القانون الدولي الإنساني حماية لشعوب الدول المسلوبة الحقوق/شارل الخوري أبي صعب
المحامي شارل الخوري أبي صعب:
لقد حثّت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الحكومات على التصديق على الاتفاقية الأصلية للقانون الدولي الانساني لعام 1864، وخلال السنوات التي تلت ذلك التاريخ، ومارست اللجنة جهوداً متواصلة على الحكومات من أجل ملاءمة هذا القانون مع الظروف المتغيّرة، خاصة التطوّر في أساليب ووسائل القتال، وذلك من أجل توفير الحماية والمساعدة لضحايا النزاعات المسلّحة على نحو أكثر فاعلية.
ومع تطوّر الأحداث، شهد القرن العشرين صيغاً قانونية شاملة في مجال القانون الدولي الانساني، مثل إتفاقيات جنيف لعام 1949 والبروتوكولين الإضافيين إليها لعام 1977. وتتمتّع هذه المعاهدات الدولية التي توفّر حماية خاصة للجرحى والمرضى والمنكوبين من أفراد القوّات المسلّحة وأسرى الحرب والأشخاص المدنيين، بأكبر عدد من التصديقات.
ومع بداية القرن الحادي والعشرين، تزايد عدد الضحايا، وأكثرهم من الأشخاص المدنيين، عن أيّ فترة مضت ممّا أدّى إلى خلق نظام للحماية أُطلق عليه القانون الدولي الإنساني، تميّز بالشمول والتفصيل والإجماع الملحوظ على أساس التصديق على الآليات الأساسية على الأقلّ، ولكنّه للأسف كان مصحوباً بنزعة شاملة نحو إغفال أهمّية تنفيذها والإذعان لها.
ومن ثمّ، فإنّ الحديث عن القانون الدولي الإنساني لا يمكن أن ينفصل عن إنفاذه والإلزام الضمني لمبدأ “الإحترام وكفالة الإحترام” بالنسبة للطرف الثالث، والمنصوص عليه في المادة الأولى من اتفاقيات جنيف الأربع والمادة الأولى أيضاً من البروتوكول الإضافي الأوّل.
حقّاً، إنّ وضع القانون الدولي الإنساني حيّز التنفيذ في نظام العلاقات الدولية السائد حالياً هو أمر يتعيّن على الدول الأطراف في معاهداته أن تأخذه على عاتقها. ولكن، من الواضح أنّ التدابير والآليات المتاحة في وقتنا هذا ليست كافية لقمع انتهاكات القانون الدولي الإنساني، في ظلّ غياب الرغبة السياسية للأطراف المعنية في القيام بهذه المهمّة في الوقت الحالي. (المرجع: موسوعة اتفاقيات القانون الدولي الانساني- شريف عتلم – محمد ماهر عبد الواحد – إصدار بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر- القاهرة)
الإتفاقية الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية- لاهاي 18 أكتوبر/ تشرين الأوّل 1907.
إنّ الأطراف المتعاقدة، وهي الدول التي تنضوي تحت لواء الأمم المتحدة، إذ اعتبرت أنّه إلى جانب البحث عن الوسائل الكفيلة لحفظ السلام وتجنّب النزاعات المسلّحة بين الأمم، ينبغي أيضاً الإهتمام بالحالة التي يكون فيها اللجوء إلى السلاح نتيجة لحوادث لم تفلح مساعي الأطراف في تجنّبها وحلّها.
وهي وضعت كلّ إمكاناتها، في خدمة مصالح الإنسانية والمقتضيات المتزايدة للمدنية، والمستلزمات اللازمة لحماية الفرد عندما تعجز الدولة عن حمايته والمحافظة على كيانه الحياتي والإنساني.
وترى أنّه، تحقيقاً لهذه الغاية، تجدر مراجعة القوانين والأعراف العامة للحرب، إمّا بغرض تحديدها بمزيد من الدقّة أو حصرها في نطاق يساهم قدر الإمكان في التخفيف من حدّتها.
من هذا المنطلق، رأت الدول لا سيّما الكبرى منها، أنّه من الضروري استكمال وتوضيح وتطوير بعض جوانب أعمال “المؤتمر الأوّل للسلام” الذي احتضن تلك الأفكار النابعة من تبصّر حكيم وسخي، بدءاً بمؤتمر بروكسل المنعقد عام 1874، فأقرّ أحكاماً تهدف إلى تحديد تقاليد الحرب وتنظيمها، وترى الأطراف السامية المتعاقدة أنّ هذه الأحكام التي استمدت صياغتها من الرغبة في التخفيف من آلام الحرب، كلّما سمحت بذلك المقتضيات العسكرية، وهي بمثابة قاعدة عامة للسلوك يهتدي بها المتحاربون في علاقتهم مع بعضهم البعض واحترامهم للسكّان المدنيين.
إلّا أنّه لم يكن بالإمكان في الوقت الحاضر وضع أحكام تسري في جميع الظروف التي تستجد في الواقع، فهنالك أحداث تطرأ فجأة يجب إيجاد الحلول المناسبة لها.
وعلاوة على ذلك، لم يكن يداخل الأطراف السامية المتعاقدة أنّ الحالات غير المنصوص عليها تظلّ، في غياب قواعد مكتوبة، أمراً موكولاً إلى التقدير الإعتباطي لقادة الجيوش.
وإلى أن يحين استصدار مدوّنة كاملة لقوانين الحرب، ترى الأطراف السامية المتعاقدة من المناسب إيجاد مرجع دولي كبير، فانبثقت فكرة خلق وإنشاء محكمة دولية، مهمّتها الدفاع عن الشعوب المظلومه جرّاء تعسّف في استعمال السلطة من قبل رؤسائها الذين زرعوا البلاد فساداً ودماراً وأنهكوا شعوبهم باستبدادهم وفجورهم، فلم يكن من ملجأ سوى خلق محكمة دولية سمّيت أو دعيت “بالمحكمة الجنائية الدولية” حدّد مقرّها في لاهاي – هولندا.
وإذ نؤكّد أنّ المحكمة الجنائية الدولية المنشأة بموجب النظام الأساسي ستكون مكمّلة للولايات القضائية الجنائية الوطنية أيّ للدولة التي ارتكب فيها الجرم. وتصميماً منها على ضمان الاحترام الدائم لتحقيق العدالة الدولية، إتفقت الدول على وضع نظام أساسي للمحكمة الجنائية الدولية تألّف من 128 مادة، تضمّن عدّة أبواب، أهمّها الجرائم ضدّ الإنسانية (المادة 7 من النظام الأساسي) ومسؤولية القادة والرؤساء (المادة 28 لا سيّما الفقرة 2 منها عن علاقة الرؤساء والمرؤوسين بحيث يسأل الرئيس جنائياً عن الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة والمرتكبة من جانب مرؤوسين يخضعون لسلطته) والعقوبات الواجبة التطبيق (المادة 77)، حيث ينصّ النظام في مادته الأولى:
“تنشأ بهذا محكمة جنائية دولية “المحكمة” وتكون المحكمة هيئة دائمة لها السلطة الكاملة لممارسة اختصاصها على الأشخاص إزاء أشدّ الجرائم خطورة موضع الإهتمام الدولي، وذلك على النحو المشار إليه في النظام الأساسي، وتكون المحكمة مكمّلة للولايات القضائية الجنائية الوطنية، ويخضع اختصاص المحكمة وأسلوب عملها لأحكام النظام الأساسي.”
إضافة إلى أنّ النظام المذكور نظّم في مادته الثانية العلاقة بين المحكمة والأمم المتحدة:”تنظّم العلاقة بين المحكمة والأمم المتحدة بموجب اتفاق تعتمده جمعية الدول الأطراف في هذا النظام الأساسي ويبرمه بعد ذلك رئيس المحكمة نيابة عنها”. (المادة 2).
كما اتفقت الدول على أن يكون مقرّ المحكمة في لاهاي – هولندا.
المركز القانوني للمحكمة وسلطاتها
أمّا بالنسبة للمركز القانوني للمحكمة وسلطاتها، فإنّها تتميّز بشخصية قانونية دولية وتتمتّع بالأهلية القانونية اللازمة لممارسة وظائفها وتحقيق مقاصدها، ولها أن تمارس وظائفها وسلطاتها، على النحو المنصوص عليه في النظام الأساسي في إقليم أيّة دولة طرف، ولها، وبموجب اتفاق خاص مع أيّة دولة أخرى، أن تمارسها في إقليم تلك الدولة.
أضف إلى ذلك، تتمتّع هذه المحكمة باختصاص جذري على الأشخاص الطبيعيين عملاً بالمادة 25 (باب المسؤولية الجنائية الفردية) لا سيّما الفقره 3 منها والتي تنطبق على الواقع اللبناني حيث نصّت حرفياً:
1- ………………………….
2- …………………………
3- “وفقاً للنظام الأساسي، يسأل الشخص جنائياً ويكون عُرضة للعقاب على أيّة جريمة تدخل في اختصاص المحكمة في حال قيام هذا الشخص بما يلي:
أ- ارتكاب هذه الجريمه سواء بصفته الفردية أو بالإشتراك مع آخر أو عن طريق شخص آخر، بغضّ النظر عمّا إذا كان ذلك الآخر مسؤولاً جنائياً.
– مسؤولية القاده والرؤساء الآخرين: بالإضافة إلى ما هو منصوص عليه في هذا النظام الأساسي من أسباب أخرى للمسؤولية الجنائية عن الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة:
– الفقرة 2 (من المادة 25): “في ما يتصل بعلاقة الرئيس والمرؤوس، يسأل الرئيس جنائياً عن الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة الدولية والمرتكبة من جانب مرؤوسين يخضعون لسلطته وسيطرته الفعليتين نتيجة لعدم ممارسة سيطرته على هؤلاء المرؤوسين ممارسة سليمة.
أ- إذا كان الرئيس قد علم أو تجاهل عن وعي أيّ معلومات تبيّن بوضوح أنّ مرؤوسيه يرتكبون أو على وشك أن يرتكبوا هذه الجرائم.”
اللجوء إلى هيئة الأمم المتحدة لإنقاذ شعب من براثن مسؤوليه
ليس المهمّ أنت تقدّم الدعاوى أمام أعلى مراجع قضائية في العالم،الأجدر والأولى أن يتمّ محاكمة المتهمين الذين يبقون تحت المجهر حتّى ثبوت إدانتهم بالجرائم التي ارتكبوها، ومحاكمتهم وإنزال أشدّ العقوبات بالمجرمين الذين، وفقاً للدلائل والاثباتات، تأكّد قيامهم بالأفعال الجرمية المنسوبة إليهم.
والأهمّ أن تنفّذ الأحكام الصادرة بحقّهم وفقاً للقوانين الدولية وأن لا تتأثّر المحاكم الصادرة عنها تلك الأحكام بالمناخات والتدخّلات السياسية والضغوطات التي تمارس عليها في بعض الأحيان من قبل الدول المسيطرة والفاعلة في مجلس الأمن الدولي التابع لهيئة الأمم المتحدة.
فالشعوب المظلومة والمضطهدة تستند في تقرير مصيرها إلى المحاكم الدولية لا سيّما محكمة لاهاي التي تنظر إليها كخشبة خلاص من الفساد والظلم والقهر الذي أفسد حياتها وأحلامها وكاد أن ينال من مستقبلها.
كلّ ذلك، يستتبع ادخار طاقة بشرية، تعطي دفعاً متيناً بحيث تكون المحرّك الأساسي للوصول إلى المراجع العليا من خلال معرفتها بالأساليب الواجب اعتمادها والطرق المفروض سلوكها وبالوسائل المنهجية، وكيفية اقناع ممثّلي الدول المنضوين تحت لواء هيئة الأمم المتحدة.
فكان من بين هؤلاء العارفين معمّقاً بالملفّ اللبناني المحامية انديرا الزهيري التي اختزنت في ذاكرتها قضايا شعب عانى الأمرّين، ودوّنت في جعبتها المليئة بالمتطلّبات الواجب توافرها له بهدف تحقيقها. فحملت إلى أعلى مرجع دولي وعالمي: هيئة الأمم المتحدة، أوجاع وآلام ومعاناة شعب فقد الأمل بمسؤوليه، ولم يعد لديه سوى الهيئة المذكورة لتنقذه من خضم الأزمات المالية والاقتصادية والمعيشية وغيرها، إضافة إلى أنّ المحامية الزهيري ناشدت هيئة الأمم أن تعطي لبنان أولوية لا سيّما وأنّه ينضمّ إلى الاتفاقية الدولية في الأمم المتحدة التي تنصّ على التعاون في مجال تبييض الأموال والفساد والجرائم التي تمسّ بالأمن القومي، وأكّدت عبر وقائع ثابتة أنّه أصبح بحاجة إلى عملية متجدّدة لإعادة الثقة الدولية بلبنانه المعذّب، المقهور، المظلوم بشعبه، المفكّك الأوصال.
لذلك، نردّد مع كبير من لبنان: غسان تويني: “أتركوا شعبي يعيش”.
ونحن نقول: “اتركوا شعب لبنان يعيش بحرّية وديمقراطية، لأنّه يستحقّ العيش بكرامة.”
شعب لم يعد بمقدوره أن يتكل على مسؤولين فاقدي الثقة والاحترام بأنفسهم، شعب عانى الكثير، ضحّى بالكثير، عمل على إعلاء شأن الوطن، إلّا أنّ المسؤولين ضحّوا بالوطن وبمقدّراته وبإنسانه.
علَّ أعلى مرجع دولي وعالمي يستجيب لنداءات واستغاثات شعب بات في المجهول.
“محكمة” – الثلاثاء في 2023/2/14