الحقّ في التجمّع السلمي قانوناً: من حقّنا التظاهر ودوركم حمايتنا/خلود الخطيب
المحامية الدكتورة خلود الخطيب*:
يحمي القانون الدولي حقوق الإنسان ويسعى لتعزيز احترامها، ولا يمكن الحديث عن إعمال فئة من الحقوق دون غيرها، ولا حماية أيّ حقّ من حقوق الإنسان دون ضمان احترام الحقّ في حرّية الرأي والتعبير، والحقّ في التجمّع السلمي، ضمن مبدأ تكاملية حقوق الإنسان وعدم قابليتها للتجزئة.
وعليه، فإنّه يستحيل حماية حقّ الإنسان في الحياة والأمان، وحّقه في العمل، وحقّه في المساواة أمام القانون، وحقّه في عدم التعرّض للتمييز وحظر التعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وجملة من الحقوق الأخرى، دون حماية حقّ الأفراد والجماعات في التعبير عن رفضهم لنظام حكم لا يحترم حقوقهم الأساسية، وتفعيل قدرتهم على محاربة الفساد وتكريس الحقّ بالوصول إلى المعلومات والمحاسبة.
إنّ مجموعة الحقوق المرتبطة بتحقيق الكرامة الانسانية ترتبط بشكل مباشر بحرّية الرأي والتعبير، وخاصة الحقّ في التجمّع السلمي، وتشكّل أدوات أساسية لتصويب أداء السلطة وتعزيز المواطنة والمشاركة السياسية للمواطنين. هذه الحقوق مصانة بموجب الشرعة الدولية لحقوق الإنسان ويعزّز الالتزام بها انضمام لبنان إلى العديد من الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، كما يحميها الدستور والقانون اللبناني.
هذا الالتزام يستوجب على الحكومة أن تضمن تعامل قوّات الأمن مع المتظاهرين بما يتوافق مع التزامات لبنان الدولية في ما يتعلّق بحقوق الإنسان، عبر حماية ممارسة الحقّ في التجمّع السلمي. وباعتبار لبنان طرفاً في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، فإنّه ملتزم باتخاذ كلّ التدابير الضرورية الهادفة لحماية حقّ المتظاهرين في التجمّع السلمي.
1- إلتزام لبنان القانوني بحماية الحقّ في التجمّع السلمي: يضمن الإطار القانوني الدولي والوطني المعمول به في لبنان، الحقّ في الحياة، الحقّ في الحرّية، سلامة الأشخاص، كذلك الحقّ في حرّية التعبير والتجمّع السلمي.
التجمّع السلمي هو حقّ أساسي من حقوق الإنسان يتمتّع بها جميع الأفراد والجماعات ولا يُمكن فصله عن الحرّيات العامة، وهو حقّ وجوهري لحماية مجتمع تعددّي. ويُشّكل الحقّ في حرّية التجمّع السلمي عنصراً جوهرياً من عناصر الديمقراطية، ولا يجوز أن توضع قيود على ممارسة هذا الحقّ إلاّ تلك التي تُفرض طبقاً للقانون على أن تشّكل تدابير ضرورية، لصيانة الأمن أو السلامة العامة، أو النظام، أو حماية الصحّة العامة، أو الآداب العامة، أو حماية حقوق الآخرين وحرّياتهم.
تنصّ المادة 20 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنّه “لكلّ شخص الحقّ في حرّية الاشتراك في الاجتماعات والجمعيات السلمية.” كما تضمن المادة 21 من العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الحقّ في التجمّع السلمي.
وهذه الحرّيات “كلّها مكفولة ضمن دائرة القانون” وفق ما نصّت عليه المادة 13 من الدستور اللبناني “حرّية إبداء الرأي قولًا وكتابةً وحرّية الطباعة، وحرّية تأليف الجمعيات”.
كما يستند حفظ الأمن إلى عدد من الصكوك الدولية ومنها: “مبادئ الأمم المتحدة لاستخدام القوّة والأسلحة النارية من جانب الموظّفين المُكلّفين بإنفاذ القانون”، و”مُدّونة قواعد السلوك للموظّفين المُكلّفين بإنفاذ القانون” الصادرة عن الأمم المتحدة.
هذا الإطار القانوني يوجب من الحكومة اللبنانية ليس فقط السماح بتيسير التجمّعات فحسب، بل بالتمكين من تنظيمها، مع اتخاذ كافة تدابير الحماية للمتظاهرين، واتخاذ خطوات ملموسة لمنع انتهاكات حقوق الإنسان خلال المظاهرات، وضمان المساءلة، وتيسير بيئة تمكينية لكافة الأفراد والجماعات لممارسة حقّهم في التجمّع السلمي وحرّية التعبير.
2- عمل الموظّفين المكلّفين بإنفاذ القانون أثناء التظاهرات: ترّتب الصكوك والآليات الدولية التزامات على الموظّفين المكلّفين بإنفاذ القانون واجب إحترام الحقوق، أيّ أن تمتنع عن التدخّل دون سبب مشروع (على سبيل المثال تقييد الحرّية، فضّ التظاهر السلمي) وواجب حماية الحقوق، أيّ أن تتخّذ تدابير تمنع انتهاكات حقوق الإنسان(الامتناع عن استخدام القوّة المفرطة). وهذا يعني عملياً أنّه على قوى الأمن أن تضمن التوازن بين الحفاظ على الأمن والحقّ في التجمّع أثناء التظاهر، فتتخّذ التدابير اللازمة للحفاظ على “الحق في التجمّع السلمي” بشكلٍ إيجابي أثناء المظاهرات وأن تراعي مبادئ “الضرورة والتناسب والقانونية المشروعية”.
*محامية وأستاذة القانون الدولي العام في الجامعة اللبنانية.
“محكمة” – الأربعاء في 2019/10/23