“الدستوري” يردّ الطعن بتعديل المادة 38 من قانون تمديد إيجارات الأماكن غير السكينة
ردّ المجلس الدستوري الطعن بالقانون رقم 111 الصادر بتاريخ 2018/11/30 والمتعلّق بتعديل المادة 38 من القانون رقم 2 تاريخ 2017/2/28 الخاص بتمديد ايجارات الأماكن غير السكنية، والمنشور في الجريدة الرسمية في العدد 52 تاريخ 2018/12/6.
وحمل قرار المجلس الدستوري الرقم 2019/1 تاريخ 2019/1/8 وتضمن التالي:
المستدعون: النواب السيدة بوليت ياغوبيان، والسادة عدنان طرابلسي وزياد أسود وسليم خوري وجان طالوزيان ونقولا نحاس وفايز غصن وجورج عطالله وعلي درويش وأسعد ضرغام.
القانون المطلوب وقف العمل به وإبطاله: القانون رقم 111 الصادر بتاريخ 2018/11/30 والمنشور في الجريدة الرسمية في العدد 52 تاريخ 2018/12/6 والذي نص على تعديل المادة 38 من القانون رقم 2 تاريخ 2017/2/28 المتعلّق بالايجارات.
إنّ المجلس الدستوري، الملتئم في مقره بتاريخ 2019/1/8 برئاسة رئيسه عصام سليمان وحضور نائب الرئيس طارق زياده والأعضاء: أحمد تقي الدين، أنطوان مسره، زغلول عطية، توفيق سوبره، سهيل عبد الصمد، صلاح مخيبر ومحمد بسام مرتضى، تغيب أنطوان خير بداعي السفر،
وعملا بالمادة 19 من الدستور
وبعد الاطلاع على ملف المراجعة وسائر المستندات المرفقة بها، وعلى تقرير المقرر، المؤرخ في 2018/12/24
وبما أن السادة النواب المذكورة أسماؤهم أعلاه تقدموا بمراجعة، سجلت في قلم المجلس الدستوري بتاريخ 2018/12/19، ترمي الى الأمور الآتية:
أولا- وقف العمل بالقانون المطعون في دستوريته ريثما يتم الفصل في الأساس.
ثانيا- إبطال القانون المطعون في دستوريته كليا.
جاء في أسباب الطعن ما يلي:
السبب الأول: مخالفة القانون المطعون فيه أحكام الفقرتين “ب” و “و” من مقدمة الدستور وأحكام المادة /15/ منه لجهة التعدي على حقوق الملكية الفردية المقدسة والمكرسة بموجب الدستور والمواثيق الدولية والعربية وانتهاكها.
عرض الطاعنون تحت هذا البند أن مقدمة الدستور اللبناني كما الإعلان العالمي لحقوق الانسان وكذلك الميثاق العربي لحقوق الانسان الذي أقرته الجامعة العربية وصادق عليه لبنان بموجب القانون رقم 2008/1 تاريخ 2008/9/5، تعتبر الملكية الفردية في حماية القانون والدستور وان تمديد مفاعيل عقود الإيجارات للأمكنة غير السكنية الذي دأبت عليه قوانين الإيجارات الاستثنائية السابقة انما يشكل تعسفا وتعديا على حقوق الملكية الفردية التي كرستها تلك الدساتير والاعلانات كما كرسها المجلس الدستوري في قرارات عديدة سابقة صدرت عنه والتي اعتبرت مبدأ حرية التعاقد مبدأ متلازما مع حق الملكية الفردية والذي هو حق مطلق لا يحده سوى المصلحة العامة.
وأضاف الطاعنون ان الوضع الراهن في لبنان لا يشكل في نظرهم حالة الظروف الاستثنائية التي تبرر هذا التمديد غير الدستوري لهذه العقود.
تلك الحالة التي ينبغي لتحققها شرطان أولهما ان يتوقف عمل السلطات والمؤسسات العامة والدستورية من جراء وقوع أحداث خطيرة وغير متوقعة، وان تشكل هذه الأحداث خطرا حقيقيا وآنيا ومباشرا على استقلال الأمة وسلامة أراضيها، وهذان الشرطان ليسا متوفرين في حالتنا الحاضرة وهذا ما كرسه المجلس الدستوري في قرارات سابقة له.
السبب الثاني للطعن: مخالفة القانون المطعون فيه أحكام الفقرة ج من مقدمة الدستور وأحكام المادة 7 منه لجهة تعارض التمديد القسري لعقود الإيجارات مع مبدأي العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين.
ذلك ان المساواة بين المواطنين أمام القانون هي من المبادئ الدستورية الهامة التي نصت عليها مقدمة الدستور والمادة السابعة منه كما المادة السابعة من الإعلان العالمي لحقوق الانسان وقد أخلت قوانين الإيجارات الاستثنائية بهذه القاعدة بحيث أعطت الأفضلية لفئة المستأجرين من المواطنين على حساب فئة أخرى هي فئة المالكين التي لحق بها ضرر بالغ من جرائها.
السبب الثالث للطعن: مخالفة القانون مبدأ الأمان التشريعي ومبدأ الثقة اللازمة بالقوانين.
ويقضي هذا المبدأ ان تحافظ السلطات العامة على قدر من الثبات النفسي للعلاقات القانونية والاستقرار التشريعي بحيث تبعث الطمأنينة في نفوس المواطنين.
غير ان العلاقة بين المالكين والمستأجرين ومنذ أكثر من سبعين عاما، اتسمت بعدم التوازن والاجحاف والظلم بحق المالكين بسبب التمديد المتكرر لعقود الإيجارات.
وان هذه العلاقات غير المتكافئة لا يمكن ان تشكل أساسا سليما ومشروعا للقول بأن استمرار التمديد لمفاعيل قوانين الإيجارات السابقة، يؤمن الاستقرار التشريعي الذي ينبغي المحافظة عليه لان هذا التشريع لا يراعي موجب العدالة وتكافؤ الفرص بين المتعاقدين المالكين والمستأجرين.
وبناء على ما تقدم
أوّلاً-في الشكل:
بما أن المراجعة، المقدمة من عشرة نواب، جاءت ضمن المهلة المحددة في الفقرة الأخيرة من المادة 19 من القانون رقم 1993/250، مستوفية جميع الشروط الشكلية، فهي مقبولة شكلا.
ثانيا-في الأساس:
1- في وقف العمل بالقانون المطعون فيه.تدارس المجلس الدستوري طلب وقف العمل بالقانون المطعون فيه، المبين في المراجعة، وذلك في جلسته المنعقدة يوم الخميس في 2018/12/20، ولم ير سببا للإستجابة لهذا الطلب.
2- في مخالفة القانون المطعون فيه حق الملكية الخاصة المكرسة بموجب الدستور والمواثيق الدولية والعربية.
بما أن الدستور ضمن في المادة 15 منه حق الملكية الخاصة، وجعلها في حمى القانون، وفي الوقت نفسه وضع حدودا لها، فأجاز نزع الملكية لأسباب المنفعة العامة في الأحوال المنصوص عليها في القانون بعد دفع التعويض العادل للمالك،
وبما أن الدستور كفل، في الفقرة (و) من مقدمته، الملكية الخاصة، وفي الوقت نفسه المبادرة الفردية في إطار النظام الاقتصادي الحر،
وبما أن الملكية الخاصة تنظم بموجب قوانين تراعي المصلحة العامة والإنتظام العام،
وبما أن الإنتظام العام هو مبدأ دستوري نص عليه الدستور صراحة في المادة التاسعة منه، فكفل حرية إقامة الشعائر الدينية شرط عدم الإخلال بالنظام العام، وفي المادة العاشرة منه التي ورد فيها أن التعليم حر ما لم يخل بالنظام العام،
وبما ان المادة 65 من الدستور راعت الإنتظام العام فنصت في الفقرة الخامسة منها على اتخاذ مجلس الوزراء قراراته بالتوافق، واذا تعذر ذلك فبالتصويت، واللجوء الى التصويت في غياب التوافق أملته ضرورة الحفاظ على الانتظام العام، الذي يقتضي انتظام أداء مؤسسات الدولة، وعلى رأسها المؤسسات الدستورية، ومنها مجلس الوزراء المناطة به السلطة الإجرائية،
وبما أن الانتظام العام يعني إنتظام العلاقات داخل مجتمع الدولة بما يوفر الأمان والإستقرار وشروط العيش الكريم، وبالتالي تحقيق السلم الاجتماعي،
وبما ان السلم الاجتماعي لا يقتصر على الأمن بمفهومه التقليدي، انما الأمن بمختلف أبعاده، بما فيها البعد الاجتماعي والإقتصادي الذي هو ركيزة أساسية للإستقرار، وبالتالي للانتظام العام،
وبما ان الإنتظام العام لا يتأثر فقط بالحروب والأحداث التي ينجم عنها إضطراب في الأمن، أو بما ينتج عن الكوارث الطبيعية، إنما يتأثر أيضا بالأوضاع الاقتصادية والمالية والنقدية، التي يترك ترديها انعكاسات سلبية على الأمان الاقتصادي والإجتماعي،
وبما ان المبادرة الفردية هي عنصر أساسي في الاقتصاد الحر، وقد كفلها الدستور في مقدمته، وبها ترتبط مصالح فئة كبيرة من مستأجري الأماكن غير السكنية والعاملين في التجارة والمهن الحرة وغيرها،
وبما ان المحافظة على المبادرة الفردية تتطلب، وفق الظروف، إيجاد توازن بين شروط المحافظة عليها من جهة، وشروط التصرف بالملكية من جهة أخرى،
وبما أنه ينبغي في الظروف الإستثنائية، الناجمة عن أوضاع اقتصادية ومعيشية مأزومة، إيجاد توازن في العلاقة بين حق الملكية الخاصة الذي ضمنه الدستور من جهة أولى، وضرورة الحفاظ على الانتظام العام الذي له قيمة دستورية، من جهة ثانية، والمبادرة الفردية من جهة ثالثة،
وبما ان التوازن في العلاقة هذه، يقتضي تقييد الحق بالتصرف بالملكية الخاصة ضمن ما تقتضيه ضرورة الحفاظ على الانتظام العام وعلى المبادرة الفردية،
وبما ان هذا التوازن في العلاقة يجيز للمشرع اتخاذ إجراءات استثنائية، إستنادا الى معطيات الواقع الاقتصادي وعملا بالقاعدة العامة القائلة بأن الضرورات تبيح المحظورات، شرط العودة عن هذه الإجراءات فور انتهاء الظروف الاستثنائية، بغية الحفاظ على الحق بالملكية الخاصة،
لذلك يعود للمشترع تقدير الظروف التي يقيد فيها، ضمن حدود مناسبة، حقا ضمنه الدستور، وللمجلس الدستوري أن يبت في تناسب التقييد مع الظروف الاستثنائية،
3- في مخالفة التمديد القسري لعقود الإيجارات مبدأي العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين.
بما أن قوانين الإيجارات الاستثنائية، التي صدرت في العقود الماضية، قضت بتمديد مفاعيل عقود الإيجارات للأماكن السكنية وغير السكنية خلافا لإرادة المالكين كفرقاء أساسيين في تلك العقود،
وبما أن التمديد القسري لعقود الإيجارات لا يراعي مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات وتكافؤ الفرص بين المالكين والمستأجرين، المنصوص عليهما في الدستور وفي الإعلان العالمي لحقوق الانسان والميثاق العربي لحقوق الانسان وقد التزم بهما لبنان في مقدمة دستوره،
وبما أن هذه القوانين الاستثنائية وضعت في الأساس بسبب ظروف استثنائية، ولا يجوز أن تمدد في غياب هذه الظروف،
وبما أن التمديدات المتتالية لقانون موصوف أساسا بالاستثناء هي تأجيل لمعالجة المشكلات المتراكمة، وعدم إيجاد حلول لها من خلال قانون جديد،
وبما ان التمديد ليس من المبادئ المتداولة في مجال التشريع وصياغة القوانين، بل يعني أساسا الإبقاء على وضع بعد تاريخ كان من المفترض أن يتوقف عنده،
وبما أن التمديد المتكرر لقانون الإيجارات كرس أمرا واقعا وحالة عدم استقرار،
وبما ان وظيفة القانون، وبالتالي التشريع، تحقيق الثبات والاستقرار في العلاقات الحقوقية، وليس التمديد والتأجيل والإمهال لأمر واقع مخالف أساسا لحق الملكية والتوازن في العلاقة التعاقدية والأمان التشريعي،
وبما ان العدالة الاجتماعية التي نص عليها الدستور تقتضي إيجاد توازن في التشريع بين مصلحة المالك ومصلحة المستأجر،
لذلك لا يجوز اعتماد تمديد قانون الإيجارات الاستثنائي كقاعدة عامة يلجأ اليها المشترع تكرارا.
4- في مخالفة القانون المطعون فيه مبدأ الأمان التشريعي.
بما ان التوازن في العلاقة التعاقدية بين المالك والمستأجر، هو أساس الأمان التشريعي واستقرار هذه العلاقة،
وبما أن القانون يفقد صفته المعيارية من خلال تمديدات متكررة ظرفية ومتراكمة، فيفقد التشريع دوره في تحقيق الثبات،
وبما ان الانتظام العام يتطلب تطور التشريعات بما يتلاءم مع المعطيات المستجدة، ويحقق الأمان التشريعي،
وبما ان التمديدات المتراكمة، مناقضة لجوهر التشريع والأمان التشريعي، وتؤدي الى تكريس واقع مخالف للدستور، قد يصبح مستعصيا على المعالجة العادلة،
وبما أنه لم يتم، منذ زمن بعيد، وضع قانون ينظم عملية التعاقد بين المالك والمستأجر للأماكن غير السكنية، على أسس ثابتة، وتم تكرارا اللجوء الى تمديد العمل بقوانين استثنائية، فيما كان ينبغي اعتماد تشريع يعالج المشاكل القائمة بين المالك والمستأجر على أسس راسخة ومستقرة تحقق العدالة،
ولكن وبما أن الظروف التي يمر بها لبنان والمنطقة أدت الى انكماش إقتصادي وتأزم، وتعثر المؤسسات التجارية والخدماتية والمهن الحرة، كما أن الوضع السياسي المأزوم حال في ظل الظروف الاقتصادية والمالية والنقدية الصعبة، دون وضع قانون جديد لايجار الأماكن غير السكنية،
وبما ان عدم التشريع بشأن ايجار الأماكن غير السكنية، واللجوء الى العمل بقانون الموجبات والعقود، دون مراعاة الأوضاع الخاصة لمستأجري الأماكن غير السكنية والعاملين فيها، لا يحقق العدالة في العلاقة التعاقدية، ويقود الى فوضى قد تكون لها نتائج كارثية،
لذلك، وعلى الرغم من غياب الأمان التشريعي في تمديد قانون الإيجارات للأماكن غير السكنية، هناك ثمة ما يبرر هذا التمديد المؤقت في الظروف الاستثنائية الراهنة.
لذلك، تفاديا لتطبيق قانون الموجبات والعقود في عقود ايجار الأماكن غير السكنية في الوضع الراهن وما ينجم عنه من مشاكل قانونية ومنازعات قضائية،
وبعد المداولة، يقرر المجلس الدستوري بإجماع الأعضاء الحاضرين
أولا-في الشكل:
قبول المراجعة شكلا لورودها ضمن المهلة، مستوفية شروطها القانونية كافة.
ثانيا-في الأساس: رد الطعن
ثالثا- إبلاغ هذا القرار الى المراجع الرسمية المختصة ونشره في الجريدة الرسمية.
قراراً صدر في 2019/1/8 .
“محكمة” – الثلاثاء في 2019/1/8