الحقّ في قطع الطرقات العامة مقابل الحقّ بالإنتقال/جاد طعمه
المحامي جاد طعمه:
دأب العديد ممن يعارضون سلوكاً سياسياً معيّناً أو سوء أداء السلطة، على الركون إلى التجّمع من أجل التظاهر تحت مظلّة مبدأ دستوري كرسّته الإتفاقات الدولية وهو الحقّ في حرّية الرأي والتعبير.
ونتيجة اعتماد السلطة سياسة صمّ الآذان، بات قطع الطرق أحد سمات التحرّكات المطلبية، من يعارضها يقول بأنّه مقابل الحقّ المبدئي في حرّية الرأي والتعبير، هناك حقّ أساسي آخر هو حقّ الإنتقال. ومعلوم أنّ حرّية الإنسان تنتهي عند حدود احترام حرّية الإنسان الآخر. فهل قطع الطرق جائز قانوناً، أم أنّ هناك غضاً للطرف من قبل السلطة على أداء المتجمهرين ممن يقطعون الطرق العامة؟ وهل ثمّة مفاضلة بين الحقّين في القانون؟
إنّ الطريق العمومي محمي بقوّة القانون والتشريعات الجزائية الداخلية للدول تجرّم الإعتداء على الطرقات العامة وقطعها. بالنسبة إلى قانون العقوبات اللبناني يجعل من مسألة قطع الطرقات العامة جرماً يعاقب عليه القانون كما سبباً لتشديد العقوبة.
لكن لإعتبار الفعل المادي بقطع الطريق جرماً معاقباً، لا بدّ من التمحيص في الركن المعنوي ومعرفة الغاية المرادة من قطع الطريق العام، فإن كان ذلك بهدف تسهيل اقتراف جرم أو بهدف الإضرار بالآخرين لمجرّد فعل الإضرار، فالجرم واقع لا محالة. وأمّا إن كانت الغاية منه الضغط على السلطة العامة لتحقيق مطالب إجتماعية أو سياسية، فتصبح هذه الطريقة الإحتجاجية بحمى القانون الدولي والتشريعات الدولية، ويصبح من غير القانوني على السلطة العامة فضّ الإجتماعات السلمية بالقوّة.
ولأنّ قطع الطرق العامة يشكّل إحدى الوسائل الضاغطة جدّاً على السلطات العامة والتي تكون تحت مراقبة الإعلام المحلّي والدولي، غالبا ما تلجأ السلطات إلى استفزاز المتجمهرين لتفقد التجمّعات صفتها السلمية، أو تعمد إلى إرسال جمهور آخر تغضّ الطرف عن تصرّفاته من أجل قمع المتجمهرين وفتح الطرقات بالقوّة.
إنّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يلتزم به لبنان في مقدّمة دستوره يضمن في المادة ١٣ منه حرّية التنقّل والتي تعني أساساً التنقّل بين الدول، لكن يمكن التوسّع في تفسيرها لتطال التنقّل على الطرقات العامة داخل البلد الواحد، فيما المادة ١٩ منه تؤكّد على حرّية الرأي والتعبير لتتقاطع بمضمونها مع نصّ المادة ٢٠ التي تصون الحقّ في حرّية التجّمع.
وقد صادق لبنان على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بحيث باتت أحكامه جزءاً من التشريعات الداخلية للدولة اللبنانية، بل وتسمو قواعده على كلّ نصّ مخالف في التشريع الوطني، وفي هذا العهد تكريس لمبدأ حرّية التنقّل في المادة ١٢ منه، كما تكريس لمبدأ حرّية الرأي والتعبير كحقّ أساسي في المادة ١٩ منه، مع وجود بعض القيود المتعلّقة باحترام حقوق الآخرين وسمعتهم كما حماية الأمن القومي والنظام والآداب العامة.
والجدير ذكره في هذا الصدد أنّ المقرّر الخاص لدى الأمم المتحدة المعني بحرّية التجمّع السلمي وتكوين الجمعيات، كان قد أشار في تقرير له إلى “أنّ التدفّق الحرّ لحركة المرور يجب ألاّ يكون له الأسبقية تلقائياً على حرّية التجمّع السلمي”، أيّ أنّ الخبير الدولي أعطى الأولوية لمراعاة حقّ التجمّع السلمي على حقّ المرور على الطرقات العامة وقد ضمّن تقريره هذا ضوابط تتعلّق بتمكين المرضى من الوصول إلى المستشفيات وتلبية الحاجات الإجتماعية الملحّة.
“محكمة” – الاثنين في 2019/11/4