المحرومة من أبنائها والمحرومة من الإنجاب:هل من إختلاف؟/ليان حسين
ليان خليل حسين*:
نشهد في مجتمعاتنا الشرقية نسوة يعانين من حرمان الأمومة. ولهذا الحرمان وجهان لا ثالث لهما: الأوّل أن تكون المرأة محرومة من الإنجاب أيّ ليس بمقدورها الانجاب، والثاني أن تكون قادرة على الانجاب وأنجبت بالفعل أطفالًا لكنّها حرمت من لذّة تربيتهم وإبقائهم بقربها إلى الأبد.
هل هناك اختلاف في هاتين الوجهتين؟ ما هو وضع المرأة الحاضنة والعاقر؟ أيمكن تصنيفهما ضمن فئة الأمّهات؟ أم أنّ هذا المصطلح منطبق فقط على الأمّ المنجبة؟
للإجابة على هذه الأسئلة المحيّرة، لا بدّ لنا من التعمّق في كلٍّ منهما على حدة.
لنبدأ بداية بالتكلّم على الأمّ المحرومة من رؤية أبنائها. هي الأمّ التي أنجبت أولادًا ومن بعدها حرمت منهم وأخذوا منها عنوة، سواء أمضت معهم مدّة معيّنة أم بقيت معهم لحين انتهاء فترة الرضاعة أو أخذوا منها مباشرة من بعد الولادة. هي ذات المرأة التي عانت تسعة أشهر بانتظار مولودها المرتقب، حاملًا لها ما تبقّى من سعادة في هذه الحياة، حالمة بتربيته وتعليمه واحتضانه بقربها كبقية الأمّهات في هذا العالم، لكنّها ومع الأسف تتفاجأ بواقع المستقبل المجهول الذي كان بانتظارها عند الولادة أو ما بعدها. فكثير من النسوة المتزوّجات غير قادرات على الاستمرار بهذا الزواج مع شركائهنّ، إنْ كان لأسباب نفسية واجتماعية تعليمية تتعلّق بهنّ أو لأسباب تتعلّق بالزوج كالتعنيف أو عدم استجابته لمطالب الزوجة كحقوقها عليه وغيرها الكثير، لكي نصل في نهاية المطاف أمام واقع مرير ألا وهو خسارة حضانة الأطفال.
على الرغم من ذلك يبقى لبعض الأمّهات إمكانية رؤية أطفالهنّ ضمن حدود زمن معيّن، لكنّ ذلك لا ينطبق عليهنّ جميعًا. فكثر هنّ النسوة اللواتي حرمن نهائيًا من رؤية أطفالهنّ، الأمر المؤسف الذي نشهده في أغلب الأحيان، وما يمكن وصفه باللإنسانية.
إنّ عدم تطبيق العدالة والإنصاف بحقّ الأمّ المشتاقة والمكسورة الخاطر، كما ولا ننسى الألم والحزن المحاط بالأولاد كونهم بحاجة لحضن أمّهاتهم، ينعكس سلبًا على كلا الجانبين. فالأمّ بحاجة لرؤية أولادها بالحدّ الأدنى خوفًا عليهم من أيّ مكروه. وكذلك الطفل بحاجة لوجود والدته بقربه للإعتناء به وباحتياجاته الخاصة وخصوصًا في السنوات الأولى من حياته وفي مقدّمتها الحنان والدفء والإهتمام الدائم، فضلًا عن أنّ هذا الأمر سوف يؤثّر سلبًا على سلوكيات الطفل وقد لا تظهر عوارضه إلّا عند الكبر، ما ينشأ لديه حالة يسودها عدم الإستقرار النفسي وشعور جاف بالحرمان.
لا بدّ من الإشارة إلى أنّه ليس كلّ فاقد لا يعطي، فهناك من يستمدّ من الحرمان قوّة لا يمكن مجاراتها. هذا الأمر متروك لشخصية الطفل وتربيته بعيدًا عن أحضان أمّه.
وهنا يأتي دور معاملة المرأة الحاضنة أو المربية. يمكن أن تكون هذه المرأة زوجة الأب أو لا تكون. ويمكن أن تكون إمرأة تنجب أولادًا أو يمكن أن لا تكون، كلّ هذه الإحتمالات واردة. فما هو دورهنّ فيها؟
المرأة التي لا تنجب، يطلق عليها إسم المرأة العاقر. هي المرأة التي حرمت من نعمة الإنجاب وحرمت من الأمومة بيولوجيا فقط. هنّ النسوة اللواتي يمثّلن فئة منفصلة عن بقيّة الفئات في المجتمع، ويطلق عليهنّ في أغلب الأحوال بالمنسيات، ويعشن حالة من العزلة والوحدة الخانقتين وينساهن المحيطون بهنّ. فضلًا عن أنّ معظم الرجال لا يفكّرون بالزواج مطلقًا بهنّ كونهن لا ينجبن. وفي حال كانت المرأة العاقر متزوّجة، يقوم زوجها بتطليقها والزواج من أخرى تنجب أولادًا. هذا بالإضافة للمعاناة التي تعيشها داخل أسرتها، فغالبًا ما تكون غير محبوبة بين إخوتها وخاصة في ما يتعلّق بالميراث فإنّها لا يمكن لها أن تورّث أبناء من نسلها البيولوجي.
بهذا الوضع الذي تعيشه هذه الإنسانة تولد لديها عدّة تداعيات منها نفسية وأخرى جسدية. هذه المعاملة الجافة والقاسية من قبل المجتمع وأحيانًا من الأسرة أيضًا تزيد وضع المرأة سوءًا شيئًا فشيئًا. فهل هذه هي المعاملة التي تستحقّها هذه المرأة؟ وهل من حقّ المجتمع ككلّ فرض مثل هذه المعاملات القاسية والجافة عليها؟
المرأة التي لا تنجب، تشعر في داخلها بفائض من الحبّ والحنان والعاطفة تجاه الأطفال حتّى أنّها قد تفوق في بعض الأحيان تلك العاطفة التي تكتسبه الأمّ البيولوجية. بالإضافة لذلك لوحظ بعد عدّة دراسات أجريت بأنّ المرأة تكتسب من انتقادات المجتمع لها حافزًا لتكوين شخصيتها القويّة وتشعر بالتالي أنّ باستطاعتها إعطاء الحنان والدفء المنتظر للأطفال وذلك عبر تبنّي طفل يتيم أو طفل متروك راغب بتكوين عائلة تحيطه وترعاه.
ختامًا، الأمّ هي كلّ إمرأة تؤدّي دورًا تربطها فيه علاقة أمومة بطفل قد يكون من نسلها البيولوجي أو قد لا يكون، كما هي الحال عند المرأة العاقر أو الحاضنة. ليس هناك من تفرقة أو اختلاف بين الأمّ البيولوجية وغير البيولوجية، فهما متساويان في المحبّة والعطاء، وكلّ واحدة منهما تفدي أبناءها بروحها في سبيل إسعادهم، ولا أحد منهما تستحقّ أن تكون بعيدة عن أطفالها أو تحرم منهم ومن الشعور بالأمومة. لذلك علينا أن نسعة جاهدين لمنح كلّ إمرأة حقّ احتضان أبنائها بالطريقة التي ترغب بها، وبالطريقة التي تناسب الأولاد أيضًا.
ومهما يكن من أمر، علينا السعي جاهدين في سبيل تأمين باب الأمان والطمأنينة في قلوب أمّهات محرومات من أهمّ حقوقهنّ البسيطة ومنها حقّها في رؤية أطفالها.
مصادر:
• مقال “المرأة العاقر أمّ مثالية وزوجة رومانسية” للكاتبة سماح بن عبادة- صحيفة العرب – تاريخ النشر: الأحد في 5 شباط 2017.
• مقال “حنان الأمّ في الصغر يضمن حياة مستقرّة في الكبر”- موقع البيان – تاريخ النشر 9 نيسان 2011.
*ماجستير في الحقوق \ قانون عام
“محكمة”- الأحد في 2022/1/23