية، أو إلى المجلس العدلي، كلّ بحسب اختصاصه، بواسطة النائب العام التمييزي، خلال سنة اعتبارًا من اليوم الذي علم فيه بالسبب الموجب للإعادة، تحت طائلة ردّ الطلب.
ويجب أن يرفق بالطلب:
1) صورة طبق الأصل مصدّقة، معفاة من الرسم، عن الحكم المطعون فيه،
2) صورة عن الدليل الجديد، أو السبب المتذرّع به لطلب إعادة المحاكمة؛
3) صورة عن وكالة المحامي موقّع الطلب؛
4) إيصال مالي يثبت دفع التامين، وقيمته مائتا ألف ل.ل.
5) كما على طالب الإعادة تعجيل نفقات الدعوى حتّى بتّ طلبه. فيما الدولة تدفع النفقات اللاحقة (المادة 334 أ.م.ج.)
ثانيًا – إجراءات النظر في الطلب ونتائجه:
يحيل النائب العام التمييزي الطلب مرفقًا بمطالعته إلى محكمة التمييز الجزائية المختصّة – وفقًا لقرار توزيع الأعمال – خلال مدّة أسبوع، وهي مهلة إدارية.
تدقّق المحكمة في توافر الشروط الشكلية، ومن ثمّ، تبحث في أساس الدعوى. ولها أن تجري تحقيقًا إضافيًا إذا لزم الأمر (المادة 330 أ.م.ج.).
وإذا كانت الشروط الشكلية غير متوفّرة أو كان السبب المتذرّع به غير حري بالقبول… تقرّر ردّ الطلب شكلًا ومصادرة التأمين إيرادًا للخزينة وتضمين المستدعي النفقات. كما لها أن تغرّمه إذا كان قد تعسّف في استخدام الحقّ في ما طلبه.
أمّا إذا كان السبب المدلى به حريًّا بالقبول، تقرّر إبطال الحكم أو القرار المطعون فيه، وتعيد النظر في الدعوى مجدّدًا، وفقًا للأصول المعمول بها من قبل المحكمة التي أبطل حكمها أو قرارها.
وفي حال الحكم مجدّدًا بإبطال التعقّبات بحقّ أحد المحكوم عليهم الأحياء بسبب زوال الصفة الجرمية عن الفعل المحكوم به، أو لكون المحكوم عليه معفيًا من العقاب، فيكتفى بهذا الإبطال.
أمّا في حال الحكم مجدّدًا بعدم المسؤولية، أو بإبطال التعقّبات لأنّ سبب البطلان يعود لانتفاء العناصر الجرمية للفعل سبب الملاحقة، أو لانتفاء الدليل أو لعدم كفايته، فيستفيد من هذه النتيجة طالب الإعادة وسائر المحكوم عليهم، متى تعدّدوا (المادة 331 أ.م.ج.).
وإذا كان المحكوم عليه متوفّيًا أو فاقد الأهلية، وقضت المحكمة بإبطال الحكم وبإعلان براءة المحكوم عليه، أو بإبطال التعقّبات في حقّه، فتقضي أيضًا بنشر الحكم على لوحة إعلاناتها وفي محلّ وقوع الجريمة وفي محلّ إقامة المحكوم عليه، وفي الجريدة الرسمية، وفي صحيفتين محلّيتين على نفقة الدولة (المادة 332 أ.م.ج.).
ويكون للحكم بالبراءة أو بإبطال التعقّبات مفعول رجعي بحيث يفضي إلى إلغاء كلّ مفاعيل الحكم السابق؛ مع الاحتفاظ بحقوق الثالثين متى كانوا حسني النيّة لدى اكتسابها (المادة 333/1 أ.م.ج.).
وللمحكمة أن تحكم بتعويض لطالب إعادة المحاكمة عن الضرر اللاحق به من جرّاء الحكم السابق في حال طالب بذلك. ويتمّ تقدير قيمة هذا التعويض وفقًا للقواعد المنصوص عليها في قانون الموجبات والعقود (المادة 333/ فقرة 2 و 4 أ.م.ج.).
وفي حال وفاة المحكوم عليه، ينتقل الحقّ في طلب التعويض إلى الورثة، أو الموصى لهم (المادة 3/333 أ.م.ج.).
وتتحمّل الدولة التعويض المحكوم به. ولها أن ترجع به على كلّ من كان السبب في صدور الحكم السابق (المادة 333/ فقرة أخيرة أ.م.ج.).
خاتمة:
إنّ طرق المراجعة وسائل أوجدتها القوانين لتمكين المتقاضين من ممارسة حقوقهم في الدفاع عن الذات كاملة من خلال طلب إعادة النظر في قضاياهم، رفعًا لظلم أو غبن قد يكون لحق بهم، أو تصحيحًا لخطأ ما قد يكون شاب الحكم الذي صدر في حقّهم. ولكن من الضروري ممارسة هذا الحقّ من دون تجاوز أو تعسّف، وضمن حدود حسن النيّة تحقيقًا للأهداف والغايات التي من أجلها وجدت هذه الوسائل، ذلك أنّه أيّ تجاوز في استعمال هذه الحقوق من شأنه تعريض المسؤول للغرامة، إمّا بموجب نصّ قانوني خاص (سبقت الإشارة إلى بعضها أعلاه)، أو بالاستناد إلى النصّ العام في قانون أصول المحاكمات المدنية (المادة 6 معطوفة على المادة 11 منه) فضلًا عن إمكانية الحكم بعطل وضرر للفريق الآخر بسبب الأضرار اللاحقة به والناجمة عن المماطلة والتأخير المتسبّب بهما من جرّاء الطعون غير الجدّية وغير القانونية متى طالب بذلك (المادة 10 معطوفة على المادتين 551 و 6 أصول محاكمات مدنية).
* القاضي جوزف سماحة رئيس غرفة في محكمة التمييز شرفًا، ودكتور في الحقوق، وأستاذ مادة القانون الجزائي في معهد الدروس القضائية، ومادة أصول المحاكمات الجزائية في جامعة القديس يوسف. وقد ألقى هذه المحاضرة القيّمة في “بيت المحامي” ضمن محاضرات التدرّج في نقابة المحامين في بيروت، ومهّد له بتعريف موجز رئيس المحاضرات عضو مجلس النقابة المحامي الدكتور الكسندر نجّار وذلك يوم الأربعاء الواقع فيه 12 تشرين الأوّل 2022.
“محكمة” – الجمعة في 2022/10/14