المحامي في يومه الأغرّ/ أمل حدّاد
النقيبة أمل حدّاد*:
يومَ أحدثنا “يومَ المحامي” منذُ نيِّفٍ وعشرِ سنواتٍ، شئناهُ تدليلاً على وفاء، وتأكيداً على رسالة، وإيماناً منّا أنّ المحامي كادَ أن يكونَ رسولاً.
ومنذُ نيِّفٍ وعشرةِ أعوام، ما فتئنا نُحيي يومه، يومه المجيدَ الأغرّ، ونحيّي الفتوّة المتوّهجة والطموحَ في محامينا والمحاميات، سَواءٌ بسواء، ونُنوّهُ بما يملكون من حدّة قرائح وشدّة عزائم، ومن صون المناقب والحرص على الأمانات.
في هذا اليوم، يومِ المحامي، الذي لا نظيرَ له سوى في معابد الرهبان والراهبات، ومناسك المتصوّفين والمتصوّفات، يحلو التأملُ، تطيبُ الصلوات، تطول المناجَيات، تندى الخَلَوات، تتراقص الشموع، يسمو الشموخ، تُقرع أجراسُ القلوب، تصدحُ مآذن الرحمن، وتنهمرُ الدموع.
إنها رِسالةٌ. إنها لَرسالةٌ.
ليست حِرفةً. ليست صَنعةً. وليست مهنةً، المحاماةُ!
ومما أريد، في مناسبة إحياء “يوم المحامي”، أن أذكّر بالسجايا الخُلُقية التي يجب علينا جميعاً أن نتمنطق بها ونُنزلَها في مرتبة الأقداس، وهي:
أولاً: الإستقامة:
إستقامة مُفرِطةٌ تجعل المحامي بمنأى عن الشُّبهات، ويأنفُ من اعتماد طرقٍ ملتوية.
ثانياً: الإعتدال:
والإعتدال لا يَنالُ من الحزمِ، ولا يتنافى والصلابة. هو يَعصِمُ الخطيبَ من الملامات التي يتسبب بها القدح والبذاءة إذ الخَطابة الحقة- وبخاصةٍ الخطابة القانونية- تقضي بقولِ كل ما يجب، ولا شيءَ سوى ما يجبُ.
ثالثاً: الإستقلال:
فاستقلال المحامي مطلقٌ. فهو لا يتبع أي سلطة خارجية، ولا يضطلع بمسؤوليةٍ يؤدي عنها حساباً لأحد.
وكم من محامٍ دفع دمه ثمناً لوَقفات له وقَولات!
وكم من مواقف هَولٍ جعلت النائب العام ساغييه (Seguier) يقول: “حُميّا كريمةٌ وجسارةٌ مقدسةٌ هما من صُلب المحاماة”.
كأن المحامي كاهنُ الحقيقة: يُقاوم التعسف، يُندّد بالعنف، يعارض رأياً، يناقش مناقبيةً: إنها موجبات ضميرية عواقبها قد تتناقض ومصلحةَ المحامي الشخصية.
رابعاً: الصِّدق:
لا يحقّ لمحامٍ يعلم أنّ موكله مُذنبٌ، أن يُسَخِّر موهِبَته للدفاع عنه بريئاً، وأن يستخدم منابع فنّه كي يُثبت براءةً تُناقض الحقيقة التي يعرفها.
زميلاتي والزملاء،
في الذكرى الحادية عشرة لتكريس “يوم المحامي” وفي غَمرَات السقوط الرهيب الذي ينتاب لبناننا، ويحطّم منه المادة والروح، ويكاد يقضي على كلّ أملٍ ورجاء، ويدفع الى اليأس والإستسلام،
يبقى المحامون راسخين كالطود، متشبثين كسنديان، وتظلّ نِقابتاهما في بيروت وطرابلس تواجهان الرياح، تتحديان العواصف، تكابدان المرارات، تتعاليَان على الجراح، تختزلان مواقف الأنفة، تختزنان قيم القيامة والصمود والصعود، وهما، بإيمان الرسل والأبطال والشهداء تُدحرجان ما تراكم على لبنانهما من قلاع وحجارة وصخور، فتبعثان الحياة في شرايين الوطن العظيم العليل، وتؤديان الشهادة على وطن لا يموت.
* ألقت النقيبة أمل حداد هذه الكلمة اليوم في حفل إحياء “يوم المحامي” في “بيت المحامي” بحضور حشد من المحامين من مختلف الأعمار.
“محكمة” – الثلاثاء في 2022/10/11