العام الدراسي الحالي بين النكبات المُتتاليـة والتطبيق السليم للقانـون/ملاك حمية
المُحامية ملاك نعمة حمية:
مرّ العام الدراسي الحالي وما زال، بنكبات كبيرة ، بدءاً من التعطيل الذي حصل اعتباراً من 17 تشرين الأوّل 2019، ومن ثمّ أزمة وباء الكورونا الذي حمل الحكومة على إعلان حالة التعبئة العامة وإقفال المدارس وسائر المؤسّسات العامة والخاصة، وتعطيل الأعمال كافة.
في هذا الصدد، يجري التساؤل عن الآثار القانونية لهذه الأحداث لا سيّما منها إعلان حالة التعبئة العامة، على الموجبات الناشئة عن عقد التعليم الخاص.
1- نشير بداية بأنّ تنفيذ عقد التعليم يقوم على علاقات تعاقديّة مُنفصلة ومُستقلّة عن بعضهم البعض:الأولى قائمة بين المدارس الخاصة والمعلّمين، ويحكمها قانون تنظيم الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة الصادر بتاريخ 1956/6/15، والذي يستثني من أحكامه المتعاقدين والمستخدمين الإداريين ويحيلهم إلى قانون العمل.
والثانية قائمة بين المدارس الخاصة والأهالي ويحكمها بشكل أساسي القانون رقم 515 الصادر بتاريخ 1996/6/6.
وبالتالي تنحصر العلاقة التعاقدية في ما خصّ الأهالي، بينهـم وبيـن المدرسة حصـراً.
– وكلا العقدين المستقلّين عن بعضهما البعض أعلاه، يدخل ضمن فئة العقود المتبادلة، أيّ التي تتضمّن التزامات مُتبادلة، إذ في العقد الأوّل (بين المدرسة والمعلمين) يلتزم أفراد الهيئة التعليميّة بالتدريس والنظارة والإدارة الفعليّـة – أيّ داخل حرم المدرسة- (المادة 4 معطوفة على المادة 15 من قانون 1956/6/15، والمادة 2 من قانون العمل)، مُقابل التزام المدرسة بدفع الرواتب والأجور (المادة 20 وما يليها من قانون 1956 والمادة 1 من قانون العمل). وفِي العقد الثاني (بين الأهالي والمدرسة) يلتزم الأهالي بدفع القسط المدرسي مُقابـل ما تُقدّمه المدرسة للتلميذ من تعليـم فعلي ونشاطات تربوية إلزامية وتأمينات ورقابة طبّية (الفقرة أ من المادة 1 من القانون 96/515).
وبما أنّ إقفال المدارس الذي بدأ اعتباراً من 2019/10/17 لفترات عديدة مُتفاوتة، ومن ثمّ اعتباراً من 2020/2/28 بشكل متواصل لغاية تاريخه ، كان بسبب أحداث عامّة طارئة لم يكن لأيّ من أطراف عقديْ التدريس والتعليم علاقة بها، بل كان معظمها بناءً لقرارات صادرة عن السلطة (سواء وزير التربية أو الحكومة) وهي تدخل ضمن مفهوم القوّة القاهرة .
2- فما هي الآثار القانونية لهذه الأحداث على المُوازنات المدرسية والأقساط والموجبات الناشئة عن عقد التعليم الخاص؟
أ – من الثابت أنّ الإلتزامات المُلقاة على عاتق أطراف عقديْ التدريس والتعليم قد نُفّذت جزئياً، ثمّ استحالت متابعة تنفيذها الفعلي بسبب القوّة القاهرة، (مع التأكيد بأنّ التعليم المقصود هو التعليم الأكاديمي الفعلي الذي يتمّ داخل حرم المدرسة).
وهنا لا بدّ من التوضيح بأنّ قيمة القسط المدرسي يُحدّد انطلاقاً من مجموع النفقات التقديريّة التي تضعها المدرسة في مُوازنتها السنويّة لكامل العام الدراسي الإعتيادي مقسوماً على عدد التلاميذ، وهذه النفقات مُحدّدة قانوناً ومُقسّمة إلى أربعة بنود هي:
البند (أ): الرواتب والأجور وبدلات الساعات الإضافية والمكافآت والمساعدات.
البند (ب):مساهمة المدرسة في صندوق التعويضات واشتراكات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وتعويض النقل (هذان البندان يمثّلان ٦٥٪ من مجموع النفقات على الأقلّ)،
البند (ج): النفقات التشغيليّة للمدرسة من مصاريف إداريّة كماء وكهرباء وهاتف وإيجارات وصيانة وتنظيف واستهلاكات ونفقات التجديد والتطوير والتعويض على صاحب الإجازة ومساعدة التلامذة المحتاجين ونفقات التأمين والرقابة الطبيّة (هذا البند يُمثّل ٣٥٪ على الأكثر)..
وهناك أخيراً البند (د) يمثّل النفقات التي تتجاوز الحدود القسوى لجهة ساعات العمل الإضافية والحقوق المكتسبة).
وبالنظر للإقفال المُتتالي والمُستمرّ للمدارس منذ بدء العام الدراسي غير معروف المصير على المدى المنظور، وللمدّة القصيرة التي فتحت خلالها أبوابها هذا العام، فإنّ النفقات الواردة في الموازنة المدرسية (المُعدّدة أعلاه) والتي قُدّرت لسير العام الدراسي كاملاً بالشكل الإعتياديّ (والتي على أساسها تمّ تحديد القسط المدرسي)، تُصبح غير مُطابقـة للواقـع.
مع الإشارة المُهمّة لنص المادة 2 من القانون 96/515 التي توجب بأن يكون مجموع الأقساط المدرسيّة متساوياً تماماً مع مجموع النفقات الواردة في المُوازنة، وبالتالي فإنّ أيّ تدنّي في قيمة هذه النفقات سيُؤدي حُكمـاً إلى انخفاض في قيمة الأقساط.
وفي هذا السياق، يُطالب الأهالي بوجوب تخفيض الأقساط عبر تعديل موازنات المدارس لتتوافق نفقاتها مع الواقع، تبعاً للأمور الطارئة والأحداث القاهرة المُستجـدّة.
فمـا هو السند القانوني الذي يُمكن الإرتكاز إليه من أجل ذلك؟
ب- بداية نُشير بأنّ المدارس الخاصة بحُكم القانون تدخل ضمن المُؤسّسات التي يجب أن لا تتوخّى الربح (المادتان 2 و 4 من القانون 515 ، والقوانين الضريبية كافة التي تُعفيها من الضرائب). ومن جهة ثانية ، فإنّه وإن كانت القوانين والمراسيم التي ترعى تنظيم الموازنة المدرسية وأصول تحديد الأقساط المدرسية ومراقبتها في المدارس الخاصة (لعلّ أهمّها القانون 96/515 والقانون 81/11 والمرسوم 81/4564) تُفسّـر تفسيراً حصريّاً وضيّقاً، إلاّ أنّ ذلك لا يحول دون تطبيق مبدأ تفسير هذه النصوص بالانسجام في ما بينها وبشكل يتوافق ونيّة المشرّع كما الأسباب الموجبة لوضعها، بحيث عند غموض النصّ يجب تفسيره بالمعنى الذي يحدث معه أثراً يكون متوافقاً مع الغرض منه ومؤمّناً التناسق بينه وبين النصوص الأخرى، وعند انتفائه يجب اعتماد المبادئ العامة وقاعدة الإنصاف.
وبالعودة للقانون 96/515، نجد بأنّه حدّد ثلاث جهات مُختصّة للقيام بمهمّة الرقابة على صحّة المُوازنات وتحديد الأقساط المدرسيّة، الأولى لجنـة الأهـل (المادة 3 والفقرة 8 من المادة 10)، والثانية مصلحة التعليم الخاص في وزارة التربية (المادة 13)، والثالثة المجلس التحكيمي التربوي عند عرض النزاع عليه (المادة 12)،
كما نجد أنّ المادة 18 منه قد أبقت سارية المفعول، سائر الاحكام التي لا تتعارض مع نصوصه، فيُضاف إلى المراجع أعلاه مرجعاً رابعاً هو قاضي الأمور المُستعجلة (المادة 19 من المرسوم 81/4564 المُتعلّقة بالكشف على القيود والمستندات والوثائق العائدة لنفقات وإيرادات المدرسة)، إضافة لاختصاصه في إتخاذ التدابير المُؤقتة والإحتياطية، كما تلك الآيلة لإزالة التعدّي الواضح على الحقوق والأوضاع المشروعة عند توافر شروطه، لأنّ هذا الإختصاص مُتعلّق بالإنتظام العام.
– أمّا الجهة المُخوّلة درس الشؤون المالية وإقرار المُوازنة وتحديد الأقساط المدرسية، فهي الهيئة المالية (المُؤلّفة من مندوبين عن لجنة الأهل ومندوبين عن إدارة المدرسة – الفقرة 7 من المادة 10 من القانون 96/515 والمادة 13 و17 من المرسوم 81/4564)،
– ولجهة المُوازنات، نصّ القانون 96/515 على وجود مُوازنة أساسيّة واحدة، ولكنّه نصّ أيضاً في الفقرة ب من المادة 3، على إمكانيّـة تقديم مُلحق للمُوازنة في مهلة أقصاها انتهاء السنة الدراسية في حالة وجود أعباء إضافيّة مُستجدّة اقتضتها قوانين وأنظمة مستحدثة، شرط موافقة لجنة الأهل عليها. وهذا أيضاً ما جاء في المادة 17 من المرسوم 81/4564، التي لحظـت حالة القوّة القاهرة ، إذ عدا أنّها أوجبـت على الهيئة المالية التثبّـت من أنّ ما لحظ في المُوازنة من أقساط ورسوم مدرسية يجـب أن لا يتجاوز الأعباء المُقدّر ترتّبها على المدرسة للسنة المدرسية المعنيّة من جهة، أوجبـت أيضـاً عليهـا التّحقـق من الأعباء المستجدّة المُترتّبة بسبب أمور طارئة أو أحداث قاهرة “خلال السنة المدرسية”، وبعد تحديد الأقساط والرسوم لهذه السنة، من جهة ثانية.
وحيث إنّ الأسباب الموجبة للقانون 96/515 كما 81/11، كما غاية المُشرّع من وضعهما، هي تطبيق وتأمين الشفافية في إدارة حسابات المدرسة، والإبقـاء علـى الرقابـة الماليّـة على قيودها كافـة، وبالتالي وبمجرّد إعطاء الهيئة المالية مهام درس الشؤون الماليّة بشكل عام ، والتثبّت من وجوب عدم تجاوز الأقساط للنفقات المُترتّبة على المدرسة، كمـا التحقّـق من الأعباء الإضافيّة المترتّبة “بعد إقرار المُوازنة الأساسيّة” بسبب أمور طارئة أو أحداث قاهرة، فهذا حُكْمـاً يعطيها الحقّ بالتدخّل للتحقّق من النقص الحاصل في الأعباء بسبب أمور طارئة أو أحداث قاهرة خلال السنة الدراسيّة، الأمر الذي يوجب على المدرسة تقديم مُلحق تعديلي للمُوازنة الأساسيّة بهذا الخصوص في مهلة أقصاها انتهاء السنة الدراسية، أسـوة بالملحق الذي تُقدّمه عند ترتّب أعباء مُستجدّة لنفس الأسباب.
ويأتي هذا التفسير مُتوافقاً ونيّة المُشرّع والغرض من وضع هذه النصوص والأسباب الموجبة لها، ألا وهي تطبيق وتأمين الشفافية في إدارة حسابات المدرسة والإبقاء على الرقابة المالية على قيودها كافة، والتأكّد من أنّ أعباء المدرسة لا تتعدّى قيمة الأقساط، إذ لا يُعقل أن تكون غاية وضع هذه النصوص على النحو المذكور أعلاه، إيلاء لجنة الأهل والهيئة المالية مهمّة التحقّق فقط من الزيادات على الأقساط خلال السنة الدراسيّة، وحرمانها حقّ التحقّق من النقصان الحاصل فيها.
ج- هذا لجهة دور لجنة الأهل ومندوبيْها في الهيئة المالية في مُراقبة المُوازنات والأقساط ، أمّا دور مصلحة التعليم الخاص في وزارة التربية فهو بالغ الأهميّة أيضاً. إذ تنصّ المادة 13 من القانون 96/515 بأنّ هذه المصلحة تتولّى مراقبة تطبيق أحكام هذا القانون، فإذا وجدت أنّ الاقساط المدرسية المُحدّدة من قبل المدرسة أو أنّ الزيادة على الأقساط كما اعتمدتها، مخالفة لأحكامه، عمدت إلى دعوة إدارة المدرسة إلى التقيّد بهذه الأحكام تحت طائلة الملاحقة القضائية وفي هذه الحال تُحدّد المصلحة للمدرسة قيمة الأقساط أو الزيادة الواجب اعتمادها، وإذا تمادت المدرسة ولم تلتزم بهذه القيمة ولم تعترض عليها في خلال عشرة أيّام من تبلّغها وجب احالتها إلى المجلس التحكيمي المختص بقرار من وزير التربية. إضافة لذلك تستعين مصلحة التعليم الخاص للقيام بالمراقبة، بعدد من الموظّفين وبخبراء المحاسبة المجازين أو مكاتب تدقيق ومراقبة الحسابات المسجّلين في نقابة خبراء المحاسبة المجازين في لبنان.
وهذه المادة واجبة التطبيق في وضعنا الراهن لإلزام المدارس الخاصّة بإعادة درس موازناتها لتتوافق مع الواقع، وإلاّ يجب على مصلحة التعليم الخاص التدقيق بها وتحديد القسط الواجب دفعه من الأهالي، علماً أنّ المُشرّع لم يُحدّد مهلة إسقاط لهذه الإجراءات.
د- ومن جهة ثالثة، وإذا سلّمنا جدلاً بانتفاء النصّ الذي يتناول بشكل مباشر وصريح حالة القوّة القاهرة وأثرها على تخفيض الموازنات والأقساط، فهنا يجب اعتماد المبادئ العامة وإلاّ قاعدة الإنصاف، لا سيّما المنصوص عنها في قانون الموجبات والعقود، الذي تنصّ المادة 343 منه على السقوط الجزئي للموجب عند عدم التنفيذ الجزئي للموجب المقابل في العقود المتبادلة في حالة القوّة القاهرة، وبالتالي فإنّ ذمّة الأهالي بدفع القسط تبرأ جزئياً بقدر استحالة تنفيذ الموجب المُقابل (أيّ موجب تعليم أولادهم داخل حرم المدرسة)، ويقتضي بمُطلق الأحوال، وسواء أكانت المدرسة قد لجأت لطريقة التعليم عن بُعْد أم لا (والتي ثبت عدم نجاحها كما عدم اعتبارها بديلاً عن التعليم الأكاديمي)، تعديل جميع موازنات المدارس وإلغاء المبالغ المتعلّقة بالنفقات التشغيليّة (البند ج من الموازنة المُفصّلة أعلاه) نسبياً عن كامل فترة التعطيل، كما شطب وإلغاء كافة المبالغ المتعلّقة بالساعات الإضافية والمكافآت والمساعدات وبدلات النقل لأفراد الهيئة التعليمية (الواردة في البندين أ و ب من الموازنة) كما شطب كافة المبالغ الواردة في البند د لانتفائها) وذلك عن كامل فترة التعطيل، ما يستتبع انخفاضاً حاداً في قيمة القسط المدرسي لهذا العام الدراسي.
– يبقى القول أخيراً ، أنّه يقتضي التكاتف والتوافق حبّياً بين مُكونات الأسرة التربويّة الثلاث في هذه الظروف القاهرة وأن يُقدّم كلّ منهم تنازلات لإيجاد حلّ عادل يضمن إستمراريّة تقديم خدمة التعليم، وإلاّ فإنّ الدور الأساسي حالياً لحلّ هذه الأزمة هو لوزارة التربية، لأنّ أيّ إجراء للجان الأهل يجب الإدلاء به أمام المجالس التحكيمية التربوية غير المشكّل مُعظمها للأسف، ولكن هذا لا يمنع اللجان والأهالي من اللجوء لقضاء العجلة في حال مُطالبة المدارس لهم بدفع كامل الأقساط غير المُحقّة أو تهديدهم بعدم استقبال أولادهم لمُتابعة دراستهم أو رفض تسجيلهم للعام الدراسي القادم، وذلك لفقدان هذه الإجراءات مُسوّغها القانوني ولتوافر حالة التعدّي الواضح على حقوق الأهالي في ظلّ توافر حالة القوّة القاهرة.
*عضو المُنسّقيّة القانونية لاتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة في لبنان.
“محكمة” – السبت في 2020/4/25