مقالات

“المثلية الجنسية” حقٌّ أم جريمة؟/جهاد اسماعيل

الدكتور جهاد إسماعيل*:
إثر طرح إشكالية “المثلية” على الساحة الحقوقيّة والاعلاميّة، يدّعي البعض، من لبنان وخارجه، أنّ “المثلية” حقٌّ من حقوق الانسان تكفلها الشرائع الدوليّة والدستور والقضاء اللبناني، ما يناقض، برأينا، الحقيقة في كلّ صورها، للأسباب أو الحُجج التالية:
– لم ينصّ الدستور اللبناني، بصورة صريحة أو ضمنيّة، على أحكام جزئيّة أو فئويّة لحقوق المواطن بعينه، أو على أيّ حقّ للمثليين دون سواهم، ذلك أنّ الدستور قد أقّر الحريّات الاساسيّة والشخصيّة للمواطنين عمومًا، وكَفل تنظيمها بموجب قوانين تطبيقيّة، وحرّم الاعتداء عليها بموجب قوانين تميّز بين المباح والمحظور.
وامتدادًا للتنظيم الدستوريّ والقانوني للحريّات الشخصيّة التي رسم قانون العقوبات حدودها، جرّمت المادة 534 كلّ مجامعة على خلاف الطبيعة بعقوبة الحبس حتّى سنة واحدة، والطبيعة الانسانية، المشموله في هذا النصّ، تتحدّد ، برأينا، في شرائع السماء والأرض الّتي تستقي أحكامها، أساسًا، في ما يجب أن يكون لا في ما هو كائن، حيث يبرّر الأول شرعية الثاني متى كان متوافقًا معه، لا بالعكس.
– يعتبر البعض، من حقوقيين وغيرهم، أن المثلية تندرج ضمن حريّة التعبير المكفولة في المادة 13 من الدستور اللبناني بنصّها : “حرية ابداء الرأي قولا وكتابة وحرية الاجتماع وتأليف الجمعيات كلها مكفولة ضمن دائرة القانون”، وهو اعتقادٌ خاطئ يُدحض بأمرين:
أ- المادة 13 تناولت الحرية الفكريّة( رأي – اجتماع – الجمعيات..) لا الاحتياجات الجسدية أو النفسيّة.
ب- حريّة التعبير، المزعومة، مكفولة، وفق منطوق المادة 13، ضمن دائرة القانون، والقانون، كما أسلفنا الذكر، جرّم المثلية، وهذا الأمر ينطبق تمامًا على منطوق المادة 8 من الدستور، فالحريّة الشخصيّة مصونه ضمن دائرة القانون، والأخير كان قد جزم بتحريم الفعل المشكو منه.
– يُستشفّ من المادة 9 من الدستور اللبناني بأنّ الدولة اللبنانية مَدعوة لاحترام جميع الأديان والمذاهب والشعائر الدينيّة المشروعة في النظام العام، وهو حُكمٌ يُعطي الديانات السماوية المُطبقة في لبنان شرعية دحض كلّ تدبير يخالف أحكامها ومتعلّقاتها، بما فيها “المثلية” المحرّمة، أصلاً، في متن بنودها.
– لم يأتِ العهد الدولي للحقوق الاجتماعية، خلافًا للأقاويل، على ذكر أيّ نصّ يُجيز “المثلية”، وهو، كما بات معلومًا، عدّد، بشيءٍ من التفصيل، الحقوق والحريات العامة والفرديّة، ودعا الدول، بما فيها لبنان، إلى العمل على حمايتها، وخرجت المثلية، استطرادًا، من نطاق الحماية.
– نصّت المادة 16، الفقرة الأولى، من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنّ: “للرجل والمرأة، متى أدركا سنّ البلوغ، حقّ التزوّج وتأسيس أسرة، دون أيّ قيد بسبب العرق أو الجنسيّة أو الدين”.
يُستفاد من هذه المادة أنّ مؤسّسي هذه الشرعة الدولية، والتي التزم بها لبنان، أرادوا، صراحةً، تأكيد مسألتين:
أ- إضفاء المشروعية على العلاقة بين رجل وإمرأة لا بين “رجل ورجل” أو بين “إمرأة وإمرأة”.
ب – تنزيه العلاقة الزوجية من قيد العرق أو الجنسية أو الدين، ولو أرادوا تشريع “المثلية” لكانوا أشاروا إلى ذلك بالقول:” دون أيّ قيد بسبب العرق أو الجنسية أو الدين أو الجنس”.
– صحيح أنّ المادة 17 من العهد الدولي للحقوق السياسيّة والمدنيّة قد كرّست حق الخصوصيّة بشكلٍ عام، لكن الصحيح أيضًا بأنّ المادة 23 قد أتاحت الحماية القانونية للزواج بين رجل وإمرأة حصرًا بنصّها: ” يكون للرجل والمرأة ابتداءً من بلوغ سنّ الزواج حقّ معترف به في التزوّج وتكوين أسرة”، سيّما وأن القانون اللبناني جعل من نظرية “الآداب العامة” ميزاناً في طريقة ممارسة الحقوق بما فيها “الخصوصيّة”، حينئذٍ تسقط المشروعية عن كلّ سلوك يتعارض مع الآداب العامة، وهو، على أيّ حال، جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات.
– صحيح أن قاضيّا في لبنان، في يومٍ من الأيّام، قد قدّم عذرًا للمثلية ضمن تصوّر معيّن، لكن الصحيح أيضًا أنّ قضاة آخرين، من مختلف الدرجات، قد جرّموها امتثالًا للنص القانوني، إذ إنّ القاضي يقوم بوظيفة إصدار الأحكام بمقتضى قواعد قانونيّة عامة، مما يبعده عن المزاجيّة والانتقائيّة، حيث لا ينهض الاجتهاد إلّا في حالة واحدة وهي غياب أو غموض النصّ، وهذا ما لا يتوافر في الواقعة المشكو منها.
– ما يعزّز هذا المنحى من التحليل، هو أنّ منظمة الصحّة العالمية أخرجت “المثلية” من الأمراض الّتي تستلزم المعالجة، ما يعني أنّ الحقّ المزعوم في ممارستها يُصبح بلا معنى أو مضمون، لأنّ المرض، أصلا، يرتّب حقًا للمريض، ويُوجب، في آنٍ، الحماية، في حين أنّ المثليين هم من الأشخاص الطبيعيين أو السويين، لكنّ تصرّفاتهم شاذة وغير طبيعيّة بالمعنى المألوف، مما يُخرج أفعالهم عن الطبيعة المعنيّة بالمادة ٥٣٤ من قانون العقوبات.
بناءً عليه، لا يجوز، تحت ستار “الحريات”، تقويض المسلّمات في مجتمع معيّن، لأنّ الحريّة، مهما كانت طبيعتها، وعند ثبوت شرعيتها، تُمارس ضمن ضوابط يقوم عليها المجتمع اللبناني، فكيف الحال اذا كانت الحريّة المزعومة تشكّل جرماً جزائياً يعاقب عليه القانون؟!
* باحث دستوريّ وأستاذ جامعي في القانون العام.
“محكمة” – الثلاثاء في 2023/7/4

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!