اللامركزية الإدارية تشكّل حلولاً مستقبلية لمشاكلنا*
كتب المحامي سعيد علامة:
إنّ نقابة المحامين معنية بدراسة مشاريع القوانين التي بها يكتب ويصنع ويحدّد مستقبل ومصير لبنان، ويشكّل مشروع اللامركزية الإدارية إلى جانب قانون الإنتخابات العتيد أحد هذه القوانين.
وواجب علينا في نقابة المحامين أن نبدي رأياً ونحدّد موقفاً، فدور المحامي لا يقتصر فقط على المرافعة والمدافعة عن حقوق المواطنين الخاصة، بل يتعدّاه إلى تقديم المشورة، خاصة في قضايا تتعلّق بالحقّ العام وبالمصلحة الوطنية العليا.
إنّ رأينا وموقفنا يكتسب أهمّية خاصة مع تجميد العمل بالمجلس الإقتصادي والإجتماعي الذي كان يفترض أن يشكّل مساحة وواحة لقاء وحوار بين مختلف الأفكار والبرامج التي يساهم فيها المجتمع الأهلي والمدني بكافة مكوّناته من مثقّفين ومراكز أبحاث ونقابات وهيئات وجمعيات مختصة.
إنّ نقابة المحامين في بيروت هي الحصن الحصين، وإحدى قلاع الحرّية والديمقراطية والقانون في لبنان. والنقابة حريصة وضنينة على وحدتها التي شكّلت نموذجاً قافزاً فوق الاعتبارات الطائفية والمذهبية والمناطقية، وهي تمارس ديمقراطية التمثيل وتداول السلطة بانتظام.
وإذا كانت الحياة السياسية والنيابية يعبّر عنها بتداول السلطة بواسطة قانون إنتخابي (أكثري، نسبي أو مختلط)، أيّ ديمقراطية تمثيلية La democratie representative ، فإنّ اللامركزية الإدارية تقوم على ديمقراطية تشاركية La democratie participative، وعلى دور هام وفاعل ومؤثّر للمجتمع الأهلي والمدني.
أتى “إتفاق الطائف” ليضع حدّاً للحرب العبثية اللبنانية والتي كان أحد أهمّ أسبابها،الإختلال في توزيع الثروة الوطنية والتفاوت الكبير في النمو الإقتصادي بين المناطق اللبنانية، وهو ما أشار إليه وحذّر منه تقرير بعثة “إيرفد” التي ترأسها الأب “لويس جوزيف لوبريه” في مطلع ستينيات القرن الماضي. فأوصى “الطائف” باعتماد اللامركزية الإدارية بهدف تحقيق النمو المستدام والذي يقوم على ثلاثية: الإزدهار الإقتصادي، العدل الإجتماعي، والحفاظ على بيئة سليمة.
من هنا، فإنّ اللامركزية الإدارية التي نحن بصدد وضع مشروع دراسة لقانونها، غايتها إنسانية، وهي أيضاً، وسيلة لبلورة وتجسيد وتعميق تضامن وطني لبناني من خلال دعم المناطق الغنية للمناطق الفقيرة.
نريد اللامركزية الإدارية لتحقيق نمو متجانس في مختلف المناطق اللبنانية. نمو يحدّ من الفقر الذي بلغت نسبته 30 بالمئة، ويقلّص البطالة التي ارتفعت لدى شبابنا ومعظمهم يهاجر إلى 35 بالمئة.
نريد اللامركزية الإدارية لأنّها تساعد في حلّ مشاكل: الكهرباء، والماء، والنفايات، وأزمة السير. نريد اللامركزية الإدارية للحدّ من الفساد. وبكلمة واحدة، نريد اللامركزية الإدارية، لأنّها تشكّل حلولاً مستقبلية لمشاكلنا الحالية الإقتصادية والخدماتية، ولا نريدها تطبيقاً سيئاً قد يراود رؤوس البعض، فيجنح به نحو الإنفصال والتقسيم، أيّ نحو فدراليات طائفية ومذهبية، ونقول بكلّ وضوح وصراحة “لبنان أصغر من أن يقسم، وأكبر من أن يحتوى”. ونحن نفكّر ونخطّط ونعمل لقانون اللامركزية الادارية علينا أن نبقي وحدة لبنان هاجسنا، وأن تكون البوصلة والمنارة لجميع أعمالنا.
من جهة أخرى، إنّ اللامركزية الإدارية تنجح بنجاح وقوّة الدولة المركزية، والعكس صحيح.
وأودّ في هذه العجالة، أن ألقي الضوء على سبيل التوضيح لمفاهيم وفروقات بين: اللاحصرية واللامركزية والفدرالية. فاللاحصرية La deconcentration هي تفريع لمؤسّسات عامة في المناطق على أن يبقى قرارها وتمويلها مركزياً، كما يحدث مع تفريع مراكز: الأمن العام، النافعة، الشؤون العقارية وسواها.
واللامركزية La decentralisation هي سلطة محلّية منتخبة مستقلّة إلى حدّ كبير بقرارها وتمويلها، وظيفتها إنمائية.
أمّا الفدرالية Le federalisme فهي إتحاد سياسي بين دول أو مجموعات كانت في غالب الأحيان متفرّقة وحّدت سياساتها الخارجية والدفاعية، واحتفظت كلّ منها بدرجة من الإستقلالية.
الفقر والبطالة هما التربة الخصبة للتطرّف والإرهاب، فإذا كنّا نريد بناء وطن مستقر وآمن، علينا محاربة الفقر والبطالة والجهل والمرض باعتماد لامركزية إدارية روحها وطنية لبنانية متكافئة متضامنة، وأفقها لبنان الكبير بدوره ورسالته في المنطقة والعالم، كما أشار إلى ذلك “البابا القدّيس يوحنا بولس الثاني”، لبنان الغني بطاقاته الشبابية وبمغتربيه.
بعد تأخير نحو ربع قرن ونيّف لإقرار قانون اللامركزية الإدارية، فإنّنا وإن كنا مع الإسراع بإقراره، وهو يناقش حالياً في لجنة الإدارة والعدل النيابية، فلسنا مع التسرّع، كي لا يأتي قانون اللامركزية الإدارية على غرار ما حصل مع قانون الإيجارات، وما يحصل مع قانون الإنتخابات، فيتحوّل إلى مشكلة بدل أن يكون حلاً، وندعو لإشراك المجتمع الأهلي والمدني ونقابتنا في مقدّمته بهذه النقاشات قبل إقراره.
• ألقيت هذه الكلمة في مؤتمر “قانون اللامركزية الإدارية” الذي نظّمته لجنة اللامركزية الإدارية في نقابة المحامين في بيروت بالتعاون مع مؤسّسة “فريدريش آيبرت” الألمانية في “بيت المحامي” في بيروت يوم الأربعاء الواقع فيه 24 أيّار 2017.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 18- حزيران 2017).