المحكمة الدولية تصرف أموال اللبنانيين بلا طائل.. فمن يحاسبها؟/علي الموسوي
كتب علي الموسوي:
يواصل لبنان دفع حصّته من الموازنة السنوية للمحكمة الخاصة بلبنان من دون أن تُعرف كيفية صرف هذه الأموال، فالمحكمة تنفق الكثير من أموال اللبنانيين من دون تقديم كشف حساب مفصّل بكيفية حصول عملية الصرف والتي لو دُفعت على تحسين قصور العدل والمحاكم اللبنانية لصارت لدينا مبان هامة كبيوت راقية للعدالة، وهي اليوم بمعظمها تعاني من الإهمال كقصور العدل في بعبدا وبعلبك وزحلة.
ولا تملك الدولة اللبنانية حقّ مساءلة هذه المحكمة والمسؤولين فيها عن كيفية إنفاق موازنتها السنوية، وعلى الأقلّ حصّة لبنان البالغة 49%، لأنّ السلطة في ذلك تعود للأمم المتحدة الحريصة جدّاً على “تنعّم” شعوب العالم بالعدالة والحرّيّة!.
ويعاني قصر عدل بيروت، وهو الأكبر والأضخم بين قصور العدل في لبنان، شحّاً في المياه، وهو العائم أساساً على مجرى نهر بيروت والذي تسبّب فيضانُه في فصل الشتاء على جاري عادته في فصل الأمطار الغزيرة، بإعادة ترميم وتأهيل هذا القصر المبني منذ ستينيات القرن العشرين، ولا توجد الأموال اللازمة لتأمين المياه إلى المراحيض والحمّامات ودورات المياه، على ندرتها، ممّا اضطرّ بعض القضاة ومساعديهم من الموظّفين إلى وضع خزّانات على السطوح وتعبئتها بالمياه المنقولة عبر الصهاريج، كما حصل في دائرة التحقيق في بيروت ودفع قيمتها من جيوبهم الخاصة، فيما تعيش المحكمة الخاصة بلبنان من أموال اللبنانيين، وهي ليست أحقّ من قضاة لبنان ومن اللبنانيين أنفسهم بهذا النعيم، ومع ذلك لا يأتي مسؤولو هذه المحكمة إلى لبنان إلاّ للتذكير بالمساهمة المالية، متناسين أنّ هناك لبنانيين لا يملكون ثمن ربطة خبز، وأنّ بعضهم يضطرّ إلى ارتكاب المخالفات وربّما الموبقات، لكي يبقى على قيد الحياة.
وعلى الرغم من مرور ثماني سنوات على بدء المحكمة الخاصة بلبنان عملها، إلاّ أنّها لغاية اليوم لم تحقّق المطلوب منها بكشف القتلة الفعليين لجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري والتي لا تزال في طور المحاكمات لدى المحكمة الابتدائية، قبل أن تصل إلى الغرفة الاستئنافية، ممّا يعني أنّ المشوار طويل، وبالتالي إستنزاف المزيد من أموال اللبنانيين، من دون أن ننسى حجّة التلازم بين جريمة 14 شباط 2005 وجريمتي محاولة اغتيال الوزير والنائب مروان حمادة، والوزير السابق إلياس المرّ، وجريمة اغتيال المناضل اليساري جورج حاوي، وإذا ما تحقّقت ذريعة التلازم، فإنّ أمد المحاكمات طويل، وأمد الإنفاق المالي أكثر إرهاقاً للمواطنين اللبنانيين.
ومن النادر جدّاً أن نرى لبنانيين يتابعون مجريات المحاكمة في لاهاي في هولندا، ويهتمّون بها، وذلك بسبب افتقادها إلى عناصر التشويق والثقة والنتيجة المرتقبة، فجميع اللبنانيين منصرفون إلى تأمين قوتهم اليومي ولقمة عيش عوائلهم، ويتطلّعون إلى مستقبل أفضل لأنفسهم وللأجيال المقبلة، وقد أثبتت الشوائب التي تعتري عمل هذه المحكمة أنّها ليست أفضل حالاً من القضاء المحلّي على الرغم من محاولاتها الحثيثة لتصوير نفسها على أنّها بريئة من أفعال “الماكرين” في لجنة التحقيق الدولية، وأنّ نظامها المطرّز بروية على نسق غير مسبوق في كلّ المحاكم الدولية القائمة والمنتهية الصلاحية، هو الأفضل والأفعل على صعيد القانون في العالم كلّه، وهذا الأمر ليس صحيحاً على الإطلاق، فثمّة ثغرات قانونية فاضحة تؤكّد بأنّ بعض المواد إنّما وجدت بنَفَسٍ سياسي بحت.
رحم الله الرئيس رفيق الحريري، فخسارته كبيرة للوطن برمّته سواء أكان لمحبّيه ومناصريه أو لمعارضيه في السياسة، لأنّ من يعمل قد يخطئ، وليس في ذلك أيّ عيب على الإطلاق، وهو جدّ واجتهد وأخطأ وأصاب، مثل أيّ رجل دولة حقيقي يعمل لمصلحة وطنه، ولكن لا يجوز أن يموت شعب بكامله وهو يرى دولته تصرف أمواله من أجل محكمة لن تقدّم شيئاً ولن تغيّر شيئاً في المعادلة اللبنانية سوى إرهاق هذا البلد الصغير بالديون والمزيد من العجز والترهّل الإقتصادي والإجتماعي والمعيشي والحياتي.
هذه حقيقة مريرة، وكفانا اختباء خلف أصابعنا، ولتُصْرفْ أموالنا على استنهاض قضائنا الوطني الذي لا يقلّ شأناً من حيث الرجالاتُ الموجودة فيه، عن أيّ قضاء عربي أو غربي.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 14- شباط 2017)