المحكمة الدولية من أوجه الفساد اللبناني/علي الموسوي
كتب علي الموسوي:
أظهرت نتائج الانتخابات النيابية أنّ بعض الشعارات التي رفعها مرشّحون ومسؤولون مستنفدة شعبياً ورثّة وبالية ومتهالكة أكثر ممّا هي مستهلكة إلى درجة زوال مفعولها وأثرها الإيجابي على حشد الجماهير واللعب على العواطف والوتر الطائفي والمذهبي، ولو جرى استبدالها بشعارات أخرى لحقّقوا ما كانوا يحلمون به ويطمحون إليه من زيادة “غلّة” المقاعد النيابية.
وليس في هذا الكلام أيّ تحامل على أيّ شخصية ترشّحت سواء فازت أو خسرت، فما أفرزته صناديق الاقتراع من نتائج يؤكّد وجهة النظر هذه، والدليل كمّية الأصوات التفضيلية التي جُيّرت لها ونالتها وكانت أقلّ من المتوقّع والمنتظر والمتصوّر.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، لم يتوان رئيس مجلس الوزراء سعد الدين رفيق الحريري وبقيّة مكوّنات تيّاره السياسي طوال الجولاته والصولات على المناطق لشحذ الهمم وشدّ العصب، على التذكير باغتيال الرئيس رفيق الحريري وبالمحكمة الدولية التي أُنشئت خصّيصاً له باسم”المحكمة الخاصة بلبنان” على الرغم من أنّ هذه المحكمة لم تثمر إلاّ سلباً لأموال اللبنانيين، في وقت لا يجد لبنانيون كثر ثمن قوتهم اليومي، وثمن لقمة خبزهم بعرق الجبين، ولا يعثرون على وظيفة ترفع عن كواهلهم سطوة البطالة.
ومنذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري في ذلك اليوم المشؤوم في 14 شباط 2005، لم يقدّم نجله ولا تيّاره ما يلبّي طموحات الناس على مختلف الأراضي اللبنانية سواء أكانوا من الطائفة السنّية أو بقيّة الطوائف، وبالتالي لم يكن من مصلحته الثبات على تذكيرهم بمحكمة تأخذ أموالهم، فيما هم يرزحون تحت الفقر، وباتوا يعتقدون بشكل حازم وجازم بأنّ هذه المحكمة هي واحدة من علامات الفساد في لبنان حتّى ولو لم تكن موجودة على الأرض اللبنانية، ولكنّ الدولة اللبنانية تساهم بنسبة 49% من ميزانتها الكبيرة والبالغة ملايين الدولارات، وهي أموال الشعب اللبناني بمختلف أطيافه وطوائفه.
وقد نال الرئيس الحريري 20751 صوتاً تفضيلياً ليحلّ في المرتبة الأولى بين السُنّة الفائزين الستّة في دائرة بيروت الثانية سواء من كان منهم على لائحته أو كان ضمن لائحة أخرى. فالرئيس تمام سلام نال 9599 صوتاً، ورولا الطبش 6637، ونهاد المشنوق 6411، وحاز منافساه في الشارع البيروتي عدنان طرابلسي 13018، وفؤاد مخزومي 11346، بينما تفوّق عليهم جميعاً مرشّح حزب الله عن المقعد الشيعي أمين شري الذي جمع 22961 صوتاً.
ولا بدّ من القول إنّ من خاطبهم الرئيس الحريري يعيشون بأغلبيتهم، تحت خطّ الفقر، أسوة بإخوتهم اللبنانيين من بقية الطوائف والانتماءات السياسية والحزبية، فيما يجدون الدولة، أي دولتهم المؤتمنة عليهم، تغدق المال على المحكمة الدولية التي تستعمل كوسيلة ضغط في الساحة اللبنانية بإيعاز دولي وإقليمي يحرّكها بحسب الأهواء والمشتهى، فأنّى لهذا المشبع بكلام سوريالي عن أهمّية هذه المحكمة أن يقتنع بها وهو يحتاج في الأصل إلى ما يعزّز كرامته على هذه الأرض بتأمين المعيشة اللائقة به والحياة السهلة لإكمال عمره قبل الرحيل؟ وماذا قدّمت المحكمة للعدالة المنتظرة سوى جلسات مطوّلة عن سابق إصرار وتصميم من أجل استنفاد المزيد من أموال اللبنانيين؟
ومتى تكفّ المحكمة الخاصة بلبنان عن صرف أموال اللبنانيين على رحلات صحفية لا تجدي نفعاً ويمكن تعويضها ببيانات غير مكلفة، خصوصاً وأنّ معظم وسائل الإعلام اللبنانية لا تتردّد في نشر كلّ ما يعني المحكمة ويصدر عنها من دون التدقيق فيها ولو من باب “الكيدية السياسية” ليس إلاّ؟
وتصرف هذه المحكمة أموال اللبنانيين، في وقت لا يجد هؤلاء اللبنانيون مرحاضاً واحداً في قصور العدل يسعفهم في لحظات انتظار جلساتهم، وهذا مثال صغير ولكنّه كبير بمدلولاته. كما أنّه لا توجد قصور عدل في لبنان تليق بالعدل وبأهله وبالمتقاضين، والدليل عدلية بعبدا، وبعلبك، وزحلة، ولا يوجد قصر عدل في محافظة عكّار التي توالي بأغلبيتها، الحريري سياسياً.
كما أنّ من تسنّى له متابعة جلسات المحاكمة وعرض العضلات الكلامية للمدعي العام شهد تخبّطاً لدى فريق عمل هذا الأخير على حساب كرامات اللبنانيين وأموالهم، فمن باب الإنتفاع، جرى ضمّ محقّقين أوروبيين إلى مكتب المدعي العام وتسليمهم مهاماً مختلفة كلّياً عن وظيفتهم الرئيسية في شرطة بلادهم ولا يملكون أيّة خبرة فيها، وهذا ما كشفته عمليات استجوابهم العلنية أمام الغرفة الإبتدائية في المحكمة المذكورة حيث اعترفوا بأنّ الفترة التي أمضوها في مكتب المدعي العام لم تكن كافية لإظهار نتائج مجدية لما قاموا به من أعمال.
ومن الطبيعي أنّ هؤلاء قبضوا رواتب خيالية، فيما هم لم يقدّموا عملاً نافعاً يفيد التحقيق، فكيف تريد من اللبنانيين أن يقفوا متفرّجين وهم يرون من يأخذ أموالهم وقد ملّوا خطابات الترهّل عن أهمّية هذه المحكمة؟
وكيف يمكن لسياسي عاقل أن يخطب ودّ جمهوره ببضاعة كاسدة؟ وكيف يمكن إقناع عاقل بما هو مستهلك ولا يجدي نفعاً؟ وكيف بمقدور اللبناني الذي يتنفّس روائح النفايات القاتلة يومياً أن يقتنع بحديث عن هذه المحكمة التي تسلبه حياة كريمة وهي محكمة باتت علامة للفساد بمجرّد إمعانها في اقتناص أموال اللبنانيين؟ وكيف بإمكان اللبناني أن ينتصر لهذه المحكمة التي تأخذ ماله وهو يعيش بلا ماء وكهرباء وبلا طبابة واستشفاء؟
لقد فقد اللبنانيون ثقتهم بهذه المحكمة وبقضاتها اللبنانيين منهم والأجانب على حدّ سواء بعدما لمسوا عن كثب أنّها صنيعة أمم لا تريد الخير لوطنهم، فاتهاماتها المتنقّلة بحسب الأهواء السياسية نزعت عنها مصداقية الاستمرار بوتيرة فعّالة وعالية، وبالتالي فإنّ تردادها على الألسن وفي الخطابات لا يُطْعم خبزاً ولا يحقّق انتصارات سياسية ولا نيابية.
وباختصار كلّي صارت المحكمة الخاصة بلبنان، أو بالرئيس رفيق الحريري، بضاعة كاسدة من فئة المهاترات ولن تلبّي الطموحات لا اليوم ولا غداً، وهذا ما أثبتته مسيرتها الحافلة بالأخطاء، وخصوصاً إذا ما جرى إسقاطها على الساحة اللبنانية بالمعنى السياسي للكلمة.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 30 – حزيران 2018- السنة الثالثة)