التوازن بين إجراءات الأمن وحقوق الإنسان/حبيب الشاويش
النقيب حبيب الشاويش:
في ظل التحديات الأمنية المتزايدة، تبرز قضية التوازن بين تطبيق الإجراءات الأمنية المشددة وحماية حقوق الإنسان كموضوع حساس ومعقد. يواجه القانونيون والمسؤولون عن إنفاذ القانون مهمة صعبة في تحقيق هذا التوازن لضمان استقرار المجتمع وحماية الحقوق الأساسية.
تؤكد الضابطة العدلية على ضرورة تطبيق إجراءات أمنية مشددة للحفاظ على الأمن ومنع التهديدات المحتملة. من وجهة نظرهم، تبرر الضرورات الأمنية تطبيق بعض القيود على الحريات الشخصية، بشرط أن تكون هذه الإجراءات متناسبة ومبررة قانونيًا. تُعتبر الأطر القانونية الصارمة والشفافة أساسية لضمان أن تكون التدابير الأمنية فعالة وعادلة، وتضمن المساءلة والشفافية.
من ناحية أخرى، يتمسك المواطنون بحقوقهم الشخصية ويرون أن الحرية الفردية هي حجر الزاوية في أي مجتمع ديمقراطي. يشعر الكثيرون بالقلق من أن الإجراءات الأمنية المشددة قد تنتهك خصوصياتهم وتقيّد حرياتهم دون مبرر كافٍ. يطالب المواطنون بضمانات قوية لحماية حقوقهم الأساسية في ظل التدابير الأمنية.
الإطار القانوني
يشكل الإطار القانوني أساسًا للتوازن بين حقوق الإنسان والاحتياجات الأمنية، ويشمل الدساتير الوطنية، والتشريعات، والأحكام القضائية، والقانون الدولي لحقوق الإنسان. يحدد الإطار القانوني القواعد التي يجب أن تلتزم بها التدابير الأمنية. يتضمن هذا الإطار مبادئ التناسب والضرورة والشرعية، حيث يتعين على أي إجراء أمني أن يكون مبررًا من وجهة نظر هدف شرعي كحماية الأمن العام، دون أن يكون مفرطًا أو غير ضروري. بالإضافة إلى ذلك، يشتمل الإطار القانوني على آليات للشفافية والمساءلة، حيث يجب أن تُنفذ التدابير الأمنية بطريقة مفتوحة ومسؤولة، مع الالتزام بالمعايير القانونية والقضائية المحددة. تعزز حماية الحقوق الأساسية الأخرى مثل الحياة والحرية والخصوصية من خلال هذا الإطار، مما يضمن أن التدابير الأمنية تتوافق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان. كما يوفر الإطار القانوني آليات للانتصاف، حيث يمكن للأفراد المتضررين اللجوء إلى القضاء للطعن في شرعية الإجراءات الأمنية والمطالبة بتعويضات في حال كانت غير مبررة أو غير قانونية.
تقدم الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان (ECHR) وأحكامها، إرشادات حول القيود القانونية باسم الأمن القومي للدول الأعضاء بمنظمة مجلس أوروبا. تم تبني الاتفاقية في عام 1950 ودخلت حيّز التنفيذ في 1953، وهي ملزمة للدول الأعضاء التي وقعت عليها. توفر أحكام الاتفاقية وتطبيقاتها إرشادات حول القيود القانونية التي يمكن فرضها باسم الأمن القومي. وتنص على ضرورة أن تكون أي قيود على الحقوق المدرجة فيها متناسبة ولازمة ومشروعة، حتى في حالات الطوارئ العامة أو التهديدات للأمن القومي.
المراقبة والخصوصية
تعتمد العمليات الأمنية الحديثة بشكل كبير على تقنيات وإجراءات المراقبة بالكاميرات CCTV، مما يثير تحديات كبيرة تتعلق بحقوق الخصوصية. يجب أن يكون هناك توازن بين المراقبة الفعالة وحماية الخصوصية الشخصية. يتعين على الحكومة التأكد من أن أنشطة المراقبة تكون مستهدفة ومعقولة وتخضع لمراجعة قضائية. تبرز النقاشات حول برامج المراقبة الجماعية الحاجة إلى توجيهات واضحة لجمع البيانات وتخزينها وتبادلها.
فالتوازن بين مراقبة الأمن وحماية الخصوصية يشكل تحديًا كبيرًا في السياق الحديث للأمن وحقوق الإنسان. فالمراقبة تعد أداة أساسية في عمليات الأمن الحديثة، حيث تستخدم التكنولوجيا المتقدمة لجمع وتحليل البيانات بهدف رصد الأنشطة المشبوهة ومنع الجرائم والهجمات الإرهابية. ومع ذلك، فإن استخدام هذه التقنيات يثير مخاوف بشأن انتهاكات الخصوصية الفردية وتعرضها للمراقبة غير المشروعة. لتحقيق التوازن بين مراقبة الأمن وحماية الخصوصية، يجب أن تكون التدابير الأمنية مستندة إلى إطار قانوني قوي وشفاف ينظم جمع البيانات، ويحدد الحدود القانونية والإجرائية لاستخدامها ومشاركتها. ينص القانون على أن تكون التدابير المتخذة متناسبة مع الأهداف المبررة كالحفاظ على الأمن العام، وأن تكون ضرورية لتحقيق هذه الأهداف.
بالإضافة إلى ذلك، يتطلب التوازن المثالي بين مراقبة الأمن وحقوق الإنسان وجود آليات فعالة للمراقبة والرقابة المستقلة، تضمن أن تتم المراقبة بطرق مشروعة وأن يتم التعامل مع البيانات بشكل شفاف ومسؤول. كما ينبغي أن تكون هناك آليات للمساءلة القانونية، تتيح للأفراد المتضررين فرصة للطعن في استخدامات غير مشروعة لبياناتهم والمطالبة بالتعويض عن الأضرار.
مكافحة الإرهاب
مكافحة الإرهاب تمثل تحديًا كبيرًا يتطلب تحقيق توازن دقيق بين اجراءات الأمن وحقوق الإنسان. يجب أن تتم هذه المكافحة وفقًا لإطار قانوني صارم يحدد القوانين والأنظمة التي تنظم استخدام القوة والتدابير الأمنية. هذا الإطار القانوني يضمن أن تكون الإجراءات المتخذة ضرورية ومتناسبة مع التهديدات الإرهابية، مع الالتزام بحقوق الأفراد دون أن تكون مفرطة أو تمييزية. تتضمن استراتيجيات مكافحة الإرهاب غالبًا أساليب عدوانية مثل جمع المعلومات الاستخبارية، والاعتقال، والمراقبة لمنع الهجمات الإرهابية. يفرض القانون الدولي لحقوق الإنسان أن تكون التدابير ضرورية، متناسبة، وغير تمييزية.
التعاون الدولي في مجال مكافحة الإرهاب يلعب أيضًا دورًا مهمًا في تحقيق التوازن بين الأمن وحقوق الإنسان، حيث يمكن من خلاله تبادل المعلومات الاستخباراتية والتعاون في التحقيقات بطريقة تحترم حقوق الإنسان والمعايير القانونية الدولية. هذا التعاون يساهم في تحسين القدرة على التصدي للتهديدات الإرهابية بفعالية دون المساس بالحقوق الأساسية للأفراد. تشمل الاستراتيجيات الفعالة فرض عقوبات مالية على الارهابيين، والتعاون الاستخباراتي، وبرامج مجتمعية لمنع التطرف. لضمان ذلك، تعتبر الرقابة القضائية والتشريعية ضرورية.
النساء في العمل الشرطي
المشاركة الفعّالة للنساء في العمل الشرطي تلعب دورًا أساسيًا في تحقيق التوازن بين اجراءات الأمن وحقوق الإنسان. فمن خلال التوجه نحو نهج حساس للجنس في تنفيذ السياسات الأمنية وتطبيق القانون، يمكن للنساء تقديم منظورات ومهارات فريدة تعزز الثقة وتعمل على تحقيق التواصل الفعّال مع المجتمعات المحلية، بما في ذلك الفئات المهمشة مثل النساء والأطفال.
تُقدم الأساليب الحساسة للجنس في مجال الأمن وإنفاذ القانون، مثل عمل النساء في الشرطة، وجهات نظر ومهارات فريدة مثل التواصل، والتعاطف، وتكتيكات التهدئة. يمكن للعناصر النسائية أن يعززن الثقة وإمكانية الوصول للمجموعات المهمشة، مثل النساء والأطفال. بالإضافة إلى ذلك، يعزز وجود النساء في القوى الأمنية الثقة بين المواطنين ويزيد من قبول الجمهور للإجراءات الأمنية التي يتم تنفيذها. هذا يساهم في تعزيز الأمن الشامل للمجتمع دون المساس بحقوقهم الأساسية.
مع ذلك، تواجه النساء في العمل الشرطي تحديات مثل التمييز، والتحرش، والعقبات في الترقية المهنية، الأمر الذي يستدعي سياسات داعمة لتعزيز توظيفهن والاحتفاظ بهن وتقدمهن في مؤسسات الشرطة. كما يجب أن تتضمن برامج التدريب للنساء مواضيع مثل العنف القائم على النوع الاجتماعي، والحساسية الثقافية، والاحتياجات الأمنية الخاصة للنساء والفتيات، لضمان استجابة فعّالة لاحتياجات المجتمعات المحلية المتنوعة.
الخلاصة
التوازن بين اجراءات الأمن وحقوق الإنسان يعتبر قضية حساسة ومعقدة تتعلق بضرورة تحقيق توازن بين الإجراءات الأمنية المطبقة من جهة، وبين حماية حقوق الإنسان وصون الحرية الشخصية من جهة أخرى. في ظل التحديات الأمنية المتزايدة في العالم الحديث، تتنوع الآراء حول هذا الموضوع، فالبعض يبرر الإجراءات الأمنية بسبب الضرورات العسكرية، والبعض يخاف من انتهاكات خصوصياتهم وتقييد حرياتهم.
برأيك، هل الإجراءات الأمنية في لبنان تنتهك حقوق الإنسان؟ وكيف يمكن تحقيق التوازن بين الأمن والحرية الشخصية؟
“محكمة” – الخميس في 2024/7/18