المحامي صالح الدسوقي يعطّرُ بالشعرِ وجهَ السماء/عمر زين
المحامي عمر زين*:
أيّها الاصدقاء،
ايها الاوفياء،
السيدات والسادة،
تحية الحق والعروبة،
إن أجمَلَ ما في صنيع الامة، الوفاءُ لمبدعيها، والاعتزازُ بصنّاع المجد فيها، وما اشرقتْ شمسُ حضارةٍ في الارض، او انبلجَ فجرُ للحرية في شعب، إلاّ من حبر اقلامهم، ومن نزف شرايينهم، افتداء للنور القادم، وما هَمْ، على رأي فولتير ان لم يكن على رأسهم صولجان وفي ايديهمُ قلمْ.
هؤلاء يا سادة، منارات عزّ، ومصابيح رجاء.
وكم انا سعيدٌ اليوم، ان يكون لي هذه السانحة، لأتحدث عن صديق فارس من هؤلاء المبدعين الكبار، الذين نذروا حياتهم وشعرهم وادبهم لمجد لبنان الوطن، وعزّة الامة العربية في كل احوالها.
ان الشاعر العربي الكبير صالح الدسوقي، الآتي من خصب البقاع الأفْيَح، ومن صلابة جبل الباروك الصامد على الدهر، مولّها بحب بيروت الاميرة، ينشدها من روائع شعره، لتغدوا الشطّان والسفوحُ سُكارى بصوت وديع الصافي ونجاح سلام وآخرين، من قمم الفن اللبناني الخالد.
وعلى اعلى المنابر، في الوطن، وفي الشام، ومصر، وكندا بقي سيداً من اسيادها، اديب ناثر، وشاعر محلّق، فإذا كتب فكأنما انتَ في ترجيعِ مثالثٍ ومثاني، واذا انشد فازدهي يا مواكب السحر على وقع يراعه.
انتظرتهُ العاصمةُ في صباحات صوت الوطن، يعطّرُ بالشعرِ وجهَ السماء، وانتظرَتْهُ المؤسساتُ الكبرى مستشاراً ثم رئيساً للمجلس الوطني للسياحة في لبنان، ومن ثم محامياً فارساً وركناً من أركانِ مكتَبِنَا، نُناضل معاً، وتعتزّ به ساحات المحاماة ومحاريبُ القضاء.
السيدات والسادة،
لقد تخطى صالح الدسوقي تخوم الوطن الى الوطن العربي الاكبر، يغني الامة في افراحها، فيرقّ كالنَسم العليل، ويهدر في مآسيها كالسيل العَرِم، وقد رددت شعره، كل ارض العرب، من الجزائر الى العراق والشام وارض الحجاز، وعانق به الاقصى والقيامة وتراب فلسطين، وكان عاشقاً وما يزال تراب مصرَ أمِّ العروبة والزعيم الخالد جمال عبد الناصر، وقد اختير شاعراً في لجنة تكريمه المئوية وكتب بالمناسبة قصيدته الرائعة المنشورة في مجلة الهلال والصحف المصرية واللبنانية.
وكما ناضل هذا الكبير المبدع بالكلمة وجعلها جماراً يرمي بها الحكام الذين وجهوا اضطهادهم في وريد كل طالبٍ للحرية، فقد ناضل بالفعل والممارسة وكان في الخندق الاول وفي طليعة مقاومي الاجتياح الاسرائيلي عام 1982 وانشأ لهذه الغاية المجلس الثقافي للبقاع الغربي وراشيا وما زال رئيسه حتى اليوم.
ولَئِن تقلب في مناصبَ كبيرةٍ رسمية وغير رسمية، فإن لقب الشاعر هو الأحب الى نفسه دون سائر الالقاب.
تجاهلته الدولة، كشأنها مع سائر المبدعين، وانصفه كبار أدباء لبنان حتى قال فيه كبيرهم الدكتور جوزيف صايغ القائم تمثاله في حديقة شعراء زحلة: “كلما سمعتُ صالح الدسوقي او قرأتُه ذكّرني بأمير الشعراء شوقي، وكفى بذلك فخراً.
وها انتم اليوم تجسّدون قِمة الوفاء، في الامة التي يعملون على تخديرها لكنها تواجههم، فتكرمونه مع النخبة من الهامات التي تركت بصماتٍ مضيئَةً في تاريخ لبنان والعروبة.
هنيئاً لك اخي صالح مستحقاً هذا التكريم، فليصدح صوتك اعلى واكثر لتوقظ من في سمعهم وَقر.ومبارك ايمانك المستمر بقيامة هذه الامة وانت القائل:
والليلُ مهما دَجَا لا بُدَّ من فَرجٍ
والصبحُ آتٍ بوعدِ الله مُنْتَظَرُ
إنْ تُجْدِبِ الأرضُ من زرعٍ ومن مطرٍ
فنحنُ فوق ثَرَاها الزّرْعُ والمَطَرُ
عاش الابداع، عشتم، عاش لبنان
*الأمين العام السابق لاتحاد المحامين العرب
*ألقيت هذه الكلمة في تكريم المحامي والشاعر صالح الدسوقي في احتفالية المنتدى القومي العربي لأمناء على العهد القومي في “دارة الندوة” يوم الاثنين الواقع فيه 29 تموز 2019.
“محكمة” – الثلاثاء في 2019/7/30