القاضي أحمد مزهر “يفصل” بين مدرسته ومعلّمته “على طريقته”/علي الموسوي
المحامي المتدرّج علي الموسوي:
لا يمكن لأيّ قاض أن يتوقّع مسبقًا مضامين الملفّات والدعاوى التي قد تعرض عليه خلال وجوده في القضاء حتّى ولو كانت ضمن اختصاصه الوظيفي والنوعي، كما أنّه ليس باستطاعته معرفة الأطراف والفرقاء فيها قبل إحالتها إليه أو وضعه يده عليها، لكنْ من البديهي أن ينظر فيها إذا لم يستشعر حرجًا يضطرّه إلى التنازل عن مهمّته، وإلّا لجأ إلى عرض التنحّي حفاظًا على قسمه ومناقبيته ورسالته في السعي إلى إحقاق الحقّ. هذا الحقّ الصعب التحقّق والمنال في بلد غارق في الأزمات على مختلف الصعد.
ومن هذا المنطلق، فإنّ قاضي الأمور المستعجلة في النبطية أحمد مزهر لم يتصوّر يومًا أن يكون حكمًا بين مَدْرَسَته التي تتلمذ فيها ومُدرِّسَته التي لقّنته قسمًا من العلوم والمعارف المختصة بها في أحد الصفوف التعليمية، وذلك إثر نشوب نزاع قانوني بينهما، فما كان منه، وهو المحرج بطبيعة الحال، إلّا أن عرض التنحّي عن الملفّ.
وكعادته في حالات مماثلة، فإنّ مزهر يسكب عطر ابتسامته على القرارات الصادرة عنه في موضوعات لا تخلو من مواقف دقيقة، وهو بين المدرسة التي بقي فيها خمسة عشر عامًا متنقّلًا بين صفوفها وحرمها وملاعبها، وبين المعلّمة التي لم تبخل عليه بجهودها في سبيل تنمية قدراته ومهاراته العلمية والذهنية، إرتأى التنحّي، وهو هنا ليس حيادًا أو نأيًا بالنفس إنّما تلبية لموجب قانوني يفرض عليه وعلى كلّ قاض في موضع مشابه، أن يترك أمر النظر والبتّ في الدعوى لسواه ممن لا يستشعر حرجًا، ولا تربطه أيّة علاقة بالمتقاضيين، مع الإشارة إلى أنّ هناك قضاة لا يعيرون أهمّية لمبدأ التنحّي التلقائي حيث يفترض بهم الإلتزام به، فتراهم ينظرون في ملفّات تربطهم خيوط ظاهرة وغير مرئية بأطرافها، والأمثلة كثيرة وملموسة ويعرفها أهل العدليات.
فماذا جاء في قرار مزهر الواقع بين “سندان القانون ومطرقة الوفاء” على حدّ تعبيره؟
“محكمة” تتفرّد بنشر هذا القرار كاملًا:
“باسم الشعب اللبناني
إنّ قاضي الأمور المستعجلة في النبطية،
لدى التدقيق،
حيث إنّ النزاع الراهن عالق بين الجهة المعترضة وهي إحدى معلّماتي منذ الصغر وبين الجهة المعترض عليها وهي مدرستي التي تلقّيت فيها تعليمي منذ العام 1990 ولغاية تخرّجي من الصف الثالث ثانوي في العام 2005، أيّ لمدّة خمسة عشر عامًا،
وحيث إنّ المشرّع أتاح للقاضي في المادة 122 أ.م.م أن يعرض تنحّيه عن ملفّ عالق أمامه عندما يستشعر الحرج من النظر في الدعوى لأيّ سبب كان،
وحيث إنّ الحرج كما عرّفه معجم لسان العرب لابن منظور، هو الضيق الشديد الذي لا تنصرف ولا تطرف معه من شدّة النظر، وأيّ حرج أعظم من أن أضطرّ للحكم بين صرح تعليمي ضمّني إليه خمسة عشر عامًا وكان سببًا رئيسيًا في وصولي إلى ما وصلت إليه اليوم، وبين معلّمتي التي قدّمت لي أفضل ما عندها من جهد وتعب ومعارف وقد نقل عن علي بن أبي طالب قوله: “من علّمني حرفًا فقد صيّرني له عبدًا” وقد قصد عبودية الكلمة قطْعًا،
وحيث يقتضي وتأسيسًا على ما تقدّم وفي ظلّ الحرج الشديد الذي أشعر به وأنا عالق بين سندان القانون ومطرقة الوفاء، أن أعرض تنحّي عن النظر في الدعوى،
لذلك،
يقرّر ما يلي:
أوّلاً: فتح المحاكمة،
ثانيًا: عرض تنحّي عن النظر في الملفّ للأسباب المذكورة أعلاه،
ثالثًا: إحالة الملفّ لجانب محكمة الإستئناف المدنية في النبطية لإجراء المقتضى،
قرارًا صدر في النبطية بتاريخ 5/9/ 2023.”
“محكمة” – الأربعاء في 2023/5/10
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً على أيّ شخص، طبيعيًا كان أم معنويًا وخصوصًا الإعلامية ودور النشر والمكتبات منها، نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، كما يمنع نشر وتصوير أيّ خبر بطريقة الـ”screenshot” وتبادله عبر مواقع التواصل الإجتماعي وتحديدًا منها “الفايسبوك” و”الواتساب”، ما لم يرفق باسم “محكمة” والإشارة إليها كمصدر، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.