القصّة الكاملة لخطف فنّانات أجنبيات من زحلة وبيعهنّ للإرهابيين في سوريا
كتب علي الموسوي:
مع توقيف “أبو عجينة” علي الحجيري الرئيس السابق لبلدية عرسال، عاد الحديث عن قضيّة خطف فنّانات أجنبيات وتسليمهنّ إلى أحد التنظيمات الإرهابية إلى الواجهة، فما هي الرواية الكاملة لهذه العملية؟ وما هو دور “أبو عجينة” فيها؟ وكيف انتهت الحلقة الأخيرة من هذا الخطف الذي تمّ ليلاً في مدينة زحلة وبسهولة تامة بخروج الفتيات بإرادتهنّ ورغبتهنّ ورضا صاحب الملهى الذي كنّا يعملنّ فيه، وهو بدوره وقع معهنّ ضحيّة حفلة غشّ واحتيال ممنهجة تنفيها وكيلة الدفاع عن المتهمّ الرئيسي علاء الحجيري المحامية فادية شديد في حديث مع موقع”محكمة”، وتقول إنّ الحجيري لم يخطفهنّ، بل هو خُطف معهنّ من قبل مسلّحين، ممّا اضطرّ أفراداً من عائلته إلى الإستنفار لاسترداده!.
وقد صدر حكم في هذه القضيّة عن محكمة الجنايات في البقاع وجرى تمييزه بحسب الأصول القانونية إنطلاقاً من ثغرات قانونية اعترته بحسب شديد، ووافقت محكمة التمييز المؤلّفة من القاضي جوزف سماحة رئيساً والقاضيين فرانسوا الياس وليلى رعيدي مستشارين على طلب التمييز ونقضت الحكم وأعادت النظر في الدعوى إنطلاقاً من قرار الإتهام في 6 حزيران 2017، وأعادت استجواب المتهم الرئيسي علاء الحجيري على أن تستمع في 29 أيلول الجاري إلى مطالعة ممثّل النيابة العامة التمييزية ومرافعة المحامية شديد فيما يتعلّق بموكّلها.
وكان فصل محكمة الجنايات في البقاع والمؤلّفة من القاضي غادة عون رئيساً بالانتداب والقاضيين إيلي لطيف ولما أيوب مستشارين، في هذا الملفّ الدقيق، قد أفضى إلى إنزال عقوبة الأشغال الشاقة مدّة عشر سنوات وجاهياً بالموقوف علاء الحجيري، والأشغال الشاقة مدّة سبع سنوات وجاهياً بالموقوف الثاني عمر سعيد غدادة، علماً أنّ القاضي لطيف خالف رأي الأكثرية لجهة عطف جرم الخطف وحجز الحرّية المعاقب عليه بالمادة 569 عقوبات على المادة 217 عقوبات، كون المتهمين، برأيه، قاما معاً بعملية خطف الفتيات، وليسا محرّضين للجرم، معتبراً أنّ جرم الخطف إرهابي بحدّ ذاته، عدا عن أنّ التنسيق تمّ بالإتفاق مع جماعات إرهابية مسلّحة، وبالتالي لم يكن جائزاً خفض العقوبة من الأشغال الشاقة المؤبّدة إلاّ إلى عقوبة الأشغال الشاقة مدّة خمس عشرة سنة على الأقلّ بالنسبة إلى الحجيري وذلك بالنظر إلى ماهية الجرم ذي الخطر الشامل حسب تعبيره.
ويطرح الملفّ سلسلة أسئلة تنبّهت هيئة المحكمة لها في معرض بحثها في الحيثيات، إذ كيف يمكن لعامل في مقلع أن يدفع مبلغ ألف دولار أميركي لقاء اصطحاب الفتيات معه، فهل راتبه الشهري أو يوميّته كبيرة إلى حدّ دفع هذا المبلغ الكبير لعامل أجير يبذل عرقه تحت لفح الشمس؟ لماذا اصطحب الفتيات إلى عرسال وهي البعيدة عن زحلة قرابة الساعة وربع الساعة؟ وهل من ينوي ممارسة الجنس يترك أهالي بلدته يرونه مع الفنّانات؟ ألم يخش “الجرصة” في مجتمع مغلق لا يحبذّ هذه التصرّفات؟ ألا يقول المنطق أن يخفي تصرّفه بالإنتقال معهنّ إلى شقّة قريبة من زحلة، وليس إلى عرسال حيث هناك خطر داهم من التنظيمات الإرهابية التي كانت تعيث تخريباً وبلبلة وقلقاً وفساداً في هذه البلدة البقاعية؟ ولماذا سلك طريقاً جردياً للدخول إلى عرسال مغ الفتيات من جهة رأس بعلبك، بدلاً من المرور عبر الطريق المعتاد حتّى ولو خضع للتفتيش على الحواجز الأمنية الرسمية ما دامت الفتيات يعملنّ بشكل رسمي وقانوني ومرخّص في لبنان؟ ألم يفكّر الحجيري للوهلة الأولى، بأنّ سلوك طريق وعر يمكن أن يسبّب له خطراً ما، وهو العارف بأنّ ثمّة تنظيمات إرهابية في عرسال ومحيطها؟.
ولم يوضّح الحكم طريقة وصول الفتيات من عرسال إلى تركيا، إذ ظلّت هذه “القطبة” مخفية، مع أنّها ضرورية ورئيسية في القضيّة وتكشف سبب انتقال الفتيات إلى عرسال، وما إذا كانت الغاية اللهو والعبث، أم عملية خطف إنتهت بقبض فدية مالية من بلادهنّ، ثمّ تسفيرهنّ من تركيا.
ومهما يكن، ماذا حملت وقائع هذه القضيّة من معلومات ومعطيات بالإستناد إلى الحكم القضائي المذكور؟.
باسم الشعب اللبناني
إنّ محكمة جنايات البقاع المؤلّفة من القضاة غادة عون رئيساً بالإنتداب، والمستشارين إيلي لطيف ولما أيوب
بعد الإطلاع على كافة اوراق الدعوى،
ولدى التدقيق والمذاكرة
تبيّن أنّه بموجب قرار الإتهام رقم 524/2015 تاريخ 13/7/ 2015 وادعاء النيابة العامة، أحيل أمام هذه المحكمة المتهمان:
1- علاء عبد الحسن الحجيري(والدته فاطمة، من مواليد 1982، سجل 313/874 عرسال، أوقف غيابياً قي 12/2/ 2014، وألقي القبض عليه في 13/2/ 2015).
2- عمر سعيد غدادة (والدته فداء، من مواليد 1993، سجل 410 عرسال، أوقف غيابياً في 25/2/2014، وألقي القبض عليه في 13/2/2015).
ليحاكما بجناية المادة 569/ عقوبات لإقدامهما في البقاع وبتاريخ لم يمرّ عليه الزمن على خطف أربع فتيات أجنبيات من ملهى السحاب في زحلة.
وبنتيجة المحاكمة العلنية والوجاهية، وبعد اطلاع هذه المحكمة على مختلف التحقيقات الأوّلية والإبتدائية وعلى مجريات المحاكمة، تبيّن لها ما يلي:
أوّلاَ: في الوقائع:
تبيّن أنّه بتاريخ 26/5/ 2013 حضر المدعي خ.ز. بوكالته عن صاحب ملهى السحاب في مدينة زحلة إ.ق. وبرفقة مدير الملهى المدعو ج.ح. وادعى بجرم خطف أربع فتيات أجنبيات كنّ يعملنّ في الملهى المذكور هنّ: لودميلا ميغارا مالدوفية الجنسية، فيليستا تيجيدا كابرال دومينيكانية الجنسية، لاريسا موسازشو أوكرانية الجنسية، وكارمن جيسير تيجيدا دومينيكانية الجنسية.
وتبيّن أنّ مدير الملهى أدلى بما ملخّصه أنّه بتاريخ 22/5/2013 حضر المتهم علاء الحجيري وبرفقته المتهم الآخر عمر غدادة الذي انتحل اسم عمر الحجيري وأمضيا السهرة في الملهى مع الفتيات الأربع المذكورات. وقد صرفا في تلك الليلة حوالي الألف دولار أميركي. وفي اليوم التالي، أيّ بتاريخ 23/5/ 2013 حضر المتهم علاء الحجيري مجدّداً إلى الملهى على متن سيّارة “مرسيدس 500” سوداء وطلب اصطحاب الفتيات وذلك بناء على اتفاق مسبق معهنّن فوافق المدير ح. على ذلك بعد أن أخذ هويّة المتهم ورقم السيّارة على أن يعود مع الفتيات الساعة الثامنة مساء. وتبيّن أنّه حوالي الساعة التاسعة من التاريخ المذكور وبعد تأخّر الفتيات بالعودة، قام المدير ح. بالإتصال بالمتهم علاء الحجيري فوجد هاتفه مقفلاً، عندها عمد صاحب الملهى إلى الإتصال بالأجهزة الأمنية لإعلامهم بموضوع خطف الفتيات.
وقد أوضح المدعو ج.ح. أيضاً أنّه لاحظ أثناء وجود المتهم علاء الحجيري في الملهى خروجه عدّة مرّات إلى الخارج لإجراء مكالمات هاتفية، وكان يحمل هاتفين خليويين.
وبنتيجة التحقيق جرى توقيف المدعو محمّد ف. بينما كان يستقلّ درّاجة نارية عائدة لعلاء الحجيري، ولدى استجوابه أفاد بأنّه بتاريخ 23/5/2013، إتصل به علاء وطلب منه موافاته إلى ساحة الفاكهة في بعلبك على متن الدرّاجة النارية العائدة لعلاء، وأنّه توجّه بالفعل إلى الساحة المذكورة حيث حضرت بعد لحظات سيّارة “مرسيدس” سوداء اللون بقيادة المتهم عمر غداده، وقد شاهد بداخلها هذا الأخير وعلاء الحجيري وبينهما فتاة تجلس في الوسط، وفي المقعد الخلفي ثلاث فتيات أخريات، وأنّ علاء ترجّل عندها من السيّارة وصعد خلف محمّد ف. على متن الدرّاجة النارية وانطلق الجميع باتجاه بلدة رأس بعلبك، بعدها غابت سيّارة “المرسيدس” عن أنظاره، ثمّ سلكت الدرّاجة طريقاً جردية باتجاه بلدة عرسال، عندها طلب المتهم علاء من محمّد الذمكور الترجّل والعودة على متن شاحنة صودف مرورها بالإتجاه المعاكس، في حين تابع علاء طريقه باتجاه الجرد.
وبنتيجة التحقيقات وتحليل الإتصالات الهاتفية، تبيّن أنّه وبعد الساعة 12 من منتصف الليل من تاريخ 23-24/5/2013 توقّف إرسال هواتف الفتيات بعد دخولهنّ الأراضي السورية باستثناء الرقم(…) الذي عمل بطريقة الرومينغ وتواصل مع ثلاثة أرقام سورية. كما تبيّن من مراقبة الإتصالات الهاتفية للرقم العائد لعلاء الحجيري أنّه قد تواصل مع رمقين سوريين الأوّل يعمل داخل الأراضي السورية ويعتقد أنّه عائد لأحد المشاركين في عملية الخطف، لأنّه تواصل بشكل ملحوظ مع علاء الحجيري أثناء وجوده في ملهى السحاب بتاريخ 22/5/2013، وأثناء وجوده في مدينة زحلة، وأثناء أخذ الفتيات، وعند وصوله معهنّ إلى بلدة عرسال.
والثاني هو خطّ هاتف سوري يعمل في محيط بلدة عرسال ويتواصل مع ناشطين معارضين سوريين.
وتبيّن من المعلومات المتوافرة للأجهزة الأمنية أنّ المتهم علاء الحجيري والشخص السوري الذي يحمل رقم الهاتف الأوّل هما اللذان خطّطا لعملية خطف الفتيات الأجنبيات بقصد بيعهنّ لعناصر المعارضة السورية الموجودين في مدينة القصير.
ولدى التوسّع بالتحقيق من قبل الهيئة الإتهامية، أدلى المتهم علاء الحجيري بأنّ الغرض من خطف الفتيات كان ممارسة الجنس معهنّ، زاعماً أنّ مسلّحين أوقفوه في وسط بلدة عرسال وقاموا بخطف الفتيات وأخذوهنّ منه، ومضيفاً بأنّه يعمل في مقلع حجارة بصفة عامل، وأن لا علاقة لإبن شقيقه عمر بالجرم موضوع الدعوى.
وادلى المتهم عمر غداده بأنّ خاله المتهم علاء الحجيري هو الذي ورّطه في هذه القضيّة وعرض عليه مرافقته إلى ملهى السحاب وأنّه لم يكن يعرف الغرض من ذلك.
وكرّر المدعي خ.ز. إدعاءه، وأوضح بأنّه بعد انقضاء شهرين على خطف الفتيات المذكوراتن إتصل به أحد الضبّاط من أزمير من الشرطة التركية وأبلغه بأنّ الفتيات الأربع الأجنبيات موجودات في تركيان وأنّه سيتمّ تسفيرهنّ إلى بلادهنّ، وأنّه تكلّم مع إحداهنّ من الجنسية الدومينيكانية وتدعى فلورا.
وفي المحاكمة، أحضر المتهمان ومثلا بدون قيد.
ولدى استجواب المتهم علاء الحجيري، إعترف بما أسند إليه، لكنّه زعم بأنّه أخذ الفتيات إلى عرسال وهناك اختطفتهنّ مجموعة مسلّحة، وأنّ من اعترض طريقه هم عناصر من الجيش السوري الحرّ قاموا بأخذ الفتيات إلى سوريا.
واستجوب عمر غداده فأنكر ما نسب إليه، زاعماً بأنّ لا علاقة له بالجرم موضوع الدعوى، وأنّه لم يكن برفقة خاله عندما جرى توقيف هذا الأخير عند الحاجز المسلّح، لكنّه اعترف بقيادة السيّارة التي خطفت فيها الفتيات إلى جرود عرسال.
ورأت محكمة الجنايات في باب الحيثيات أنّه ثبت لها إقدام المتهمين الحجيري وغداده على خطف الفتيات الأجنبيات وتسليمهنّ إلى المعارضة السورية مقابل منفعة مادية، معتبرة أنّ الحجيري خطّط وحضّر ونفّذ جريمة الخطف مع أشخاص آخرين في سوريا مجهولي الهويّة.
وأضافت المحكمة أنّ إدلاء الحجيري بأنّ الغرض من خطف الفتيات هو ممارسة الجنس معهنّ غير مقنع وغير قابل للتصديق لأنّه ليس بحاجة للذهاب إلى جرود عرسال لهذا الغرض، كما أنّه عامل بسيط في أحد المقالع الأمر الذي لا يمكنه من إنفاق أكثر من ألف دولار أميركي في ليلة واحدة في الملهى برفقة الفتيات لو لم يكن مموّلاً من أشخاص ثالثين، فضلاً عن الدليل المستمدّ من الإتصالات الهاتفية والذي يثبت بما لا يقبل الشكّ أنّه كان على تواصل مستمرّ مع أشخاص سوريين منذ لحظة وجوده في الملهى، إضافة إلى ثبوت دخول الفتيات الأراضي السورية منتصف ليل 23-24/5/2013 بعد وقت قصير من اختطفاهنّ وذلك رغماً عن إرادتهنّ، وعلى فرض أنّ الفتيات عن جهل وطيش قمن بمارفقة المتهمين بقصد التسلية أو ممارسة الجنس، إلاّ أنّه من المؤكّد أنهنّ لم يكنّ على علم بالخطّة المدبّرة لهنّ والرامية إلى تسليمهنّ إلى مسلّحين في “المعارضة السورية”، وبالتالي فإنّ عناصر جريمة الخطف محقّقة.
وخلصت المحكمة إلى تجريم الحجيري وغداده بمقتضى المادة 569 عقوبات معطوفة على المادة 217 بالنسبة إلى الأوّل وإنزال عقوبة الأشغال الشاقة المؤبّدة بكلّ منهما وتخفيفها سنداً للمادة 253 عقوبات إلى عشر سنوات للأوّل وسبع سنوات للثاني، مع احتساب مدّة توقيفهما الإحتياطي، واحتساب السنة السجنية تسعة أشهر عملاً بالقانون رقم 216/2013.
“محكمة” – الإثنين في 11/09/2017.
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يرجى الإكتفاء بنسخ جزء من الخبر وبما لا يزيد عن 20% من مضمونه، مع ضرورة ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.