مقالات

الله معك أستاذ صباح مطر/ميسم يونس

المحامية ميسم يونس*:
أيّها الأعزاء،
أقفُ على مذبحِ كنيسة سيدةِ الانتقالْ في تنورين، بلدتي الأمْ، لأرثيَ زميلاً، عزيزًا، غاليًا، مشرقًا، في أُفولِه، ساطعًا في شحوبِه، منتصرًا حين انكسارِه وسقوطِه تحت وطأةِ مرضٍ أنهكَه وفَتَكَ بجسدِه دون أن ينال من شموخِه اللطيف وقامتِه البهية.
أقفُ اليومَ على تخومِ غابةِ الأرز في تنورين وقد نكّستْ أغصانَها حزنًا على راحلٍ كبيرٍ من دنيا الحقِ والعدالةَ.
فقيدُنا الغالي، الأستاذ صباح مطر، في ذمّة الله.
من تنورين الى جامعة القديس يوسف في بيروت تخرّجَ صباح شليطا مطر وحازَ على شهادةٍ في الحقوق في العام 1971. إنتسبَ بعدها الى نقابةِ المحامين في بيروت وقُيد محاميًا متدرجًا في مكتب الأستاذ رولان أبو شديد، وفي سنة 1977 انتقل الى الجدول العام وانتقل في العام 1982 الى مكتبه الخاص في الأشرفية، وقد نال الميدالية النقابية الذهبية بعد مضي خمسين سنة على ممارسته للمهنة.
أيّها الراحل الكبير،
نستودُعك اليومَ في أحضانِ بلدتِك الحبيبة تنورين، بجوارِ أرز الرب وواديِ القديسين، حيث تكحلتْ عيناك بلونِ الجمال في مياهها، واكتنَزْتَ في شخصك صلابةَ جذورِ أرزِها، وذكراكَ باقيةٌ لتحاكيَ أَزلية أشلاح أغصانها.
يا صباحًا أشرَقت شمسه في حياةِ عائلةٍ فاضلةٍ كريمة، وسطعَ نورُهُ في قصورِ العدلِ وأروِقتها، وغرّد لحنُه كالبلبلِ محاميًا مترافعًا في غرفِ محاكمها.
يا صباحًا فاحَ من رقةِ إحساسه عطرُ الياسمين والبنفسج
يا صباح الخير والمحبةِ والاحترامِ والأناقةِ أنت.
سنشتَاقُ اليك أيها المحامي الرصينْ، الى صباحِك وفجرِك وشعاعِك وعطرِك والى كل خيطٍ من خيوطِ سحرِك.
ونقول مع القائل:
“كنتَ حسنَ المظهر    ولن تنساك العيون
وكنتَ حسن الخُلق    ولن تنساك القلوب”
أستاذ صباح،
نودعَك اليومَ بألمٍ ودموع ولكن أيضًا بإيمان وخشوع، نحن أبناءُ الرجاء، عالمين، مطمئنين أنك في أحضانِ الأبِ تستريح.
مردّدين معك من عليائك في رسالةِ بولس الرسول الى أهل كورنثوس:
“لأننا نعلم أنه متى تهدمت خيمتُنا الأرضية، التي نسكُنَها الآن، يكونُ لنا بناء من الله، بيتٌ لم تصنْعه أيدي البشر، أبديٌ في السموات”.
فيا من جاهدت الجهادِ الحسن، نمْ قريرَ العين لأن جهادَك بأمانةٍ محفوظٌ بين يدي زميلتين عزيزتين رنا وآيا، تتشرف نقابة المحامين في بيروت بهما، تمامًا كما تشرفتْ بانتسابِك وجهادِك ومحبتك لمهنتِك ولنقابتِك.
أيها الصديقُ الصدوق، سيكون وقعُ غيابَكَ أليمًا قاسيًا، ليس على عائلتك الحبيبةِ فحسبْ، إنما على زملائِك في مهنةِ الشرفِ التي مارستَها بأناقةٍ قلَّ نظيرُها، وبأخلاقٍ وصدقٍ وبراعةٍ، مجتهدًا، مستنبطًا للحلول ومؤتمَنًا على حقوقِ موكليك، حافظًا للحق العام، وساعيًا بدون توقف لتحقيقِ الخيرِ العام.
وكم نحنُ اليومَ، في هذا الوطنِ الحبيب بحاجةٍ الى أمثالِك في الكفاحِ والصدقِ والمهنية.
أيّها الأحباء،
باسم نقيب المحامين في بيروت الأستاذ فادي مصري الذي شرّفني وكلّفني إلقاء كلمة النقابة في وداع الزميل الأستاذ صباح مطر، وبإسم أعضاء مجلس النقابة وبإسمي الشخصي أتقدم من عائلة فقيدنا الكبير ومن ابنتية الزميلتين رنا وآيا ومن الزملاء المحامين ومن أهالي تنورين بأحر التعازي وأخلصها.
الله معك أستاذ صباح.
*ألقت عضو مجلس نقابة المحامين في بيروت ميسم يونس كلمة النقابة في رثاء المحامي صباح مطر في كنيسة سيدة الانتقال في بلدة تنورين في 2024/7/17.
“محكمة” – الخميس في 2024/7/18

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!