القضاء ومقصلة السياسة!/جمال الحلو
القاضي المتقاعد جمال الحلو:
من واقع الخبرة المعرفيّة المتخصّصة، وبحكم معايشة الكثير من القضاة على مدى أكثر من ثلث قرن، أتكلّم على واقع القضاء اليوم في ظلّ الأزمة التي ألمّت بوطننا الحبيب لبنان على المستويات والصعد كلّها مرورًا بانفجار بيروت الكارثيّ الذي ألقى بثقله على حياة المواطنين الأبرياء وممتلكاتهم.
وبعد أن أخذت الأزمة الماليّة والاقتصاديّة جنى العمر، وبعد أن أرخت الكورونا ظلالها الوبائيّة على الوضع ككلّ، إزاء كلّ ما تمّ سرده تأتي السياسة لتقوّض عمل القضاء في محاولة حثيثة لخلط أوراق التحقيق بما يخدم فئة من الساسة على حساب فئة أخرى.
ومن موقع ممارستي القضاء الجزائيّ بشكل خاصّ أقول:
في لبنان الكثير من القضاة الشرفاء، والقليل ممّن جعلوا من وظيفتهم القضائيّة منصّة لإرضاء بعض ولاة الأمر السياسيّين، فرضوا أن يكونوا مع الخوالف على حساب المناقبيّة والكرامة وعزّة النفس.
فإلى هؤلاء القلّة المنحرفة من القضاة أقول استقيلوا قبل أن تُقالوا، وقبل أن تطالكم يد السلطة القضائيّة المتمثّلة بمجلس القضاء الأعلى الذي يضمّ الغالبيّة من القضاة الشرفاء وعلى رأسهم حضرة القضاة السادة الرئيس سهيل عبّود، الرئيس غسّان عويدات، الرئيس بركان سعد الذين مذ تولّيهم مهامهم يعملون بصمت لخدمة العدالة وتحسين مستوى القضاء العادل والمعطاء.
وإلى القضاة الشرفاء وهم كُثُر أقول:
أقفلوا أبوابكم بوجه الساسة والسياسيّين، واعطوهم الصمّاء من سمعكم ما دام التدخّل يتمحور في صميم عملكم القضائيّ، وافتحوا عقولكم وقلوبكم إلى ما يخدم مصلحة الوطن والمواطن في تحقيق العدالة السامية والعدل القويم. فلا تجعلوا من القضاء سلّمًا يتمشّقه اللاهث في تحقيق المصالح، ولا تضعوا كلمتكم العليا تحت مقصلة السياسة.
والصدق في أنّ العدل أساس الملك.
والحقّ في مقولة: “لعن الله السياسة ما دخلت أمرًا إلّا أفسدته”…
وأختم لأقول نعم لاستقلاليّة القضاء كسلطة مستقلّة في جميع أمورها.
وألف نعم لمجلس القضاء الأعلى بأن يضرب بيد العدالة كلّ من تسوّل له نفسه نشر الفوضى والعبث بمقدّرات بلد بأكمله، وذلك عن طريق توجيهاته الحثيثة لحسن سير القضاء، وبلورة رؤيته الثاقبة في حسن انتقاء القضاة الشرفاء.
“محكمة” – الإثنين في 2020/9/7