نشاطات

كسبار في تكريم محامين أمضوا خمسين سنة في المهنة: تنتمونَ إلى زمن كانت المناقبية هي الأساس

في جوّ من الإلفة والمحبّة، كرّمت نقابة المحامين في بيروت، المحامين الذين أمضوا خمسين سنة في ممارسة مهنة المحاماة، بحفل أقامته في “بيت المحامي، بحضور النقيب ناضر كسبار والنقباء السابقين عصام خوري وريمون عيد وشكيب قرطباوي وانطوان قليموس وأمل حداد وجورج جريج وانطونيو الهاشم وملحم خلف، ومدعي عام ديوان المحاسبة القاضي فوزي خميس، ورئيس هيئة التفتيش القضائي بالإنابة مالك صعيبي، ونقيبة المحامين في طرابلس ماري تريز القوّال، وأعضاء مجلسي نقابتي المحامين ولجنة صندوق التقاعد في بيروت وطرابلس والأعضاء السابقين.


إفتتح الإحتفال بكلمة أمين سرّ مجلس النقابة سعد الدين الخطيب، ثمّ تحدث النقيب كسبار وجرى تقليد الميداليات للمكرّمين الذين تكلّم باسمهم المحامي شكري أسعد الخوري.


وتضمّنت كلمة النقيب كسبار التالي:
بتاريخ 9 أيار 1974، وبرعاية فخامة رئيس الجمهورية سليمان فرنجية، أقامت نقابة المحامين في بيروت، بناء على اقتراح معالي النقيب وجدي ملاط ، حفلة تكريم على شرف محامين بلغوا نصف قرن في ممارسة المهنة، هم النقباء الياس نمور، أدمون كسبار، فؤاد رزق، نمر هبه، والأساتذة ادوار نون، فيليب ضرغام، والياس جهشان. وتكلم باسمهم النقيب كسبار.
وبتاريخ 1988/7/28 قرّر مجلس نقابة المحامين في بيروت برئاسة النقيب ريمون عيد، تكريم المحامين الذين مارسوا المهنة مدّة خمسين سنة وما فوق، على أن يعيّن موعد التكريم بعد انتهاء العطلة القضائية. وشكّل المجلس لجنة من الأساتذة سعد الدين الحوت، انطوان قليموس، صونيا ابراهيم عطية، انطوان الحايك، الياس حنا لإجراء الترتيبات اللازمة من أجل تنفيذ هذا القرار. (مجلّة العدل 1988- العدد 2).


محامون آمنوا بالرسالة السامية للمحاماة، وأعطوها من طموحهم وعلمهم ورصانتهم واستقامتهم وانكبابهم على الدرس والتمحيص. فبادلتهم الإخلاص.
محامون انتموا إلى نقابة المحامين، أمّ النقابات. وقفوا إلى جانبها ووقفت إلى جانبهم.
محامون درسوا الحقوق، وانتسبوا إلى النقابة وتدرّجوا وانطلقوا في قصور العدل. فتّشوا في الكتب، فانطبعت بصمات أصابعهم فيها. عقدوا الإجتماعات، كتبوا اللوائح والمذكّرات، ترافعوا أمام أقواس المحاكم. فرحوا بربح الدعاوى، وحزنوا لخسارة أخرى.
فهم الكتب الحيّة الذين يستند القضاة إلى كتاباتهم لدى كتابة الأحكام والقرارات.
وهم أصحاب الأخلاق والثقافة والعلم. والمترافعون دفاعاً عن المظلوم لئلا تهدر حقوقه. دفاع ثقيف، قوي، منطقي، عادل، ذو رؤية سليمة، ورؤيا هادفة، نافذة. وبهذا الدفاع ينتصر المحامي لصاحب الحقّ، يعيده إليه بطمأنينة وراحة ضمير.
أيّها المكرمون،
في اليوبيل الخمسيني الذهبي للنقابة، كتب الشاعر سعيد عقل ما يأتي:
ما الحقّ، أنت اشمخي كالنسر عبر مدى          نمّتك مدرسة شقّت هدى بهدى
منها الأُلى لقّنوا الدنيا كرامتها                        منك الألى القول هُمْ والآخرون صدى
نعم، نقابة المحامين التي تجمعنا كانت ولا تزال تضمّ أعظم وأنبل المحامين. هؤلاء المحامون الذين يحترمون نقابتهم ونقيبهم وأعضاء المجلس، لا يشبهون من يدورون يميناً وشمالاً على طريقة قول الرحابنة بلسان فلمون وهبه: نحن مع المبدأ. مثل ما بيبرم منبرم. فالمصالح الشخصية والطلبات الشخصية والحقد والنميمة ليست من شيم المحامين.
المحامون أيّها السادة، هم العباقرة. تحدّث يوليوس قيصر- القائد المتحضّر العريق في روما- عن معاصره ومواطنه شيشرون سيد المحاماة في زمانه وكل زمان فقال:
“أنّه فوق كلّ فتوحاتنا. بفضل مواهب عقله اتسعت لدينا صدور العبقرية حتّى تضاءلت دونها حدود جميع ممتلكاتنا”.
في حياة كلّ واحد منكم لون من ألوان هذا الوشي. فأنتم القدوة وأنتم الحكماء وأنتم القادة. ففي مملكة النحل يتجمّع أحسن ما في الزهر شهدًا، وعندما يحين موسم الجنى تتطلع النواظر بوفاء إلى كلّ كبير في الخلية وتشير الأحداق بامتنان إلى العسل المنشور.
يُروى عن أحد كبار الفاتحين أنّه هتف بالقادةِ عشيةَ الظفرِ في إحدى المعاركِ الكبرى:
” كفاكُم أن تذكروا بأنكم كُنتم في هذه المعركةِ حتّى يُقالَ عنكم أنّكم أبطال”.
إذا كانت معركةٌ واحدة كبرى تَكفَلُ البطولةَ لمن اشترك فيها، فكيف بالمحامين الأبطال الذين صمدوا خلال خمسين سنة في مهنة المتاعب والمصاعب، ولا يزالون صامدين كالنسور؟
أيّها المكرمون: منذ ساعتين، أرسل لي معالي النقيب عصام الخوري الكلمة الآتية:
“خمسون سنةً من ذَهبٍ ضاعتْ من عمري بين شروقٍ في المحاماةِ وغروب… كلّ سنة مرصّعة بثلاثة ماية وخمسة وستين يوماً ماسيّاً، لا شيءَ يعوّضها، ضاعت إلى الأبد … ما هَمّ؟! من أجل مَا ضاعت؟ من أجل مَن؟ من أجلِ الحقِّ ضاعت … من أجل الحريّةِ ضاعت … من أجل الإنسان.
ما ضاعت إذاً! وأقولُ فِدى لعين الحقِّ عيني … وفدىً لكرامة الإنسان عمري!
أيّها الأحبّة،
أنتم تنتمونَ إلى زمنٍ جميل حيث كانت المناقبيةُ هي الأساس. وكانت البحبوحةُ. أما اليوم فالفوضى عارمة، والإضراباتُ سيدةُ الموقف، وقلّةُ المسؤولية هي المسيطرة. ولكن لا تيأسوا. وسوف ينهض لبنان مثل طائر الفينيق. ونعيد بناءه بسواعدنا ليعود أجمل مما كان.
“محكمة” – السبت في 2022/10/29

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى