القاضي عبير صفا تنقذ مرضى مستشفيين بتوزيع مازوت محتجز عليهما للإستمرار في عملهما/علي الموسوي
كتب علي الموسوي:
في قرار قضائي هو الأوّل من نوعه في هذه الأزمة الحياتية الشاقة التي يعيشها الشعب اللبناني وتؤشّر إلى انهيار كلّي على كلّ المستويات، أنقذت القاضي عبير صفا مستشفيين من خطر الإضرار بصحّة المرضى الموجودين لديهما لتلقّي العلاجات المناسبة من غير مرض وداء، فأطالت في عمري عملهما من دون أيّة مخاطرة أو تفكير بالذهاب إلى الإقفال ولو المؤقّت، وذلك إلى حين حصول تصحيح للوضع القائم بتأمين الكمّيات اللازمة من مادة المازوت الضرورية لتشغيل مولّدات الكهرباء المتوافرة لديهما بعدما رُفع الصوت عاليًا في “وادي الدولة اللبنانية” من دون أن يلقى الصدى الإنساني اللازم والتفاعل المرتجى من المعنيين والمسؤولين والمنكفئين عن تحمّل مسؤولياتهم والقيام بواجباتهم المؤتمنين عليها.
فقد قرّرت القاضي صفا اليوم وبتعليل منطقي وإنساني، تسليم مستشفيي الجامعة الأميركية ورفيق الحريري الجامعي، كمّية من مادة المازوت سبق للقوى الأمنية أن احتجزتها من أصحابها المحتكرين لتحقيق أرباح فاحشة، على أن تدفع ثمنها وفق السعر الرسمي، مع إبقاء المبلغ المالي لدى صندوق المحكمة إلى حين صدور حكم عنها في هذه القضيّة بحقّ المحتكرين.
وتكمن أهمّية قرار صفا في صدوره اليوم الثلاثاء الواقع فيه 17 آب 2021، بموازاة الصحوة المتأخّرة للجيش اللبناني والأجهزة الأمنية الرسمية في دهم أماكن تخبئة مادتي البنزين والمازوت لدى تجّار صغار وكبار وشركات ومؤسّسات ومنازل وأقبية وآبار بدءًا من يوم الجمعة الواقع فيه 13 آب 2021، ومصادرتها، بعدما استفحلت عملية إذلال المواطنين أمام محطّات بيع المحروقات والأفران وما نتج عن ذلك في بعض الأحيان من توتّرات وإطلاق رصاص وسقوط ضحايا وجرحى.
وإذا ما سلك كلّ قاض معني، وهم كثر وفي غير محافظة وقضاء ومنطقة، الطريق نفسه الذي خاضته القاضي عبير صفا في قرارها هذا، فإنّه لا شكّ يساعد كثيرًا في إجلاء هذه الغيمة السوداء عن سماء اللبنانيين، إذ لا يمكن الإستمرار في العيش من دون مادة المازوت التي تحتاجها الأفران والمستشفيات ومهن أخرى والمولّدات البديلة عن غياب مؤسّسة كهرباء لبنان وتراجع حضورها في ذهن اللبنانيين. وهؤلاء اللبنانيون هم بأمسّ الحاجة إليها للإستمرار على قيد الوجود. والقضاة من هذا الشعب ويعانون ما يصيبه من أزمات وخضّات وعلى كلّ الصعد والمستويات.
ويتكلّ اللبنانيون على ضمير كلّ قاض معني بهذه الملفّات ملاحقةً ومحاكمة، للتحرّك بالشكل المطلوب، لعلّ ذلك يساعد في التخفيف من الأعباء المتراكمة عن كواهلهم، والقضاة من هذا الشعب وينطقون باسمه، والإنسان قبل القانون.
“محكمة” تنشر نصّ قرار القاضي عبير صفا أملًا في تعميمه وفي ألّا يبقى وحيدًا فريدًا لدواع إنسانية ووطنية في الدرجة الأولى والأخيرة:
“إنّ القاضي المنفرد الجزائي في بيروت،
حيث إنّه وفي ضوء ما تشهده البلاد من أوضاع إقتصادية، إجتماعية وصحيّة صعبة وسيّئة لا تنفكّ عن التوالي والتفاقم والإشتداد يومًا بعد يوم، بحيث أضحت القطاعات كافة تعاني من أزمات عدّة تتعلّق بشحّ وغلاء المواد الأساسية التي من شأنها تأمين مقوّمات العيش الكريم للمواطنين بشكل لائق، غير مهين، وبالأخصّ أزمة شحّ مادة المازوت أو بيعها بأسعار تفوق أضعاف السعر الرسمي لها،
وحيث إنّ المحكمة وفي ضوء ما صار بيانه أعلاه، ولا سيّما بعد اطلاعها على النصّ المتداول على وسائل التواصل الإجتماعي الصادر عن المركز الطبّي لمستشفى الجامعة الأميركية في بيروت بتاريخ 2021/8/14، والوارد على الموقع الرسمي للمركز المذكور، بموضوع ضرورة إمداد المستشفى بشكل عاجل بمادة المازوت إنقاذًا لعدد كبير من المرضى المعرّضين لخطر داهم في حال عدم تأمين المادة المذكورة،
وبعد التأكّد من صحّة الخبر ودرءًا لأيّ خطر لا يجوز أن يطال أيًّا من المواطنين، فكيف المرضى منهم، وإيمانًا واحترامًا لمدى أهمّية القطاع الصحّي وحاجته لتقديم الخدمات الصحّية بعد توافر المواد الأساسية لذلك،
واستئناسًا بالتعميمين الصادرين عن النيابة العامة التمييزية بتاريخ 2021/3/4 تحت الرقم 35/ص/2021، و2021/7/29 تحت الرقم 121/ص/2021
يقرّر:
تكليف فصيلة النهر، وبالسرعة القصوى، بتسليم كمّية المازوت المحجوزة بناء لإشارة النيابة العامة الاستئنافية في بيروت بتاريخ 2021/7/22، بموجب محضر التحقيق الأوّلي المنظّم لدى فصيلة النهر بالتاريخ المذكور وتحت الرقم 302/702، والبالغة 10361 ليترًا(عشرة آلاف وثلاثماية وواحد وستون ليترًا) إلى كلّ من مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، ومستشفى رفيق الحرير الجامعي، مناصفة بينهما، أيّ بمعدّل 5180.5 ليترًا(خمسة آلاف ومئة وثمانون ونصف الليتر) لكلّ منهما، على أن يقوم كلّ من المستشفيين بتسديد قيمة ما يصيبه من الكمّية المسلّمة إليه والمذكورة أعلاه، وذلك وفقًا للسعر الرسمي المحدّد من قبل وزارة الطاقة والبالغ بتاريخ اليوم 58.500 ل.ل.(ثمانية وخمسون ألفًا وخمسماية ل.ل.) لكلّ عشرين ليترًا، وذلك وفقًا لجدول الأسعار المنشور على الموقع الرسمي للوزارة المذكورة، أيّ مبلغ 15.152.962 ل.ل.(خمسة عشر مليونًا ومئة واثنان وخمسون ألفًا وتستعماية وإثنان وستون ل.ل.) يقتضي تسديدها من قبل كلّ من المستشفيين نقدًا، وعلى أن يتمّ التسليم بحضور موظّف من بلدية بيروت، ووفقًا لآلية آمنة تضمن عند إفراغ المادة المحجوزة ونقلها وتسليمها، السلامة العامة دون تعريض أيّ كان لأيّ خطر، وذلك تحت إشراف القوى الأمنية المختصة،
وعلى أن يصار إلى إيداع المبلغ المسدّد من قبل كلّ من المستشفيين في صندوق المحكمة الحديدي إلى حين صدور حكم نهائي عنها في الملفّ الوارد إليها بتاريخ 2021/8/6، والمؤسّس تحت الرقم 2021/2647 وإبلاغ ذلك ممن يلزم ليصار إلى التنفيذ بالسرعة القصوى وفقًا لما جاء في المتن.
قرارًا صدر في بيروت بتاريخ 2021/8/17.”
“محكمة” – الثلاثاء في 2021/8/17