الحكم على ميشال سماحة: الصياغة قانونية والدوافع سياسية
كتب علي الموسوي:
لا يختلف عاقلان على أنّ ميشال سماحة ارتكب جرم نقل المتفجّرات، وبالتالي فإنّه يستحقّ العقوبة المناسبة على هذا الفعل الجرمي الواضح والصريح والثابت باعترافه وبالمضبوطات التي قيّض لها أن تكون في حوزته.
ولا يختلف إثنان على أنّ سماحة لم يكن مضطّراً إلى المغامرة بسمعته السياسية، غير أنّه سقط في امتحان الشرف السياسي مثل سياسيين كثيرين في لبنان والعالم، وبعضهم لم يُحْجم عن إراقة الدماء.
ولكن لا بدّ من إبداء بعض الملاحظات على مجريات المحاكمة السريعة نزولاً عن رغبة سياسية جامحة بإعادة سماحة إلى وراء القضبان.
لماذا قامت النيابة العامة العسكرية ممثّلة بمفوّض الحكومة القاضي صقر صقر بتمييز حكم المحكمة العسكرية فوراً وقيل إنّها لم تعرف طعم النوم حتّى وضعت النقطة الأخيرة على السطر الأخير من طلب التمييز، بينما هي نفسها هذه النيابة العامة الحريصة على الحقّ العام، غطّت في نوم عميق ولم تحرّك ساكناً لتمييز الحكم المخفّف الصادر عن المحكمة العسكرية الدائمة بحقّ الإرهابي المجرم جمال دفتردار والرامي إلى وضعه في الأشغال الشاقة مدّة سبع سنوات وهو الذي شارك في غير تفجير أودى بحياة مواطنين لبنانيين أبرياء؟.
لماذا تغاضت النيابة العامة عن تمييز الحكم على دفتردار؟ نحن لا نشكّك بوطنيتها. معاذ الله، بل نقول إنّ السياسة بدءاً من وزير العدل اللواء المتقاعد أشرف ريفي وطبقة واسعة من السياسيين ظلّت تحرّضها حتّى رضخت لها، وهذا ما أدّى إلى تشديد الحكم على سماحة الذي اقتصر فعله الجرمي على نقل المتفجرات دون أن يأتي بجرم آخر، بينما في حالة دفتردار، فإنّ محكمة التمييز العسكرية ليست مضطرّة إلى رفع سقف الحكم عليه، لغياب الحقّ العام عن التمييز في غلطة فادحة، بل على العكس تماماً، فإنّها أمام خيارين إمّا إبقاء هذا الحكم على حاله على ما فيه من تساهل مطلق وتهاون بأرواح الناس الذين قضوا، وإمّا تخفيضه إذا ما اقتنعت بكلام جهة الدفاع عن دفتردار، وبالتالي، ليس هنالك من تشديد للعقوبة، فأين هي العدالة في موقف النيابة العامة العسكرية؟ وكيف تميّز حكماً وتتجنّب تمييز آخر؟، وكيف تكون”مصلحة الدولة العليا” متحقّقة في ملفّ، وغير مهمّة في ملفّ آخر أكثر خطورة لاقترانه بالقتل؟.
وثمّة أمثولة أخرى على استهتار السلطة السياسية بدماء مواطنيها تمثّلت بموافقتها على طلب “جبهة النصرة” الإرهابية بالإفراج عن جمانة حميد التي قادت سيّارة مفخّخة من عرسال بغية تفجيرها في منطقة الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت، غير أنّه جرى اعتقالها بفعل اعترافات نعيم عبّاس، وكانت قد نجحت قبل ذلك بفترة وجيزة بإيصال سيّارة محمّلة بالمتفجّرات من عرسال إلى عاليه، فمحلّة الكولا في بيروت حيث سلّمتها إلى نظير لها في الإرهاب كان ينتظرها وركنها في موقف عمومي للسيّارات في محلّة كورنيش المزرعة على أمل استعمالها وتفجيرها وقتل الناس واغتيال هيبة الوطن برمّته.
لم يصدر الحكم على حميّد بالسرعة المطلوبة، بل أعيدت إلى قريتها سالمة غانمة، فيما مكانها الصحيح هو السجن، لأنّ تحدي الإرهاب لا يكون بالاستسلام له، بل بمقاومته والتصدّي له، فكيف ارتأت السلطة السياسية أن تحكم ناقل متفجّرات بعقوبة مشدّدة، إرضاء لنزواتها السياسية، فيما أعادت ناقلة متفجّرات ومرّتين متتاليتين، إلى منزلها مع وافر الدعاء لها بقضاء أمسيات هانئة في حضن”النصرة”؟.
وبما أنّ لمحكمة التمييز العسكرية الكثير من سلطة التقدير والاستنسابية الفضفاضة في تحديد العقوبة وتوقيعها، أجمعت على عقوبة الأشغال الشاقة مدّة ثلاث عشرة سنة بحقّ ميشال سماحة، فلماذا لم تجعلها خمس عشرة سنة ما دام سقفها الأعلى هو الإعدام؟! ولماذا لم تخفّضها إلى عشر سنوات، وهي أيضاً عقوبة مشدّدة بحقّ سماحة في ظلّ الإصرار على الإمتناع عن إجراء مواجهة بينه وبين ميلاد كفوري الذي نجح في الإيقاع به، مع التذكير بأنّ إعادة محاكمة سماحة واردة في أيّة لحظة سياسية مناسبة تتفق على إحضار كفوري إلى المحكمة ومواجهتهما معاً؟.
لسنا ضدّ محاكمة سماحة، بل على العكس، يجب محاكمته على نقله للمتفجّرات عن قناعة راسخة، لكنّ الحكم عليه وإنْ جاء بصياغة قانونية “معلّلة” تحتاج إلى تبصّر وروية، إلاّ أنّ الدوافع سياسية وغير خافية على أحد، وبإجماع شريحة كبيرة من اللبنانيين ومن أهل القانون من قضاة ومحامين، وهذا لا يسمّى عدلاً على الإطلاق.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 7 – أيّار 2016).