المحكمة الجنائية الدولية: تحديات قانونية بعد صدور مذكرات التوقيف/جاد طعمه
المحامي الدكتور جاد طعمه:
تمهيد:
بتاريخ 21 تشرين الثاني 2024 قامت المحكمة الجنائية الدولية باصدار مذكرات توقيف غيابية بحق رئيس حكومة الكيان الصهيوني المغتصب لأرض فلسطين “إسرائيل” بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت وقائد حماس محمد الضيف.
هذا الاجراء يمثل تطورًا قانونيًا كبيرًا في مجال القانون الدولي وستفرض معه اشكاليات وتحديات قانونية عدة.
وفقًا لنظام روما الأساسي تتمتع المحكمة بصلاحية إصدار مذكرات توقيف ضد الأفراد المتهمين بارتكاب جرائم دولية خطيرة مثل جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية، بالتالي فهذه المذكرات تتعلق باتهامات لأفعال قد تُعتبر جرائم حرب بموجب النظام الأساسي للمحكمة.
من الناحية القانونية، يعد اصدار هذه المذكرات خطوة هامة لكنها تواجه تحديات كبيرة في آلية التنفيذ، إذ إنّ الكيان الصهيوني المغتصب لأرض فلسطين “إسرائيل” لا يعترف باختصاص هذه المحكمة، ولم يصادق على نظام روما الأساسي، وبالتالي فإن هذا الكيان لن يتعاون مع المحكمة في هذا الشأن. إضافة إلى ذلك، منظمة حماس هي منظمة غير حكومية وغير معترف بها كدولة، ولذلك فهي أيضًا لا تعترف باختصاص المحكمة.
كان لافتاً أن الادارة الأميركية وجهت انتقاضات حادة للمحكمة بعد الاعلان عن صدور مذكرات التوقيف، وهذا يدلل على التوترات السياسية القائمة بين الولايات المتحدة والمحكمة، فالولايات المتحدة كانت ولا تزال تعارض دور هذه المحكمة خوفاً من التحقيق بالجرائم المرتكبة من قبل جنود أمريكيين حول العالم لا سيما في أفغانستان والعراق.
هذه الانتقادات ترافقت مع تهديدات من دعم الدول الأخرى للمحكمة، وهذا كله يدخل ضمن اطار الضغوط السياسية على المحكمة تماماً كالضغوط التي مورست على محكمة العدل الدولية الناظرة بالشكوى المقدمة من دولة جنوب أفريقيا والمتعلقة باقتراف جرائم ابادة جماعية بحق أهالي غزة، لكن من الناحية القانونية، تبقى المحكمة الجنائية الدولية مستقلة ولها صلاحيات وفقًا لنظامها الأساسي ستمارسه وستكون مواقف الدول الأعضاء التي تدعم اختصاص المحكمة موضع مراقبة من قبل المجتمع الدولي. مما لا شك فيه أن التوقعات القانونية لما يمكنه أن يجري هي توقعات معقدة، لكن يمكن للمحكمة متابعة الإجراءات القانونية اللازمة من خلال آليات التعاون الدولي وهنا يكمن التحدي الأكبر لمحكمة اقترن اطلاقها بعبارة “تحدي الحصانات” وهذا التحدي يجد مصدره في أسباب انسانية.
التحديات والاشكاليات سيتم استعراضها والرد عليها تباعاً بأسلوب بسيط عبر طرح التساؤلات الآتية:
1- ما هي الاجراءات القانونية التي تسبق صدور مذكرة التوقيف الغيابية عن المحكمة الجنائية الدولية ؟
2- ما هي الخطوات القانونية المتاحة للشخص الذي صدرت بحقه مذكرة توقيف غيابية عن المحكمة الجنائية الدولية ؟
3- ما هي النتائج القانونية التي سيتم التوصل لها في حال قامت الدول الأعضاء في المحكمة بمتابعة الاجراءات بشكل جدي وفعال ؟
4- ما هي النتائج السياسية التي سيتم التوصل لها في حال قامت الدول الأعضاء في المحكمة بمتابعة الاجراءات بشكل جدي وفعال ؟
5- عرض لحالات تم فيها تجاهل مذكرات التوقيف الغيابية الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية سابقاً.
6- ما هي أسباب رفض الولايات المتحدة الأميركية دعم نظام المحكمة الجنائية الدولية ؟
السؤال الأول: ما هي الاجراءات القانونية التي تسبق صدور مذكرة التوقيف الغيابية عن المحكمة الجنائية الدولية ؟
هناك سلسلة من الإجراءات القانونية والتحقيقية التي يجب اتباعها، بدءًا من التحقيقات الأولية وصولًا إلى إصدار المذكرة. سنعرض الخطوات التي تسبق صدور مذكرة التوقيف الغيابية والجهات المسؤولة عنها:
الخطوة الأولى: مباشرة التحقيق من قبل مكتب المدعي العام.
مكتب المدعي العام التابع للمحكمة الجنائية الدولية هو الجهة المسؤولة عن التحقيق في الجرائم التي تدخل ضمن اختصاص المحكمة.
يمكن أن يبدأ التحقيق بناءً على إحالة من قبل دولة عضو في المحكمة الجنائية الدولية، أو إحالة من قبل مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، أو تحقيقات تمهيدية يقوم بها مكتب المدعي العام بناءً على معلومات مستقلة يتم جمعها حول وقوع الجرائم. يقوم مكتب المدعي العام بجمع الأدلة والشهادات لتحديد ما إذا كانت هناك أسس معقولة لفتح تحقيق رسمي وإذا كانت ظروف الجريمة التي يحقق فيها تستدعي المحاكمة الدولية.
الخطوة الثانية:التحقيقات المتعمقة.
إذا تم اتخاذ قرار بفتح تحقيق رسمي، يبدأ المدعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية في جمع الأدلة عبر البحث في مواقع الجرائم، مقابلة الشهود وتحليل الوثائق المتوافرة المتعلقة بالجريمة. وان كانت الأدلة كافية لتوجيه التهم ضد شخص معين، يتم جمع الأدلة لتحديد دور هذا الشخص في الجرائم التي يتم التحقيق بشأنها.
الخطوة الثالثة:إصدار مذكرة توقيف بعد التحقيق.
بعد جمع الأدلة، وإذا كان لدى المدعي العام أدلة كافية ضد شخص ما، فإنه يقدم طلبًا إلى **الدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية لإصدار مذكرة التوقيف. الدائرة التمهيدية مؤلفة من ثلاثة قضاة مستقلين وتكون مسؤوليتها مراجعة الأدلة التي توافرت لدى المدعي العام. وبعد تقييم الأدلة والتدقيق فيها يتم تدارس مدى توافر الأساس القانوني لإصدار مذكرات التوقيف، فان وجدت الدائرة أن الأدلة مقنعة بما يكفي لدعم التهم الموجهة ضد الشخص المتهم من قبل المدعي العام حينها تصدر الدائرة مذكرة التوقيف.
مذكرة التوقيف الغيابية هي أمر صادر عن المحكمة الجنائية الدولية يقضي بتوقيف الشخص المتهم بارتكاب الجرائم الدولية في حال عدم تواجده في المحكمة. تُعتبر المذكرة غيابية في الحالات التي لا يمكن فيها القبض على الشخص بسبب هروبه أو مقاومته لاجراءات القبض عليه.
بعد إصدار المذكرة يتم الإعلان عنها من خلال نشرها على الموقع الرسمي للمحكمة الجنائية الدولية وتعميمها على كافة الدول الأعضاء بحيث يتم إعلام الدول بضرورة التعاون مع المحكمة لتأمين القاء القبض على الشخص المطلوب.
تشترط المحكمة الجنائية الدولية على الدول الأعضاء التعاون الكامل في تسليم الأشخاص الذين صدرت بحقهم مذكرات التوقيف.
هنا يأتي دور وجوبي على الدول الأعضاء في المحكمة لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتسليم الشخص المتهم إذا تم القبض عليه، يشمل ذلك تسليمه للمحكمة الجنائية الدولية لتبدأ محاكمته. إذا كان الشخص مختبئاً في دولة ليست عضو في المحكمة، يمكن للمحكمة ان تقوم بمفاوضات دبلوماسية مع الدولة المعنية لتسليم الشخص.
الخطوة الرابعة:التزامات الدول الأعضاء.
1- الالتزام بالتعاون، هذا الموجب ملقى على كافة الدول الأعضاء في المحكمة عندما تصدر بحقهم مذكرات توقيف بحقهم.
2- في حالات الامتناع عن التنفيذ من قبل الدول الأعضاء بسبب اعتبارات سياسية أو دبلوماسية أو قانونية، يمكن للمحكمة الجنائية الدولية مراسلة الدول الأعضاء عبر وفود دبلوماسية أو من خلال احالات توجهها للدول الأعضاء أو من خلال وساطات تقوم بها الدول الأعضاء الملتزمة، فإنْ لم يتغير الموقف يكون متاحاً رفع الأمر الى الجمعية العامة للأمم المتحدة أو مجلس الأمن الدولي وللأخير أن يمارس سلطته وصلاحياته المنبثقة من ميثاق الأمم المتحدة لالزام الدولة العضو الممتنعة بتنفيذ تعهداتها والتزاماتها، كما يمكن للمحكمة فرض الزامات رمزية أو حرمان الدولة العضو الممتنعة من بعض حقوقها لديها.
3- تجدر الاشارة أن الدول غير الأعضاء وهي الدول التي لم تصدق على نظام روما، مثل الولايات المتحدة، روسيا، الصين، الهند وبعض الدول في الشرق الأوسط وآسيا، غير ملزمة بموجب القانون الدولي بتطبيق مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية.
4- المحكمة الجنائية الدولية لا تملك صلاحية تنفيذية مباشرة، بل هي تنطلق في أداء مهامها من افتراض التعاون الدولي وحرص كل دولة على سمعتها واحترام تعهداتها تجاه المجتمع الدولي.
السؤال الثاني: ما هي الخطوات القانونية المتاحة للشخص الذي صدرت بحقه مذكرة توقيف غيابية عن المحكمة الجنائية الدولية ؟
يمكن للشخص الصادرة بحقه مذكرة توقيف غيابية عن المحكمة الجنائية الدولية أو محاموه القيام بعدة إجراءات لمواجهة مفاعيل هذه المذكرة، وتختلف هذه الإجراءات بناءً على تقييم الفريق القانوني للشخص المعني بواقع الحال:
الخيار الأول:الاستئناف أو الطعن ضد المذكرة.
في حال تم إصدار مذكرة توقيف غيابية، يمكن للمتهم أو وكيله القانوني الطعن في هذه المذكرة أمام المحكمة الجنائية الدولية نفسها. يمكن تقديم طلب لإلغاء أو تعديل المذكرة بناءً على أسباب قانونية مثل التحدي على أساس أن الأدلة غير كافية أو أن التحقيقات لم تكتمل بشكل عادل.
الخيار الثاني:الاختباء أو الهروب.
قد يحاول الشخص المتهم الاختباء أو الهروب من السلطات الدولية. في حال كان لا يزال في بلاده أو في دولة أخرى لا تتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، قد يحاول المتهم أن يبقى في ملاذ آمن لتجنب الاعتقال. وقد يتخذ إجراءات للتمويه أو تغيير مكان إقامته، أو يختبئ في دول لا تعترف بسلطة المحكمة الجنائية الدولية أو لا تلتزم بتسليم المطلوبين.
الخيار الثالث: اللجوء إلى الحصانة.
اذا كان المتهم يشغل منصبًا سياسيًا يمكنه المطالبة بالحصانة أو الحماية بموجب القوانين المحلية أو الدبلوماسية. في مثل هذه الحالات، قد يسعى الشخص إلى تحدي المحكمة على أساس الحصانة من الملاحقة الجنائية، وهو ما قد يعّقد تنفيذ المذكرة، فالدول غير الأعضاء في المحكمة يمكنها أن ترفض تسليم شخص ما للمحكمة الجنائية الدولية بسبب وجود حصانة دبلوماسية أو سياسية، ما يمكن أن يؤدي إلى مقاومة تسليمه.
الخيار الرابع: المطالبة باللجوء السياسي أو الحماية.
يمكن للمتهم أن يسعى للحصول على اللجوء السياسي في دولة أخرى. إذا تم القبض عليه في دولة لا تنتمي إلى المحكمة الجنائية الدولية أو لا تلتزم باتفاقيات التسليم، يمكنه طلب اللجوء السياسي في تلك الدولة. وقد تسعى بعض الدول، خاصة تلك التي لا تعترف بالمحكمة الجنائية الدولية أو ليس لديها اتفاقات تسليم مع المحكمة، إلى حمايته من التوقيف وتسليمه.
الخيار الخامس: المساومة أو التفاوض مع المحكمة الجنائية الدولية.
قد يسعى المتهم أو محاموه إلى التفاوض مع المحكمة الجنائية الدولية، مثل التوصل إلى اتفاق يتم بموجبه تسليم المتهم طواعية أو إتمام المحاكمة بشروط معينة. قد يتضمن ذلك تخفيف التهم أو التفاوض بشأن مدة العقوبة. وفي حالات أخرى، قد يتعاون المتهم مع المحكمة ويوافق على الظهور طواعية لتفادي المزيد من الضغوط الدولية على بلاده.
الخيار السادس: الدفاع عن النفس بهدف إعلان البراءة.
قد يحاول المتهم إثبات براءته عبر تقديم الأدلة والشهادات التي تدحض التهم الموجهة إليه. في هذا السياق، يمكن أن يتخذ المحامون إجراءات قانونية مثل تقديم دفوع أمام المحكمة الجنائية الدولية لإلغاء المذكرة أو الدفاع ضدها بناءً على عدم صحة الأدلة.
الخيار السابع: الضغط على الحكومات لتغيير الموقف.
قد يتبع المتهم أو مؤيدوه استراتيجيات سياسية للضغط على حكومات أخرى للتدخل نيابة عنهم، سواء من خلال الدبلوماسية أو من خلال حملات منظمات حقوق الإنسان أو جماعات الضغط. وفي بعض الأحيان، قد تمارس الحكومات ضغطًا على المحكمة الجنائية الدولية أو الدول الأخرى لتجنب تسليم شخص معين.
السؤال الثالث: ما هي النتائج القانونية التي سيتم التوصل لها في حال قامت الدول الأعضاء في المحكمة بمتابعة الاجراءات بشكل جدي وفعال؟
أولاً: تنفيذ مذكرات التوقيف.
الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية ملتزمة بموجب النظام الأساسي للمحكمة بتعاون مع المحكمة في تنفيذ مذكرات التوقيف الصادرة عنها. إذا تعاونت الدول الأعضاء مع المحكمة، فإن ذلك قد يؤدي إلى القبض على الأفراد المستهدفين بمذكرات التوقيف، مثل بنيامين نتنياهو، يوآف غالانت، ومحمد الضيف، وتسليمهم إلى المحكمة للمثول أمامها.
ثانياً:محاكمة المتهمين.
في حال تم القبض على الأفراد المعنيين، ستبدأ محاكمتهم أمام المحكمة الجنائية الدولية. المحكمة ستُجري تحقيقات مفصلة، وقد يتم تقديم الأدلة والشهادات من كلا الطرفين، سواء المدعى عليهم أو الادعاء، ويُتوقع أن يتم تحديد مسؤولية المتهمين عن الجرائم المرتكبة (مثل جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية).
ثالثاً: الآثار السياسية على العلاقات الدولية.
إذا تم تنفيذ مذكرات التوقيف بنجاح على شخصيات تتمتع بحماية سياسية ودبلوماسية ومدعومة من دول قوية تدعو لعدم التعاون مع المحكمة، فإن ذلك سيؤدي إلى توتر في العلاقات بين المحكمة والدول غير المتعاونة أو المعترضة، مثل إسرائيل أو بعض الدول المؤيدة لها. في المقابل، قد يؤثر ذلك أيضًا على مصداقية المحكمة الجنائية الدولية وقدرتها على فرض سلطتها في المستقبل.
رابعاً: الردود القانونية الممكنة على صدور مذكرات التوقيف.
من الممكن اللجوءإلى استراتيجيات قانونية للدفاع عن الأفراد المعنيين في محاكمها الوطنية أو في محاكم دولية أخرى، وقد ترفع دعاوى ضد الإجراءات القانونية للمحكمة الجنائية الدولية.
خامساً: الحصول على العدالة الدولية والتأثير على المجتمع الدولي.
في حال النجاح فرض الإجراءات القانونية من قبل الدول الأعضاء والتي تستتبع صدور مذكرات التوقيف، فإن ذلك قد يساهم في تعزيز ثقافة المساءلة والعدالة الدولية، ويؤكد على أهمية محاسبة الأفراد الذين يرتكبون الجرائم الدولية المصنفة كجرائم حرب ماسة بالانسانية. كما قد يساهم ذلك في تعزيز دور المحكمة الجنائية الدولية كهيئة قضائية محايدة في تسوية القضايا الدولية.
سادساً: آثار تنفيذ الإجراءات القانونية بشكل فعال.
سيكون المجتمع الدولي أمام محاكمة علنية للمتهمين، حيث يتم تقديم الأدلة والشهادات، مما يعزز المصداقية القانونية، مما ينعكس مزيداً من المساءلة الدولية التي من شأنها أن تتسبب بضغوط على الدول الأخرى التي تنتهك قوانين الحرب أو حقوق الإنسان، مما يعزز احترام القانون الدولي. كما أن تنفيذ الاجراءات القانونية من قبل الدول الأعضاء سيسهم في تشجيع الدول الأعضاء على التعاون مما يؤدي إلى مواجهة الهيمنة وتعزيز فعالية المحكمة.
السؤال الرابع: ما هي النتائج السياسية التي سيتم التوصل لها في حال قامت الدول الأعضاء في المحكمة بمتابعة الاجراءات بشكل جدي وفعال؟
أولاً: الضغط الدولي على الدولة المتورطة
ان إصدار مذكرات التوقيف غيابية يمكن أن يؤدي إلى زيادة الضغط الدولي على الدول التي قد توفر ملاذًا للمتهمين. قد تضطر هذه الدول إلى التعامل مع التزاماتها القانونية الدولية بموجب ميثاق المحكمة والتعاون معها بما في ذلك مسألة تسليم المطلوبين.
ثانياً:الاعتراف بالجريمة في الساحة الدولية
ان إصدار مذكرة توقيف غيابية يعكس اعترافًا دوليًا بأن الشخص المعني قد ارتكب جرائم خطيرة تستدعي المساءلة القانونية. قد يُعدّ هذا بمثابة إدانة غير رسمية في الساحة الدولية، حيث أن المجتمع الدولي قد يتعامل مع المتهمين على أنهم مجرمون حتى قبل محاكمتهم.
ثالثاً:تقويض شرعية الشخص المتهم.
حين تصدر المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف بحق شخص، فإن ذلك قد يؤدي إلى تآكل شرعيته في أعين المجتمع الدولي، حتى إذا كان لا يزال في موقع قوة سياسيًا أو عسكريًا في بلاده. يمكن أن تضر هذه المذكرات بمصداقيته وسمعته الدولية.
رابعاً:التأثير على العلاقات الدولية.
ان إصدار مذكرة توقيف غيابية قد يكون سببًا لتدهور العلاقات الدولية بين الدول. فالدول التي لا تتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية في القبض على المشتبه بهم قد تواجه انتقادات دولية أو عقوبات من قبل الأمم المتحدة أو منظمات حقوق الإنسان الدولية.
خامساً:إثارة قضايا قانونية بشأن الحصانة.
ان موضوع الحصانة الدبلوماسية أو الحصانة الممنوحة لبعض الشخصيات السياسية قد تكون عقبة في تنفيذ مذكرات التوقيف. في بعض الأحيان، يعترض المسؤولون على تسليمهم بحجة أنهم يتمتعون بحصانة، ما يثير قضايا قانونية معقّدة حول المسؤولية الجنائية والامتثال للإلتزامات الدولية نتيجة الضغوط السياسية التي تضر باستقلالية عمل المحكمة.
سادسًا:بدء تحقيق العدالة للضحايا.
ان إصدار مذكرة توقيف غيابية يمثل خطوة نحو تحقيق العدالة للضحايا الذين تأثروا بالجرائم المرتكبة. حتى في غياب الشخص المتهم، تظل المحكمة الجنائية الدولية تشدد على أن العدالة يجب أن تتحقق، وأن القانون الدولي يجب أن يُطبّق على الجميع بغض النظر عن مناصبهم أو سلطاتهم.
السؤال الخامس: عرض لحالات تم فيها تجاهل مذكرات التوقيف الغيابية الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية سابقاً.
منذ انطلاق عمل المحكمة الجنائية الدولية جرى تسجيل حالات عدة معروفة تم فيها تجاهل مذكرات التوقيف الغيابية الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية حيث رفض المتهمون أو الدول المعنية التعاون مع المحكمة. واستمر المتهمون في ممارسة نفوذهم السياسي أو العسكري دون أن يتم القبض عليهم، بسبب عدة عوامل مثل الدعم السياسي الداخلي أو الحماية من دول أخرى لا تعترف بالسلطة القضائية للمحكمة الجنائية الدولية.
الحالة الأولى: عمر البشير (السودان)
أصدر مجلس الأمن الدولي مذكرتي توقيف غيابيتين بحق عمر البشير، الرئيس السوداني السابق، في 2009 و2010، بتهم تتعلق بالإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب في دارفور. على الرغم من صدور المذكرات، ظل عمر البشير في السلطة حتى عام 2019، ولم يتم تسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية. وكان يتمتع بدعم سياسي داخلي قوي، حيث كان يشغل منصب الرئيس في السودان، بالإضافة إلى أنه حظي بدعم من بعض الدول مثل الصين وروسيا. ان العديد من الدول التي أصدرت مذكرات توقيف ضد البشير لم تتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية في تنفيذ المذكرة، ورفضت تسليمه. رغم ان البشير سافر إلى دول مثل جنوب إفريقيا و تشاد، التي لم تنفذ مذكرات التوقيف رغم كونها أعضاء في المحكمة الجنائية الدولية.
الحالة الثانية:الجنرال خليفة حفتر (ليبيا)
عام 2017، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف غيابية بحق خليفة حفتر القائد العسكري الليبي، بسبب اتهامات بارتكاب جرائم حرب أفضت الى انتهاكات لحقوق الإنسان خلال النزاع الليبي. على الرغم من صدور المذكرة، لم يتم القبض على حفتر، وكان له دعم داخلي وخارجي قوي من دول مثل مصر والإمارات العربية المتحدة. حفتر استمر في السيطرة على مناطق واسعة في ليبيا دون أن تتخذ أي دولة خطوات حاسمة لتسليمه.
السؤال السادس: ما هي أسباب رفض الولايات المتحدة الأميركية دعم نظام المحكمة الجنائية الدولية ؟
إدارة الرئيس الأميركي بيل كلينتون، التي كانت قد وقعت على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في العام 2000، ألا أن إدارة جورج بوش الابن (2001-2009) ألغت التوقيع الأمريكي على اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية في العام 2002. هذا القرار جاء على خلفية التوجهات السياسة الجديدة للإدارة التي كانت تركز على تعزيز السلطة التنفيذية للولايات المتحدة، بالإضافة إلى الحفاظ على الاستقلالية العسكرية والسياسية، في ظل الحروب التي كانت تخوضها في العراق وأفغانستان. كذلك فإنّ بعض حلفاء الولايات المتحدة، مثل الكيان المغتضب لأرض فلسطين “إسرائيل”، كانوا يعارضون أيضًا اقامة المحكمة الجنائية الدولية خوفاً من أن يتم استهداف قيادتها العسكرية بسبب تصرّفاتها في قضية النزاع العربي-الصهيوني والتنكيل الذي كان يتعرض له الشعب المقاوم في فلسطين.
من الحجج التي ساقتها الولايات المتحدة لرفض الانضمام النهائي:
1- وجوب صون السيادة الوطنية وهي لا تريد تقييد قدرتها في اتخاذ قرارات تتعلق بالسياسة الخارجية.
2- الخشية من استخدام المحكمة لسلطتها ضد مصالح الولايات المتحدة لا سيّما ضدّ القوات المسلحة الأميركية في مناطق النزاعات والحروب والمسؤولين الحكوميين الذين أصدروا القرارات أو التعليمات للسلطات العسكرية.
3- القلق من إمكانية تعرض الأفراد الأمريكيين للمقاضاة بسبب تصرفات صادرة عن جهات عسكرية أو دبلوماسية.
4- الادعاء أن النظام القضائي الأميركي هو نظام داخلي متطور قادر على محاكمة المرتكبين وتحقيق العدالة.
5- الخشية من تقويض المحكمة للنظام الدولي القائم والرغبة بالاحتفاظ على القدرة في التأثير في القضايا الدولية من خلال مجلس الأمن الدولي.
مصادر ومراجع:
– المحكمة الجنائية الدولية: دراسات في القانون الدولي الجنائي – الدكتور عبد الله يوسف – دار الكتاب الجامعي – الامارات العربية المتحدة.
– دور المحكمة الجنائية الدولية في مكافحة الافلات من العقاب – الدكتور سعيد عبد الله – دار الثقافة – القاهرة.
– المحكمة الجنائية الدولية: نشأتها وآليات عملها – الدكتور أحمد أبو زيد – دار الشروق – القاهرة.
“محكمة” – الجمعة في 2024/11/22