القصّة الكاملة لقروض القضاة ورجال الأعمال: قانونية ومن مال المصارف وليس المال العام/علي الموسوي
كتب علي الموسوي:
ما ان انتشر خبر ادعاء النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضي غادة عون على الرئيس نجيب ميقاتي ونجله وابن شقيقه وبنك”عودة” بجرائم يعاقب عليها قانون الإثراء غير المشروع، حتّى دخلت على هذا المسار حملات تشويش وشائعات من كلّ حدب وصوب تعمّدت الاستفادة من وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي لتضليل الحقائق ونشر أسماء رجال أعمال واقتصاديين وقضاة بداعي أنّهم أخذوا قروضاً من مصرف لبنان لشراء شقق وهمية، واستفادوا من أموال الدولة من دون وجه حقّ، فيما الواقع مغاير لهذا الأمر ولهذه الصورة.
وتحوم شكوك حول وقوف جهات معروفة داخل لجنة الرقابة على المصارف التابعة لمصرف لبنان المركزي وراء تسريب مثل هذه الشائعات التي لا تخدم الصالح العام على الإطلاق، باعتبار أنّ القروض المحكى عنها قانونية وتمّت بحسب ما توجبه القوانين المرعية الإجراء، وتعود للمصارف الخاصة وليست من مصرف لبنان ولا من خزينة الدولة والمال العام، كما أنّ الشقق والعقارات موجودة وحقيقية وليست وهمية، ومعظمها مسكون من مالكيها وأصحابها.
إستهداف قضاة ورجال أعمال معيّنين
والغريب أنّ لائحة الأسماء المسرّبة لتجييش الشارع والحراك الشعبي، قديمة ومعظمها سدّد المتوجّبات المالية، فيما غُيّبت أسماء أخرى كثيرة عن سابق إصرار وترصّد، من دون أن يعرف سبب هذا التغييب والاستهداف الموجّه نحو أسماء معروفة ومحدّدة، فهناك 400 قاض واقتصر التسريب على ثلاثة أسماء، كما أنّ هناك 130 ألف قرض سكني شخصي أعطي لأشخاص آخرين من رجال أعمال وأناس عاديين، فيما اقتصر التسريب والنشر على ذكر أسماء 22 شخصاً معروفين في عالم الاقتصاد والمصارف والأعمال، وأكثريتهم يؤيّدون الحراك الشعبي ومطالب الناس ضدّ الفساد، وهذا الأمر يرسم علامات استفهام كثيرة وكبيرة حول هذا التصرّف اللأخلاقي والذي يقع تحت طائلة الملاحقة والقانونية القضائية.
وفي معلومات خاصة بـ“محكمة” أنّ هناك نحو 400 قاض من أصل 550 قاضياً في الجمهورية اللبنانية استفادوا من هذه القروض بموجب بروتوكول موقّع بين صندوق تعاضد القضاة ومصرف لبنان وبضمانة الصندوق نفسه.
كما أنّ مصادر مصرفية موثوقة أكّدت لـ“محكمة” أنّ هذه القروض تمّت بحسب الأصول القانونية ولا غبار عليها على الإطلاق.
التفاصيل الكاملة
وتعود القصّة بحسب هذه المصادر، إلى الأعوام 2009 و 2010 و2011 تقريباً عندما باشر مصرف لبنان تقديم قروض مدعومة من المصارف اللبنانية الخاصة بهدف تشجيع الناس على شراء الشقق والنمو الإقتصادي في ظلّ غياب الدولة شبه التام، إذ إنّه من المعروف أنّ كلّ مصرف تجاري مضطرّ إلى وضع ودائع مالية لدى مصرف لبنان تسمّى الاحتياط الإلزامي من دون فائدة مالية تذكر، فأوعز مصرف لبنان إلى هذه المصارف لإعطاء هذه الأموال على هيئة قروض إلى الناس وبفوائد معيّنة ومحدّدة، فتستفيد المصارف ويستفيد الناس في الوقت نفسه، ووجدت المصارف الخاصة في ذلك فرصة لها لاستثمار أموالها وهذا حقّ مكتسب لها.
ولم يكن هناك سقف محدّد لهذه القروض، فتقدّم قضاة ورجال أعمال معروفون بالأسماء للإستفادة من هذه القروض والعروض المغرية وبما يفرضه القانون من موجبات، ونالوا الأموال اللازمة واشتروا بها الشقق في مناطق مختلفة.
وبالتالي، فالأموال تعود للمصارف الخاصة وليس مصرف لبنان ولا المالية العامة كما حاولت التسريبات تصوير الوضع لتجييش الناس دون فائدة، وتوجيه البوصلة في الاتجاه الخاطئ، وإذا ما كانت هنالك مخاطر معيّنة، وهي ليست موجودة أصلاً إلاّ في مخيّلة المسرّبين، فهي ملقاة على عاتق المصارف الخاصة، وليس المصرف المركزي.
وما دام المصرف الخاص موافقاً على تقديم المال والتسليفات من كيسه وجيبه الخاص، ووفق القوانين المعتمدة، وما دام تقديم القروض تمّ وفق الأنظمة المعمول بها في مصرف لبنان وبإشرافه المباشر، فلا يعود من داع للحديث عن عدم قانونيتها وتوصيفها بأنّها نهب للمال العام أو أنّها “تهريبة” ما، أو تعدّ على أموال الدولة والشعب.
القانون واضح
ويعرف القاصي والداني أنّ القانون لا يمنع تسجيل الشقق المشتراة بأسماء شركات ما دامت هذه الشركات مؤسّسة ومسجّلة بحسب الأصول القانونية.
كما أنّ كلّ عقد ناله القضاة سبقته موافقة إلزامية من صندوق تعاضد القضاة الذي تعهّد بكفالتهم، وأكثر من ذلك، فإنّه كان بإمكان القضاة على سبيل المثال، تحسين شروط القرض المأخوذ لشراء مساكن جديدة، وكذلك فعل رجال الأعمال، وبطريقة قانونية وشفّافة، وهذا واضح وصريح، وعليه تكون الأموال خاصة بالمصارف وليس مالاً عاماً، ولم تؤخذ من طريق أحد.
ولو كانت لدى القضاء أيّة شكوك حول مخالفة هذه القروض للقانون، لما انتظر سنوات ليتحرّك، ولبادر فوراً إلى استدعاء الأشخاص إلى التحقيق بمن فيهم القضاة أنفسهم الذين وردت أسماؤهم في متن اللائحة المسرّبة ومن لم يرد اسمه أيضاً ويبلغ تعدادهم 397 قاضياً تقريباً، وذلك من أجل التحقّق من صحّة المعاملات القانونية المجراة بعلم مصرف لبنان والمصارف اللبنانية الخاصة وبتشجيع منها.
مقاضاة المسرّبين
ومن حقّ الأشخاص الذين جرى التشهير بهم والإساءة إلى سمعتهم ومكانتهم المالية والإقتصادية، والإفتراء عليهم، اللجوء إلى القضاء لمقاضاة كلّ من يتبيّن ضلوعه في تسريب هذه المعلومات الخاطئة سواء أكان موجوداً داخل مصرف لبنان أو خارجه، وكلّ من شارك وساهم في نشرها لتضليل الرأي العام.
“محكمة” – الخميس في 2019/10/24