الشاطئ هو ملك عام بطبيعته لا تجري عليه أيّة ملكية خاصة/عصام إسماعيل
الدكتور عصام نعمة إسماعيل:
يدخل الشاطئ ضمن الأملاك العامة بطبيعتها، حيث ينطبق عليه التعريف الوارد في المادة الأولى من قانون تحديد الأملاك العمومية التي تنصّ على أن تشمل الأملاك العمومية … جميع الأشياء المعدّة بسبب طبيعتها لاستعمال مصلحة عمومية. وهي لا تباع ولا تكتسب ملكيتها بمرور الزمن.
وكذلك يدخل الشاطئ ضمن التخصيص الوارد في المادة الثانية التي نصّت على أن تشتمل الأملاك العمومية على … 1 – شاطئ البحر حتّى أبعد مسافة يصل إليها الموج في الشتاء وشطوط الرمل والحصى.
وإنّ صفة الأملاك العامة إنّما تكتسب أو تفقد بمجرّد حدوث العامل الطبيعي، فإذا تكوّن شاطئ أصبح بمجرّد تكوينه من الأملاك العامة. ومن نتائج هذا المبدأ إمكانية توسيع الأملاك العامة بدخول أموال جديدة فيها نتيجة لعوامل طبيعية (د. نقولا أسود- القانون المدني المدخل والأموال-1985-1986 ص 365). وقد حسمت هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل هذه المسألة في أكثر من رأي نذكر منها:
الرأي الأوّل لهيئة التشريع والاستشارات رقم الأساس 284، تاريخ الرأي 1962/6/19 الذي نلخّصه كالآتي: “من الثابت الأكيد في اجتهاد المحاكم الفرنسية التي تطبّق تشريعاً أخذ عنه التشريع اللبناني، أنّه إذا تعدّلت الحدود الفاصلة بين البحر واليابسة، أو غمرت مياه البحر أملاكاً خاصة بكاملها أو بجزء منها، فإنّ الأفراد الذين كانوا يعتبرون قبل عملية التحديد مالكين لتلك الأملاك لا يستحقّون أيّ تعويض لأنّ مياه البحر هي التي طغت على أراضيه بصورة دائمة فأدخلتها بالأملاك العامة البحرية… لذا حتّى في حال وجود أحكام قضائية ومستندات رسمية اكتسبت الدرجة القطعية دون اعتراض الادارة المختصة، فهذه الأحكام وإن كانت تكرّس في الوضع الحالي حقوقاً تتعارض ونصّ المادة 2، الفقرة 1 من القرار 144 تاريخ 1960/6/10 فإنّ قوّتها تزول بحكم قرار رئيس الدولة الذي يقرّر إعادة التحديد، وبحكم عمليات التحديد التي يترتّب عليها أثر إعلاني. وإنّ التحقّق من الواقع الحاصل بفعل العوامل الطبيعية أو غير الطبيعية لا يعتبر استملاكاً، ولا يؤدّي إلى دفع تعويض لا مسبق ولا مؤخّر. لذا فإنّ الأراضي الخاصة التي سبق أن كانت تمتد على اليابسة فأصبحت مغمورة بكاملها أو بجزء منها بمياه البحر بسبب عوامل طبيعية أو غير طبيعية إنّما يجب اعتبارها من الأملاك العامة إذا شملها قرار من رئيس الدولة وتناولتها أعمال تحديد رسمية قانونية، وذلك أسوة بكلّ ما هو تحت أراضي المياه الإقليمية”.
الرأي الثاني لهيئة التشريع والاستشارات: استشارة رقم 499/ر/1956 تاريخ 1956/8/6 (الرئيس أنطوان بارود) الذي نلخّصه كالآتي: “إنّ الأملاك العامة الطبيعية ومنها شطوط الرمل والحصى تكتسب بفعل الطبيعة التي تنزع ملكيتها الخاصة وتدخلها في صلب الأملاك العامة، فإذا تعدّلت حدود البحر بسبب العوامل الطبيعية وتقدّمت نحو الأملاك الخاصة فينتج عن هذا العامل شاطئ جديد يدخل بطبيعته ضمن الأملاك العامة وعلى حساب صاحب الملك المجاور وقد أيّد الاجتهاد هذه النظرية (C.E. 17 oct. 1934 Dupont, Rec p 927). وإنّ نزع الملكية هذا الحاصل بطريقة عارضة لا يستوجب أيّ تعويض لعدم النصّ، والاجتهاد مستقرّ بهذا المعنى. (C.E. 2 juin 1876 Rec p501). وعليه فإنّ الدولة غير ملزمة بالتعويض على أصحاب الأملاك الخاصة الذين تآكلت أراضيهم بسبب الطغيان الطبيعي لمياه البحر. وأنّ المساحة التي تمتد حتّى أبعد مسافة يصل إليها الموج وشواطئ الرمل والحصى الجديدة الناتجة عن الطغيان المذكور قد دخلت في صلب الأملاك العامة الطبيعية سواءً أقامت الإدارة بتحديدها أم لا”.
وذات الموقف انتهتجه محكمة التمييز المدنية في قرارها الذي نلخّصه كالآتي:”وحيث إنّ الأملاك العامة الطبيعية هي من صنع الطبيعة والصفة العامة تزول عنها بعمل الطبيعة كما لو غيّر النهر مجراه وشقّ لمياه مجرى آخر من الأملاك الخاصة، فالمجرى القديم يفقد صفته العامة ويدخل في الملك الخاص والمجرى الجديد ينقل حكماً من الملك الخاص إلى الملك العام، وكذلك إذا جفّت مياه المجرى العام أو البحيرة بعامل طبيعي فتصبح اليابسة منها حكماً من أملاك الدولة الخاصة وكذلك مياه البحر إذا انحسرت نهائياً عن الشاطئ فتصبح اليابسة منها حكماً من أملاك الدولة الخاصة … “.(محكمة التمييز المدنية الغرفة الثانية قرار رقم 42 تاريخ 2003/6/12 معوّض ورفاقها/ نصّار ورفاقه، ذكره المحامي أنطوان سعد كرم في كتابه الملكية العقارية البلدية، منشورات المؤسّسة الحديثة للكتاب ص ٤٤٦ وما يليها).
إستناداً لما تقدّم، لا يمكن أن تتسلّل الملكية الخاصة على الأملاك العامة البحرية، بالمقابل فإنّ الأملاك العامة البحرية يمكن أن تتمدّد لتطال عقارات خاصة فتتحوّل بفعل العوامل الطبيعية إلى ملكٍ عام.
وإنّ المادة الأولى من القرار رقم 144/س تاريخ 1925/6/10 قد أمّنت هذه الحماية عندما قضت بأنّ الأملاك العامة لا تباع ولا تكتسب ملكيتها بمرور الزمن، وهي قد اتجهت إلى منع تكريس أو شرعنة واقعة التعدّي على الأملاك العمومية مهما طال عليها الزمن، حتّى وإن جرى تملّكها بطريقةٍ ما من قبل أشخاص خاصين، فإنّ هذه الملكية الخاصة هي مزيّفة وزائلة ويمكن للإدارة إسترداد هذه الأراضي وفقاً للأصول القانونية وبدون مقابل ولا تعويض.
“محكمة” – الأربعاء في 2019/11/6