المجلس العدلي وتعيين المحقّق العدلي والرديف/يوسف الدرويش
المحامي يوسف الدرويش:
بعيدًا عن التجاذبات والآراء السياسية، حدّد قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني في الباب الخامس منه أصول تعيين قضاة المجلس العدلي وقاضي التحقيق المولج بالتحقيق للنظر والتحقيق والمحاكمة بالجرائم المحدّدة في المواد 270 وما يليها لغاية المادة 336 ضمنًا من قانون العقوبات اللبناني، إضافة إلى المواد 351 ولغاية 366 من القانون نفسه والمواد 376 لغاية 378 ضمنًا و453 لغاية 472 ضمنًا.
كما شملت صلاحيات المجلس العدلي النظر بالجرائم المنصوص عليها في القانون الصادر بتاريخ 11-1-1958 الذي تمّ بموجبه تعليق العمل بصورة مؤقّتة بتطبيق المواد 308 و309 و310 و311 و312 و313 و315 من قانون العقوبات والاستعاضة بغيرها من مواد قانونية، وإعطاء صلاحية الملاحقة بها إلى القضاء العسكري.
نبيّن بموجب مقالتنا هذه، الأحكام القانونية التي ترعى تأليف وتعيين المجلس العدلي والمحقّق العدلي لديه وأحكام الردّ والتنحّي والمرجع الصالح للنظر بها، بالإضافة إلى أصول تعيين محقّق عدلي خلفًا للمحقّق العدلي المقرّر ردّه.
أوّلًا: لقد نصّ قانون أصول المحاكمات الجزائية في الباب الخامس منه على أصول تعيين المجلس العدلي حيث نصّ على وجوب تعيين المجلس العدلي بموجب مرسوم يتخذّ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير العدل وموافقة مجلس القضاء الأعلى، من الرئيس الأوّل لمحكمة التمييز، رئيسًا له ومن أربعة قضاة من محكمة التمييز. كما أوجب القانون تعيين قاض إضافي للحلول مكان أيّ من الأعضاء في مرسوم التعيين المذكور، وذلك للحلول مكان أيّ عضو من أعضاء المجلس العدلي في حال وفاته أو تنحّيه أو ردّه للأسباب المحدّدة في المادة 120 من قانون أصول المحاكمات المدنية، أو لسبب انتهاء خدمته وفقًا للأصول القانونية.
ثانيًا: لقد حدّدت المادة 360 من قانون أصول المحاكمات الجزائية أصول تعيين المحقّق العدلي فنصّت على أنّه يتولّى التحقيق لدى المجلس العدلي قاض يعيّنه وزير العدل بناء لموافقة مجلس القضاء الأعلى. وتجدر الإشارة إلى أنّ المادة المذكورة هي المادة الوحيدة التي تحدّد أصول تعيين محقّق عدلي لدى المجلس العدلي ولم ينصّ قانون أصول المحاكمات الجزائية على أيّ آلية أخرى.
لقد أولى قانون أصول المحاكمات الجزائية صلاحيات ونظام تحقيق ومحاكمة استثنائي نظرًا لطبيعة الجرائم التي ينظر فيها المجلس العدلي بشكل مبرم دون أن يحدّد القانون أيّ مرجع قضائي آخر لاستئناف أو تمييز الأحكام الصادرة عن المجلس العدلي، وحصر طرق المراجعة بطريق الاعتراض وإعادة المحاكمة التي ينظر بها بنفسه.
كما تجدر الإشارة إلى أنّه أعفي المحقّق العدلي من التقيّد بأحكام المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي تنصّ على وجوب التقيّد بمدّة توقيف قصوى بالنسبة للجرائم المدعى بها وأيضًا لجهة المدّة القصوى لقرار منع السفر الذي يكون للقاضي أن يقرّره بحقّ المدعى عليه المشتبه به. ويعود ذلك إلى طبيعة الجرائم الخطرة التي يحقّق بها والتي تشمل الجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي وعلى أمنها الخارجي وجرائم التجسّس والصلات غير المشروعة بالعدوّ، كما تشمل تلك الجرائم الماسة بالقانون الدولى وجرائم النيل من هيبة الدولة والشعور القومي وجرائم المتعهّدين، والجرائم الناجمة عن اغتصاب سلطة أو قيادة عسكرية، أو تلك التي تستهدف إحداث فتنة أو أعمال إرهابية.
كما تشمل صلاحيات المجلس العدلي النظر في كافة الجرائم التي تهدف إلى النيل من مكانة الدولة المالية وجرائم الإختلاس وصرف النفوذ واستثمار الوظيفة العامة وغيرها من الجرائم التي لها من الأهمّية والخطورة التي تستدعي اتباع نظام خاص للملاحقة والتحقيق والمحاكمة لاسيّما تلك المحدّدة بقانون القضاء العسكري المتعلّقة بجرائم السرقة والغشّ والتزوير المنفّذة من عسكريين.
إنّ قانون أصول المحاكمات الجزائية لم تحدّد أصول ردّ المحقّق العدلي أو تنحّيه ممّا يوجب التعمّق ومناقشة الكيفية القانونية الصحيحة لتقديم طلب ردّ المحقّق العدلي والمرجع الصالح للنظر في طلب الردّ.
حيث، لا بدّ من العودة إلى القواعد العامة المتعلّقة بالأصول المحدّدة لردّ أو تنحّي القاضي، تلك المحدّدة في قانون أصول المحاكمات المدنية لاسيما في المواد 120 وما يليها.
فقد نصّت المادة 120 من قانون أصول المحاكمات المدنية على أنّه يجوز للخصوم أو لأحدهم طلب ردّ القاضي إذا كان له أو لزوجه أو لخطيبه مصلحة مباشرة أو غير مباشرة في الدعوى ولو بعد انحلال عقد الزواج أو الخطبة، أو إذا كان بينه وبين أحد الخصوم أو وكيله بالخصومة أو ممثّله الشرعي قرابة أو مصاهرة من عمود النسب أو الحاشية لغاية الدرجة الرابعة ولو بعد انحلال الزواج الذي نتجت عنه المصاهرة، أو إذا كانت له صلة قرابة أو مصاهرة لغاية الدرجة الرابعة بأحد أعضاء مجلس إدارة الشركة المختصمة أو بأحد مديريها وكانت لهذا العضو أو المدير مصلحة شخصية بالدعوى، أو إذا كان أو سبق أن كان وكيلاً لأحد الخصوم أو ممثّلًا قانونيًا له أو كان أحد الخصوم قد اختاره محكّمًا في قضيّة سابقة.
كما يجوز ردّ القاضي إذا كان قد سبق له أو لأحد أقاربه أو أصهاره لغاية الدرجة الرابعة أن نظر بالدعوى قاضيًا أو خبيرًا أو محكّمًا أو كان قد أدّى شهادة فيها. وتستثنى الحالة التي يكون فيها ناظرًا بالإعتراض أو اعتراض الغير أو إعادة المحاكمة ضدّ حكم اشترك فيه هو أو أحد أقاربه أو أصهاره المذكورين. أو إذا كان قد أبدى رأيًا في الدعوى بالذات ولو كان ذلك قبل تعيينه في القضاء. كما إذا كانت بينه وبين أحد الخصوم عداوة أو مودّة يرجّح معها عدم استطاعته الحكم بغير ميل.
وأخيرًا نصّت الفقرة الأخيرة من المادة 120 على أنّه يجوز ردّ القاضي إذا كان أحد الخصوم دائنًا أو مدينًا أو خادمًا للقاضي أو لأحد أقاربه لغاية الدرجة الثانية.
وأضافت المادة 121 من القانون نفسه وأوجبت عرض القاضي نفسه تنحّيه عن النظر بالملفّ للأسباب عينها المذكورة أعلاه، وأجازت له ذلك في حال استشعر القاضي أيّ إحراج.
ولا بدّ من القول بأنّ أحكام الردّ والتنحّي تشمل قضاة التحقيق، ونصّت المادة 52 من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنّه يجوز لأطراف النزاع طلب ردّ قاضي التحقيق.
إنّ المحقّق العدلي يقوم مقام قاضي التحقيق لدى المجلس العدلي الذي يعتبر بمثابة محكمة خاصة تخضع لنظام قضائي خاص، فيكون لأطراف النزاع طلب ردّ المحقّق العدلي أمام المرجع المختص. فكيف يتمّ تحديد هذا المرجع المختص؟
يخضع المحقّق العدلي لنظام خاص يرعى تأليف وتعيين وتنظيم عمل المجلس العدلي الذي هو بطبيعته محكمة خاصة تتألف من قضاة المحكمة العليا حصرًا، فيترأس المجلس العدلي الرئيس الأوّل لمحكمة التمييز وتتوزّع عضوية المجلس المذكور على أربعة قضاة من قضاة محكمة التمييز، ويتولّى النائب العام التمييزي أو من ينيبه من المحامين العامين لدى النيابة العامة التمييزية مهام تحريك الدعوى العامة وإبداء مطالعاتها وطلباتها، لذلك لا بدّ من إخضاع المحقّق العدلي لذات الترتيب والتنظيم القضائي الذي يخضع له رئيس وأعضاء المجلس العدلي، وبالتالي إخضاعه لسلطة محكمة التمييز التي تكون وحدها الصالحة للنظر بطلب ردّه. فهل يلزم المحقّق العدلي بالتوقّف عن النظر بالملفّ بمجرّد ورود الطلب إلى محكمة التمييز؟ ومتى يتمّ تعيين محقّق عدلى بديل للمطلوب ردّه، وما هي أصول ذلك؟
أوجب على القاضي المطلوب ردّه بموجب المادة 125 من قانون أصول المحاكمات المدنية التوقّف عن متابعة القضيّة إلى حين فصل محكمة التمييز بطلب ردّه، فيكون وقف المحقّق العدلي لإجراءات التحقيق وجوبيًا وذلك إلى حين صدور القرار بقبول طلب ردّه أو بقبول طلب الردّ.
تتخذ المحكمة قرارها بغرفة المذاكرة، ولا يكون قابلًا لأيّ طريق من طرق الطعن، إلّا أنّه لا يكون للمحكمة أيّ صلاحية بتعيين محقّق عدلي آخر، بل تنحصر صلاحية تعيين محقّق عدلي بديل للذي تمّ ردّه بوزير العدل حكمًا وحصرًا وذلك بموافقة مجلس القضاء الأعلى. ويعتبر أيّ تعيين لمحقّق عدلي بديل مخالف لهذه الأصول غير قانوني وغير قابل للتنفيذ ويعرّض إجراءات التحقيق الحاصلة في ظلّه إلى الإبطال.
“محكمة” – الأحد في 2022/9/11