المحكمة الدولية “تبيع” اللبنانيين مستندات مستهلكة إعلامياً/علي الموسوي
كتب علي الموسوي:
لا يكفي أن تذكر رئيسة المحكمة الخاصة بلبنان التشيكية القاضية إيفانا هردليشكوفا أعداد المستندات التي بلغتها المحكمة الإبتدائية خلال المحاكمات المستمرّة في جريمة 14 شباط 2005، بل يفترض بها، وهذا عملها الرئيسي، أن تخبر اللبنانيين مآل النتائج الملموسة التي وصلت إليها، بعد ثلاث سنوات من الجلسات، وما إذا كانت تؤدّي إلى الحقيقة المتوخّاة، أم أنّها تسير في طريق مقفل يتيح إطالة أمد المحاكمات، وبالتالي استهلاك المزيد من المال، واستنزاف اللبنانيين وخزينة الدولة المُنْهكة أساساً.
فما يعني اللبنانيين ليست أعداد المستندات والبلاغات وإفادات الشهود، حتّى ولو بلغت أرتالاً وجبالاً، وإنّما فحواها، فلربّما مستند واحد يغني عن سرْب من الوثائق، فهم تابعوا مجريات المحاكمات المملّة بأغلبيتها، ولم يعثروا على نقطة مضيئة تعطي أملاً بإمكانية الوصول إلى الخاتمة المنتظرة، بمعرفة القاتل ومعاقبته على فعلته الكارثية باغتيال الرئيس رفيق الحريري.
وبات معلوماً أنّه بمجرّد حلول فصل الخريف وتحديداً شهر تشرين الأوّل من كلّ عام، فإنّ المحكمة برئيسها ونائبه، تجول على السياسيين اللبنانيين، وتعقد لقاءات هنا وهناك بغية إقناعهم بضرورة السعي إلى تأمين المال المُلْزَم لبنان بدفعه من جيبه الخاص ، والبالغ 49% من ميزانية المحكمة، وهو أمر حتمي لا مفرّ منه، وإلاّ فإنّ سمعة لبنان الخارجية معرّضة لمخاطر التشويه، باعتبار أنّ سمعته الداخلية ناصعة البياض على مستوى الملفّات المهمّة من عدم انتخاب رئيس للجمهورية، وتمديد قسْري لمجلس نيابي معطّل، وحكومة قادرة على الشلل وغير منتجة في إيجاد حلّ جذري لقطاعات تفيد مواطنيها مثل النفايات والكهرباء والماء وربّما في المستقبل، إنقطاع الهواء.
ثمّ أنّه ليس مستحسناً أن تُعرض مسيرة رئيسة المحكمة في كلّ مرة، وعند كلّ محطّة، وفي كلّ مؤتمر صحافي، من أجل أن تلْقى استحسان الرأي العام، فهذه اللعبة الإعلامية خاسرة، ذلك أنّ الناس تنتظر نتائج ملموسة ومقنعة، وليس استعراضاً تاريخياً يهمّ صاحبه أكثر من الشعب اللبناني، ولم يعد مهمّاً أن تكون رئيسة المحكمة أهمّ قاض في العالم، في ظلّ النكسات التي تصيب المحكمة في كلّ حين، وفي ظلّ الفشل الذريع للإدعاء تحت وطأة ضربات فريق الدفاع وأسئلتهم المحرجة لشهود لا يعوّل على أيّ منهم في كشف اللثام عمّا حصل في ذلك اليوم المشؤوم من تاريخ لبنان.
لقد قالت رئيسة المحكمة في مؤتمرها الصحافي في 28 تشرين الأوّل 2015، “نحن المحكمة الوحيدة التي تعمل بلغات ثلاث: الانكليزية، والعربية، والفرنسية”، وهذا أمر جميل ورائع وفيه الكثير من الإبداع النظري، ولكنّها لا تدري أنّ هذا الوضع لا يشكّل إهتماماً كبيراً لأهل القانون في لبنان، وليس لعامة الشعب وحسب، ذلك أنّ هناك شريحة لا بأس بها من المحامين والقضاة إستبدلوا مرافعاتهم الجزائية على أهمّيتها، بكلمات عامية قليلة كمن يودّ التخلّص من حمْل ثقيل يقضّ مضجعه، أو بمذكّرات خطّية” بمثابة دفاع شفهي” ليس لها ذلك الرنين الجذّاب للمرافعات الشفهية، بينما يفترض بهم إسماع مرافعاتهم إلى العالم كلّه صوناً لحقّ موكّليهم بالنسبة إلى المحامين، وللحقّ العام المؤتمنين عليه بالنسبة إلى ممثّلي النيابات العامة، وحفاظاً على هيبة الرسالة التي يؤدّيها كلّ واحد منهم من وجهة نظره.
إشارة أخيرة، أنّه يتوجّب على القاضي رالف رياشي أن يخبر رئيسته زميلته التشيكية أنّ اللبنانيين ملّوا من الكلام الفضفاض، وأنّ بضاعة المستندات الكاسدة لا تطعم خبزاً، وليس بالضرورة أنّها قد تفضي إلى معرفة قتلة الرئيس رفيق الحريري، لذلك فلتعمل هذه المحكمة المتهمة بأنّها مسيّسة دولياً، على إزالة آثار هذا الإتهام عن تصرّفاتها لاكتساب شرعية شعبية لبنانية، ولتكفّ عن التلاعب بمصير هذا الوطن الصغير واستنزاف أمواله الضئيلة وزيادة التوتّر الطائفي والمذهبي المنتشر فيه، رحمةً بساكنيه، وبما تبقّى فيه من جمال وإنسان.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 8 – حزيران 2016).