القاضي حاتم ماضي لـ”محكمة”: لتشريع يمنع التداول بالقضايا العالقة أمام القضاء.. للمحامي خمسة أيام لتقديم دفوعه وللقاضي مثلها ليصدر قراره
حاورته المحامية فريال الأسمر:
تعمد بعض الوسائل الإعلامية إلى عرض برامج تتناول قضايا منها ما هو عالق أمام المحاكم، ومنها ما هو قيد الملاحقة، وهذا أمر طبيعي ومهمّ في شقّ منه طالما أنّ الصحافة تلتزم بعرض الحادثة ونتيجتها، ولكنّ الخطر الأكبر هو أنّ وسائل الإعلام أصبحت هي المحكمة والقضاء، فتسرد الواقعة وتفاصيلها وتتدخّل في مجريات التحقيق وتصدر أحكامها في الدعوى من دون أن تستثني القاضي الذي لا يملك حقّ الردّ مباشرة.
ويسارع معظم الجمهور المتابع إلى إنزال حكم الإدانة، بناءً على ما أوصلته إليه الوسائل الإعلامية من معلومات تصل إلى حدّ الإدانة المسبقة في أحيان كثيرة، وتكون الطامة الكبرى عندما تصدر المحكمة المعنية حكماً بتبرئة الشخص ولكنْ تبقى الإدانة في ذهن الجمهور راسخة بسبب ابتعاد الإعلام عن ذكر أيّ شيء عن الحكم، وإنْ فعل رسم علامات استفهام كبيرة حوله، علماً أنّ تسليط الضوء من جديد على الحكم قد يعيد الكرامة إلى من طاوله التجريح والإساءة.
وبناء عليه، فما هو الرادع ؟ وأين هي المحاسبة؟ وأين حقوق الإنسان؟ لا بل أين هي كرامة الإنسان؟ وهل نحن اليوم بحاجة إلى تشريع يمنع وسائل الإعلام أن تصدر أحكامها قبل النطق بها أمام القضاء؟
وحينما يستدعى إعلامي أو صحافي أمام جهة قضائية، يستغلّ الشاشة الإعلامية ليصوّر للجمهور أنّه على حقّ، وأنّه غير مذنب، ويذهب أبعد من ذلك بتناول القضاة والتشهير بهم، فمن يدافع عن هؤلاء؟ ومن يملك حقّ التوضيح أو إبداء رأيه القانوني لكي نحمي هذا الهرم الرئيسي في بلادنا وهو القضاء؟.
لا شكّ أنّ القاضي إنسان وقد يخطئ ويصيب، وهناك طرق قانونية لإلغاء قراره أو فسخه أو إبطاله، ولكن هل الإعلام هو الوسيلة كما حصل أخيراً، في قضيّة الإعلامي مارسيل غانم وقضايا أخرى؟ وهل مسار الدعوى كان قانونياً؟ وما هي الدفوع الشكلية المنصوص عنها في قانون أصول المحاكمات الجزائية ؟ وما هي أصول التبلّغ وفق أحكام هذا القانون؟
إنّ الدفوع الشكلية هي دفوع إجرائية يدلى بها من وجدت لمصلحته، وهو عادة المدعى عليه، وذلك قبل البدء باستجوابه، فإذا كانت واقعةً في محلّها القانوني تردّ الدعوى العامة شكلاً، أو يتوقّف السير بها.
إذا يستطيع المدعى عليه أو وكيله دون حضوره أن يدلي بدفع أو أكثر من الدفوع الشكلية، سواء أكانت الدعوى العامة قد حُرّكت بادعاء الفريق المتضرّر مباشرة أمام قاضي التحقيق، أو كانت النيابة العامة هي التي حرّكت هذه الدعوى.
إزاء ذلك، كان لنا هذا الحوار القانوني الصرف، مع المدعي العام التمييزي السابق القاضي حاتم ماضي الذي تولّى مراكز عديدة في القضاء منها على سبيل المثال لا الحصر، رئاسة محكمة الجنايات في بعبدا، قاضي التحقيق الأوّل في بيروت، رئاسة محكمة الجنايات في بيروت، رئاسة محكمة التمييز الجزائية، ثمّ مدعي عام التمييز:
• هل يحقّ للمحامي أن يمثل أمام قاضي التحقيق ويستمهل لتقديم دفوع شكلية؟
يحقّ للمحامي أن يحضر لدى قاضي التحقيق دون حضور موكّله إذا كانت تهدف إلى الإستمهال لتقديم دفوع الشكلية.
• هل يحقّ لقاضي التحقيق أن يعطي المدعى عليه مهلة لتقديم الدفوع؟
القانون لم ينصّ أنّه يجب على قاضي التحقيق أن يمهل المحامي، أو صاحب العلاقة، مهلة لتقديم دفوع شكلية التي استمهل لتقديمها، ولكن قد يفهم أنّ هناك مهلة لا تتجاوز الخمسة أيّام مستفادة من نهاية الماده 73 من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي أعطت لقاضي التحقيق مهلة خمسة أيّام لإصدار قراره لا سيّما أنّ المهل أمام قاضي التحقيق هي مهل قصيرة جدّاً تحسب بالساعات وليس بالأيّام، ومثال على ذلك مهلة استئناف قرار إخلاء السبيل، ومهلة استئناف ردّ الدفوع أو قبولها، ومهلة التوقيف.
إلاّ أنّ التعامل القضائي جرى أحياناً بعدم إعطاء مهلة وأحياناً أخرى بأن يمنح المدعى عليه مهلة من قبل القاضي نفسه، وهذه المهلة يحدّدها هذا الأخير، وهي من المهل القضائية، وهي موجودة في العمل القضائي.
الدفوع الشكلية مرّة قبل الإستجواب
• هل هي مهلة إسقاط؟
هذه مهلة يمنحها القاضي، ولو كان هناك نصّ في القانون لكنّا نتكلّم على نوع المهلة، ولكن في كلّ حال، فهذه المهلة مهما كان مصدرها، فهي مهلة إسقاط، وهذا لا يمنع أن يتساهل القاضي ويمدّدها أو يمنح مهلة أخرى.
• هل يحقّ للمحامي أن يطلب مرّة أخرى إعطاءه مهلة لتقديم الدفوع الشكلية؟
لا يحقّ للمدعى عليه أن يستمهل مجدّداً لتقديم دفوع شكلية إذا رفض القاضي منحه هذه المهلة، لا سيّما أنّ الدفوع الشكلية تقدّم مرّة واحدة، وقبل الإستجواب.
• هل يحقّ للمحامي الذي تقدّم بطلب ردّ أن يتراجع عنه ويتابع الدعوى أمام نفس القاضي؟
يحقّ للمحامي الذي تقدّم بطلب ردّ، الرجوع عنه، ولكنْ إذا وجد القاضي أنّه لا يرغب في استكمال التحقيق في الملفّ لأيّ سبب من الأسباب المحدّدة في القانون، يستطيع التنحّي.
الإحضار والتوقيف خيار متروك للقاضي
• متى تصدر مذكّرة الإحضار بحقّ المدعى عليه؟ وهل يجوز لقاضي التحقيق الرجوع عنها؟
مذكّرة الإحضار هي المذكّرة التي يصدرها قاضي التحقيق لإحضار مدعى عليه تخلّف عن حضور الجلسة المُبلّغ موعدها أصولاً، وتهدف إلى إكراه المدعى عليه على الحضور أمام قاضي التحقيق قبل 24 ساعة من موعد الجلسة. والمذكّرة الصادرة بهذا الخصوص تفقد مفعولها بحضور المدعى عليه الجلسة، ويستطيع المدعى عليه أن يحضر طوعاً في موعد الجلسة فتصبح المذكّرة في غير مكانها، كما يستطيع القاضي ولو لم يحضر المدعى عليه في الموعد المحدّد إمّا أن يتراجع عن الإحضار، أو أن يحوّل مذكّرة الإحضار إلى مذكّرة توقيف، فالإحضار إذاً، هو خيار متروك لقاضي التحقيق، وكذلك التوقيف، ولا يوجد نصّ يلزمه باتخاذ هذا التدبير وذاك.
• هل يستطيع المدعى عليه شخصياً أو وكيله قبل موعد الجلسة أن يتقدّم بطلب إلى قاضي التحقيق يتعهّد فيه بحضور موعد الجلسة؟
يحقّ للمدعى عليه أن يتقدّم بطلب لقاضي التحقيق يتعهّد فيه الحضور في موعد الجلسة، فإذا قبل قاضي التحقيق هذا الطلب، يتمّ الرجوع عن مذكّرة الإحضار. أكثر من ذلك، يستطيع أن يحضر صبحية الجلسة ومجرّد حضوره يؤدّي إلى سقوط مذكّرة الإحضار.
التبليغ الهاتفي غير قانوني
• أصول التبليغ أمام الضابطة العدلية، هل يعتبر تبلّغ المدعى عليه هاتفياً إجراء قانونياً؟
كلا، يجب أن يبلّغ بموجب وثيقة تبليغ، ولكن جرى التعامل على التبليغ الهاتفي ومعمول به بدون نصّ.
إنّ مخالفة أصول التبليغ تؤدّي إلى عدم استطاعة المرجع القضائي أن يفرض تدابير قانونية ضدّ المدعى عليه، إلاّ أنّ حضور المدعى عليه جلسة التحقيق يزيل كلّ الأخطاء والعيوب السابقة، شرط أن يكون حضوره بإرادته.
• المهلة التي يمنحها القاضي للمتداعين، هل هي مهل ملزمة، أم أنّها غير ملزمة، أم هي لحسن سير العدالة؟
المهلة نوعان: قانونية وقضائية. المهل القانونية ملزمة، أمّا المهل القضائية فهي المهلة التي يمنحها القاضي إلى أصحاب العلاقة لإجراء عمل معيّن، وهذه المهل يحدّد القاضي مدّتها والرجوع عنها أو تكرارها وفقاً لما يراه في مصلحة ملفّ الدعوى العالقة بين يديه، وهذه مهل إسقاط، وقد سمح بها القانون والعرف والتعامل اليومي لأنّها تشكّل ما نسمّيه حسن إدارة العدالة La bonne administration de la jutice ، ويصبّ في هذا المفهوم مهلة الدفوع الشكلية التي يمنحها القاضي لمن طلبها.
الإعلام يرتّب الدعوى
• لماذا لا يحقّ للقاضي الردّ على وسائل الإعلام؟
المرجع الذي يردّ على وسائل الإعلام هو الوزير، أو مجلس القضاء، أو مدعي عام التمييز إذا كان القاضي قاضي جزاء، لأنّه غير مستحبّ أن يدخل القاضي في مواجهة، لذلك توجد جهة هي من يردّ.
أصبح اليوم، الإعلام، هو من يرتّب الدعوى وأشخاصها ويعطي النتيجة فيها سلفاً ويصبح القاضي أسيراً لهذه النتائج ولو كان ملفّه لا يحتمل هذه النتائج، لأنّه بات يخشى ردّة فعل الرأي العام ضدّه لا سيّما وأنّ الرأي العام ليس دائماً على حقّ، وبالتالي لا بدّ من تشريع يمنع التداول بالقضايا العالقة أمام القضاء، ويجب أن يكون تشريعياً جازراً.
• كيف نعوّض على القاضي عند التشهير به خاصةً وأنّ الناس تصدر أحكامها فوراً حتّى ولو صدر بعد ذلك ما يثبت صحّة أعماله تكون الفكرة الأولى هي التي تملّكت الجمهور؟
أعود وأكرّر هذه الأمور تحتاج إلى تشريعات تمنع الإعلام من الخوض في العمل القضائي تحت طائلة عقوبات رادعة، ويكتفي الإعلام بإعطاء الخبر عن حادث معيّن وعن نتيجة، وممنوع المحاكمات في الإعلام المرئي والمسموع والمقروء والإلكتروني، لأنّه يشكّل إساءة للقضاة أوّلاً، ثمّ لأصحاب العلاقة، وإساءة للحقيقة، وبنفس الوقت والأخطر تُوَجّه بشكل أو بآخر الرأي القضائي، فالقاضي ينتمي إلى هذا المجتمع، فإذا أصدر قراراً لا يراعي مشاعر الرأي العام قد يتعرّض للكثير من النقد، لا سيّما أنّه غير مسموح له أدبياً أن يقف ويدافع عن نفسه شخصياً.
(نشر في مجلة محكمة – العدد 26 – شباط 2018 – السنة الثالثة).