المحامي سامي أبوجوده:
ذات يوم طلع علينا الرئيس فؤاد السنيوره بمؤتمر صحافي فسَّر فيه موقفه من كمية من المال اختفت من الموازنة بخفي حنين. ولم يعلم أحد كيف تبخرّت. ثمّ طلعت أصوات من هنا وهنالك منها للاتهام ومنها للاستفسار ومنها للتساؤل. وفجأة وقبل أيّ تحقيق أو تمحيص سمعنا مقولة:”الرئيس السنيورة خطّ أحمر” ولم نعلم لماذا هذا الخطّ الأحمر! وعلى من يشتمل هذا الخط؟
يومها بدت في الأفق أوّل انتكاسة في محاربة الفساد وخشينا جميعاً من أن تتكاثر الخطوط الحمر فتحمي “المحظوظين” و”الميسورين” و”المحميين” وتبقى المحاربة قاصرة عن مطاولة من هم “يتامى” ودون الخطّ الأحمر.
لماذا تتشاطر؟ إنّ كشف الفساد هو مسألة سهلة وأقلّ تعقيداً ممّا عقدّوه. فلو كان أخوت شاناي حيّاً لكان حلّ هذه العقدة كما يلي: طالما أنّ جميع من نعموا بنعيم الوظيفة العامة ودخلوا إلى جنّة الدولة قد سبق لهم أن صرّحوا عن ثرواتهم وممتلكاتهم فهذا يعني أنّ عليهم أن يؤدّي كلّ منهم ومهما علا شأنه الحساب المفروض عليه بحكم هذا التصريح الذي سبق أن قدّمه يوم حظي بمنصبه أو بموقعه أو بما أنعمت الدولة عليه. فما عساها تكون الفائدة من التصريح المفروض عليه إذا لم يؤدِ الحساب في أيّ وقت يُطلب منه ذلك؟ فليكن له الجرأة أن يعلن عن كشف السريّة المصرفية عن أمواله وأملاكه سواء الظاهرة أم الخفية وسواء العائدة له أم العائدة لذويه ومقرّبيه!
هكذا يكون التحدّي الكبير وهكذا تكون الجدّية في محاربة الفساد وكلّ ما سواه يبقى كلاماً بكلام وخطّ أحمر يحول دون الوصول إلى الجدّية والجدوى.
إبّان الثورة الفرنسية سئل أحد قادتها لماذا تشعلون هذه الثورة، فكان جوابه: لأنّ أحداً لا يمكنه الكلام إلاّ أهل الحكم ونحن لا نثق بما يقولونه.
الثورة آتية وأهل الحكم هم من يدفعون بها. ونأمل أن تأتي قبل الانهيار الكامل وقبل الأرض المحروقة.
(نشر في النسخة الورقية من مجلّة “محكمة”- العدد 41 – أيّار 2019)
“محكمة” – الجمعة في 2019/7/12