القضاء الحزبي اللبناني.. و”الفيول المغشوش”/ميريام حنا
ميريام حنا*:
من منظور موضوعي، فإنّ ملفّ الفيول المغشوش الذي شمل كلاً من لبنان والجزائر منذ مارس ٢٠٢٠، هو في الواقع قضية شراء وقود غير مطابق للمواصفات وفقاً للإتفاقية التقنية الموقّعة بين الطرفين. لكنّها أصبحت في نهاية المطاف ملاحقة سياسية. فقد تحوّل من مسألة تتعلّق بجودة الوقود إلى معركة بين أحد أطراف التحالف في الحكومة، والمتمثّل بالتيّار الوطني الحرّ، ومنافسه تيّار المردة. وهنا أصبح القضاء الأداة الأحد في يد الحكومة.
التحقيق على ما يبدو يظهر أنّ شركة سوناطراك “SPC”، والتي هي شركة تابعة لشركة النفط الجزائرية سوناطراك “Sonatrach” والتي تزوّد شركة الكهرباء اللبنانية “EDL” بالفيول المغشوش المزعوم منذ توقيع الاتفاقية في العام ٢٠٠٥. والقضية الحالية في مسألة المتورّطين في الفيول المغشوش تركّز على شركة تدعى “ZR Energy” التي تنشط في النفط اللبناني منذ ستّة أعوام، والتي فازت في العطاء فقط في نهاية العام ٢٠١٩. والتي تجد نفسها على الجانب الآخر للمقرّبين من الحكومة. وتظهر وثائق التحقيق أنّ القضاء لم يأخذ حتّى هذه اللحظة أيّ إجراء اتجاه المتورّطين في تزوير المعلومات وقبض الرشاوى منذ بداية المسألة.
هنالك ما يجعل الشخص يؤمّن بأنّ النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون والتي تتولّى هذه القضيّة، لم تأخذ أيّ إجراء اتجاه الأطراف الأخرى المرتبطة بقضيّة الفيول المغشوش. الوثائق المسرّبة تبيّن أنّ شركة “Liquigas”، وشركتها الأمّ”Carol Oil” متورّطتان في دفع ليرات ذهبية وهدايا مقابل تعديل التقارير المخبرية لشحناتهم النفطية للقطاع الخاص. وتذكر الوثائق أنّ رئيس إحدى المختبرات المسؤولة عن إجراء الفحوص لعيّنات الفيول والمدعو في الوثائق (إ . ح.) كان قد ذكر بأنّ ممثّلاً عن شركة “Liquigas” عرض عليه إعطاءه إكرامية لتسوية أيّ مسائل تتعلّق بالعيّنات. واعترف بأنّه تمّ تعديل نتائج نسبة التبخّر الحقيقية لشركة “Liquigas” والبالغة ٣٩٪ و ٣٩.٥٪ لتصبح ٤٠٪، وهو الحدّ المطلوب من قبل الدولة اللبنانية. ملفّات التحقيق تبيّن بأنّ عدداً من موظّفي المختبرات أكّدوا تلقّي إكراميات، هدايا، وذهب من “Liquigas” وأشار نفس تقرير التحقيق بأنّه درجت العادة بتلقي موظّفي المديرية العامة للنفط الهدايا من عدّة شركات ولا سيّما شركة Total وشركة “Wardie” وشركة “Uniterminal” وشركة “Liquigas” وشركة “HYPCO”.
الوضع الحالي يثير القلق بشأن التعامل غير المتساوي للقضاء اللبناني اتجاه الشركات المرتبطة بالتحقيق والسياسة الانتقائية في تجريم جهات محددة وتبرئة أخرى. وفقاً لمصادر لبنانية، فإنّ ما يجري لا يعتبر مفاجئاً باعتبار أنّ عائلة يمين المالكة لكلّ من” Liquigas” و ” Coral Oil” المقرّب من رئيس التيّار الوطني الحرّ جبران باسيل. باسيل الذي كان قد اتهمه رئيس الوزراء السابق سعد الحريري بخسائر تصل لـ ٤٢ مليار دولار أمريكي في قطاع الطاقة حينما كان وزيراً للطاقة.
لقد تناوب على وزارة الطاقة كلّ من حزب الله والتيّار الوطني الحرّ منذ توقيع الاتفاقية بين وزارة الطاقة وسوناطراك في العام ٢٠٠٥. إنّ محنة الطاقة يجب أن تقع على عاتق هذين الحزبين اللذين يشاركان في الحكومة الحالية. لكن على ما يبدو، فإنّه تتمّ حماية المقرّبين بينما تتمّ معاقبة الآخرين. إنّ كبش الفداء في هذه القضيّة يعمل فقط على تحويل الانتباه عن فشل الحكومة المستمرّ في توصيل الكهرباء المستدامة إلى الشعب اللبناني!
*المصدر: https://medium.com
“محكمة” – الثلاثاء في 2020/5/26