الشخصية المعنوية للحيوان/محمّد سرحان
محمّد سرحان*:
نسمع كثيراً عن أشخاص يجمع بينهم وبين حيواناتهم الأليفة رابط عاطفي قوي، قد يصل في بعض الأحيان إلى حدّ توريثهم ما يملكون من أموال منقولة وغير منقولة، حرصاً منهم على مصير هذه الحيوانات من بعد رحيلهم.
كان أبرز هؤلاء الأشخاص مصمّم الأزياء الألماني الشهير لشركة “Chanel” كارل لاغرفيلد، الذي توفّي دون أن يترك وريثاً، سوى قطته choupette، التي كان لا ينفكّ يذكر أمام وسائل الإعلام بأنّه سيورّثها أغلب ما يملك.
وبغضّ النظر عن مدى قبولنا أو رفضنا لذلك، ثمّة سؤال يطرح نفسه هنا: هل من الممكن قانوناً أن يرث الحيوان أموال صاحبه؟
إنّ قابلية الحيوان لأن يرث، مرتبطة بشكل مباشر بمدى امتلاك الحيوان لشخصية معنوية، ينتج عنها ذمّة مالية مستقلّة، تخوّله التمتّع بحقوق إيجابية. إلاّ أنّ أغلب دول العالم لم تعترف بعد للحيوان بهذه الشخصية القانونية.
لكن هل من الممكن قانوناً أن تمنح الحيوانات شخصية معنوية؟
عرّف الفقه الشخصية المعنوية على أنّها الأداة التي يمنحها القانون للأفراد ولبعض الهيئات من أجل تمكينها من تحقيق مصالحها المشروعة وذلك من خلال منح هذه المجموعة أهلية التمتّع بحقوق وتحمّل الالتزامات. تؤمّن الشخصية المعنوية، أو الشخصية الاعتبارية ذمّة مالية مستقلّة لصاحبها، بالإضافة لأهلية التعاقد والتقاضي. ثمّ اتسع مفهوم الشخصية المعنوية عبر التاريخ، حيث انتقل من مرحلة منح الشخصية المعنوية لجزء محدّد من البشر، وسلخها عن جزء آخر (مرحلة العبودية) إلى مرحلة الإقرار النهائي لجميع البشر بهذه الشخصية.
ومع بروز الفلسفة النفعية، -التي اعتبرت بأنّ كلّ كائن حيّ حسّاس يمتلك مصالح، يجب أن تؤخذ مصالحه بعين الإعتبار من خلال منحه الوسائل القانونية اللازمة لحمايتها، بغضّ النظر عن نسبة ذكائه أو قدراته التحليلية، حيث إنّ المعيار الأخلاقي الذي يجب اعتماده هو حساسية الكائن الحيّ-، وتأثّر جزء كبير من القانونيين وعلماء الاجتماع بهذه الأفكار، بدأت المطالبة بمنح الحيوانات شخصية معنوية بغية تمكينها من تحصيل بعض المنافع من خلال منحها ذمّة مالية.
وفي هذا السياق كان إعلان Toulon في العام 2019 من أجل المطالبة بمنح الحيوانات شخصية اعتبارية.
هنا تكمن أهمّية البحث في الشروط اللازمة لمنح الشخصية المعنوية:
صدر بتاريخ 28 كانون الثاني من العام 1954 قرار عن محكمة النقض الفرنسية – الغرفة المدنية، أسّس لما يعرف بنظرية الواقع التقني، والذي حدّدت بموجبه المحكمة شرطين أساسيين من أجل منح الشخصية الاعتبارية، ألا وهما: شرط “المصلحة الخاصة أو المتميّزة” وشرط “وجود جهة أو هيئة مخوّلة المطالبة بالحقوق”.
وقياساً على ما تضمّنه هذا القرار، سنحاول البحث في مدى توافر هذه الشروط في الحيوانات.
بالنسبة للشرط الأوّل أيّ شرط وجود مصالح خاصة بالحيوان، متمايزة عن مصالح مالكيه: يقرّ أنصار الفلسفة النفعية بأنّ الحيوانات تمتلك مصالح مستقلّة عن مصلحة مالكيها، هذه المصالح ناتجة عن كونها كائنات حسّاسة (حيث إنّ علم الأحياء استقرّ على اعتبار معظم الفقاريات وبعض اللافقاريات من قبيل الكائنات الحسّاسة)، وقد اعترف القانون الفرنسي للحيوانات بخاصية “الحساسية” في المادة 515-14 من القانون المدني.
بالإضافة لذلك فرض قانون العقوبات الفرنسي، تدابير إضافية بالنسبة للجرائم الواقعة على الحيوانات، أو الجرائم التي استخدمت فيها الحيوانات كأداة لارتكابها، تتمثّل بتسليم الحيوان إلى هيئة ذات منفعة عامة من أجل إيوائه ورعايته، ما يشكّل إقراراً ضمنياً من قبل المشرّع الفرنسي للحيوان بتمتّعه بمصالح مستقلّة. ألا أن ما يعيق الاعتراف القانوني الصريح للحيوان بهذه المصالح، هو الإبقاء على تصنيفه في خانة “الأموال”.
أمّا بالنسبة للشرط الثاني أيّ شرط وجود جهة مخوّلة المطالبة بالحقوق: هنا يجب التفريق بين الحيوانات الأليفة، والحيوانات البرية:
يمتلك القسم الأوّل من هذه الحيوانات “مالكاً أو شخصاً مخوّلاً مراقبة سلوكيات الحيوان وتوجيهه والحؤول دون قيامه بأيّ تصرّف قد يؤدّي إلى إحداث ضرر.
إنّ هذا الشخص يمكنه في حال تعرّض الحيوان الخاضع لرقابته لأيّ اعتداء، الإدعاء على الفاعل بصفته مالكاً للحيوان، وبالتالي يهدف هذا الإدعاء إلى حماية مصالح الحيوان. وبالتالي يمكننا اعتبار هذا الشخص بمثابة الجهة المخوّلة المطالبة بحقوق هذا الحيوان. لكن ثمّة من يعارض هذا المنطق بحجّة أنّ المطالبة بتعويض مالي من قبل المالك، عن الجرائم التي ترتكب ضدّ الحيوان الذي يملكه، يعتبر بمثابة المطالبة بحقّ شخصي لمالك الحيوان، وليس حقّاً للحيوان نفسه حيث إنّ التعويض يدخل في الذمّة المالية للمالك، وليس للحيوان.
إلاّ أنّنا نرى بأنّ غياب الشخصية المعنوية عن الحيوان هو الذي يؤدّي إلى اعتبار أيّ مطالبة بتعويض عن جرم ضدّ حيوان، بمثابة المطالبة بحقّ شخصي للمالك، حيث إنّه في حال تمّ الإقرار للحيوان بشخصية معنوية، ستختلف صفة المدعي من “مالك للحيوان” إلى “وصي عليه”، وبالتالي فإنّ مبلغ التعويض سيدخل في الذمّة المالية للحيوان.
أمّا بالنسبة للفئة الثانية من الحيوانات، أيّ الحيوانات البرّية، فإنّ البعض يعتبر بأنّ الجمعيات المختصة بالدفاع عن حقوق الحيوان تعتبر بمثابة الجهة المخوّلة المطالبة بالحقوق، المقصودة في قرار محكمة النقض، إلاّ أنّ البعض الآخر اعتبر أنّ الصلة بين هذه الهيئات، والجهة المراد منحها الشخصية المعنوية، يجب أن تكون صلة وثيقة بحيث تخضع لرقابتها بشكل مباشر ومستمرّ.
وفي ظلّ هذه الرؤية، فإنّ الحيوانات البرية لا تحوز الشرط الثاني. وبالتالي، فإنّنا نجد بأنّ فئة من الحيوانات تتمتّع فعلاً بهذه الشروط، وتستحقّ منحها شخصية معنوية من أجل تمكينها من تحصيل بعض المنافع التي لا يمكن لها أن تتمتّع بها إلاّ من خلال منحها هذه الشخصية.
*ماجستير في القانون الخاص.
“محكمة” – الجمعة في 2020/9/25