أبحاث ودراسات
الشطب الإداري للمحامي والإجراءات الواجبة لاتخاذ القرار(الحلقة الثامنة)/ناضر كسبار
ناضر كسبار(نقيب المحامين سابقاً):
إلا ان محكمة الاستئناف اعادت سرد الاجراءات الواجبة لاتخاذ القرار المستأنف، نظراً لخطورة التدبير الممكن ان يتخذ من قبل المجلس والذي يصل الى الشطب الاداري نهائياً من جدول المحامين. وبالتالي على المجلس تأمين حق الدفاع للمحامي، والاستماع الى اقواله وملاحظاته بشأن التدبير عن طريق دعوته للحضور امام مجلس النقابة.
واوردت حيثيات مهمة ومبدئية في القرار المذكور اعلاه بهذا الخصوص. فقالت:
ب_ في الإجراءات الواجبة لإتخاذ القرار المستأنف
وحيث ان المستأنف يطعن في القرار المستأنف مدلياً بعدم مراعاة أصول دعوته وعدم مراعاة حق الدفاع المقدس من قبل مجلس النقابة عند إتخاذ القرار المذكور.
وحيث لهذه الجهة، فإن الدستور اللبناني نصّ في الفقرة “ب“ من مقدّمته على ان لبنان عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم مواثيقها والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتجسِّد الدولة هذه المبادئ في جميع الحقوق والمجالات دون استثناء، علماً ان المقدمة المشار اليها تشكِّل جزءاً لا يتجزأ من الدستور وتتمتع بموقعه في تسلسل القوانين.
وحيث بالتالي فإن المعاهدات الدولية المشار اليها آنفاً تشكِّل كذلك جزءاً من الدستور عملاً بالفقرة “ب” الآنف ذكرها من مقدّمة الدستور.
وحيث ان المادة 10 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص على ان “لكل إنسان الحق، على قدم المساواة التامة مع الآخرين، في ان تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة نظراً عادلاً علنياً للفصل في حقوقه وإلتزاماته وأية تهمة جنائية موجهة له”.
وحيث ان المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية نصّت على ان “من حق كل فرد لدى الفصل في اية تهمة جزائية توجّه اليه أو في حقوقه والتزاماته في أي دعوى مدنية، ان تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية منشأة وفقاً للقانون”.
وحيث ان المبدأ الآنف ذكره ينبثق عنه مبدأ التساوي في الوسائل امام المحكمة Egalité des Armes الذي يكرِّس حق كل طرف بتقديم حججه وأدلّته بصورة تخوِّله الدفاع عن نفسه والمثول على قدم المساواة امام خصمه.
وحيث ان حق الدفاع المكرّس في مختلف المواثيق الآنف ذكرها هو من الحقوق الطبيعية والمبادئ الأساسية أو المبادئ العامة وقد صنفته محكمة التمييز اللبنانية ضمن المبادئ القانونية الأساسية، كما أكد المجلس الدستوري على انه يتمتع بقيمة دستورية.
– تمييز لبناني، غرفة أولى، قرار 25، تاريخ 1973/3/20، العدل 1973، ص 328
– قرار مجلس دستوري رقم 2001/5، الجريدة الرسمية 2001، رقم 24، ص 1794.
وحيث من الثابت ان الإتجاه الحديث في الإجتهاد والفقه الداخلي والعالمي يتشدد في تطبيق واحترام حق الدفاع العائد لكل إنسان في إسماع دفاعه وواجب تمكينه من ذلك،
وحيث ان هذه الوجهة لاقت تكريساً لها في الإجتهاد الإداري امام مجلس شورى الدولة بالنسبة لموظفي القطاع العام ومستخدمي المؤسسات العامة التي تقدم خدمة عامة.
وحيث كذلك، فإنّه حتى في فرنسا، فإنّ اختصاص مجلس النقابة لجهة الإسقاط من اللائحة السنوية للمحامين وهو إختصاص إداري، فإنه يتوجب على المجلس المذكور ان يستدعي المحامي وفق أصول معيّنة وتمكينه من تقديم دفاعه قبل اتخاذ قراره،
وحيث ان نظرية المحاكمة العادلة واحترام حقوق الدفاع يطبّقان أمام المحاكم العادية وكذلك أمام الهيئات الإدارية المخوّلة إتخاذ تدابير بحق المواطنين والمنتسبين اليها.
وحيث ان الإجتهاد والفقه الحديثين يتجهان الى توسيع نطاق حقوق الأفراد والحماية المتوفرة لهم إنطلاقاً من إعتبار مبادئ المحاكمة العادلة وحقوق الدفاع مبدأ عاماً منبثقاً عن حق طبيعي، بحيث يُفرض تطبيق هذه المبادئ بحدّها الأدنى على الأقل على أشخاص أو هيئات مخوَّلة إتخاذ قرارات أو تدابير مؤثرة بحقوق الغير.
« Aucune autorité ne semble a priori échapper au respect de ces exigences procédurales lorsqu’elle est amenée à prendre une décision au détriment d’autrui. Enfin, les puissances privées, qu’on désignera ainsi, faute de mieux pour l’instant, ne sont pas à l’écart de ce mouvement de proceduralisation de notre droit. En un mot, chaque fois qu’une personne, qu’elle soit publique ou privée, physique ou morale, exerce un pouvoir au détriment d’autrui elle est susceptible d’être contrainte dans son action par une exigence procédurale ».
-Droit Processuel, Droit Commun du Procès, Serge Guinchard, Monique Bandrac, Xavier Lagarde et Mélina Douchy, Précis Dalloz, Edition 2001, N 630.
وحيث ان تقدير مدى وجوب التقيّد بالمبادئ المومأ اليها أعلاه لا يستند فقط الى طبيعة الهيئة التي تتخذ القرار، بل الى خطورة القرار الصادر ومدى تأثيره على حقوق الغير وطبيعة الحقوق التي يتم المساس بها.
وحيث ان المحاماة هي وفق المادة الأولى من قانون تنظيم المهنة مهنة ينظمها القانون وتهدف الى تحقيق رسالة العدالة بإبداء الرأي القانوني والدفاع عن الحقوق، وهي وفق المادة 2 من القانون الآنف الذكر تساهم في تنفيذ الخدمة العامة، ولا يمكن ممارسة مهنة المحاماة دون الإنتساب الى نقابة المحامين.
وحيث ان ممارسة مهنة المحاماة من قبل المستأنف، هي ممارسة لمهنته الأساسية والعمل الأساسي الذي مارسه سحابة فترة من الزمن.
وحيث إن الصلاحيات الممنوحة الى مجلس النقابة لجهة الإشراف على إدارة النقابة، لا سيما حق المجلس المذكور في التحقق دائماً من إستمرار توافر شروط المادة 5 الآنفة الذكر طوال فترة إنتساب المحامي الى النقابة، وخطورة التدبير الممكن ان يتخذ من المجلس المذكور الذي قد يصل الى الشطب الإداري نهائياً من جدول المحامين، وبالتالي الحرمان من ممارسة مهنة المحاماة تبعاً لما صار بيانه في ما سبق، تستتبع بالنظر لخطورتها ومدى تأثيرها على حق أساسي وجوهري التقيّد بالحد الأدنى من تأمين حق الدفاع، أقلّه تأمين فرصة للإستماع الى المطلوب إتخاذ التدبير الإداري بحقه.
وحيث لا يردّ على ما تقدّم بأنّ قرارات مجلس النقابة لهذه الجهة تبقى خاضعة للرقابة اللاحقة من قبل القضاء بحيث تتوفر عندها الضمانات اللازمة التي من شأنها تغطية أي عيوب في الأصول المتبعة أمام مجلس النقابة، إذ ان ذلك لا يبرر عدم إحترام المبادئ المعروضة أعلاه خاصة وإن قرارات مجلس النقابة تطبّق فوراً وقد تكون ذات تأثير بالغ وتمادٍ على المحامي، وقد تؤدي الى الحؤول دون تمكين موكليه من الدفاع عن حقوقهم المنازع بها، ويدفعهم الى توكيل غيره ما قد يلحق به أضراراً لا تعوّض، بحيث تصبح المراجعة اللاحقة غير ذي جدوى، لا سيما في ضوء الوقت الذي تتطلّبه إجراءات التقاضي العادية.
وحيث يقتضي على ضوء كافة ما تقدم، على مجلس النقابة وقبل إتخاذ تدبير معيّن بحق محامٍ منتسب الى النقابة، كمثل القرار موضوع النزاع، تأمين حق الدفاع للمحامي المذكور أو أقلّه تأمين الحق له بإسماع أقواله وملاحظاته بشأن التدبير عن طريق دعوته، وكذلك لشرح الأسباب التي أدت الى إتخاذ التدبير بحقه لتمكينه من الوقوف عليها والطعن بالقرار لاحقاً.
وحيث يتبين ان مجلس نقابة المحامين قد دعا المستأنف لسماع دفاعه ولا اثر للخطأ الوارد في ورقة تبلغه لعدم تحقق اي ضرر التحق به نتيجة ذلك، قد حضر الى النقابة حيث تم استيضاحه من قبل مجلس النقابة حول الوقائع المشار اليها في القرار المستأنف على مدى جلستين إستغرقتا ساعات طويلة وفق قول المستأنف بالذات، وادلى المستأنف بأجوبته على الاسئلة التي طرحت عليه.
وحيث ان ما تقدم يثبت ان المستأنف مُكّن من الدفاع عن نفسه امام مجلس النقابة مجتمعاً، وأدلى بدفوعه ووجهة نظره كاملة حول الوقائع التي سُئِلَ عنها، بحيث تكون حقوق الدفاع التي تشكّل حقاً جوهرياً واساسياً من حقوق الإنسان قد تحققت، ولا يستتبع حكماً ممارسة حق الدفاع امام المحاكم من اجراءات ومهل تتعلق بمحاكمة امام القضاء.
وحيث بالتالي، فإن القرار المستأنف صدر بعد مراعاة حق الدفاع المكرّس للمستأنف امام مجلس النقابة التي ينتمي اليها، ويُرد ما يدلي به المستأنف لهذه الجهة.
***
كما تبحث المحكمة في الاسباب الموضوعية لاتخاذ القرار بالشطب الاداري. اذ لا يكفي ان يرتكب المحامي مخالفة او احياناً عدداً من المخالفات العادية، بل يتم التركيز على حصول عدة مخالفات كالقيام بأعمال مخلة بالآداب العامة، شيكات دون مؤونة واعمال احتيالية واساءة امانة، واطلاق نار، ودخول مؤسسات عنوة، بحيث تكون فداحة هذه الاعمال مجتمعة تؤدي الى استغلال المحامي حصانته النقابية، ليتغطى بها في النزاعات التي يتورط فيها، ويرتكب اعمالاً لا تأتلف وصفات الثقة والاحترام التي يجب ان يتحلى بها كل محام. مع ملاحظة مهمة، وهي انه اذا وردت عشرات الشكاوى الجزائية بحق المحامي امام مجلس النقابة للبت بطلبات اعطاء الاذونات، وكذلك عشرات الشكاوى المسلكية، ولا يزال المحامي ممعناً بارتكاب الافعال الجرمية الجزائية والمسلكية بشكل شبه يومي. فهل يمكن الاتكال على الاجراءات المسلكية امام المجالس التأديبية وهي التي تستغرق وقتاً طويلاً، بالاضافة الى ان قراراتها حسب اجتهاد محكمة الاستئناف غير معجلة التنفيذ؟ فهل ينتظر مجلس النقابة السنوات حتى يتم اتخاذ القرار بعدم المزاولة من قبل المجالس التأديبية، في الوقت الذي يرتكب فيه المحامي الافعال الجرمية بصورة شبه يومية؟ ويحمل اللقب ويشير الجميع الى اعماله؟
يتبع
“محكمة” – الإثنين في 2024/3/25